بازگشت

الفوز العظيم


و أود أن أقف قليلا عند هذه الكلمة (... الفوز العظيم)، فهو مصطلح محدد في كتاب الله و الذي يتتبع مواضع استعمال هذه الكلمة في القرآن يجد أنها تستعمل في موارد متقاربة مفهوما و مترابطة أو متحدة مصداقا، فالجنة من الفوز العظيم (لكن الرسول و الذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم و أنفسهم و أولئك لهم الخيرات و أولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها


ذلك الفوز العظيم). [1] و المبايعة مع الله من الفوز العظيم: (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم). [2] .

و طاعة الله و طاعة رسوله (ولاية الله) من الفوز العظيم: (... و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما). [3] .

و رضوان الله و تبادل الرضا بين العبد و ربه من الفوز العظيم: (... رضي الله عنهم و رضوا عنه ذلك الفوز العظيم). [4] .

ويطلق علي الجنة و رضوان الله معا: (وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و مساكن طيبة في جنات عدن و رضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم). [5] .

و يطلق علي المغفرة و الرحمة الالهية، و الوقاية من السيئات: (وقهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم). [6] .

و اجمال هذه المعاني: الرحمة و المغفرة الالهية و رضوان الله و طاعة الله و رسوله (ولاية الله و الجنة).

و هذه النقاط كما هي واضحة تعتبر بمجموعها المحور الثاني الذي تحدثنا عنه في هذه التأملات في مسيرة الانسان الي الله و الذي يقابل محور (الأنا) و (الذات).


و عليه فان الثمن في هذه الآية الكريمة من جنس المبيع و هو (الفوز العظيم) و ليس من نوع آخر كما في سائر البيوع، حيث يختلف المبيع عن الثمن و هذه من لطائف و رقاق القرآن في هذه الآية الكريمة.

فالفوز العظيم في الحقيقة هو التجرد من محور الأنا و الارتباط بمحور ولاية الله، و الخروج من دائرة نفوذ سلطان الأنا و الدخول في دائرة ولاية الله و طاعته و رحمته و مغفرته.

و هذا هو الفوز العظيم - في رحلة الانسان الكبري الي الله - في الدنيا و في الآخرة، و هو يشمل الانسان في الآخرة كما يناله في الدنيا علي نحو سواء.

و المتأمل في هذه الآية المباركة: (الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشري في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) [7] يجد أن الفوز العظيم هو تحرر الانسان و انطلاقه من أسر (الأنا) و الشهوات و ارتباطه بالله تعالي، و هو لا يخص الآخرة و انما يشمل الانسان في الدنيا و الآخرة.

فان الجنة هي الفوز العظيم، و هي مآل الفائزين برحمة الله و المنزل الذي أعده الله تعالي لهم في الآخرة، فالفوز العظيم اذن هو مبايعة الله تعالي و تسليم الأنفس و الأموال له و هو في نفس الوقت ثمن هذا البيع. [8] .


پاورقي

[1] التوبة / 89 - 88.

[2] التوبة / 111.

[3] الاحزاب / 71.

[4] المائدة / 119.

[5] التوبة / 72.

[6] المؤمن / 9.

[7] يونس / 64 - 63.

[8] لست اريد أن أقول ان الجنة هي مبايعة الله تعالي و تسليم الأنفس و الأموال لله، و انما اريد ان أقول: ان المبايعة لله هي الفوز العظيم فيتحد البيع و الثمن؛ و الجنة هي الدار التي أعدها الله تعالي في الآخرة للفائزين الصالحين من عباده.