بازگشت

دم الشهيد يحسم الخلاف و يقطع التردد


و دم الشهيد يقطع طريق العودة علي المهزومين سياسيا و فكريا، انه أداة الحسم في القضية الاسلامية فكريا و سياسيا و عسكريا، و قبل أن يصبغ الشهداء ساحة المواجهة بدمائهم، تتوفر الفرص بشكل واسع دائما للصلح و التفاهم مع الكفر، و النزول عن المبادي ء و الحلول النصفية لترضية أئمة الكفر.


أما عندما يراق دم الشهداء في الساحة فان الأمر يختلف تماما، و تنقطع الجسور بين هاتين الجبهتين، و تبقي المبادي ء هي سيدة الموقف.

و المجتمع الاسلامي لا يخلوا - علي كل حال - من حالات و لحظات ضعف تدفع المجتمع غالبا باتجاه الترضية و التفاهم، و تجنب المواجهة ايثارا للعافية و الاستقرار، و تحت غطاء من التبريرات الشرعية و السياسية، و لو لا دم الشهيد لكان هذا الاتجاه هو الاتجاه السائد و الغالب، الا أن دم الشهيد يستلم الموقف السياسي و العسكري دائما بالحسم الثوري، و يشكل في المجتمع الاسلامي بؤرة القوة و الثورة في مقابل بؤرة الضعف التي أشرنا لها.

و لا نذهب بعيدا في أعماق التاريخ، فالثورة الاسلامية المعاصرة في ايران بمعطياتها الثورية و السياسية في متناول أيدينا، و لم تغب عنا أحداثها بعد، لقد كانت قيادة الامام الخميني رضي الله عنه حاسمة منذ المراحل الاولي للثورة، و كانت هذه القيادة تتجه من الأول باتجاه اسقاط النظام - مرة واحدة - و اقامة الحكم الاسلامي و بصورة قاطعة، ولكن المساحة الواسعة من الامة لم تكن بهذا المستوي من التفكير الثوري، و كانت هناك قطاعات كبيرة من الامة تميل الي التفاهم مع النطام، للمحافظة علي النظام و الاسلام معا بقدر الامكان، و تجميع النظام القائم و الاسلام (في الحد الأدني) و كانوا يعتقدون بضرورة ايقاف الثورة عندما يتحقق الحد الأدني من المصلحة للاسلام.

و بدأ (الشاه) في اخريات أيامه يميل الي هذا الرأي، و يعتقد بضرورة تقديم تنازلات شكلية و مؤقتة للثورة، للابقاء علي عرشة ريثما تتم له فرصة الانقضاض من جديد علي الاسلام، و لو كان يحدث شي ء من هذا القبيل لحلت بالاسلام كارثة، يصعب علينا تقدير سلبياتها و أضرارها الآن.

و قد كان لدماء الشهداء رضوان الله عليهم دور حاسم و مصيري في هذه


المرحلة من حياة الثورة، قطعت الطريق علي الحلول النصفية الضعيفة، و قطعت جسور التفاهم مع النظام، و صادرت كل الحلول المطروحة للترضية و التفاهم.

و كلما كان يكثر عدد الشهداء في الساحة كانت ترتفع درجة مقاومة الثورة و قدرتها علي المضي و الاستمرار، و كانت الفجوة بين الجبهتين تتسع أكثر من ذي قبل، و تقل فرص اللقاء و التفاهم الذي كان الجناح الوطني لا يخفي رغبته اليه، حتي بلغ الأمر حدا لم يكن من الممكن اللقاء و التفاهم مع الشاه، علي كل المستويات الاجتماعية المواكبة للثورة، و انقطعت الجسور بصورة نهائية، و لم يعد لأحد أمل معقول من الناحية السياسية، في امكانية الابقاء علي الشاه، حتي السفير الأمريكي في طهران، فقد كان يراسل حكومته ليؤكد لهم أن فكرة المحافظة علي الشاه في الظروف الموجودة في ايران لم يعد الا وهما سياسيا و سرابا خادعا... و من الأفضل لأمريكا أن تعيد النظر في حساباتها السياسية تجاه قضية ايران، لتفكر تفكيرا واقعيا ينسجم مع الواقع الاسلامي القائم في ايران.

و بالتأكيد كان لدم الشهداء الدور الكبير البارز و الفاعل في الحسم السياسي في هذه المرحلة الحساسة و المصيرية من التأريخ، الي جانب الموقف التأريخي الحاسم الجري ء الذي كان يمتلكه الامام في مواجهة الأحداث.

و ليس هذا فقط، بل كان لدم الشهداء رضوان الله عليهم في ساحة المواجهة دور في قطع طريق العودة علي أمريكا و حلفائها الي ايران من خلال المؤامرات العسكرية و الالتفافات السياسية، لقد كان من الممكن أن تفكر امريكا - بعد أن فقدت الأمل في المحافظة علي الشاه - في مؤامرة عسكرية من خلال العناصر الموالية لها من العسكر، لكن التضحيات الكبيرة التي قدمتها الامة في مواجهة النظام، بقيادة الامام قطعت الطريق عليهم أيضا، فلم يكن من الممكن أن تسكت الامة - بعد تلك التضحيات و الدماء المباركة - عن بديل أمريكي آخر،


مقنع بقناع جديد من الديمقراطية و الوطنية و الدين، من خلال حركة العسكر أو حركة السياسيين القدامي.

لقد منحت دماء الشهداء في (ساحة الشهداء) في طهران و في سائر سوح المواجهة هذه الامة الوعي و الذكاء السياسيين و الحذر من لعبة تبديل الأقنعة و الوجوه و قوة الحسم في الموقف.

و هذه جميعا و غيرها هي الأدوات التي يضمن الله تعالي بها قضية دم الشهيد و التي تساهم - باذن الله - في انجاح رسالة الشهيد. فدم الشهيد اذن يقود المسيرة الحضارية باتجاه المواقف القوية و الحاسمة، و يفتح مغاليق القلوب المعتمة و المنغلقة، و يفجر الطاقات الكامنة في أعماق النفوس، و يهب النفوس البليدة و الضعيفة ذكاء و وعيا و قوة... و لا شك أن هذه النقاط المضيئة في دم الشهيد جميعا مواضع يهبط عليها نصر الله تعالي و تأييده.