بازگشت

الطاقة الحركية لدم الشهيد


للدم قابلية كبيرة في تحريك الضمائر الخاملة، و لا تهتز الضمائر الميتة و الخاملة لأمر كما تهتز للتضحية و الدم.

ان التضحية توقظ العقول، و تنبه الضمائر، و تحرك النفوس، و تهز الانسان من الأعماق، و تبعث فيه الحياة، و تفتح مغاليق القلوب؛ و تشرح الصدور، و تفجر كل الطاقات الخيرة الكامنة في نفس الانسان، و تقتلع الانسان من مستنقع الحياة


الراكد، و تدفعه الي قمم الحياة العليا، و تمزق حجب التعلق بالدنيا من علي عينيه، و سمعه، و فؤاده، ليفتح أمامه آفاق الحياة الواسعة و التي تمتد الي مرضاة الله؛ ذلك أن الانسان بفطرته ينزع الي الله تعالي و مرضاته. و ليست حقيقة الانسان هي هذه الكتلة من الأعصاب و العظام و اللحم و الجلد و الغرائز و الشهوات فقط.

الا أن التعلق بالحياة الدنيا، و أعراضها القريبة، و متاعها يحجبه عن تلك الأهداف و الغايات العليا فتحبسه الحياة الدنيا و تعلقاتها و تثقله، كما تثقل الجاذبية الأشياء، فتعيق تحركه و صعوده؛ و التعبير القرآني بهذا الصدد دقيق: (... ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثا قلتم الي الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الا قليل) [1] .

و كأن التعلق بالحياة الدنيا يثقل الانسان، و يجره الي الأسفل (الأرض)، و يعيق تحليقه الي الله تعالي، و يرضيه من تلك القمم الرفيعة و الآفاق الواسعة في الآخرة بهذا العرض الزائل القريب من الدنيا: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة...).

ولكي يحلق الانسان و يرتفع لا يحتاج كثيرا الي زخم أو دفع، و انما يحتاج الي من يمزق عنه هذه الحجب التي تحجبه عن الآخرة، و يحرره، و يكسر عن يديه و رجليه هذه الأغلال التي تعيق تحركه، فيفتح عليه آفاق الآخرة، و يطلق يديه و رجليه للتحرك.

و دم الشهيد له هذا الدور الكبير في حياة الناس، ان دم الشهيد يزيل الخوف عن القلوب الضعيفة، و يقضي علي رهبة الموت، و يعطي للموت معني الانتقال الي لقاء الله تعالي، و يهبه نكهة لقائه. ان دم الشهيد يرفع من قيمة الموت الي قمة لقاء الله تعالي، و يضع من قيمة الحياة الدنيا حتي لا تعد تستهوي أحدا من المؤمنين، الا بقدر ما يكون متجرا للآخرة و طريقا اليها.


و أكثر ما يعيق حركة الانسان الي الله تعالي الخوف من الموت و التعلق بالدنيا، فاذا حل محله الاقبال علي لقاء الله: (الشهادة)، و الزهد في الدنيا (بالمعني الايجابي من الزهد) تغير وجه الحضارة و التاريخ.

ان التضحيات الكبيرة تمزق حجب التعلق بالدنيا عن عيني الانسان، و تفتح عينيه فجأة علي الآفاق الواسعة المترامية من وراء هذه الحجب...

ان هناك من وراء هذه الحياة اليومية الرتيبة، بما تحتويه من تجارة و عمل و معيشة و معاشرة و مشاكل صغيرة، و خلافات و حساسيات، و صراعات... - أن هناك من وراء هذا المستنقع - آفاقا واسعة و قمما عالية لتحرك الانسان و صعوده، تكشفها تضحية الشهداء و دماؤهم، و كأن الانسان كان في غفلة منها في حياته اليومية، فينبهه اليها الشهداء بتضحياتهم.

فدم الشهيد اذن يبعث الحياة و التحرك من جديد في المجتمع، و يمنح النور، و الرؤية، و البصيرة للقلوب التي تبلدت في الحياة الدنيا.

و عندما يمتلك الانسان الرؤية الكافية ينكشف له الهدف و الغاية فيسعي اليه و يتحرك نحوه. فدم الشهيد اذن يمنح الانسان الرؤية و الهدف و التحرك و في مساحة واسعة من المجتمع، و يخلق من الأجواء الخاملة، و البليدة أجواء حركية و ثورية.

و لذلك فليس في دم الشهيد خسارة اطلاقا، حتي بالمعني المادي من الخسارة، بل الدم ربيح دائما حتي بالمعني التجاري للربح؛ ذلك ان الشهيد، و ان كان يرحل عنا، و نخسر به عنصرا فاعلا مخلصا؛ الا أن تضحية و ايثار شهيد واحد يخلق روح الايثار و التضحية عند العشرات من الناس، و يكون قدوة لهم في الايثار و التضحية، و يبعث القوة و الفاعلية و الاخلاص في نفوسهم؛ فالشهادة موت للفرد و ولادة للامة، و مثل هذا الموت مربح و لن يعد خسارة حتي في الحسابات التجارية من الربح و الخسارة.



پاورقي

[1] التوبة / 38.