قلنا: ان الشهيد قدوة للمجتمع و للأجيال في مسألتين أساسيتين هما: الوعي و العطاء.

و التخلف عن الأول يعرض الامة للانحراف عن طريق الله، و التخلف عن الثاني يصيب الامة بالعجز عن التحرك، و الضعف و التعب و اليأس.

و أكثر مشاكلنا السياسية و الفكرية و الحضارية و الحركية تنبع من هذين: التخلف في الوعي، و التخلف في العطاء.

و الشهيد قدوة رفيعة للوعي و العطاء معا.

و قد لا يتبين في النظرة الاولي أثر كل شهيد في مسيرة الحركة، ولكن الذين يرزقهم الله القدرة علي رؤية المسيرة الربانية الكبري علي وجه الأرض يرون دائما - الي جنب كل مسيرة حاشدة بالمؤمنين الي الله - نهرا من الدم و مسيرة حافلة بالشهداء يمون هذه المسيرة و يمدها بالعزم و القدرة علي المواصلة و تحدي بالصعاب.

ان دماء الشهداء تهب الأحياء عزما علي الاستمرار، و مواصلة الحركة و السير، و قوة علي تجاوز العقبات و الصعاب، و تهبهم القدرة علي نكران الذات، و تجاوز النفس، و الترفع عن صغائر الامور، و انتزاع حب الدنيا من النفوس، و ايثار الآخرة علي الدنيا، و استرخاص الحياة الدنيا في سبيل مرضاة الله.

ان دماء الشهداء تعلم الأحياء الكثير، و من أغرب ما في هذه المدرسة العجيبة في حياة الانسان: أن تلاميذها أحياء و أساتذتها أموات، ولكن لاكما يتصور الناس الأموات، و انما كما يقول ربنا سبحانه: (... أحياء عند ربهم يرزقون). [1] .


ان كل شهيد - في النظرة الكونية الشاملة لحركة الدم - يربي أجيالا من العاملين المخلصين لله، و كل قطرة من دم الشهيد تتحول الي أنهار من دم يفجر براكين من المقاومة و الثورة و التمرد علي الظالمين في نفوس المؤمنين.

ان الشهادة تعلمنا كيف ينتصر المظلوم من الظالم، و كيف يستيعد المظلوم حقه و مكانه في التأريخ، و كيف ينتصر المستضعفون من المستكبرين و يستعيدون مواقعهم في الحياة، و كيف ينتصر الدم علي السيف، و الحق علي الباطل، و كيف يرزق الله القلة المستضعفة التي تخاف أن يتخطفها الناس علي الكثرة القوية من المستكبرين و أضرابهم و جنودهم؛ و الشهادة تعلمنا كيف نكسر الأغلال و القيود من أيدينا، و نتمرد علي ارادة الذين يريدون أن يسلبونا الأمن و الارادة و القدرة؛ و الشهادة تعلمنا كيف نعيش أحرارا، و كيف نتحرر من القيود و الأغلال، و كيف نسترجع كرامتنا و حريتنا و مواقعنا و مراكزنا علي وجه الأرض، و كيف نتحول من عبودية الطغاة و المستكبرين الي عبودية الله رب العالمين.

الشهادة: عقيدة، و ايمان، و حب، و عطاء، و تضحية، و ايثار في سبيل الله، و اخلاص، و اقدام، و شجاعة، و حياة جديدة، و حاشا أن تكون الشهادة عقيمة أو تكون موتا كما يفهم الناس الموت.