بازگشت

الشاعر المستضعف لسان الثوري


الشعراء المناضلون في التاريخ كانوا يعيشون علي أكل خبزة يابسة، وينامون في الشوارع، و يهيمون علي وجوههم في الصحراء، ولكنهم يحملون رسالة الشعر الحقيقية.

فالفرزدق الذي كان من الموالين لاهل البيت (ع) وكان والده أيضاً من أصحاب الامام علي (ع)، هذا الرجل مرّ بالامام الحسين(ع) وهو يسير باتجاه مكة، فقال له: يابن رسول الله.. الي أين تذهب؟ قال: الي الكوفة، قال: يابن رسول الله لا تذهب الي الكوفة، لانهم لن يستقبولك، قال الامام: كيف تجد الناس؟ قال: يابن رسول الله (قلوبهم معك وسيوفهم عليك)

لم يتقبل الامام الحسين (ع)كلامه، وذهب، فأثرت هذه الحادثة في قلب الفرزدق أثراً بالغاً.. ويخيّل لي، ان الفرزدق وقف يرقب قافلة الامام الحسين (ع) وهي تتجه الي الموت.

وقف طويلاً ينظر الي هذه القافلة قبل أن يبتلعها غبار الصحراءن وبقي أثر تلك النظرات في قلب الفرزدق حتي انفجر شعراً في وجه النظام الاموي، وفي مكة المكرمة وعند البيت الحرام وفي مدح الامام زين العابدين- عليه الصلاة و السلام - ابن الامام الحسين (ع) في قصيدته المشهورة:



هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم



هذا ابـن فاطمة ان كنت جاهله

بجـده أنبياء الله قد خـتموا



وفي يومه كان الشعراء هم الحكماء وألسنة الجماهير، وهم الجهاز الاعلامي الوحيد تقريباً في ذلك اليوم وفي ذلك العصر.

وهذه القصيدة كانت من القصائد الاساسية التي ساهمت في اسقاط بني أمية وحيث تحمل مسؤولية شعره، وذهب راضياً الي السجن.. هذا الشاعر الذي انتصر من بعد ما ظلم، كما يقول الله سبحانه وتعالي، وهكذا دعبل الخزاعي تراه يهيم علي وجهه في الصحراء عدة سنين وهو يحمل خشبته علي كتفه، فجاءت مجموعة من اللصوص وسطوا علي قافلة دعبل الخزاعي، وهم يرتلون أشعاره بعدما سرقوا كل ملابسه وأمواله، وسألهم ما هذه الاشعار التي تقرؤنها؟

قالوا هذا شعر الشاعر العظيم، شاعر المحرومين شاعر المستضعفين (دعبل)!، قال أتعرفون دعبل؟ قالوا: لا. قال: أنا دعبل، قالوا: لا نصدقك!! وجاءوا به الي رئيسهم، فلما كلمه عرفه.

كان شعره أنشودة يرددها كل البؤساء لانه كان جزءاً من هذه الطبقة المحرومة، وهكذا (ابن السكيت) بطريقة أخري دافع عن هذه الطبقة.

ان الذي يريد أن يحمل رسالة الشعر-رسالة الكلمة-لابد أن يكون ممن قال عنه الله سبحانه وتعالي:

«إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً» (227/الشعراء).

يكون هدفه ذكر الله تعالي، وشعره في توجيه الناس الي الله سبحان وتعالي:

«وانتصروا من بعد ما ظلموا».

ثم القرآن الكريم يبين ويقول:

«وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (227/الشعراء).

وبهذه الآية المباركة التي يبدأ الخطباء والعلماء أحاديثهم، ونعم ما يبدأون.

أيها الخطباء، يامن تحملون رسالة الشهداء في التاريخ، يامن تحولون دم الشهيد الي روافد، يجب أن لا تزرعوا اليأس في قلوب الناس، بل يكون هدفكم هو زرع الشجاعة والامل وزرع الرجاء في قلوب الناس.

ونرجوا من الله سبحانه وتعالي أن ينصر أمتنا.

ومن هنا، فإن هذه الآية المباركة تحمل الخطباء مسؤولية تحويل دماء الشهداء الي قنوات جادة للعمل الاسلامي، معتمدة في ذلك علي زرع الشجاعة والامل والرجاء في قلوب الناس، بدلاً من تثبيطهم عن الجهاد.

نرجوا من الله سبحانه وتعالي أن ينصر أمتنا الاسلامية علي أعدائها الحقيقين في صراعها الطويل.