بازگشت

ماذا تعني الاستقامة


ان الاستقامة صعبة علي أولئك الذين ليسوا متصلين بروح الله، ولا بنروه، أما بالنسبة الي المؤمنين فيضحكون ويستبشرون بما أتاهم، ولا يعني الضغط بجميع أشكاله وألوانه شيئاً بالنسبة اليهم، فيتمثل أحدهم أمام الحجاج بن يوسف الثقفي، ويقول: كيف أقتلك؟ فيجيبه: ياهذا أنظر لنفسك واختر أنت كيف تريدني أن اقتلك في يوم القيامة!! فتجاوز كل عقبات الخوف والارهاب، وقال ورأي المستقبل في يوم القيامة، لان يعلم أن الحجاج لا يملك شيئاً، وان هذا الظالم إنما يقضي في هذه الحياة الدنيا، كما قال السحرة التائبون الذين كانوا حول فرعون:

قال الله تعالي:

«فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا» (72/طه).

ان هذه هي حقيقة الاتصال بالله، ولهذا فتري أصاحب الامام الحسين (ع) في كربلاء، كما جاء في الاحاديث لم يكونوا يشعرون بحر الحديد، وفي الواقع ان أجسامهم لم تتبدل الي أجسام أخري تحس بتعذيب الظالمين، ولكن شوقهم الي الجنة، واتصال أرواحهم بنور الله تعالي، جعلهم لا يتأثرون بثقل الحديد، ولا بالقتل الشنيع.

أحدهم كان في أتون المعركة وفي حر الصحراء الشديد، والاعداء محيطون به يرشقونه بالنبال كوابل المطر، وجراحاته تنزف وتقطر دماً، ومع ذلك ينظر الي السماء ثم يقول يا أبا عبد الله هذا وقت الصلاة وأريد أن أصلّي آخر صلاة لي وراءك يا أبا عبد الله.. ما هي هذه الروح؟

في أشد لحظات حياته لا ينسي الصلاة، بل ولا ينسي مستحباتها، ويريد أن يصلي الصلاة جماعة، فيقول له الامام الحسين: أحسنت ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، فبشره بأنه يحتسب عند الله تعالي من المصلين، فوقف الامام الحسين في يوم عاشوراء بعد أن قتل أصحابه يصلي صلاة الظهر.

هؤلاء هم الصفوة الذين اتصلت أرواحهم بنور الله، فمنحهم الله الاستقامة، والحركات الاسلامية اليوم الذين يريدون تحرير بلادهم وشعوبهم بل وسائر الجماهير من رجس الطغاة والانظمة الفاسدة، عليهم أن يحرروا الانسان من الجبت والانحرافات العقائدية، ومن الغفلة، والنسيان، ومن حب الدنيا، ومن التورط في الشهوات.

والحركات الرسالية تتحمل صعوبات أكبر، لان أهدافها أكبر، ولانها لا تريد فقط تحرير الارض، بالرغم من ان تحرير الارض شيء عظيم، ولكنه ليس الهدف الاساسي، وإنما الهدف هو تحرير الانسان، وهذا الهدف لا يتحقق الا بعد ازالة الطغاة، ولكن لا يعني ذلك ان هذا هو الهدف الاول والاخير، فيحررون الارض ويحررون الانسان، بل وقبل ذلك وأهم من ذلك أن يحرروا أنفسهم من ضغط الشهوات، ومن أغلال النفس وقيود الجبت.

ان الجهاد في سبيل الله تعالي، والصراع مع الاعداء ينعكس علي النفس البشرية، فالانسان الذي يجاهد في سبيل الله تعالي مخلصاً يكون الجهاد بالنسبة اليه معراجاً يعرج بروحه الي الله تعالي.

«والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا» (69/العنكبوت).

ان الذين يجاهدون في سبيل الله، يعرفون الطرق المؤدية الي الله سبحانه وتعالي، وهذا هو هدف الانبياء (ع)، وفي كربلاء نجد نماذج من هذه الاستقامة، ومن هذا النوع الجهاد، وأبعاد استقامة الامام الحسين (ع) في يوم عاشوراء من خلال قراءة دعاء عرفة والتدبر فيه، وخصوصاً في كلمته التي يقول فيها:

«فان لم تكن غضبت عليّ فلا أبالي سبحانك غيرك ان عافيتك أوسع لي».

والعافية أحسن من المرض، والسلم أفضل من الحرب، والامن أفضل من الخوف، ولكن ليس هذا هو الهدف الأساسي، إنما الهدف الاساسي هو الرضا، جاء رجل للامام جعفر الصادق (ع) وقد سأله الامام: كيف أصبحت؟ فقال: «يابن رسول الله أصبحت والمرض أحبّ اليّ من الصحة والفقر أحبّ اليّ من الغني، والخوف أحبّ اليّ من الامن» فقال له الامام (ع): (أما نحن فلسنا كذلك) فقال الرجل: كيف؟ قال الامام(ع): (نحن اذا أراد لنا الله الخوف، فالخوف أحب الينا من الامن، واذا أراد لنا الامن، فالامن أحب الينا من الخوف، واذا أراد لنا العافية، فالعافية أرضي لنا، واذا أراد لنا المرض، فالمرض أرضي لنا، ما يريده الله نحن نريده، أو نحبه).

هذا معني كلام الامام الحسين في دعاء عرفة، وهو هدف يجب أن نضعه نصب أعنييا دائماً.