بازگشت

دروس من كربلاء


انحراف [بنوا أمية] لم يكن فقط في السلطة.. ان انحراف السلطة دليل انحراف الامة.. ودليل انحراف المجتمع، وحينها يكون الظالم والمظلوم مشتركين في الجريمة، الظالم لظلمه، والمظلوم لسكوته علي الظلم.

من الذي قتل ناقة صالح؟

من الذي عقرها؟

رجل واحد فقط هو الذي عقر الناقة وقتلها، ولكن الله عمهم بالبلاء حين سكتوا عنه وعمّوه بالرضي.

من الذي قتل الامام الحسين (ع)؟

رجل واحد..؟

ولكن كل من حضر أرض كربلاء، بل كل من رضي بهذه الغفلة الشنيعة،-نحن نلعنه-.

«ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به».

أليس كذلك؟

لماذا؟

لان السكوت عن الظلم لا يقل جريمة عن الظلم ذاته والانحراف كان قد بدأ في الامة الاسلامية.

أولا: بسكوتهم عن الظلم.

ثانياً: باستدراج النعم لهم ان صح التعبير فإنه قد

«ملئت بطونكم حراماً».

هذه الكلمة التي قالها حبيب بن مظاهر، حينما نصح القوم ولم يسمعوا نصيحته، وكذلك كان الامام الحسين عليه الصلاة و السلام يكررها أيضاً.

ماذا تعني هذه الكلمة؟

تعني ان الانحراف يؤدي بالانسان الي قتل ابن بنت نبيه، و هولا يبالي، لان أكل الحرام يورث قسوة القلب.

وما هي قسوة القلب.

قسوة القلب تلك التي كانت عند شمر و عند عمر بن سعد، و حرملة.. وقسوة القلب هي ما نراه عند الجلادين الذين يقتلون الشباب المؤمن في سجون العراق، و في سجون البحرين، وفي سجون المنطقة، يقتلونهم تحت التعذيب.

لماذا هذا صار قاسي القلب؟

ومتي صار؟

حينما قبل ان يصبح أجيراً عند السلطان الظالم، فهو في تلك اللحظة أصبح قاسي القلب. وفي تلك اللحظة قام بالجريمة.

الامة الاسلامية في عصر الامام الحسين (ع) بدأ انحرافها اقتصادياً وكانت تحتاج الي صيحة قوية، والصيحة جاءت في كربلاء من فم الامام الحسين (ع)، بل من نحر الامام الحسين (ع).

قد يسكت الفم ويتفجر دماً ولساناً ناطقاً، كما كان في كربلاء التي جاءت تقول للناس: انكم انحرفتم مرتين، مرة حين ارتبطتم بالنظام الاقتصادي، تأكلون الحرام «من أجل عشرة» إذ قال بن زياد ان كل من يذهب الي قتال الامام الحسين (ع) يضاف الي عطاءه عشرة ولم يقل ماذا يعني بالعشرة، فزعم الناس عشرة دناينير، فجاءوا الي قتل الامام الحسين (ع)، ثم لما عادوا قالوا، أين العشرة؟، فأعطاهم عشر تمرات وقال: هذه عشرة.

و من هنا يبدأ انحراف الأمة، وانحراف النفس التي تبيع ذاتها بدينار، بل بمليون دينار، هذه النفس لا تساوي فلساً واحداً.

لانه حينما ينزل الانسان لمستوي بيع نفسه فلا فرق بين أن يبيع نفسه بدينار أو بمليون دينار. وشمر بن ذي الجوشن مثال علي ذلك إذ قال لابن زياد:



املأ ركابي فضة أو ذهبا

لقد قتلت الرجل المحجبا



قتلت خير الناس أماً وأبا

فقيل له: لم قتلته، اذا كان خير الناس أماً وأبا؟



فأجابه قائلاً: قتلته لعطائك.

قال له: لا عطاء لك، اذهب!!

هذا معني الانحراف الاقتصادي أكل الحرام، والتعبير بالاكل الحرام أفضل من أن أقول الانحراف الاقتصادي، لان الانحراف الاقتصادي يمكن أن يفسره بشيء مختلف، والحرام يعني أكل ما لا تجوزه الشريعة الاسلامية

كيف أصبحنا مستعبدين؟

اننا نعرف ان الربا حرام.. وان النظام الرأسمالي البنكي حرام، وكذلك ان العدوان، وأكل أموال الناس بالباطل حرام. فلو رفضنا التعامل مع هذه الانظمة الرأسمالية الفاسدة، ورفضنا التعاون مع الحكومات الظالمة اقتصادياً لسقطت هذه الحكومات، ولما استعبدنا، ولما انتهكت حرماتنا، لما سحقت كرامتنا، لانه منذ البدء لم نفهم معني الانحراف، وماذا نعني أكل الحرام؟

نعم، بنت الصحابي أبي ذر الصغيرة هي التي عرفت ذلك أحسن منا، حينما جاءت اليها السلطات الفاسدة بعسل، وهي كانت جائعة لم تطعم شيئاً منذ ثلاثة أيام فذاقت العسل قليلاً، فاذا بأبيها يدخل عليها.

ماذا تفعلين؟

أكلت قليلاً من هذا العسل؟

أو تعرفين من الذي أرسل هذا؟

قالت: لا

فقال لها ان معاوية هو الذي أرسله.

حينها ذهبت الي طرف ووضعت اصبعها في حلقها وأفرغت العسل، وأخذت تنشد تلك الابيات المعروفة:



أبالعسل المصفي يابن هند

نبيع عليك إيماناً ودينا



فقد عرفت ان أكل العسل الحرام بداية الانحراف ومن ثم بيع النفس بدينار، وعرفت الطفلة ذلك بفطرتها البريئة وببصيرتها الدينية، وبتربية أبيها لها، لكن أهل الكوفة لم يعرفوا هذا الواقع.

وحينما تجد الامام الحسين (ع) يكرر وأصحابه قصة ثمود في كربلاء، والامام الحسين (ع) يشبه ابنه الرضيع بناقة صالح لابد أن نعرف ان هناك علاقة بين حركة الامام الحسين (ع) وبين حركة صالح (ع)، لانها نفس الثورة ونفس الحركة.

الترف.. ذلك الابتلاء

أذكر لكم آيات من سورة الشعراء مرة أخري وفي قصة ثمود الذين انحرفوا اقتصادياً، فانحرفوا سياسياً، وأدي بهم ذلك الانحراف الي قتل الناقة، وبالتالي الي عذاب الله الشديد. يقول الله سبحانه وتعالي:

«كذبت ثمود المرسلين - إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون - اني لكم رسول أمين - فاتقوا الله وأطيعون - وما أسئلكم عليه أجر ان أجري إلا علي رب العالمين» (141/145/الشعراء).

الي هنا والرسالة واحدة.

«أتتركون في ما هاهنا آمنين - في جنات وعيون وزرع ونخل طلعها هظيم - وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين - فاتقوا الله وأطيعون - ولا تطيعوا أمر المسرفين - الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون - قالوا إنما أنت من المسحرين - ما أنت إلا بشر مثلنا بآية ان كنت من الصادقين - قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم - ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم - فعقروها فأصبحوا نادمين - فأخذهم العذاب ان في هذا لآية وما كان أكثرهم مؤمنين» (146/158/الشعراء).

للانحراف الاقتصادي أنواع، نوع عند ثمود، ونوع آخر عند قوم لوط، وكلا النوعين يتشعبان من نقطة واحدة هي الانحراف النظري للمال، ولمهمة الثروة والاسراف فيها، فقوم لوط أسرفوا في نعم الله، وشذوا عن الطريق وابتلوا بالشذوذ الجنسي وبأنواع أخري من الشذوذ، بينما قوم صالح توالت عليهم النعم، فأصبحت مادة للفساد، ووصلت الي حالة الطبقية المقيتة، وأما المجتمع الاسلامي فمنذ عصر عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وطلحة، ومروان بن الحكم، ومعاوية بن أبي سفيان، هذه المجموعة كلها من رؤساء الحزب الاموي الذي ذكرت لكم قد أحاك المؤامرة منذ أيام الرسول (ص) ولم يقل الرسول عبثاً:

«اذا رأيتم معاوية هذا علي منبري فاقتلوه ولن تقتلوه».

هذا الحلف هو أثر علي المسلمين في فتوحاتهم الاسلامية للبلاد المختلفة أثراً فاحشاً، حتي ان احدهم كما تعرفون في التاريخ حينما مات خلف ذهباً كثيراً حتي أن ذهبه قسموه بالفأس.

والآخر لم يمكن احصاء ضياعه وأمواله، هذا الانحراف في قمة المجتمع الاسلامي.

ولكن النظام الاقتصادي الفاسد يسعي لربط أموال الناس ومقدراتهم بعجلة الاقتصاد المنحرف، وبذلك يستطيع أن يعبأ ثلاثين ألف انسان مقابل عشرة، ولم يسألوا عن هذه العشرة.

ماذا تعني؟

يفكرون أنها دنانير فاذا هي عشر تمرات!

ان هذا النظام متشبع بالفساد الاجتماعي، وبحاجة الي صيحة قوية، بحاجة الي تلك الصيحة التي توقط النائم، لتهز ضمير المجتمع، كتلك الصيحة التي أطلقها الامام الحسين (ع)