بازگشت

كربلاء نهاية الظالمين...


حسب الرؤية الاسلامية تنتهي المجتمعات البشرية، وتفني الحضارات الانسانية بسبب انحرافها عن الحق واختيارها طريق الباطل، ولكن الحق ليس شيئاً واحداً، فكل سنة الهية، وكل فطرة خلقها الله حق، وكل قانون طبيعي سنة، وكل ما أجراه الله علي الكون حق، فاذا انحرف الانسان عن القانون الالهي دمر حياته بيده عاجلاً أو آجلاً.

قد يكون الانحراف عن طريق الحق حسب المصطلحات الحديثة انحرافاً عسكرياً، فبدلاً من أن تكون السلطة السياسية الحاكمة علي الناس منبعثة عن إرادتهم الحرة والواعية، وعن سنن الحق الحاكمة في الكون ومن رسالات السماء، بدلاً من أن تكون كذلك تكون السلطة محكومة بأيد عسكرية لا تعرف إلا منطق القوة والارهاب.

وقد يكون الانحراف انحرافاً اقتصادياً متجهاً الي الاستغلال والاستثمار، وتكون السلطة السياسية آنئذٍ سلطة المستثمرين والمستغلين، سواء منهم الاقطاعيون أو الرأسماليون، أو ما أشبه، وقد تنحرف السلطة السياسية عن الحق لتتجه الي قيام العنصرية المقيتة.

كما قد تنحرف السلطة السياسية باتجاه آخر هو الاتجاه الاقتصادي الذي يدعوا الي الترف والتبذير، أو قد تنحرف السلطة السياسية باتجاه آخر نحو تحكيم سلطة المفسدين في الارض الذي يضلون الناس عبر الكهنة والاحبار المنحرفين وهذه الاخيرة، هي السلطة السياسية المعروفة في علم السياسة اليوم بالسلطة [التيوقراطية] والتي تختلف جذرياً عن القانون الاسلامي في السياسة شكلاً ومضموناً، إن هذه الانحراف بشتي أنواعها تؤدي بالمجتمعات الي الانهيار وقد أدت فعلاً هذه الانحرافات بالحضارات الماضية الي الفناء والدمار حسبما يقص علينا كتاب الله المجيد. القرآن الكريم يحدثنا عن أقوام عاد وفرعون وثمود وأصحاب الايكة وقوم نوح، ولك واحدة من هذه الحضارات البائدة يضرب الله بها مثلاً نموذجياً لنوع محدد من الانحراف عن الحق، ففرعون وقومه المتسلطون علي شعب مصر كانوا منحرفين عنصرياً. وجاء في كتاب الله قوله تعالي:

«ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين» (4/القصص).

وكانت طائفة بني اسرائيل، حيث كان كل نسل بني اسرائيل يهان في مصر سواء كان موالياً للسلطة أو مخالفاً لها، صادقاً كان أم كاذباً، صالحاً أو فاسداً!

فالفكر القبطي كان يعتقد ان الدم القبطي أفضل من الدم الاسرائيلي، وهذا لم يكن جديداً ولا بدعاً في ذلك العصر ولا في هذا العصر، إذ اننا لا نزال نجد انحرافات عنصرية قائمة في الولايات المتحدة الامريكية، وصنيعتها في جنوب افريقا، وربيبتها اسرائيل، بل في كثير من دول العالم، حتي وان سميت هذه الانحرافات العنصرية باسم أو بآخر، وقانون المشيخة والامارة الموروثة هو نوع من العنصرية المقيتة.

أما قوم نوح فقد كانوا طبقتين، ولم يكونوا عنصرين بالمصطلح المفهوم للكلمة، وإنما كانوا طبقتين يعتقدون بأن [الأراذل] اذا تبعوا اماماً وقائداً فلابد أن لا يتبعه [الأكابر] وحسب تعبير المستكبرون قالوا:

أنتبعك؟

أنؤمن بك!

«قد اتبعك الأرذلون».

أي أن الارذلين اذا اتبعوا أحداً فلا-يحق لنا أن نتبعه، لان هذا نبيهم، ان هذا أيضاً كان في عصر النبي (ص) حيث كان القريشيون يعتقدون بأن أتباع المستضعفين والاغنياء معاً، هكذا كانت الفوارق حادة في المجتمع المكي.

ولم يكونوا يصدقون بأن شخصاً كأبي ذر ينتمي الي قبيلة بدوية في الصحراء هي قبيلة غفار يمكن أي يتساوي مع أبي سفيان، الي درجة ان شخصاً يعتبر عبد مستخدم يشتري ويباع كبلال الحبشي يجب أن يتساوي مع كبار قومهم.