بازگشت

الامام الحسين و تكاملية العطاء


نستلهم من هذه الذكري التي تتجدد كل عام انه حينما يريد الانسان أن يهب نفسه لله فلا يجب أن يطلب لنفسه شيئاً مما وهب، لان الافضل أن يهب الكل وإلا فلا يجب عليه أن يسقط من فكره الذاتية، واسقاط الاعتبارات الذاتية هو الهدف الذي من أجله قام الامام الحسين (ع) في كربلاء، فلقد أعطي الامام الحسين (ع) جميع من حوله الاذن بالبراز، وأول من بارز أمام الامام الحسين (ع) ابنه علي الاكبر(ع) وهو أحب أبنائه الي قلبه، فكم كان الامام الحسين (ع) يحبه، لانه بقدر التصاق الائمة والمصلحين بمبادئهم ورسالاتهم يلتصقون بالمعاني الانسانية فهم يبلغون القمة في شفقتهم علي أبنائهم، لاسيما اذا كان الابن يمثل في ذاته رسالتهم مثل [علي الاكبر «ع»] الذي هو أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله الذي يقول عنه الله عز وجل:

«وانك لعلي خلق عظيم».

فتتجدد محبة الامام الحسين (ع) لابنه الاكبر لانه رمز لرسول الله الذي هو بدوره رمز للاخلاق الفاضلة، ولكن مع كل ذلك يأذن لابنه بالبراز ويقدمه في طليعة أهل بيته وأنصاره (ع)، ومعني ذلك ان الامام الحسين (ع) وهب كل ما يملك مثالاً آخر علي ثورته، انه ضحي بابنه الطفل البالغ من العمر ستة أشهر فلقد رآه يصارع الموت، وهذا الطفل الذي كان يمثل بالنسبة لمثل عمر الامام الحسين (ع) أملاً كبيراً، لان الطفل امتداد للانسان، وحب الانسان لطفله إنما هو لابراز شخصيته في المستقبل وتنشئته نشأة صالحة، هذا هو الحب الذي ينبعث ويشتد كلما شعر الانسان بالخطر.

والامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-لم يشعر بالخطر فقط وإنما كان عنده علم اليقين بأنه سوف يموت ومع ذلك أخذ ابنه معه وهو يعلم طبيعة نيات القوم، وما ذا سيفعلون به، ولكنه برغم ذلك يذهب به ليطلب له شربة من الماء، فيذبح علي يدي والده (ع)، وينقل التاريخ بأن للامام الحسين (ع) طفلين رضيعين قتلا في كربلاء، الاول كان عمره ستة أشهر، والآخر كان عمره ساعات، هذا عن الجانب المادي بالنسبة لتضحية الامام الحسين (ع).

وفي الجانب المعنوي أيضاً قدم (ع) شيء، فبقدر ما كانت كربلاء أليمة ومفجعة ماوراء ها من اتهامات كبيرة نجد أثرها حتي هذا اليوم، وهي كذلك أليمة ومفجعة، فشريح القاضي وما أكثر من أمثاله في واقعنا المعاصر يفتي بوجوب قتل الامام الحسين (ع) حتي بلغ الامر أن يقول الامام الصادق (ع) عنه:

«ازدلف إليه ثلاثون ألفاً كلهم يتقربون الي الله سبحانه وتعالي بسفك دمه».

هكذا عملت الدعايات المظللة بأدمغة الناس، وبعد أن قتل الامام الحسين (ع) وسبي أهل بيته، كان يعتقد الناس بأنهم سبايا الترك أو الديلم، وهذا سرعظمة الامام الحسين-عليه السلام-إذ أنه قدم نفسه وأهل بيت فداء لدين الله مختاراً.

ان الانسان ربما يختار الثورة لنفسه لكنه لن يكون مستعداً للتضحية بأهله وأقاربه، فيرضي لنفسه الشهادة ولا يرضي للاقرباء والاولاد خوفاً عليهم، وهناك الكثير من الناس يحجم عن الاعمال الثورية، والعمل في سبيل الله بالخوف من التضحية أساساً.

انه من الخطأ أن يخشي الانسان علي أقربائه من أن يقتحموا الثورة، لأن الواجب أن يثور ويسمح لغيره بالثورة، لانه ليس الذي يبتليهم، وإنما الطاغوت هو الذي يضغط عليهم، فاذا ثار المجاهد مثلاً واعتقلت السلطة الطاغوتية زوجته وأولاده ووالديه، فاعلم علم اليقين انهم دخلوا ساحة النضال من أوسع أبوابها، أما هو فله الثواب أن ادخل الآخرين في ساحة النضال كون ساحة النضال مباركةً فليدخلها الجميع.

اننا نجد الامام الحسين (ع) مثلاً يأتي بكل اهل بيته (ع) الي صحراء كربلاء، وهو يعلم ماذا سيحدث فقد قال الامام الحسين (ع) عندما سأله ابن عباس عن سبب خروج النسوة معه قال:

«لقد شاء الله أن يراهن سبايا».

ومع علمه بذلك إلا أنه يذهب بهن مطمئناً لعلمه ان هذا درس عظيم من دروس الثورة الاسلامية، إذن تقدم ولا تفكر فيما يصنع من خلفك فان الله سبحانه حاميهم وحافظهم.