بازگشت

كربلاء ينبوع الثورات


لقد شحنت كربلاء إردة الامة بالعزيمة الراسخة، بما بلورت الاحاسيس الخيرة في الانسان، ذلك لان للانسان مخزوناً كبيراً من العقل والارادة والعاطفة، وغالباً ما يموت الانسان قبل أن يستفيد من هذا المخزون الضخم إلا شيئاً قليلاً، وان من أهداف رسالات السماء ومصلحي البشر اثارة دفائن العقول، وشحذ وتحريك الارادة والعاطفة، واستخراجها من باطن الانسان الي واقعه، وهذا ما فعلته ملحمة كربلاء تماماً، فقد كانت هي الطليعة والقدوة لجهد الانسان في تفجير مخزونه الارادي والعقلي والعاطفي. ففي بعض الاحاديث نقرأ عن الامام الحسين (ع).

«السلام عليك يا قتيل العبرات، وأسير الكربات».

فملحمة كربلاء لا زالت عبر التاريخ تستدر دموع الناس عامة، وخاصة الموالين، ومجالس العزاء كانت ولا تزال تقام علي مدار أيام السنة لا سيما في شهر محرم الحرام، وكذلك فان ذكر الامام الحسين أصبح علي كل لسان وفي كل مكان بل في كل مناسبة، ويحق لنا أن نتساءل: لماذا كان الامام الحسين (ع) كذلك؟

لقد قام الامام الحسين (ع) بثورة وتحول مع مرور الزمن الي ثورة، بل الي مفجر للثورات في ضمير الانسان، ولم يعد الامام الحسين (ع) ذلك القتيل علي رمضاء كربلاء، ولم تعد عاشوراء تلك الفترة المحدودة من الزمن فقد أصبح الامام رمزاً للثورة، وحينما نذكر الامام الحسين (ع) تجري دموعنا وتلتهب مشاعرنا وعواطفنا بصورة ارادية وغير ارادية، ويعبر عن هذه الحقيقة حديث شريف جاء علي لسان النبي آدم (ع) يخبره فيها بالحوادث التي ستقع في الارض من بعده، ومن جملة ما أوحي اليه قصة رسالة خاتم الانبياء والرسل أجمعين عليهم السلام وبين له بأن الائمة والاوصياء من بعده منه، فلما انتهي الي ذكر الامام الحسين (ع) قال آدم:

«اني استبشر كلما مر عليّ اسم من أسمائهم إلا عند ذكر الامام الحسين (ع) فإني أشعر بالحزن والكآبة، فلماذا؟، فأوحي اليه الله سبحانه وتعالي بقصة كربلاء بصورة مفصلة».

هكذا تصور لنا الاحاديث المأثورة تحوّل الامام الحسين (ع) من شخص الي رمز، ومن رمز الي مسيرة، ومن مسيرة الي حقيقة ثورية، وعندما نقول بأن الامام الحسين (ع) كان ثورة فهذا يعني ان كل قلب يتفجر ثورة حينما يرتبط بينبوع الامام (ع) و حينما يذكر الامام الحسين (ع) تقفز الي الاذهان فكرة الشهادة والبطولة والفداء، وكل معاني العمل من أجل الله والمستضعفين والمحرومين في الارض، وكلما تجددت ذكري عاشوراء تفتحت أبصارنا لمآسي أكثر بكثير مما جري في صحراء كربلاء من الاثارة، وتفجير الطاقات، حيث ان ملايين البشر علي امتداد الارض يتحولون في يوم عاشوارء تحولاً ثورياً. يغذيهم بمعاني الثورة خلال السنة كلها.

ويتجدد ذلك في كل عام في أكثر من بلد وقطر، في الولايات المتحدة الامريكية مثلاً وفي مبني هيئة الامم المتحدة بالذات تقام ذكري الامام الحسين (ع) الشهيد في محرم الحرام، وكذلك في افريقا وروسيا والصين تجد مثل هذه المناسبات حيث تتجدد ملحمة كربلاء في النفوس بل في الحياة الاجتماعية لملايين من البشر ليتزودوا منها في عامهم الي العاشوراء المقبل.