بازگشت

طاعة القيادة وسيلة النجاة


ان الكلمات القرآنية التي هي محور التشريع الاسلامي ومنار البصيرة الرسالية ومصنع الايمان الصافي يجب أن تفسر وفق السياق القرآني ذاته وما نستنبطه منه، ومن أبرز الكلمات التي تعتبر مفتاحاً لفهم القرآن ومدخلاً لطريق فهم الحياة هي الكلمات التي تؤكد عليها آيات القرآن الحكيم وتجعلها محوراً لسائر الافكار والتشريعات. ومنها كلمة الشرك والكفر والفسق، والطاعة والتقوي.

ورسالات الانبياء تلخصت في هذه الكلمات، إذ أنها تنهي الناس عن الشرك أساساً، وعن الكفر والفسق والفجور أحياناً، والتأكيد علي تقوي الله وطاعة رسوله كما سنجد كل ذلك في الآيات الموجودة في سورة الشعراء.

معني الشرك.

والسؤال الذي يوجه هنا وهو في ذات الوقت سؤال أساسي وخطير:

ما هو معني الشرك؟

وما هو معني الكفر؟

وعندما نعرف معني هاتين الكلمتين الاساسيتين سيتضح أيضاً معني كلمتي الطاعة والتقوي علي طريقة معرفة الاشياء بأضدادها، ولقد وضحنا مسبقاً ان القرآن الحكيم لا يطلق كلمة الكفر علي جحود الله سبحانه وتعالي راساً، وكلمة الشرك علي الخضوع والسجود المباشر للاصنام البشرية أو الحجرية، بل عادة ما تأتي كلمة الكفر في القرآن الحكيم لبيان الجحود العملي والجحود السلوكي لله، يعني أن يدعي الانسان الايمان بالله وعبادته.. وأنّ الله خالق السموات والارض ولكنه عملياً وتشريعاً وسلوكياً يخالف هذه الفكرة، ويسير في الطريق المغاير لها. والشرك عادة ما يطلق في كتاب الله علي عبادة الاصنام والخضوع للطغاة. والعبادة في القرآن بدورها تطلق علي الخضوع والتسليم سواء كان في نمط السجود والركوع وتقديم القرابين والذبائح للاصنام أو في نمط الخضوع التشريعي والسلوكي.

من هو الكافر؟

آراء الفلاسفة والعلماء المسلمين في الكفر.

قال بعضهم بأن الكافر هو من يترك أي فريضة من الفرائض الالهية، كتارك الصلاة وتارك الصوم وتارك الحج ومن أشبه.

والبعض الآخر قال، كلا إنما هو الجحود المباشر المعلن لوجود الله سبحانه.

فمن قال لا أؤمن بالله فهو كافر، ومن لم يقل فهو مسلم سواءاً وافق قوله فعله أم لا. وكل فريق من هذين الفريقين أستند في كلامه علي دليلين عقلي ونقلي. فالذي قال بأن الكفر ترك أي عمل من الاعمال الواجبة أستند علي القرآن الحكيم فيدعم برهانه بالآية الكريمة التي تبين أن الذي لا يحج فهو كافر.

«ولله علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين» (97/آل عمران).

وآيات مشابهة لهذه الآية كمااستندت بأن فائدة الايمان وروحه هو العمل فاذا فقد الانسان العمل فماذا ينفعه أيمانه؟ وكيف نستطيع أن نسميه بأنه مؤمن؟.

وهناك دليل آخر عن الامام الرضا(ع) يقول فيه:

«الايمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال»

وفي حديث آخر عن الامام الرضا (ع):

«الايمان عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح»

بينما استند الفريق الثاني الذي قا ل بأن الكفر هو الجحود اللفظي لوجود الله، استند هو الآخر علي مجموعة أدلة ونصوص منها قول الرسول (ص):

«الاسلام ما جري علي اللسان».

«من شهد الشهادتين فهو مسلم».

أو من قال:

«لا إله إلا الله ختم له ودخل الجنة».

وعن الامام الباقر (ع) انه قال:

«الاسلام اقرار بلا عمل»

حتي أن ابا ذر راوي الحديث قد سأل النبي مرة أو مرتين أو ثلاث مرات قال: وإن زنا وإن سرق، قال الرسول (ص):

«وإن زنا وإن سرق».

فكرر السؤال ثلاث مرات فأجابه بذات الجواب ثلاثاً.

إذن فمن يقول لا اله إلا الله، ولا ينكر ربه أنكاراً مباشراً فهو مسلمٍ، برأي هذا الفريق، كافر برأي الفريق الآخر. والواقع ان النصوص الشرعية، والادلة العقلية متشابهة في مثل هذا الموضوع المشكل المعقد، و السبب ان هوي الانسان ومصالحه تحدو به الي أن يدّعي بأن الكفر ليس إلا مجرد الجحود اللفظي لوجود الله سبحانه وتعالي. حتي يريح كل انسان نفسه من وصمة الكفر وعار الشرك، ويجعل الآيات القرآنية و النصوص التي تبحث عن الكفر بعيدة عنه، و متوجهة الي أولئك البعيدين الذين يعيشون في عمق غابات افريقيا المظلمة و يعبدون الاصنام الحجرية و المنحوتة بصورة مباشرة فأولئك هم الكفار، أما نحن فمسلمون ولله الحمد.

ان شهوة الانسان تأخذ مجراها في قنوات ذاته بشكل طبيعي لا ريب، فللإنسان قدرة المخادعة حتي مع ذاته بشكل غريب، فاذا لم يصل أويزك أو يصم فأن هناك في نفسه قوتين:

1-قوة تلومه علي ما فعل وهي المسماة بالمنطق القرآني:

«النفس اللوامة».

2-قوة أخري تبرر له ما علمه، وما يعمل وما سوف يعمل، فيبدأ التحدث مع آفاق نفسه: الصلاة غير واجبة عليك. فأنت متعب والمتعب لا صلاة عليه أو أنك كنت مريضاً والمريض لا حرج عليه، أو كنت مسافراً والمسافر صعب عليه أن، يصلي و لا يجب عليه اصوم.. وهكذا. تراه بشتي الوسائل يريح ضميره الايماني الذي يوخزه وخزاًًً كالابر، وهذه القوة هي القوة المبرّرة التي تسمي في لغة القرآن بالمسوّلة:

«كذلك سولت لي نفسي».

كما قال السامري لموسي (ع)، فالنفس تسول الامر وترتبة بشكل يجعل الانسان مرتاحاً، كما أنه سبحانه وتعالي جعل في جسم الانسان هذه الحالة فحينما يشتد الالم في جسم الانسان فان هناك جهازاً في المخ يحاول اعطاء افرازات معينة تفصل الاعصاب عن المخ، فتحمل عند الانسان حالة من الغيبوبة، فتغيب الروح ومن ثم يرتاح فلا يحس بالالم مهما كانت شدّته هذا فيما اذا أشتد الالم بجسم الانسان، كذلك في روح الانسان، فهناك جهاز لخلاص الانسان من العذاب النفسي حينما يعذّب الانسان و تصبح لديه نفسية صعبة يأت ذلك الجهاز ليفصل بين الالم النفسي وبين الانسان وهذا ما يسمي في علم النفس الحديث [حالة الاحباط النفسي].

الانسان الذي يشعر بمهانة في ذاته، وانه ذليل صغير، تحدث عنده هذه الحالة حيث تأتي هذه القوة فتقول له [أنت أكبر] [أنت ضخم] [أنت جبار] فتحدث عنده حالة الكبر، وحالة الكبر رد فعل لحالة الصغر ولمركب النقص. هذا هو التبرير وخداع النفس. والقرآن الحكيم يقول:

«يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم» (9/البقرة).

وفي آية أخري يقول القرآن الحكيم:

«ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم» (142/النساء).

وهذا هو الخداع الذاتي الذي يتجه اليه النصوص الاسلامية، حيث يجرب الانسان نفسه بكل جهده لكي يفسر الآيات والأحكام والتشريعات بما لا يعارض أهواءه وشهواته أو لا يعارض ما فعله وارتكبه سابقاً، وآنئذ تتمحور وتتركز هذه الحالة في كلمات الشرك والكفر، والتقوي والطاعة.

جائني شاب ذات يوم وقد بدت علي ملامحه علامات الاستفهام، وقبل أن يسألني قال لي بأن قلبي نظيف ومؤمن وصادق، قلت له: تفضل، ولكنه عاد مؤكداً ذات الكلمات فلم أعرف السبب إلا بعد فترة من محاورتي معه ثم ذكر سؤاله: هل تجب عليّ الصلاة؟

قلت له: نعم الصلاة واجبة عليك. قال قد أكون نجساً، فرددت عليه: لماذا أنت نجس؟ [وقد كان يعيش في بعض البلاد الغربية]، قال لي: لا نني دائماً مع الفجور.. قلت له: أبتعد عن ذلك قال: مع ذلك أنا نجس، ودائماً أشرب الخمر!. قلت له: أبتعد عن ذلك. قال أيضاً أبقي نجساً!

من خلال هذا الحديث بدي لي أن هذا الانسان كان يفعل الكثير من الموبقات، ولكي يؤكد علي نظافة قلبه وعدم خلوه من الايمان أخد قبل السؤال، يكرر تلك الكلمات؟

ان أي فرد منا يسعي ليكون أفضل المطيعين وأخلص المتقين لكي يبقي الشرك والكفر بعيداً عنه، ان هذه حالة نفسية لذلك يصبح هذا الموضوع شائكاً ومعقداً، وحتي لو كانت الآيات والادلة العقلية واضحة، في مثل هذا الموضوع لحاولنا ابعاد هذا الوضوح ومحاولة التشويش عليها بصورة وبأخري.

أيها المسلمون: اصغوا وأستمعوا الي الآيات التي تتلي عبر أبواق الاذاعات، ستجدون ان هذه الآيات عادة ما تنتخب من سور معينة كسورة يوسف وقسم من سورة النور وقسم من قصار السّور أيضاً..لماذا؟

الجواب، انهم يختارون الآيات التي لا تختص بازالة الستار عن مكامن الانحراف، فاذا جاءوا بآيات الربا، والزنا، والآيات التي تدور حول التشريع وما أشبه فأنهم بذلك يزيلون الغبار من علي المرآة التي تعكس حقيقتهم المنحرفة. لذلك نجدهم يبعدون تلاوة هذه الآيات ولحنها.

وبعد هذه المقدمة لا بأس أن نقول بأن كل ذلك التقصير المصطنع في الادلة التي تدور حول موضوع الكفر والشرك، والتقوي والطاعة، ولابد أن يزول عند اطلاق النفس من ضغط الهوي ودراسة القضية دراسة موضوعية.