بازگشت

التوجه الجزئي للرسالات عائق للتفاعل الحياتي مع القرآن


لو اننا زعمنا بأن الانبياء إنما أرسلوا الي قوم أنكروا الله انكاراً تاماً، وبصورة علنية كالذين قالوا ان الله غير موجود، مثل نمرود، لو قلنا هذا الكلام لفصلنا جزءاً كبيراً من القرآن الحكيم عن التفاعل في حياتنا، لماذا؟

لان الناس في الارض عادة علي مرّ التاريخ خصوصاً-الآن-لا ينكرون الله انكاراً تاماً وصريحاً واذا سألتهم من ربكم؟ قالوا الله فاطر السماوات والارض، وحتي المشركين في مكة المكرمةكانوا يطوفون حول البيت، ويرددون هذه الكلمة، [لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك لبيك]، يعني لا شريك لك إلا شريك واحد، وهذه الكلمة كان يرددها المشركون حول الكعبة كثيرا، وهم كانوا يؤمنون بالله ولا ينكرون وجوده.

ان الشرك يعني عبادة الاصنام أيضاً، هذا شرك يمكن تفسيره تفسيراً معيناً، إذ أن هؤلاء الذين كانوا يعبدون الاصنام كانوا يقولون لا نعبدهم إلا لتقربنا الي الله زلفي، ومن ثم اتخذوا الاصنام وسيلة، وأحد شعراء الصوفية يقول في شعره الفارسي: المشكلة بين فرعون وموسي لم تكن مشكلة توحيدية، إنما مشكلة من نوع آخر، موسي كان يقول لفرعون، لماذا أنت فقط الا له؟ لكل أناس آلهة فالشمس إله، والقمر إله، والارض إله.

المشكلة الحضارية للعالم..

المشكلة الحيققية التي لا تزال موجودة في العالم هي مشكلة الانحرافات السلوكية، والانحرافات الحضارية، أي انحراف الانسان عن القيادات الصحيحة والرسالية، هذه المشكلة التي لا تقبل الحل، أما مشكلة أن تقول للناس قولوا لا إله إلا الله، فالناس يقولوا ألف مرة، والصلاة يصلونها في وقتها، وكذلك الصوم يصومون، وسائر ما عليهم من العبادات يؤدونها، فماذا تريد؟

ان هذا ليس فيه أدني اشكال، أنما الاشكال الذي نحن فيه والمشاكل التي نحن فيها، هي من نوع آخر، من نوع انحراف الانسان النفسي بالاضافة الي الامراض الاجتماعية، والامراض الاقتصادية، والامراض السياسية الموجودة عند البشرية، ولو قلنا بأن الانبياء لم يأتوا لمعالجة هذه الامراض، فان ذلك يعني فصل القرآن عن المجتمع، وقد لا يكون الانفصال تاماً، وإنما يمارس البعض منا تلاوة القرآن الغير واعية مع اعتقاده الراسخ بأن هذه الآيات لا تخصه، لان النبي الذي جاء ليس من أجل هذه الامراض التي نعانيها، وإنما جاء من أجل مرض آخر لا نعاني منه شيئاً، ربما كان هذا الهدف الوهمي ضيق من حدود القرآن الكريم، وحجم آفاق رسالة الانبياء في بؤرة صغيرة وهي مقاومة الشرك العلني أو الكفر الصريح، وكما قلنا ان هذا الهدف بعيد عن روح القرآن، بل هو صريح في آيات البعد عن آيات القرآن التي تأتي لتبين بأن الانبياء يذهبون لاداء رسالتهم وهم يركزون علي سلوكيات معينة في المجتمع وعلي انحرافات خاصة.. أنظروا في سورة يونس، وسورة الانبياء، وسور الشعراء والقصص والروم والعنكبوت، هذه السور القرآنية توضح كيف ان رسالة الانبياء، كانت موجهة لانحرافات معينة، بعضها اقتصادية، وبعضها اجتماعية، والاخري خلقية، فلماذا رفض قوم لوط رسالة الله التي جاءتهم علي يد لوط؟

القرآن بجيب:

لانهم كانوا منحرفون خلقياً، ولان لوط عليه الصلاة والسلام كانت رسالته موجهة بصورة مباشرة ومركزة ضد هذا الانحراف، لذلك لم يقبلوه، ورفضوه، وبالتالي عذبهم الله. ومن أجل سائر الانحرافات الاجتماعية جاءت رسالات السماء.