بازگشت

السعيد حقا


708. كتاب من لا يحضره الفقيه باسناده عن علي بن الحسين عن أبيه عليهماالسلام: بينا أميرالمؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس مع أصحابه يعبئهم للحرب، اذا أتاه شيخ عليه شحبة [1] السفر، فقال: أين أميرالمؤمنين؟ فقيل: هو ذا، فسلم عليه، ثم قال:

يا أميرالمؤمنين: اني أتيتك من ناحية الشام، و أنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا احصي، و اني أظنك ستغتال، فعلمني مما علمك الله.

قال: نعم يا شيخ: من اعتدل يوماه فهو مغبون، و من كانت الدنيا همته اشتدت


حسرته عند فراقها، و من كان غده شر يوميه فهو محروم، و من لم يبال بما رزي [2] من آخرته اذا سلمت له دنياه فهو هالك، و من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوي، و من كان في نقص فالموت خير له.

يا شيخ، ارض للناس ما ترضي لنفسك، وائت الي الناس ما تحب أن يؤتي اليك.

ثم أقبل علي اصحابه فقال: ايها الناس!

أما ترون الي اهل الدنيا يمسون و يصبحون علي أحوال شتي؛ فبين صريع يتلوي، و بين عائد و معود، و آخر بنفسه يجود، و آخر لا يرجي، و آخر مسجي، و طالب الدنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه، و علي أثر الماضي يصير الباقي.

فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أميرالمؤمنين، أي سلطان أغلب و أقوي؟

قال: الهوي.

قال: فأي ذل أذل؟

قال: الحرص علي الدنيا.

قال: فأي فقر أشد؟

قال: الكفر بعد الايمان.

قال: فأي دعوة أضل؟

قال: الداعي بما لا يكون.

قال: فأي عمل أفضل؟


قال: التقوي.

قال: فأي عمل أنجح؟

قال: طلب ما عند الله عزوجل.

قال: فأي صاحب لك شر؟

قال: المزين لك معصية الله عزوجل.

قال: فأي الخلق أشقي؟

قال: من باع دينه بدنيا غيره.

قال: فأي الخلق أقوي؟

قال: الحليم.

قال: فأي الخلق أشح؟

قال: من أخذ المال من غير حله، فجعله في غير حقه.

قال: فأي الناس أكيس؟

قال: من أبصر رشده من غيه، فمال الي رشده.

قال: فمن أحلم الناس؟

قال: الذي لا يغضب.

قال: فأي الناس أثبت رأيا؟

قال: من لم يغره الناس من نفسه، و من لم تغره الدنيا بتشوفها [3] .

قال: فأي الناس أحمق؟


قال: المغتر بالدنيا و هو يري ما فيها من تقلب احوالها.

قال: فأي الناس أشد حسرة؟

قال: الذي حرم الدنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

قال: فأي الخلق أعمي؟

قال: الذي عمل لغير الله، يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل.

قال: فأي القنوع أفضل؟

قال: القانع بما أعطاه الله عزوجل.

قال: فأي المصائب أشد؟

قال: المصيبة بالدين.

قال: فأي الاعمال احب الي الله عزوجل؟

قال: انتظار الفرج.

قال: فأي الناس خير عند الله؟

قال: أخوفهم لله، و أعملهم بالتقوي، و أزهدهم في الدنيا.

قال: فأي الكلام أفضل عند الله عزوجل؟

قال: كثرة ذكره، و التضرع اليه بالدعاء.

قال: فأي القول أصدق؟

قال: شهادة أن لا اله الا الله.

قال: فأي الاعمال أعظم عند الله عزوجل؟

قال: التسليم و الورع.

قال: فاي الناس أصدق؟


قال: من صدق في المواطن.

ثم أقبل عليه السلام علي الشيخ فقال: يا شيخ، ان الله عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم، فزهدهم فيها و في حطامها، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم اليها، و صبروا علي ضيق المعيشة، و صبروا علي المكروه، و اشتاقوا الي ما عند الله عزوجل من الكرامة، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله، و كانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا الله عزوجل و هو عنهم راض، و علموا أن الموت سبيل من مضي و من بقي، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب و الفضة، و لبسوا الخشن، و صبروا علي البلوي، و قدموا الفضل، و أحبوا في الله و أبغضوا في الله عزوجل، اولئك المصابيح و أهل النعيم في الآخرة، و السلام.

قال الشيخ: فأين أذهب و أدع الجنة، و أنا أراها و أري أهلها معك يا أميرالمؤمنين؟! جهزني بقوة أتقوي بها علي عدوك.

فأعطاه أميرالمؤمنين عليه السلام سلاحا و حمله، و كان في الحرب بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام يضرب قدما، و أميرالمؤمنين عليه السلام يعجب مما يصنع، فلما اشتد الحرب أقدم فرسه حتي قتل - رحمة الله عليه - و أتبعه رجل من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام فوجده صريعا، و وجد دابته و وجد سيفه في ذراعه، فلما انقضت الحرب أتي أميرالمؤمنين عليه السلام بدابته و سلاحه و صلي عليه أميرالمؤمنين عليه السلام، و قال:

هذا و الله السعيد حقا، فترحموا علي أخيكم [4] .



پاورقي

[1] الشاحب: المتغير اللون و الجسم من سفر أو مرض (النهاية: ج 2 ص 448 «شحب»).

[2] الرزء: المصيبة، رزاته رزيئة: أي أصابته مصيبة (الصحاح: ج 1 ص 53 «رزا»).

[3] تشوف فلان لکذا: طمح بصره اليه، ثم استعمل في تعلق الآمال و التطلب (المصباح المنير: ص 327 «تشوف»).

[4] کتاب من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 381 ح 5833، معاني الاخبار: ص 198 ح 4 کلاهما عن عبدالله بن بکر المرادي عن الامام الکاظم عن آبائه عليهم‏السلام، بحارالأنوار: ج 77 ص 376 ح 1، و في الامالي للطوسي: ص 435 ح 974 و الامالي للصدوق: ص 477 ح 644 عن عبدالله بن بکر المرادي عن موسي بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عليهم‏السلام.