بازگشت

جور الخلفاء علي قبره الشريف، و ما ظهر من المعجزات عند ضريحه


1 - ما: ابن حشيش، عن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد بن مخلد، عن أحمد بن ميثم، عن يحيي بن عبد الحميد الحماني أملا علي في منزله قال:، خرجت أيام ولاية موسي بن عيسي الهاشمي الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي: أمض بنا يا يحيي إلي هذا، فلم أدر من يعني، و كنت أجل أبا بكر عن مراجعته، و كان راكبا حمارا له، فجعل يسير عليه، و أنا أمشي مع ركابه، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم، التفت إلي و قال: يا ابن الحماني إنما جررتك معي و جشمتك [1] أن تمشي خلفي لاسمعك ما أقول لهذه الطاغية قال: فقلت: من هو يا أبابكر؟ قال: هذا الفاجر الكافر موسي بن عيسي، فسكت عنه و مضي و أنا أتبعه حتي إذا صرنا إلي باب موسي بن عيسي، و بصر به الحاجب و تبينه و كان الناس ينزلون عند الرحبة، فلم ينزل أبو بكر هناك و كان عليه يومئذ قميص و إزار، و هو محلول الازرار، قال: فدخل علي حماره و ناداني: تعال يا ابن الحماني، فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر و قال له: أ تمنعه يا فاعل! و هو معي؟ فتركني فما زال يسير علي حماره حتي دخل الايوان، فبصربنا موسي و هو


قاعد في صدر الايوان علي سريره، و بحنبتي السرير رجال متسلحون و كذلك كانوا يصنعون فلما أن رآه موسي رحب به و قربه و أقعده علي سريره، و منعت أنا حين وصلت إلي الايوان أن أتجاوزه، فلما استقر أبو بكر علي السرير التفت فرآني حيث أنا واقف، فناداني فقال: ويحك! فصرت إليه و نعلي في رجلي و علي قميص و إزار فأجلسني بين يديه، فالتفت إليه موسي فقال: هذا رجل تكلمنا فيه؟ قال: لا، و لكني جئت به شاهدا عليك، قال: فيما ذا؟ قال: إني رأيتك و ما صنعت بهذا القبر، قال: أي قبر؟ قال: قبر الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان موسي قد وجه إليه من كربه و كرب جمع أرض الحائر و حرثها و زرع الزرع فيها، فانتفخ موسي حتي كاد أن ينقد ثم قال: و ما أنت و ذا؟ قال: اسمع حتي أخبرك أعلم أني رأيت في منامي كاني خرجت إلي قومي بني غاضرة، فلما صرت بقنطرة الكوفة، اعترضني خنازير عشرة تريدني فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد، فدفعها عني فمضيت لوجهي، فلما صرت إلي شاهي ضللت الطريق، فرأيت هناك عجوزا فقالت لي: أين تريد أيها الشيخ؟ قلت: أريد الغاضرية، قالت لي: تنظر هذا الوادي فانك إذا أتيت إلي آخره اتضح لك الطريق، فمضيت و فعلت ذلك، فلما صرت إلي نينوي إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك، فقلت: من أين أنت أيها الشيخ؟ فقال لي: أنا من أهل هذه القرية، فقلت: كم تعد من السنين؟ فقال: ما أحفظ ما مر من سني و عمري، و لكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين ابن علي عليه السلام و من كان معه من أهله و من تبعه، يمنعون الماء الذي تراه، و لا تمنع الكلاب و لا الوحوش شربه فاستفضعت ذلك و قلت له: ويحك أنت رأيت هذا؟ قال: إي و الذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ و عاينته، وإنك و أصحابك الذين تعينون علي ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم، فقلت: ويحك و ما هو؟ قال:


حيث لم تنكروا ما أجري سلطانكم إليه، قلت: و ما جري؟ قال: أيكرب قبر ابن النبي و يحرث أرضه؟ قلت: و أين القبر؟ قال: هاهوذا أنت واقف في أرضه، فأما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه قال أبو بكر بن عياش: و ما كنت رأيت القبر ذلك الوقت قط و لا أتيته في طول عمري، فقلت: من لي بمعرفته؟ فمضي معي الشيخ حتي وقف بي علي حير [2] له باب و آذن و إذا جماعة كثيرة علي الباب، فقلت اللآذن: أريد الدخول علي ابن رسول الله، فقال: لا تقدر علي الوصول في هذا الوقت، قلت: و لم؟ قال: هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله، و محمد رسول الله، و معهما جبرئيل و ميكائيل، في رعيل من الملائكة كثير قال أبو بكر بن عياش، فانتبهت و قد دخلني روع شديد و حزن و كآبة و مضت بي الايام حتي كدت أن أنسي المنام، ثم اضطررت إلي الخروج إلي بني غاضرة لدين كان لي علي رجل منهم، فخرجت و أنا لا أذكر الحديث حتي صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص فحين رأيتهم، ذكرت الحديث و رعبت من خشيتي لهم، فقالوا لي: ألق ما معك و انج بنفسك، و كانت معي نفيقة فقلت: ويحكم أنا أبو بكر بن عياش و إنما خرجت في طلب دين لي و الله (و) الله لا تقطعوني عن طلب ديني و تصرفاتي في نفقتي فاني شديد الاضافة، فنادي رجل منهم مولاي و رب الكعبة، لا يعرض له، ثم قال لبعض فتيانهم: كن معه حتي تصير به إلي الطريق الايمن قال أبو بكر: فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام و أتعجب من تأويل الخنازير حتي صرت إلي نينوي، فرأيت و الله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته و هيئته، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء، فحين رأيته ذكرت الامر و الرؤيا، فقلت: لا إله إلا الله! ما كان هذا إلا و حيا ثم سألته كمسألتي إياه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثم قال لي: أمض بنا، فمضيت


فوقفت معه علي الموضع، و هو مكروب فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن و الحير فاني لم أرحيرا و لم أر آذنا فاتق الله أيها الرجل فاني قد آليت علي نفسي أن لا أدع إذاعة هذا الحديث و لا زيارة ذلك الموضع، و قصده و إعظامه، فان موضعا يؤمه إبراهيم و محمد و جبرئيل و ميكائيل لحقيق بأن يرغب في إتيانه و زيارته، فان أبا حصين حدثني أن رسول الله قال: من رآني في المنام فاياي رأي فان الشيطان لا يتشبه بي فقال له موسي: إنما أمسكت عن إجابة كلامك لاستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك، و تالله إن بلغني بعد هذا الوقت أنك تحدث بهذا لاضربن عنقك و عنق هذا الذي جئت به شاهدا علي فقال له أبو بكر: إذا يمنعني الله و إياه منك فاني إنما أردت الله بما كلمتك به، فقال له: أتراجعني ياماص.

.

.

و شتمه فقال له: أسكت أخزاك الله و قطع لسانك فازعل موسي علي سريره، ثم قال: خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير، و أخذت أنا، فو الله لقد مر بنا من السحب و الجر و الضرب ما ظننت أننا لا نكثر الاحياء أبدا، و كان أشد مامربي من ذلك أن رأسي كان يجر علي الصخر، و كان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي، و موسي يقول: اقتلوهما ابني كذا و كذا - بالزاني لا يكني - و أبو بكر يقول له: أمسك قطع الله لسانك، و انتقم منك، أللهم إياك أردنا و لولد نبيك غضبنا، و عليك توكلنا: فصير بنا جميعا إلي الحبس فما لبثنا في الحبس إلا قليلا فالتفت إلي أبو بكر ورأي ثيابي قد خرقت و سالت دمائي، فقال: يا حماني قد قضينا لله حقا و اكتسبنا في يومنا هذا أجرا و لن يضيع ذلك عند الله و لا عند رسوله، فما لبثنا إلا قدر غدائه و نومه، حتي جاءنا رسوله فأخرجنا إليه و طلب حمار أبي بكر فلم يوجد، فدخلنا عليه، و إذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة و كبرا، فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا، و كان أبو بكر إذا تعب في مشيه جلس يسيرا ثم يقول: أللهم إن هذا فيك فلا تنسه، فلما دخلنا علي موسي و إذا هو علي سرير له، فحين بصربنا قال: لاحيا الله و لاقرب من جاهل


أحمق متعرض لما يكره، ويلك يا دعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم، فقال له أبو بكر: قد سمعت كلامك، و الله حسيبك، فقال له:، أخرج قبحك الله و الله إن بلغني أن هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لاضربن عنقك، ثم التفت إلي و قال: يا كلب و شتمني و قال: إياك ثم إياك أن تظهر هذا فانه إنما خيل لهذا الشيخ الاحمق شيطان يلعب به في منامه، أخرجا عليكما لعنة الله و غضبه، فخرجنا و قد أيسنا من الحياة، فلما وصلنا إلي منزل الشيخ أبي بكر و هو يمشي و قد ذهب حماره فلما أراد أن يدخل منزله التفت إلي و قال: احفظ هذا الحديث، وأثبته عندك و لا تحدثن هؤلاء الرعاع و لكن حدث به أهل العقول و الدين بيان: تقول كربت الارض أي قلبتها للحرث، و الرعيل القطعة من الخيل و الاضافة: الضيافة، و قال الجوهري: قولهم يامصان، و للانثي يامصانة، شتم أي ياماص فرج امه و يقال أيضا رجل مصان إذا كان يرضع الغنم (من لؤمه) و زاعله أزعجه قوله إننا لا نكثر الاحياء أبدا هو كناية عن الموت أي لا نكون بينهم حتي يكثر عددهم بنا قوله بالزاني لا يكني أي كان يقول في الشتم ألفاظا صريحة في الزنا و لا يكتفي بالكناية 2 - ما: ابن حشيش، عن أبي المفضل الشيباني، عن أحمد بن عبد الله الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان، عن الحسين بن محمد بن مسلمة، عن إبراهيم الديزج قال: بعثني المتوكل إلي كربلا لتغيير قبر الحسين عليه السلام و كتب معي إلي جعفر ابن محمد بن عمار القاضي: اعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلي كربلا لينبش قبر الحسين فإذا قرأت كتابي فقف علي الامر حتي تعرف فعل أو لم يفعل قال الديزج: فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمار، ثم أتيته فقال لي: ما صنعت؟ فقلت: قد فعلت ما أمرت به، فلم أر شيئا و لم أجد شيئا، فقال لي: أفلا عمقته؟ قلت: قد فعلت فما رأيت فكتب إلي السلطان أن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئا و أمرته


فمخره بالماء، و كربه بالبقر، قال أبو علي العماري: فحدثني إبراهيم الديزج و سألته عن صورة الامر، فقال لي: أتيت في خاصة غلماني فقط و إني نبشت فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين بن علي، و وجدت منه رائحة المسك فتركت البارية علي حالها و بدن الحسين علي البارية، و أمرت بطرح التراب عليه و أطلقت عليه الماء و أمرت بالبقر لتمخره و تحرثه، فلم تطأه البقر، و كانت إذا جاءت إلي الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني بالله و بالايمان المغلظة، لئن ذكر أحد هذا لاقتلنه بيان: يقال: مخرت الارض أي أرسلت فيه الماء، و مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مع صوت 3 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل، عن أبي عبد الله الباقطاني قال: ضمني عبيد الله بن يحيي بن خاقان إلي هارون المعري و كان قائدا من قواد السلطان أكتب له، و كان بدنه كله أبيض شديد البياض، حتي يديه و رجليه كانا كذلك و كان وجهه أسود شديد السواد كأنه القير، و كان يتفقأ مع ذلك مدة منتنة، قال: فلما أنس بي سألته عن سواد وجهه فأبي أن يخبرني ثم إنه مرض مرضه الذي مات فيه، فقعدت فسألته فرأيته كأنه يحب يأن يكتم عليه، فضمنت له الكتمان فحدثني قال: وجهني المتوكل أنا و الديزج لنبش قبر الحسين، و إجراء الماء عليه، فلما عزمت علي الخروج و المسير إلي الناحية رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في المنام فقال: لا تخرج مع الديزج و لا تفعل ما امرتم به في قبر الحسين! فلما أصبحنا جاؤوا يستحثوني في المسير فسرت معهم حتي وفينا كربلاء و فعلنا ما أمرنا به المتوكل فرأيت النبي في المنام فقال: ألم آمرك أن لا تخرج معهم؟ و لا تفعل فعلهم؟ فلم تقبل حتي فعلت ما فعلوا؟ ثم لطمني و تفل في وجهي فصار وجهي مسودا كما تري، و جسمي علي حالته الاولي بيان: تفقأ الدمل و القرح تشقق 4 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن سعيد بن أحمد أبي القاسم الفقية، عن الفضل


ابن محمد بن عبد الحميد، قال: دخلت علي إبراهيم الديزج و كنت جاره أعوده في مرضه الذي مات فيه، فوجدته بحال سوء و إذا هو كالمدهوش، و عنده الطبيب فسألته عن حاله، و كانت بيني و بينه خلطة و انس توجب الثقة بي و الانبساط إلي فكاتمني حاله، و أشار إلي الطبيب فشعر الطبيب بإشارته و لم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله، فقام فخرج، و خلا الموضع، فسألته عن حاله فقال:، أخبرك و الله و أستغفر الله إن المتوكل أمرني بالخروج إلي نينوي إلي قبر الحسين عليه السلام فأمرنا أن نكربه و نطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساء و معنا الفعلة و الدر كاريون [3] معهم المساحي و المرود فتقدمت إلي غلماني و أصحابي أن يأخدوا الفعلة بخراب القبر، و حرث أرضه، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر و نمت فذهب بي النوم، فإذا ضوضاء شديد، و أصوات عالية، و جعل الغلمان ينبهوني فقمت و أنا ذعر، فقلت للغلمان: ما شأنكم؟ قالوا: أعجب شأن، قلت: و ما ذاك؟ قالوا: إن بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا و بين القبر و هم يرموننا مع ذلك بالنشاب فقمت معهم لا تبين الامر، فوجدته كما وصفوا، و كان ذلك في أول الليل من ليالي البيض، فقلت: ارموهم فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منا إلا في صاحبه الذي رمي به، فقتله فاستوحشت لذلك و جزعت، و أخذتني الحمي و القشعريرة، و رحلت عن القبر لوقتي، و وطنت نفسي علي أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به، قال أبو برزة: فقلت له: قد كفيت ما تحذر من المتوكل قد قتل بارحة الاولي، و أعان عليه في قتله المنتصر، فقال لي: قد سمعت بذلك، و قد نالني في جسمي مالاأرجومعه البقاء، قال أبو برزة: كان هذا في أول النهار، فما أمسي الديزج حتي مات قال ابن حشيش: قال أبو المفضل إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة فسأل


رجلا من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر، قال: ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله و عاش بعده سبعة أشهر 5 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن علي بن عبد المنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطئ النيل قال: حدثني جدي القاسم بن أحمد بن معمر الاسدي الكوفي و كان له علم بالسيرة و أيام الناس، قال: بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوي لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فيصير إلي قبره منهم خلق كثير، فأنفذ قائدا من قواده و ضم إليه كنفا من الجند كثيرا ليشعث قبر الحسين عليه السلام و يمنع الناس من زيارته و الاجتماع إلي قبره، فخرج القائد إلي الطف و عمل بما امر، و ذلك في سنة سبع و ثلاثين و مائتين، فثار أهل السواد به و اجتمعوا عليه، و قالوا: لو قتلنا عن آخر نالما أمسك من بقي منا عن زيارته و رأوا من الدلائل ما حملهم علي ما صنعوا، فكتب بالامر إلي الحضرة فورد كتاب المتوكل إلي القائد بالكف عنهم و المسير إلي الكوفة، مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها، و الانكفاء إلي المصر فمضي الامر علي ذلك حتي كانت سنة سبع و أربعين فبلغ المتوكل أيضا مصير الناس من أهل السواد و الكوفة إلي كربلا لزيارة قبر الحسين عليه السلام و أنه قد كثر جمعهم لذلك، و صار لهم سوق كبير فأنفذ قائدا في جمع كثير من الجند و أمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر ه، و نبش القبر و حرث أرضه و انقطع الناس عن الزيارة، و عمل علي تتبع آل أبي طالب و الشيعة، فقتل و لم يتم له ما قدره بيان: قوله كنفا من الجند أي جانبا كناية عن الجماعة منهم، و في بعض النسخ بالثاء و هو بالفتح الجماعة، قوله ليشعب أي يشق و ينش، و في بعض النسخ المصححة ليشعث من قبره، يقال شعث منه تشعيثا نضح عنه و ذب و دفع، و انكفأ رجع 6 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن عبد الرزاق بن سليمان بن غالب الازدي


قال: حدثني عبد الله بن رابية الطوري قال: حججت سنة سبع و أربعين و مائتين فلما صدرت من الحج صرت إلي العراق، فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علي حال خيفة من السلطان، و زرته ثم توجهت إلي زيارة الحسين عليه السلام فإذا هو قد حرث أرضه، و مخر فيها الماء، و أرسلت الثيران العوامل في الارض، فبعيني و بصري كنت رأيت الثيران تساق في الارض فتنساق لهم حتي إذا حازت مكان القبر حادت عنه يمينا و شمالا فتضرب بالعصا الضرب الشديد، فلا ينفع ذلك فيها و لا تطأ القبر بوجه و لا سبب فما أمكنتني الزيارة فتوجهت إلي بغداد و أنا أقول:



تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنو أبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما



فلما قدمت بغداد سمعت الهايعة فقلت ما الخبر؟ قالوا:، سقط الطائر بقتل جعفر المتوكل، فعجبت لذلك و قلت: إلهي ليلة بليلة بيان: قال الفيروز آبادي: الهيعة و الهايعة الصوت تفزع منه و تخافه من عدو 7 - ما:، عنه، عن أبي المفضل، عن محمد بن علي بن هاشم الآبلي، عن الحسن ابن أحمد بن النعمان الجوزجاني، عن يحيي بن المغيرة الرازي قال: كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق فسأله جرير عن خبر الناس فقال: تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السلام و أمر أن تقطع السدرة التي فيه، فقطعت قال: فرفع جرير يديه و قال: الله أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: لعن الله قاطع السدرة ثلاثا فلم نقف علي معناه حتي الآن لان القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين عليه السلام حتي لا يقف الناس علي قبره 8 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرحجي قال: حدثني أبي، عن عمه عمربن فرج قال: أنفذني المتوكل في تخريب قبر الحسين عليه السلام فصرت إلي الناحية، فأمرت بالبقر فمر بها علي القبور كلها، فلما


بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمر عليه، قال عمي عمربن فرج: فأخذت العصا بيدي فما زلت أضربها حتي تكسرت العصا في يدي فو الله ما جازت علي قبره و لا تخطته قال لنا محمد بن جعفر: كان عمي عمربن فرج كثير الانحراف عن آل محمد صلي الله عليه و آله فأنا أبرء إلي الله منه، و كان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة لهم رحمه الله و رضي عنه فأنا أتولاه لذلك و أفرح بولادته 9 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن عمربن الحسين بن علي، عن المنذر ابن محمد القابوسي، عن الحسين بن محمد الازدي، عن أبيه قال: صليت في جامع المدينة و إلي جانبي رجلان علي أحدهما ثياب السفر فقال أحدهما لصاحبه: يا فلان أما علمت أن طين قبر الحسين عليه السلام شفاء من كل داء؟ و ذلك أنه كان بي وجع الجوف، فتعالجت بكل دواء فلم أجد فيه، عافية و خفت علي نفسي و آيست منها و كانت عندنا إمرأة من أهل الكوفة عجوز كبيرة، فدخلت علي و أنا في أشد مابي من العلة فقالت لي: يا سالم ما أري علتك إلا كل يوم زائدة، فقلت لها: نعم فقالت: فهل لك أن اعالجك فتبرء باذن الله عز و جل؟ فقلت لها: ما أنا إلي شيء أحوج مني إلي هذا، فسقتني ماء في قدح فسكنت عني العلة، و برأت حتي كأن لم يكن بي علة قط فلما كان بعد أشهر دخلت علي العجوز، فقلت لها: بالله عليك يا سلمة - و كان اسمها سلمة - بماذا داويتني؟ فقالت بواحدة مما في هذه السجة من سبحة كانت في يدها فقلت: و ما هذه السجة؟ فقالت: إنها من طين قبر الحسين عليه السلام فقلت لها: يا رافضية داويتني بطين قبر الحسين؟ فخرجت من عندي مغضبة و رجعت و الله علني كأشد ما كانت، و أنا افاسي منها الجهد و البلاء و قد و الله خشيت علي نفسي ثم أذن المؤذن فقاما يصليان و غابا عني 10 - ما: عنه، عن أبي المفضل، عن الفضل بن محمد بن أبي طاهر، عن محمد بن موسي الشريعي، عن أبيه موسي بن عبد العزيز قال: لقيني يوحنا ابن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني و قال لي: بحق نبيك و دينك


من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة؟ من هو من أصحاب نبيكم؟ قلت: ليس هو من أصحابه هو ابن بنته، فما دعاك إلي المسألة لي عنه؟ فقال له: عندي حديث طريف، فقلت: حدثني به، فقال: وجه إلي سابور الكبير الخادم الرشيدي في الليل فصرت إليه فقال: تعال معي، فمضي و أنا معه حتي دخلنا علي موسي بن عيسي الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئا علي وسادة و إذا بين يديه طست فيها حشو جوفه، و كان الرشيد استحضره من الكوفة فأقبل سابور علي خادم كان من خاصة موسي فقال له: ويحك ما خبره؟ فقال له أخبرك إنه كان من ساعته جالسا و حوله ندماؤه، و هو من أصح الناس جسما و أطيبهم نفسا إذ جري ذكر الحسين بن علي عليه السلام قال يوحنا: هذا الذي سألتك عنه فقال موسي: إن الرافضة ليغلون فيه حتي أنهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به، فقال له رجل من بني هاشم كان حاضرا: قد كانت بي علة غليلة، فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتي وصف لي كاتبي أن خذ من هذه التربة، فأخذتها فنفعني الله بها و زال عني ما كنت أجده قال: فبقي عندك منها شيء؟ قال: نعم: فوجه فجاءه منها بقطعة فناولها موسي ابن عيسي فأخذها موسي فاستدخلها دبره استهزاء بمن تداوي بها و احتقارا و تصغيرا لهذا الرجل الذي هي تربته يعني الحسين عليه السلام فما هو إلا أن استدخلها دبره، حتي صاح: النار النار الطست الطست فجئناه بالطست فأخرج فيها ما تري فانصرف الندماء، و صار المجلس مأتما فأقبل علي سابور فقال: أنظر هل لك فيه حيلة؟ فدعوت بشمعة فنظرت فإذا كبده و طحاله و ريته و فؤاده خرج منه في الطست فنظرت إلي أمر عظيم، فقلت: ما لاحد في هذا صنع إلا أن يكون لعيسي الذي كان يحبي الموتي، فقال لي سابور: صدقت، و لكن كن ههنا في الدار إلي أن يتبين ما يكون من أمره، فبت عندهم و هو بتلك الحال ما رفع رأسه، فمات في وقت السحر قال محمد بن موسي: قال لي موسي بن! سريع: كان يوحنا يزور قبر الحسين


و هو علي دينه، ثم أسلم بعد هذا و حسن إسلامه 11 - قب: أخذ المسترشد من مال الحائر و كربلا و قال: إن القبر لا يحتاج إلي الخزانة و أنفق علي العسكر فلما خرج قتل هو و ابنه الراشد كتابي ابن بطة و النطنزي: روي أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل بإسناده عن الاعمش قال: أحدث رجل علي قبر الحسين عليه السلام فأصابه و أهل بيته جنون و جذام و برص، و هو يتوارثون الجذام إلي الساعة و روي جماعة من الثقات أنه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين عليه السلام و أن يجري الماء عليه من العلقمي، أتي زيد المجنون و بهلول المجنون إلي كربلا فنظرا إلي القبر و إذا هو معلق بالقدرة في الهواء، فقال زيد: يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم و يأبي الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون، و ذلك أن الحراث حرث سبع عشرة مرة و القبر يرجع إلي حاله، فلما نظر الحراث إلي ذلك آمن بالله وحل البقر فاخبر المتوكل فأمر بقتله [4] 12 - أقول: وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا، قال: روي عن سليمان الاعمش أنه قال:، كنت نازلا بالكوفة و كان لي جار و كنت آتي إليه و أجلس عنده، فأتيت ليلة الجمعة إليه، فقلت له: يا هذا ما تقول في زيادة الحسين عليه السلام؟ فقال لي: هي بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار قال سليمان: فقمت من عنده و أنا ممتلئ عليه غيظا فقلت في نفسي: إذا كان وقت السحر آتيه و احدثه شيئا من فضائل الحسين عليه السلام فان أصر علي العناد قتلته، قال سليمان: فلما كان وقت السحر أتيته و قرعت عليه الباب و دعوته باسمه، فإذا بزوجته تقول لي: إنه قصد إلي زيارة الحسين من أول الليل قال سليمان: فسرت في أثره إلي زيارة الحسين عليه السلام فلما دخلت إلي القبر فإذا أنا بالشيخ ساجد لله عز و جل و هو يدعو و يبكي في سجوده و يسأله التوبة و المغفرة، ثم رفع رأسه بعد زمان طويل فرآني قريبا منه، فقلت له: يا شيخ بالامس


كنت تقول زيارة الحسين عليه السلام بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ذي ضلالة في النار و اليوم أتيت تزوره؟ فقال: يا سليمان لا تملني فاني ما كنت أثبت لاهل البيت إمامة حتي كانت ليلتي تلك، فرأيت رؤيا هالتني و روعتني فقلت له: ما رأيت أيها الشيخ؟ قال: رأيت رجلا جليل القدر لا بالطويل الشاهق، و لا بالقصير اللاصق لا أقدر أصفه من عظم جلاله و جماله، و بهائه و كماله و هو مع أقوام يحفون به حفيفا و يزفونه زفيفا و بين يديه فارس و علي رأسه تاج و للتاج أربعة أركان و في كل ركن جوهرة تضيئ من مسيرة ثلاثة أيام فقلت لبعض خدامه: من هذا؟ فقال: هذا محمد المصطفي، قلت: و من هذا الآخر؟ فقال: علي المرتضي وصي رسول الله، ثم مددت نظري فإذا أنا بناقة من نور، و عليها هودج من نور، و فيه إمرأتان و الناقة تطير بين السماء و الارض، فقلت: لمن هذه الناقة؟ فقال: لخديجة الكبري و فاطمة الزهراء عليهما السلام، فقلت: و من هذا الغلام؟ فقال: هذا الحسن بن علي، فقلت: و إلي أين يريدون بأجمعهم؟ فقالوا: لزيارة المقتول ظلما شهيد كربلا الحسين بن علي المرتضي، ثم إني قصدت نحو الهودج الذي فيه فاطمة الزهراء، و إذا أنا برقاع مكتوبة تتساقط من السماء فسألت ما هذه الرقاع؟ فقال: هذه رقاع فيها أمان من النار لزوار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي: إنك تقول: زيارته بدعة؟ فانك لا تنالها حتي تزور الحسين عليه السلام و تعتقد فضله و شرفه، فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا، و قصدت من وقتي و ساعتي إلي زيارة سيدي الحسين عليه السلام و أنا تائب إلي الله تعالي، فو الله يا سليمان لا افارق قبر الحسين حتي يفارق روحي جسدي قال: و روي الثقات عن أبي محمد الكوفي، عن دعبل بن علي الخزاعي قا ل: لما انصرفت عن أبي الحسن الرضا عليه السلام بقصيدتي التائية نزلت بالري و إني في ليلة من الليالي و أنا أصوغ قصيدة و قد ذهب من الليل شطره فإذا طارق يطرق الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أخ لك فبدرت إلي الباب ففتحته فدخل شخص اقشعر منه بدني و ذهلت منه نفسي، فجلس ناحية و قال لي: لا ترع أنا أخوك من الجن ولدت


في الليلة التي ولدت فيها و نشأت معك، و إني جئت أحدثك بما يسرك و يقوي نفسك و بصيرتك، قال: فرجعت نفسي و سكن قلبي فقال: يا دعبل إني كنت من أشد خلق الله بغضا و عداوة لعلي بن أبي طالب، فخرجت في نفر من الجن المردة العتاة فمررنا بنفر يريدون زيارة الحسين عليه السلام قد جنهم الليل فهممنابهم و إذا ملائكة تزجرنا من السماء و ملائكة في الارض تزجرعنهم هوامها، فكأني كنت نائما فانتبهت أو غافلا فتيقظت، و علمت أن ذلك لعناية بهم من الله تعالي لمكان من قصدوا له، و تشرفوا بزيارته فأحدثت توبة و جددت نية وزرت مع القوم، و وقفت بوقوفهم و دعوت بدعائهم، و حججت بحجهم تلك السنة، وزرت قبر النبي صلي الله عليه و آله و مررت برجل حوله جماعة، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا ابن رسول الله الصادق عليه السلام قال: فدنوت منه و سلمت عليه فقال لي: مرحبا بك يا أهل العراق أتذكر ليلتك ببطن كربلا و ما رأيت من كرامة الله تعالي لاوليائنا؟ إن الله قد قبل توبتك و غفر خطيئتك فقلت: الحمد لله الذي من علي بكم، و نور قلبي بنورهدايتكم، و جعلني من المعتصمين بحبل ولايتكم، فحدثني يا ابن رسول الله بحديث أنصرف به إلي أهلي و قومي، فقال: نعم، حدثني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله: يا علي الجنة محرمة علي الانبياء حتي أدخلها أنا، و علي الاوصياء حتي تدخلها أنت، و علي الامم حتي تدخلها أمتي، و علي أمتي حتي يفروا بولايتك و يدينوا بامامتك، يا علي و الذي بعثني بالحق لا يدخل الجنة أحد إلا من أخذ منك بنسب أو سبب، ثم قال: خذها يا دعبل فلن تسمع بمثلها من مثلي أبدا ثم ابتلعته الارض فلم أره قال: و روي أن المتوكل من خلفاء بني العباس كان كثير العداوة، شديد البغض لاهل بيت الرسول، و هو الذي أمر الحارثين بحرث قبر الحسين عليه السلام و أن يخربوا بنيانه و يحفوا آثاره و أن يجروا عليه الماء من النهر العلقمي بحيث لا تبقي له أثر و لا أحد يقف له علي خبر، و توعد الناس بالقتل لمن زار قبره، و جعل رصدا من


أجناده و أوصاهم: كل من وجدتموه يريد زيارة الحسين عليه السلام فاقتلوه، يريد بذلك إطفاء نور الله و إخفاء آثار ذرية رسول الله، فبلغ الخبر إلي رجل من أهل الخير يقال له زيد المجنون، و لكنه ذو عقل سديد، ورأي رشيد، و إنما لقب بالمجنون لانه أفحم كل لبيب و قطع حجة كل أديب، و كان لا يعي من الجواب، و لا يمل من الخطاب فسمع بخراب بنيان قبر الحسين عليه السلام و حرث مكانه، فعظم ذلك عليه و اشتد حزنه و تجدد مصابه بسيده الحسين عليه السلام و كان مسكنه يومئذ بمصر، فلما غلب عليه الوجد و الغرام لحرث قبر الامام عليه السلام خرج من مصر ماشيا هائما علي وجهه شاكيا وجده إلي ربه، و بقي حزينا كئيبا حتي بلغ الكوفة، و كان البهلول يومئذ بالكوفة، فلقيه زيد المجنون و سلم عليه فرد عليه السلام، فقال له البهلول: من أين لك معرفتي فلم ترني قط؟ فقال زيد: يا هذا أعلم أن قلوب المؤمنين جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، فقال له البهلول: يا زيد ما الذي أخرجك من بلادك بغير دابة و لا مركوب؟ فقال: و الله ما خرجت إلا من شدة وجدي و حزني، و قد بلغني أن هذا اللعين أمر بحرث قبر الحسين عليه السلام و خراب بنيانه و قتل زواره، فهذا الذي أخرجني من موطني و نقص عيشي و أجري دموعي و أقل هجوعي فقال البهلول: و أنا و الله كذلك فقال له: قم بنا نمضي إلي كربلا لنشاهد قبور أولاد علي المرتضي قال: فأخذ كل بيد صاحبه حتي وصلا إلي قبر الحسين عليه السلام و إذ ا هو علي حاله لم يتغير، و قد هدموا بنيانه، و كلما أجروا عليه الماء غار، و حار و استدار بقدرة العزير الجبار، و لم يصل قطرة واحدة إلي قبر الحسين عليه السلام و كان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه باذن الله تعالي فتعجب زيد المجنون مما شاهده و قال: انظر يا بهلول يريدون ليطفؤا نور الله بأفواهم و يأبي الله إلا أن يتم نوره و لو كره المشركون قال: و لم يزل المتوكل يأمر بحرث قبر الحسين عليه السلام مدة عشرين سنة


و القبر علي حاله لم يتغير، و لا يعلوه قطرة من الماء، فلما نظر الحارث إلي ذلك قال: آمنت بالله و بمحمد رسول الله و الله لا هربن علي وجهي و أهيم في البراري و لا أحرث قبر الحسين ابن بنت رسول الله و إن لي مدة عشرين سنة أنظر آيات الله و اشاهد براهين آل بيت رسول الله و لا أتعظ و لا أعتبر، ثم إنه حل النيران و طرح الفدان [5] و أقبل يمشي نحو زيد المجنون و قال له: من أين أقبلت يا شيخ؟ قال: من مصر، فقال له: ولاي شيء جئت إلي هنا و إنه لاخشي عليك من القتل فبكي زيد و قال: و الله قد بلغني حرث قبر الحسين عليه السلام فأحزنني ذلك و هيج حزني و و جدي فانكب الحارث علي أقدام زيد يقبلهما و هو يقول: فداك أبي و أمي، فو الله يا شيخ من حين ما أقبلت إلي أقبلت إلي الرحمة و استنار قلبي بنور الله، و إني آمنت بالله و رسوله و إن لي مدة عشرين سنة و أنا أ حرث هذه الارض، و كلما أجريت الماء إلي قبر الحسين عليه السلام غار و حار و استدار، و لم يصل إلي قبر الحسين منه قطرة و كأني كنت في سكر وافقت الآن ببركة قدومك إلي فبكي زيد و تمثل بهذه الابيات:



تالله إن كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتاه بنو أبيه بمثله

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما



فبكي الحارث و قال: يا زيد قد أيقظتني من رقدتي، و أرشد تني من غفلتي و ها أنا الآن ماض إلي المتوكل بسر من رأي، اعرفه بصورة الحال إن شاء أن يقتلني و إن شاء أن يتركني، فقال له زيد: و أنا أيضا أسير معك إليه و اساعدك علي ذلك قال: فلما دخل الحارث إلي المتوكل و خبره بما شاهد من برهان قبر الحسين عليه السلام استشاط غيظا و ازداد بغضا لاهل بيت رسول الله و أمر بقتل الحارث و أمر


أن يشد في رجله حبل، و يسحب علي وجهه في الاسواق، ثم يصلب في مجتمع الناس، ليكون عبرة لمن اعتبر، و لا يبقي أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا و أما زيد المجنون فانه ازداد حزنه و اشتد عزاؤه و طال بكاؤه و صبر حتي أنزلوه من الصلب و ألقوه علي مزبلة هناك، فجاء إليه زيد فاحتمله إلي الدجلة و غسله و كفنه وصلي عليه و دفنه، و بقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره، و هو يتلو كتاب الله عند، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا، و نوحا شجيا، و بكاء عظيما، و نساء بكثرة منشرات الشعور، مشققات الجيوب، مسودات الوجوه و رجالا بكثرة يندبون بالويل و الثبور، و الناس كافة في اضطراب شديد، و إذا بجنازة محمولة علي أعناق الرجال و قد نشرت لها الاعلام و الرايات، و الناس من حولها أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال و النساء قال زيد: فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت إلي رجل منهم و قلت له: من يكون هذا الميت؟ فقال: هذه جنازة جارية المتوكل و هي جارية سوداء حبشية و كان اسمها ريحانة، و كان يحبها حبا شديدا، ثم إنهم عملوا لها شأنا عظيما و دفنوها في قبر جديد، و فرشوا فيه الورد و الرياحين، و المسك و العنبر و بنوا عليها قبه عالية فلما نظر زيد إلي ذلك ازدادت أشجانه، و تصاعدت نيرانه و جعل يلطم وجهه و يمزق أطماره، و يحثي التراب علي رأسه، و هو يقول: وا ويلاه وا أسفاه عليك يا حسين أ تقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآنا شهيدا، و تسبي نساؤك و بناتك و عيالك، و تذبح أطفالك، و لم يبك عليك أحد من الناس، و تدفن بغير غسل و لاكفن، و يحرث بعد ذلك قبرك ليطفؤا نورك و أنت ابن علي المرتضي، و ابن فاطمة الزهراء، و يكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء، و لم يكن الحزن و البكاء لا بن محمد المصطفي قال: و لم يزل يبكي و ينوح حتي غشي عليه و الناس كافة ينظرون إليه فمنهم من رق له، و منهم من جني عليه، فلما أفاق من غشوته أنشد يقول:



أيحرث بالطف قبر الحسين

و يعمر قبر بني الزانية






لعل الزمان بهم قد يعود

و يأتي بدولتهم ثانية



ألا لعن الله أهل الفساد

و من يأمن الدنية الفانية



قال: إن زيدا كتب هذه الابيات في ورقة و سلمها لبعض حجاب المتوكل قال: فلما قرأها اشتد غيظه و أمر بإحضاره، فاحضر و جري بينه و بينه من الوعظ و التوبيخ ماأغاظه حتي أمر بقتله، فلما مثل بين يديه سأله عن أبي تراب من هو؟ استحقارا له، فقال: و الله إنك عارف به، و بفضله و شرفه، و حسبه، و نسبه، فو الله ما يجحد فضله إلا كل كافر مرتاب، و لا يبغضه إلا كل منافق كذاب، و شرع يعدد فضله و مناقبه حتي ذكر منها ماأغاظ المتوكل فأمر بحبسه فحبس فلما أسدل الظلام و هجع، جاء إلي المتوكل هاتف، و رفسه برجله و قال له: قم و أخرج زيدا من حبسه، و إلا أهلكك الله عاجلا، فقام هو بنفسه، و أخرج زيدا من حبسه، و خلع عليه خلعة سنية، و قال له: أطلب ما تريد قال: أريد عمارة قبر الحسين عليه السلام و أن لا يتعرض أحد لزواره فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحا مسرورا و جعل يدور في البلدان و هو يقول: من أراد زيارة الحسين عليه السلام فله الامان طول الازمان بيان: نير الفدان، بالكسر الخشبة المعترضة في عنق الثورين، و الجمع النيران و الا نيار، و الفدان بالتشديد البقرة التي تحرث، والاسدال إرخاء الستر و إرساله، و فيه استعارة، و الرفس الضرب بالرجل 13 - مل: أبي، عن سعد، عن بعض أصحابه، عن أحمد بن قتيبة الهمداني عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إني كنت بالحير [6] ليلة عرفة و كنت أصلي و ثم نحو من خمسين ألفا من الناس جميلة وجوههم طيبة أرواحهم و أقبلوا يصلون بالليل أجمع، فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: إنه مر بالحسين بن علي عليهما السلام خمسون ألف ملك و هو يقتل، فعرجوا إلي السماء فأوحي الله إليهم: مررتم بإبن حبيبي و هو يقتل


فلم تنصروه؟ فاهبطوا إلي الارض فاسكنوا عند قبره، شعثا غبرا إلي أن تقوم الساعة [7] 14 - مل: الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسي، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلي قبر الحسين بن علي عليه السلام مستخفيا من أهل الشام حتي انتهيت إلي كربلا فاختفيت في ناحية القرية، حتي إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي: انصرف مأجورا فانك لا تصل إليه فرجعت فزعا حتي إذا كاد يطلع الفجر أقبلت نحوه حتي إذا دنوت منه خرج إلي الرجل، فقال لي: يا هذا إنك لن تصل إليه، فقلت له: عافاك الله و لم لا أصل إليه و قد أقبلت من الكوفة أريد زيارته؟ فلا تحل بيني و بينه عافاك الله، و أنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ههنلا، قا ل: فقال لي: اصبر قليلا فان موسي بن عمران عليه السلام سأل الله أن يأذن له في زيارة قبر الحسين بن علي فأذن له فهبط من السماء في سبعين ألف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر، ثم يرجعون [8] إلي السماء قال: فقلت: فمن أنت عافاك الله؟ قال: أنا من الملائكة الذين امروا بحرس قبر الحسين عليه السلام و الاستغفار لزواره، فانصرفت و قد كاد يطير عقلي لما سمعت منه، قال: فأقبلت حتي إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني و بينه أحد فدنوت منه فسلمت عليه، و دعوت الله علي قتلته، و صليت الصبح، و أقبلت مسرعا مخافة أهل الشام 14 - دعوات الراوندي: حدثني الشيخ أبو جعفر النيشابوري رضي الله عنه قال: خرجت ذات سنة إلي زيارة الحسين عليه السلام في جماعة فلما كنا علي فرسخين من المشهد أو أكثر، أصاب رجلا من الجماعة الفالج، و صار كأنه قطعة لحم، قال: و جعل


يناشدنا بالله أن لا نخليه، و أن نحمله إلي المشهد، فقام عليه من يراعيه و يحافظه علي البهيمة، فلما دخلنا الحضرة وضعناه علي ثوب و أخذ رجلان منا طرفي الثوب و رفعناه علي القبر، و كان يدعو و يتضرع و يبكي و يبتهل و يقسم علي الله بحق الحسين أن يهب له العافية، قال: فلما وضع الثوب علي الارض جلس الرجل و مشي و كأنما نشط من عقال لقد تم هذا المجلد بفضل الله و عونه في شهر ربيع الاول من شهور سنة تسع و سبعين بعد الالف من الهجرة و الحمد لله أولا و آخرا وصلي الله علي محمد و أهل بيته الطاهرين المقدسين


پاورقي

[1] يقال: جشمته الامر و أجشمته إياه: کلفته إياه قال: مهماتجشمني فاني جاشم.

[2] الحير البستان، و المراد الحائر الحسيني عليه السلام.

[3] الروزکاريون خ ل و المساحي: جمع مسحاة و المرود - هنا: محور البکرة من الحديد و هي خشبة مستديرة في وسطها محز يستقي عليها.

[4] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 64.

[5] أراد بالفدان: آلة الثورين للحرث لقوله طرح و النيران يحتمل کونه تصحيف الثيران لقوله حل و سيأتي في البيان.

[6] يعني الحائر الحسيني عليه السلام.

[7] کامل الزيارات ص 115.

[8] في المصدر: يعرجون، راجع ص 112.