بازگشت

احوال المختار بن أبي عبيد الثققي و ما جري علي يديه و أيدي أوليائه


1 - ما: المفيد، عن المظفر بن محمد البلخي، عن محمد بن همام، عن الحميري عن داود بن عمر النهدي، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن يوسن، عن المنهال بن عمرو قال: دخلت علي علي بن الحسين منصرفي من مكة، فقال لي: يا منهال! ما صنع حرملة بن كاهل الاسدي؟ فقلت: تركته حيا بالكوفة قال: فرفع يديه جميعا ثم قال عليه السلام: أللهم أذقه حر الحديد، أللهم أذقه حر الحديد، أللهم أذقه حر النار قال المنهال: فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي و كان لي صديقا فكنت في منزلي أياما حتي انقطع الناس عني و ركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال: يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه و لم تهنئنا بها و لم تشركنا فيها؟ فأعلمته أني كنت بمكة وأني قد جئتك الآن، و سايرته و نحن نتحدث حتي أتي الكناس فوقف وقوفا كأنه ينظر شيئا و قد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل فوجه في طلبه، فلم يلبث أن جاء ثوم يركضون و قوم يشتدون، حتي قالوا: أيها الامير البشارة، قد اخذ حرملة بن كاهل، فما لبثنا أن جيئ به فلما نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله الذي مكنني منك، ثم قال: الجزار الجزار فاتي بجزار، فقال له: اقطع يديه، فقطعتا ثم قال له: اقطع رجليه، فقطعتا، ثم قال: النار النار فاتي بنار و قصب فالقي عليه فاشتعل فيه النار فقلت: سبحان الله! فقال لي: يا


منهال إن التسبيح لحسن ففيم سبحت؟ فقلت: أيها الامير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة علي علي بن الحسين عليه السلام فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الاسدي فقلت: تركته حيا بالكوفة، فرفع يديه جميعا فقال: أللهم أذقه حر الحديد أللهم أذقه حر الحديد أللهم أذقه حر النار فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول هذا؟ فقلت: الله لقد سمعته يقول هذا، قال: فنزل عن دابته وصلي ركعتين فأطال السجود ثم قام فركب و قد احترق حرملة و ركبت معه، و سرنا فحاذيت داري فقلت: أيها الامير إن رأيت أن تشرفني و تكرمني و تنزل عندي و تحرم بطعامي، فقال: يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه الله علي يدي ثم تأمرني أن آكل؟ هذا يوم صوم شكرا الله عز و جل علي ما فعلته بتوفيقه، و حرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام بيان: الحرمة ما لا يحل انتهاكه، و منه قولهم: تحرم بطعامه، و ذلك لان العرب إذا أكل رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة و ذمة يكون كل منهما آمنا من أذي صاحبه 2 - ما: المفيد، عن محمد بن عمران المرزباني، عن محمد بن إبراهيم، عن الحارث بن أبي اسامة قال: حدثنا المدائني، عن رجاله أن المختار بن أبي عبيد الثقفي ظهر بالكوفة ليلة الاربعاء لاربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة ست و ستين، فبايعه الناس علي كتاب الله و سنة رسول الله و الطلب بدم الحسين ابن علي عليه السلام و دماء أهل بيته رحمة الله عليهم و الدفع عن الضعفاء، فقال الشاعر في ذلك:



و لما دعا المختار جئنا لنصره

علي الخيل تردي من كميت و أشقرا



دعا يال ثأرات الحسين فأقبلت

تعادي بفرسان الصباح لتثأرا



و نهض المختار إلي عبد الله بن مطيع و كان علي الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه و أصحابه منها منهزمين و أقام بالكوفة إلي المحرم سنة سبع و ستين، ثم عمد


علي إنفاذ الجيوش إلي ابن زياد و كان بأرض الجزيرة، فصير علي شرطه أبا عبد الله الجدلي و أبا عمارة كيسان مولي عربية و أمر إبراهيم بن الاشتر - ره - بالتأهب للمسير إلي ابن زياد لعنه الله و أمره علي الاجناد، فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع و ستين في ألفين من مذحج و أسد و ألفين من تميم و همدان، و ألف و خمسمأة من قبائل المدينة و ألف و خمسمأة من كندة و ربيعة و ألفين من الحمرا، و قال بعضهم: كان ابن الاشتر في أربعة آلاف من القبائل و ثمانيه آلاف من الحمراء [1] و شيع المختار إبراهيم بن الاشتر - ره - ماشيا فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله فقال: إني لاحتسب الاجر في خطاي معك و أحب أن تغبر قدماي في نصر آل محمد عليهم السلام ثم ودعه و انصرف فسار ابن الاشتر حتي أتي المدائن ثم سار يريد ابن زياد فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه أن ابن الاشتر قد ارتحل من المدائن و أقبل حتي نزل المدائن فلما نزل ابن الاشتر نهر ا لخازر بالموصل [2] أقبل ابن زياد في الجموع فنزل علي أربعة فراسخ من عسكر ابن الاشتر ثم التقوا فحض ابن الاشتر أصحابه و قال: يا أهل الحق و أنصار الدين! هذا ابن زياد قاتل حسين بن علي و أهل بيته قد أتاكم الله به و بحز به حزب الشيطان، فقاتلوهم بنية و صبر، لعله الله يقتله بأيديكم و يشفي صدوركم و تزاحفو او نادي أهل العراق يا آل ثأرات الحسين، فجال أصحاب ابن الاشتر جولة فناداهم يا شرطة الله الصبر الصبر فتراجعوا فقال لهم عبد الله بن بشار بن أبي عقب الدئلي: حدثني خليلي أنا نلقي أهل الشام علي نهر يقال له: الخازر فيكشفونا حتي نقول: هي هي [3] ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم فابشروا و اصبروا


فانكم لهم قاهرون ثم حمل ابن الاشتر - ره - يمينا فخالط القلب و كسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمة و قد قتل عبيد الله بن زياد، و حصين بن نمير، و شر حبيل ابن ذي الكلاع، و ابن حوشب، و غالب الباهلي، و عبد الله بن إياس السلمي وأبوالاشرس الذي كان علي خراسان، و أعيان أصحابه لعنهم الله فقال ابن الاشتر لاصحابه: إني رأيت بعد ما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل فأقدمت عليهم و أقبل رجل آخر في كبكبه كأنه بغل أقمر يغري الناس لا يدنو منه أحد إلا صرعه، فدنا مني فضربت يده فأبنتها و سقط علي شاطئ نهر فسرقت يداه و عربت رجلاه فقتلته، و وجدت منه ريح المسك و أظنه ابن زياد فاطلبوه! فجاء رجل فنزع خفيه و تأمله فإذا هو ابن زياد لعنه الله علي ما وصف ابن الاشتر، فاجتز رأسه و استوقدوا عامة الليل بجسده فنظر إليه مهران مولي زياد و كان يحبه حبا شديدا فحلف أن لا يأكل شحما أبدا فأصبح الناس فحووا ما في العسكر، و هرب غلام لعبيدالله إلي الشام، فقال له عبد الملك بن مروان: متي عهدك بإبن زياد؟ فقال: جال الناس فتقدم فقاتل و قال: ائتني بجرة فيها ماء فأتيته فاحتملها فشرب منها وصب الماء بين درعه و جسده، وصب علي ناصية فرسه فصهل، ثم اقتحمه فهذا آخر عهدي به قال: و بعث ابن الاشتر برأس ابن زياد إلي المختار و أعيان من كان معه فقدم بالرؤس و المختار يتغدي، فالقيت بين يديه، فقال: الحمد لله رب العالمين وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يدي ابن زياد و هو يتغدي، و اتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدي، قال: و انسابت حية بيضاء تخلل الرؤس حتي دخلت في أنف ابن زياد و خرجت من اذنه و دخلت من اذنه و خرجت من أنفه، فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثم رمي بها إلي مولي له و قال: اغسلها فاني وضعتها علي وجه نجس كافر و خرج المختار إلي الكوفة، و بعث برأس ابن زياد، و رأس حصين بن نمير


و رأس شرحبيل بن ذي الكلاع، مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي، و عبد الله ابن شداد الجشمي و السائب بن مالك الاشعري إلي محمد ابن الحنفية بمكة، و علي بن الحسين عليه السلام يو مئذ بمكة، و كتب إليه معهم أما بعد فاني بعثت أنصارك و شيعتك إلي عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد، فخرجوا محتسبين محنقين أسفين، فلقوهم دون نصيين، فقتلهم رب العباد و الحمد لله رب العالمين الذي طلب لكم الثأر، و أدرك لكم رؤساء أعدائكم فقتلهم في كل فج و غرقهم في كل بحر، فشفي بذلك صدور قوم مؤمنين، و أذهب غيظ قلوبهم و قدموا بالكتاب و الرؤس إليه فبعث برأس ابن زياد إلي علي بن الحسين عليه السلام فاد خل عليه و هو يتغدي فقال علي بن الحسين عليهما السلام أدخلت علي ابن زياد لعنه الله و هو يتغدي و رأس أبي بين يديه فقلت أللهم لا تمتني حتي تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدي، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي ثم أمر فرمي به، فحمل إلي ابن الزبير فوضعه ابن الزبير علي قصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت حية من تحت الستار فأخذت بأنفه فأعادوا القصبة فحركتها الريح فسقط فخرجت الحية فأزمت بأنفه ففعل ذلك ثلاث مرات، فأمر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكة قال: و كان المختار - ره - قد سئل في أمان عمربن سعد بن أبي وقاص فآمنه علي أن لا يخرج من الكوفة، فان خرج منها فدمه هدر، قال: فأتي عمربن سعد رجل فقال: إني سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلا و الله ما أحسبه غيرك، قال: فخرج عمر حتي أتي الحمام [4] فقيل له: أ تري هذا يخفي علي المختار؟ فرجع ليلا فدخل داره فلما كان الغد غدوت فدخلت علي المختار، و جاء الهشيم بن الاسود فقعد فجاء حفص بن عمربن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبو حفص: أين لنا بالذي كان بيننا و بينك؟ قال: اجلس فدعا المختار أبا عمرة فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد، فساره و دعا برجلين فقال: اذهبا معه، فذهب فو الله ما أحسبه بلغ دار


عمربن سعد حتي جاء برأسه فقال المختار لحفص: أتعرف هذا؟ قال: إنا لله و إنا إليه راجعون، قال: يا أبا عمرة ألحقه به فقتله فقال المختار - ره -: عمر بالحسين و حفص بعلي بن الحسين، و لا سواء قال: و اشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد و أخاف الوجوه و قال: لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتي أقتل قتلة الحسن بن علي عليه السلام و أهل بيته و ما من ديني أترك أحدا منهم حيا و قال: أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون إن هذا من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه إلا قتله و بلغه أن شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أصاب مع الحسين إبلا فأخذها فلما قدم الكوفة نحرها و قسم لحومها، فقال المختار: احصوا لي كل دار دخل فيها شيء من ذلك اللحم، فأحصوها فأرسل إلي من كان أخذ منها شيئا فقتلهم، و هدم دورا بالكوفة و اتي المختار بعبد الله بن اسيد الجهني و مالك بن الهيثم البداني [5] من كندة و حمل بن مالك المحاربي فقال: يا أعداء الله أين الحسين بن علي؟ قالوا: اكرهنا علي الخروج إليه، قال: أفلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟ و قال للبداني: أنت صاحب برنسه لعنك الله؟ قال: لا، قال: بلي، ثم قال: اقطعوا يديه و رجليه، ودعوه يضطرب حتي يموت، فقطعوه و أمر بالآخرين فضربت أعناقهما و اتي بقراد بن مالك و عمرو بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد الله بن قيس الخولاني، فقال لهم: يا قتلة الصالحين ألا ترون الله بري منكم، لقد جاءكم الورس بيوم نحس فأخرجهم إلي السوق، فقتلهم و بعث المختار معاذ بن هانئ الكندي و أبا عمرة كيسان إلي دار خولي بن يزيد الاصبحي و هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلي ابن زياد فأتوا داره فاستخفي في المخرج، فدخلوا عليه فوجدوه قد ركب علي نفسه قوصرة فأخذوه و خرجوا يريدون المختار، فتلقاهم في ركب، فردوه إلي داره و قتله عندها و أحرقه


و طلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلي البادية فسعي به إلي أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيرا و بعث به إلي المختار فضرب [6] عنقه و أغلي له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسخ، و وطئ مولي لآل حارثة بن مضرب وجهه و رأسه، و لم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين و أهله حتي قتل منهم خلقا كثيرا، و هرب الباقون فهدم دورهم، و قتلت العبيدمواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام، و أتو المختار فأعتقهم إيضاح: ردي الفرس بالفتح يردي رديا إذا رجم الارض رجما بين العدو و المشي الشديد، قوله تعادي من العداوة أؤمن العدو، و الاخير أظهر قوله لتثأر أي لتطلب الثأر بدم الحسين عليه السلام و قال الفيروز آبادي: سرقت مفاصله كفرح ضعف و في بعض النسخ بالشين من الشرق بمعني الشق، أو من قولهم شرق الدم بجسده شرقا إذا ظهر و لم يسل، و عرب كفرح: ورم و تقيح، و في بعض النسخ بالغين المعجمة، من قولهم غرب كفرح اسود، و قال الجوهري: يقال: أزم الرجل بصاحبه إذا لزمه عن أبي زيد و أزمه أيضا أي عضه و الحمام اسم موضع خارج الكوفة و قال الجوهري: القوصرة بالتشديد هذا الذي يكنز فيه التمر من البواري أقول: قد مضي ذم المختار في باب مصالحة الحسن عليه السلام [7] 3 - ير: أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيي، عن شعيب قال: حدث أبو جعفر أن علي بن دراج حدثه أن المختار استعمله علي بعض عمله و أن المختار أخذه فحبسه و طلب منه ما لا حتي إذا كان يوما من الايام دعاه هو و بشر بن غالب فهد دهما بالقتل، فقال له بشر بن غالب و كان رجلا متنكرا: و الله ما تقدر علي قتلنا قال: لم و مم ذلك ثكلتك امك و أنتما أسيران في يدي؟ قال: لانه جاءنا في الحديث أنك تقتلنا حين تظهر علي دمشق فتقتلنا علي درجها، قال له المختار: صدقت قد جاء هذا قال: فلما قتل المختار خرجا من محبسهما


أقول: تمامه في معجزات الباقر عليه السلام 4 - ص: بالاسناد إلي الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم، عن الكوفي عن أبي عبد الله الخياط، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله عز و جل إذا أراد أن ينتصر لاوليائه انتصر لهم بشرار خلقه و إذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه، و لقد انتصر ليحيي بن زكريا ببخت نصر 5 - سر: أبان بن تغلب، عن جعفر بن إبراهيم، عن زرعة، عن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا كان يوم القيامة مر رسول الله بشفير النار، و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين، فيصيح صائح من النار: يا رسول الله أغثني يا رسول الله ثلاثا قال: فلا يجيبه، قال: فينادي يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ثلاثا أغثني فلا يجيبه، قال: فينادي يا حسين يا حسين يا حسين أغثني أنا قاتل أعدائك، قال: فيقول له رسول الله: قد احتج عليك قال: فينقض عليه كأنه عقاب كاسر، قال: فيخرجه من النار قال: فقلت لابي عبد الله عليه السلام: و من هذا جعلت فداك؟ قال: المختار، قلت له: و لم عذب بالنار، و قد فعل ما فعل؟ قال: إنه كان في قلبه منهما شيء و الذي بعث محمدا بالحق لو أن جبرئيل، و ميكائيل كان في قلبيهما شيء لاكبهما الله في النار علي وجوههما بيان: كأن هذا الخبر وجه جمع بين الاخبار المختلفة الواردة في هذا الباب بأنه و إن لم يكن كاملا في الايمان و اليقين، و لا مأذونا فيما فعله صريحا من أئمة الدين، لكن لما جري علي يديه الخيرات الكثيرة، و شفي بها صدور قوم مؤمنين كانت عاقبة أمره آئلة إلي النجاة، فدخل بذلك تحت قوله سبحانه: و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسي الله أن يتوب عليهم [8] و أنا في شأنه من المتوقفين و إن كان الاشهر بين أصحابنا أنه من المشكورين 6 - م: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: كما أن بعض بني إسرائيل أطاعوا فاكرموا، و بعضهم عصوا فعذبوا، فكذلك تكونون أنتم، فقالوا: فمن العصاة


يا أمير المؤمنين؟ قال: الذين امروا بتعظيمنا أهل البيت و تعظيم حقوقنا، فخانوا و خالفوا ذلك، و جحدوا حقوقنا و استخفوا بها، و قتلوا أولادنا أولاد رسول الله الذين امروا باكرامهم و محبتهم، قالوا يا أمير المؤمنين إن ذلك لكائن؟ قال: بلي خبرا حقا و أمرا كائنا سيقتلون ولدي هذين الحسن و الحسين ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: و سيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض من يسلط الله تعالي عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني إسرائيل الرجز، قيل: و من هو؟ قال: غلام من ثقيف، يقال له المختار بن أبي عبيد و قال علي بن الحسين عليهما السلام: فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان و إن هذا الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف لعنه الله من قول علي بن الحسين عليهما السلام قال: أما رسول الله ما قال هذا، و أما علي بن أبي طالب فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله، و أما علي بن الحسين فصبي مغرور، يقول الاباطيل، و يغر بها متبعوه، أطلبوا لي المختار فطلب فاخذ فقال: قدموه إلي النطع فاضربوا عنقه، فاتي بالنطع فبسط و أبرك عليه المختار، ثم جعل الغلمان يجيئون و يذهبون لا يأتون بالسيف قال الحجاج: مالكم؟ قالوا: لسنانجد مفتاح الخزانة و قد ضاع منا و السيف في الخزانة فقال المختار: لن تقتلني و لن يكذب رسول الله و لئن قتلتني ليحييني الله حتي أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألفا، فقال الحجاج لبعض حجابه: أعط السياف سيفك يقتله فأخذ السياف سيفه و جاء ليقتله به و الحجاج يحثه و يستعجله، فبينا هو في تدبيره إذعثر و السيف بيده فأصاب السيف بطنه فشقه فمات، فجاء بسياف آخر و أعطاه السيف فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب فسقط فمات، فنظروا و إذا العقرب فقتلوه فقال المختار: يا حجاج إنك لا تقدر علي قتلي ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان للسابورذي الاكتاف حين كان يقتل العرب، و يصطلمهم فأمر نزار ولده: فوضع في زبيل في طريقه فلما رآه قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب و لا ذنوب لهم إليك، و قد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك و المفسدين؟ قال: لاني وجدت في الكتاب


أنه يخرج منهم رجل يقال له محمد يدعي النبوة فيزيل دولة ملوك الاعاجم و يفنيها فأقتلهم حتي لا يكون منهم ذلك الرجل، فقال نزار: لئن كان ما وجدته في كتب الكذابين فماأولاك أن تقتل البراء المذنبين و إن كان ذلك من قول الصادقين فان الله سيحفظ ذلك الاصل الذي يخرج منه هذا الرجل و لن تقدر علي إبطاله و يجري قضاءه و ينفذ أمره و لو لم يبق من جميع العرب إلا واحد، فقال سابور: صدقت هذا نزار يعني بالفارسية المهزول كفوا عن العرب، فكفوا عنهم، و لكن يا حجاج إن الله قد قضي أن أقتل منكم ثلاثمائة ألف و ثلاثة و ثمانين ألف رجل فان شئت فتعاط قتلي و إن شئت فلاتنعاط فان الله إما أن يمنعك عني و إما أن يحييني بعد قتلك، فان قول رسول الله حق لا مرية فيه فقال للسياف: اضرب عنقه فقال المختار: إن هذا لن يقد رعلي ذلك و كنت احب أن تكون أنت المتولي لما تأمره فكان يسلط عليك أفعي كما سلط علي هذا الاول عقربا، فلما هم السياف أن يضرب عنقه إذا برجل من خواص عبد الملك ابن مروان قد دخل فصاح بالسياف كف عنه، و معه كتاب من عبد الملك بن مروان فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا حجاج بن يوسف فإنه قد سقط إلينا طير عليه رقعة أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، تزعم أنه حكي عن رسول الله فيه أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل، فإذا أتاك كتابي هذا فخل عنه، و لا تعرض له إلا بسبيل خير فانه زوج ظئرابني الوليد بن عبد الملك بن مرو ان، و قد كلمني فيه الوليد و إن الذي حكي إن كان باطلا فلا معني لقتل رجل مسلم بخبر باطل، و إن كان حقا فانك لا تقدر علي تكذيب قول رسول الله، فخلي عنه الحجاج فجعل المختار يقول: سأفعل كذا، و أخرج وقت كذا و أقتل من الناس كذا و هؤلاء صاغرون يعني بني أمية، فبلغ ذلك الحجاج فاخذ و أنزل و أمر بضرب العنق فقال المختار: إنك لا تقدر علي ذلك فلا تتعاط ردا علي الله، و كان في ذلك إذ سقط عليه طائر آخر عليه كتاب من عبد الملك بن مروان بسم الله الرحمن الرحيم يا حجاج لاتعرض للمختار فإنه زوج مرضعة ابني الوليد، و لئن كان حقا فستمنع من قتله


كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان قضي الله أن يقتل بني إسرائيل: فتركه الحجاج و توعده إن عاد لمثل مقالته، فعاد لمثل مقالته و اتصل بالحجاج الخبر فطلبه فاختفي مدة ثم ظفر به فلما هم بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب عبد الملك فاحتبسه الحجاج و كتب إلي عبد الملك كيف تأخذ إليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بني أمية كذا و كذا ألفا، فبعث إليه إنك رجل جاهل لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا و إن كان الخبر فيه حقا فانه سنربيه ليسلط علينا كما ربي فرعون موسي عليه السلام حتي سلط عليه، فبعث به الحجاج و كان من المختار ما كان، و قتل من قتل و قال علي بن الحسين عليهما السلام لاصحابه و قد قالوا له: يا ابن رسول الله إن أمير المؤمنين عليه السلام ذكر من أمر المختار و لم يقل متي يكون قتله لمن يقتل، فقال علي بن الحسين (صدق أمير المؤمنين) أولا أخبركم متي يكون؟ قالوا: بلي قال: يوم كذا إلي ثلاث سنين من قولي هذا، و سيؤتي برأس عبيد الله بن زياد و شمر بن ذي الجوشن في يوم كذا و كذا و سنأكل و هما بين أيدينا ننظر إليهما، قال: فلما كان اليوم الذي أخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لاصحاب بني أمية كان علي بن الحسين عليهما السلام مع أصحابه علي مائدة إذ قال لهم: معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم فإنكم تأكلون و ظلمة بني أمية يحصدون، قالوا: أين؟ قال: في موضع كذا يقتلهم المختار، و سيؤتي برأسين يوم كذا و كذا، فلما كان في ذلك اليوم اتي بالرأسين لما أراد أن يقعد للاكل، و قد فرغ من صلاته فلما رآهما سجد و قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي أراني فجعل يأكل و ينظر إليهما، فلما كان في وقت الحلوا لم يأت بالحلوا لانهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين فقال ندماؤه و لم يعمل اليوم الحلوا؟ فقال علي بن الحسين عليهما السلام: لا نريد حلوا أحلي من نظرنا إلي هذين الراسين ثم عاد إلي قول أمير المؤمنين عليه السلام قال: و ما للكافرين و الفاسقين عند الله أعظم و أوفي


توضيح: قوله عليه السلام فكان (دلك) بعد قوله هذا أي ولد المختار بعد قول أمير المؤمنين هذا بزمان 7 - كش: حمدويه، عن يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثني عن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تسبوا المختار فانه قد قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوج أراملنا، و قسم فينا المال علي العسرة [9] 8 - كش: محمد بن الحسن، و عثمان بن حامد، عن محمد بن يزداد الرازي عن ابن أبي الخطاب، عن عبد الله المزخرف، عن حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان المختار يكذب علي علي بن الحسين عليها السلام 9 - كش: محمد بن الحسن و عثمان بن حامد، عن محمد بن يزداد، عن محمد بن الحسين، عن موسي بن يسار، عن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن شريك قال: دخلنا علي أبي جعفر عليه السلام يوم النحر و هو متكئ، و قال: أرسل إلي الحلاق، فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه ثم قال: من أنت؟ قال: أنا أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي و كان متباعدا من أبي جعفر عليه السلام فمد يده إليه حتي كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، ثم قال: أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي و قالوا و القول و الله قولك قال: وأي شيء يقولون؟ قال: يقولون كذاب، و لاتأمر ني بشيء إلا قبلته فقال: سبحان الله أخبرني أبي و الله أن مهرامي كان مما بعث به المختار، أو لم يبن دورنا؟ و قتل قاتلينا؟ و طلب بدمائنا؟ فرحمه الله، و أخبرني و الله أبي أنه كان ليسمر عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش و يثني لها الوسائد، و منها أصاب الحديث رحم الله أباك رحم الله أباك ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه، قتل قتلينا، و طلب بدمائنا بيان: ليسمر من السمر و هو الحديث بالليل، و في بعض النسخ ليستمر فهو إما افتعال أيضا من السمر، أو بتشديد الراء أي كان دائما عندها، و في بعض النسخ


لييتم و في بعضها ليتم و الاول كأنه أصوب 10 - كش: جبرئيل بن أحمد، عن العبيدي، عن محمد بن عمرو، عن يونس ابن يعقوب، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كتب المختار بن أبي عبيد إلي علي بن الحسين و بعث إليه بهدايا من العراق فلما وقفوا علي باب علي دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليهم رسوله فقال: أميطوا عن بأبي فاني لا أقبل هدايا الكذابين، و لا أقرأ كتبهم، فمحوا العنوان و كتبوا للمهدي محمد بن علي، فقال أبو جعفر عليه السلام: و الله لقد كتب إليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا إنما كتب إليه يا ابن خير من طشي و مشي، فقال أبو بصير: فقلت لابي جعفر عليه السلام: أما المشي فأنا أعرفه فأي شيء الطشي، فقال أبو جعفر: الحياة بيان: لم أجد الطشي فيما عندنا من كتب اللغة 11 - كش: جبرئيل، عن العبيدي، عن ابن أسباط، عن عبد الرحمن بن حماد، عن علي بن حزور، عن الاصبغ قال: رأيت المختار علي فخذ أمير المؤمنين و هو يمسح رأسه و يقول: يا كيس يا كيس 12 - كش: إبراهيم بن محمد، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن الحسن بن علي، عن العباس بن عامر، عن ابن عميرة، عن جارود بن المنذر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما امتشطت فينا هاشمية و لا اختضبت حتي بعث إلينا المختار برؤس الذين قتلوا الحسين صلوات الله عليه 13 - كش: محمد بن مسعود، عن علي بن أبي علي، عن خالد بن يزيد، عن الحسين بن زيد عن عمربن علي بن الحسين أن علي بن الحسين عليهما السلام لما اتي بر أس عبيد الله بن زياد و رأس عمربن سعد خر ساجدا و قا ل: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي و جزي المختار خيرا 13 - كش: بهذا الاسناد، عن الحسين بن زيد، عن عمربن علي أن المختار أرسل إلي علي بن الحسين بعشرين ألف دينار فقبلها و بني بها دار عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت، قال: ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعد ما


أظهر الكلام الذي أظهره فردها و لم يقبلها و المختار هو الذي دعا الناس إلي محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام ابن الحنفية وسموا الكيسانية و هم المختارية، و كان لقبه كيسان، و لقب بكيسان لصاحب شرطه المكني أبا عمرة، و كان اسمه كيسان و قيل إنه سمي كيسان بكيسان مولي علي بن أبي طالب و هو الذي حمله علي الطلب بدم الحسين عليه السلام و دله علي قتلته، و كان صاحب سره و الغالب علي أمره، و كان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين أنه في دار أوفي موضع إلا قصده و هدم الدار بأسرها، و قتل كل من فيها من ذي روح، و كل دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها و أهل الكوفة يضربون بها المثل، فإذا افتقر إنسان قالوا: دخل أبو عمرة بيته حتي قال فيه الشاعر:



إبليس بما فيه خير من أبي عمرة

يغويك و يطغيك و لا يعطيك كسرة



14 - كا: محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الربيع ابن محمد المسلي، عن عبد الله بن سليمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: ما زال سرنا مكتوما حتي صار في يدي ولد كيسان فتحدثوا به في الطريق و قري السواد [10] بيان: قال الفيروز آبادي: كيسان لقب المختار بن أبي عبيد المنسوب إليه الكيسانية 15 - يب: محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمد بن أبي قتادة، عن أحمد بن هلال، عن أمية بن علي القيسي، عن بعض من رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يجوز النبي الصراط يتلوه علي، و يتلو عليا الحسن و يتلو الحسن الحسين فإذا توسطوه نادي المختار الحسين يا أبا عبد الله إني طلبت بثأرك، فيقول النبي للحسين عليه السلام: أجبه فينقض الحسين في النار كأنه عقاب كاسر، فيخرج المختار حممة، و لو شق عن قلبه لوجد حبهما في قلبه بيان: أنقض الطائر هوي في طيرانه، و كسر الطائر أي ضم جناحيه حين


ينقض، و الحمم بضم الحاء و فتح الميم الرماد و الفحم، و كل ما احترق من النار، قوله عليه السلام: حبهما أي حب الشيخين الملعونين، و قيل: حب الحسنين صلوات الله عليهما، فيكون تعليلا لاخراجه كما أنه علي الاول تعليل لدخوله و احتراقه، و يدفعه ما مر من خبر سماعة [11] و قيل: المراد حب الرئاسة و المال و الاول هو الصواب 16 - و قال الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر قيل: بعث المختار بن أبي عبيد إلي علي بن الحسين عليهما السلام بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها منه، و خاف أن يردها فتركها في بيت، فلما قتل المختار كتب إلي عبد الملك يخبره بها فكتب إليه: خذها طيبة هنيئة، فكان علي يلعن المختار و يقول: كذب علي الله و علينا لان المختار كان يزعم أنه يوحي إليه أقول: و لنورد هنا رسالة شرح الثأر الذي ألفه الشيخ الفاضل البارع جعفر ابن محمد بن نما فانها مشتملة علي جل أحوال المختار و من قتله من الاشرار، علي وجه الاختصار، ليشفي به صدور المؤمنين الاخيار، و ليظهر منها بعض أحوال المختار و هي هذه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله الذي جعل الحمد ثمنا لثوابه و نجاة يوم الوعيد من عقابه، و الصلاة علي محمد الذي شرفت الاماكن بذكره و عطرت المساكن برباء نشره [12] و علي آله و أصحابه الذين عظم قدرهم بقدره و تابعوه في نهيه و أمره، فاني لما صنفت كتاب المقتل الذي سميته مثير الاحزان و منير سبل الاشجان، و جمعت فيه من طائف الاخبار، و لطائف الآثار ما يربي علي الجوهر و النضار، سألني جماعة من الاصحاب أن اضيف إليه عمل الثأر، و أشرح قضية المختار، فتارة اقدم و اخري أحجم، و مرة أجنح جنوح الشامس، و آونة


أنفر نفور العذراء من يد اللامس، وأردهم عن عمله فرقا من التعرض لذكره و إظهار مخفي سره ثم كشفت قناع المراقبة في إجابة سؤالهم، و الانقياد لمرامهم، و أظهرت ما كان في ضميري، و جعلت نشر فضيلته أنيسي و سميري، لانه به خبت نار وجد سيد المرسلين، وقرة عين زين العابدين، و ما زال السلف يتباعدون عن زيارته و يتقاعدون عن إظهار فضيلته، تباعد الضب عن الماء، و الفراقد من الحصباء، و نسبوه إلي القول بامامة محمد ابن الحنفية، و رفضوا قبره، و جعلوا قربهم إلي الله هجره، مع قربه، و إن قبته لكل من خرج من باب مسلم بن عقيل كالنجم اللامع، و عدلوا من العلم إلي التقليد، و نسوا ما فعل بأعداء المقتول الشهيد، و أنه جاهد في الله حق الجهاد، و بلغ من رضا زين العابدين غاية المراد، و رفضوا منقبته التي رقت حواشيها و تفجرت ينابيع السعادة فيها و كان محمد ابن الحنفية أكبر من زين العابدين سنا و يري تقديمه عليه فرضا و دينا و لا يتحرك حركة إلا بما يهواه، و لا ينطق إلا عن رضاه، و يتأمر له تأمر الرعية للوالي، و يفضله تفضيل السيد علي الخادم الموالي، و تقلد محمد - ره - أخذ الثأر إراحة لخاطره الشريف، من تحمل الاثقال، و الشد و الترحال و يدل علي ذلك ما رويته عن أبي بجير عالم الاهواز و كان يقول بإمامة ابن الحنفية، قال: حججت فلقيت إمامي و كنت يوما عنده فمر به غلام شاب فسلم عليه، فقام فتلقاه، و قبل ما بين عينيه و خاطبه بالسيادة و مضي الغلام و عاد محمد إلي مكانه، فقلت له: عند الله أحتسب عناي، فقال:، و كيف ذاك؟ قلت: لانا نعتقد أنك الامام المفترض الطاعة تقوم تتلقي هذا الغلام، و تقول له يا سيدي؟ فقال: نعم، هو و الله إمامي، فقلت: و من هذا؟ قال: علي ابن أخي الحسين، أعلم أني نازعته الامامة و نازعتي فقال لي: أ ترضي بالحجر الاسود حكما بيني و بينك؟ فقلت: و كيف نحتكم إلي حجر جماد؟ فقال: إن إماما لا يكلمه الجماد فليس بإمام، فاستحييت من ذلك فقلت: بيني و بينك الحجر الاسود، فقصدنا الحجر وصلي و صليت، و تقدم إليه و قال: أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلا أخبرتنا من الامام منا؟


فنطق و الله الحجر، و قال: يا محمد سلم الامر إلي ابن أخيك فهو أحق به منك، و هو إمامك، و تحلحل [13] حتي ظننته يسسقط فأذعنت بإمامته، و دنت له بفرض طاعته قال أبو بجير: فانصرفت من عنده، و قد دنت بامامة علي بن الحسين عليهما السلام و تركت القول بالكيسانية و روي عن أبي بصير أنه قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا و لا يشك أنه الامام حتي أتاه يوما فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة و مودة فأسألك بحرمة رسول الله و أمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته علي خلقه؟ قال: يا أبا خالد لقد حلفتني بالعظيم، الامام علي ابن أخي، علي و عليك، و علي كل مسلم فلما سمع أبو خالد قول محمد ابن الحنفية جاء إلي علي بن الحسين فاستأذن و دخل فقال له: مرحبا يا كنكر، ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدا شكرا لما سمع من زين العابدين عليه السلام، و قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي عرفت إمامي، قال:، و كيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال: لانك دعوتني باسمي الذي لا يعرفه سوي أمي، و كنت في عمياء من أمري، و لقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا لا أشك أنه إمام حتي أقسمت عليه فأرشدني إليك، فقال: هو الامام علي و عليك و علي كل مسلم ثم انصرف و قد قال بامامة زين العابدين عليه السلام [14] و قال قوم من الخوارج لمحمد ابن الحنفية: لم غرربك في الحروب و لم يغرر [15] بالحسن و الحسين؟ قال: لانهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع بيمينه عن عينيه و روي العباس بن بكار قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما كان يوم من أيام صفين دعا علي عليه السلام ابنه محمدا فقال شد:


علي الميمنة فحمل مع أصحابه فكشف ميمنة عسكر معاوية ثم رجع و قد جرح، فقال له: العطش فقام إليه عليه السلام فسقاه جرعة من ماء ثم صب الماء بين درعه و جلده فرأيت علق الدم يخرج من حلق الدرع ثم أمهله ساعة ثم قال: شد في الميسرة فحمل مع أصحابه علي ميسرة معاوية فكشفهم ثم رجع و به جراحة، و هو يقول: الماء الماء، فقام إليه ففعل مثل الاول ثم قال: شد في القلب، فكشفهم ثم رجع و قد أثقلته الجراحات و هو يبكي، فقام إليه فقبل ما بين عينيه و قال: فداك أبوك لقد سررتني و الله يا بني، فما يبكيك أفرح أم جزع؟ فقال: كيف لا أبكي و قد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله تعالي و كلما رجعت إليك لتمهلني فما أمهلتني، و هذان أخواي الحسن و الحسين ما تأمر همابشئ؟ فقبل عليه السلام رأسه و قال: يا بني أنت ابني و هذان ابنا رسول الله صلي الله عليه و آله أفلا أصونهما؟ قال: بلي يا أباه جعلني الله فداك و فداهما و إذا كان ذلك رأيه فكيف يخرج عن طاعته، و يعدل عن الاسلام بمخالفته مع علم محمد ابن الحنفية أن زين العابدين ولي الدم و صاحب الثأر، و المطالب بدماء الابرار، فنهض المختار نهوض الملك المطاع، و مد إلي أعداء الله يدا طويلة الباع فهشم عظاما تغذت بالفجور، و قطع أعضاء نشأت علي الخمور، و حاز إلي فضيلة لم يرق إلي شعاف شرفها عربي و لا أعجمي، و أحرز منقبة لم يسبقه إليها هاشمي و كان إبراهيم بن مالك الاشتر مشاركا له في هذه البلوي و مصدقا علي الدعوي و لم يك إبراهيم شاكا في دينه، و لا ضالا في اعتقاده و يقينه، و الحكم فيهما واحد و أنا أشرح بوار الفجار علي يد المختار، معتمدا قانون الاختصار، و سميته ذوب النضار في شرح الثأر، و قد وضعته علي أربع مراتب و الله الموفق لصواب، المكافي يوم الحساب



پاورقي

[1] الحمراء: العجم لان الشقرة أغلب الالوان عليهم و الاحامرة قوم من العجم سکنوا بالکوفة.

[2] نهر بين الموصل و اربل.

[3] بالفتح و تشديد الياء مکسورة اسم فعل للامر، بمعني أسرع فيما أنت فيه.

[4] يعني حمام عمر، کما يأتي عن ابن نما في رسالة أخذ الثأر.

[5] نسبة إلي بدا - بتشديد الدال - بطن من کندة، من القحطانية و هم بنو بدا بن الحارث بن معاوية بن کندة کانت منازلهم بحضر موت.

[6] إلي المختار فأغلي له خ ل.

[7] راجع ج 44 ص 28.

[8] التوبة: 102.

[9] راجع رجال الکشي ص 115 و هکذا ما بعده إلي ص 117.

[10] الکافي ج 2 ص 223 باب الکتمان.

[11] راجع ص 339 تحت الرقم 5 عن السرائر.

[12] النشر: الريح الطيبة، و الربا: الزيادة و النماء، و بالفتح: الفضل و الطول و في الاصل: بريانشره فتحرر.

[13] تحلحل عن مکانه: تحرک و تزحزح.

[14] روي الحديث الکشي في رجاله ص 111 فراجع.

[15] يقال: غرر بنفسه و ماله: عرضهما للهلکة.