بازگشت

الوقائع المتأخرة عن قتله إلي رجوع أهل البيت إلي المدينة


1 - قال السيد ابن طاوس - رحمه الله - في كتاب الملهوف علي أهل الطفوف و الشيخ ابن نما - رحمه الله - في مثير الاحزان و اللفظ للسيد: إن عمربن سعد بعث برأس الحسين عليه الصلاة و السلام في ذلك اليوم و هو يوم عاشورا مع خولي بن يزيد الاصبحي و حميد بن مسلم الازدي إلي عبيد الله ابن زياد، و أمر برؤوس الباقين من أصحابه و أهل بيته فنظفت و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الاشعث و عمرو بن الحجاج، فأقبلوا بها، حتي قدموا الكوفة، و أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلي زوال الشمس ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام و حمل نساء ه علي أحلاس أقتاب بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الاعداء، وهن ودائع خير الانبياء، و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أسر المصائب و الهموم و لله در القائل:



يصلي علي المبعوث من آل هاشم

و يغزي بنوه إن ذا لعجيب



قال: و لما انفصل ابن سعد عن كربلا خرج قوم من بني أسد فصلوا علي تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء، و دفنوها علي ما هي الآن عليه [1] .


و قال المفيد رحمه الله: دفنوا الحسين صلوات الله عليه حيث قبره الآن، و دفنوا ابنه علي بن الحسين الاصغر عند رجليه، و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام و جمعوهم و دفنوهم جميعا معا و دفنوا العباس بن علي رضي الله عنه في موضعه الذي قتل فيه علي طريق الغاضرية حيث قبره الآن [2] و قال السيد رحمه الله: و سارا بن سعد بالسبي المشار إليه فلما قاربواالكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن، قال: فأشرفت إمرأة من الكوفيات فقالت: من أي الاساري أنتن؟ فقلن: نحن أساري (آل) محمد فنزلت من سطحها و جمعت ملاء و ازرا و مقانع [3] فأعطتهن فتغطين، قال: و كان مع النساء علي بن الحسين عليه السلام قد نهكته العلة، و الحسن بن الحسن المثني و كان قد واسي عمه و إمامه في الصبر علي الرماح [4] و إنما ارتث و قد اثخن بالجراح و كان معهم أيضا زيد و عمرو ولدا الحسن السبط عليه السلام فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون فقال علي بن الحسين عليهما السلام: أتنوحون و تبكون من أجلنا؟ فمن قتلنا؟ قال: بشير بن خزيم الاسدي: و نظرت إلي زينب بنت علي عليه السلام يومئذ و لم أر و الله خفرة قط أنطق منها، كأنما تفرع عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و قد أومأت إلي الناس أن اسكتوا فارتدت الانفاس، و سكنت الاجراس ثم قالت: الحمد لله و الصلاة علي أبي محمد و آله الطيبين الاخيار


أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل و الغدر أ تبكون؟ فلارقأت الدمعة و لاهدعت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم إلا الصلف و النطف، و ملق الاماء و غمز الاعداء (أو) كمرعي علي دمنة، أو كفضة علي ملحودة [5] ألاساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون و تنتحبون؟ إي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها و شنآنها [6] ، و لن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأني ترحضون قتل سليل خاتم الانبياء، و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ خيرتكم، و مفزع نازلتكم، و منار حجتكم، و مدره سنتكم؟ ألا ساء ما تزرون، و بعدا لكم و سحقا فلقد خاب السعي و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم بهم صلعاء عنقاء سواء فقماء - و في بعضها: خرقاء شوهاء - كطلاع الارض، و ملاء السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما، و لعذاب الآخرة أخزي، و أنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل فانه لا تحفزه البدار، و لا يخاف فوت الثأر، و إن ربكم لباالمرصاد [7] قال: فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حياري يبكون، و قد وضعوا أيديهم في


أفواههم و رأيت شيخا واقفا إلي جنبي يبكي حتي اخضلت لحيته، و هو يقول: بأبي أنتم و أمي كهولكم خير الكهول، و شبابكم خير الشباب، و نساؤكم خير النساء و نسلكم خير نسل، لا يخزي و لا يبزي و روي زيد بن موسي قال: حدثني أبي، عن جدي عليهم السلام قال: خطبت فاطمة الصغري بعد أن ردت من كربلا فقالت: الحمد لله عدد الرمل و الحصي، وزنة العرش إلي الثري، أحمده و اؤمن به و أتوكل عليه، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و أن ولده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل و لا ترات أللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، و أن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود لوصيه علي بن أبي طالب: المسلوب حقه، المقتول من ذنب كما قتل ولده بالامس في بيت من بيوت الله تعالي فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعسا لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته، و لا عند مماته، حتي قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم يأخذه أللهم فيك لومة لائم و لا عذل عاذل، هديته يا رب للاسلام صغيرا، و حمدت مناقبه كبيرا، و لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلواتك عليه و آله حتي قبضته إليك زاهدا في الدنيا حريص عليها راغبا في الآخرة: مجاهدا لك في سبيلك، رضيته فاخترته و هديته إلي صراط مستقيم أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء، فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم، و ابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، و وعاء فهمه و حكمته، و حجته في الارض لبلاده و لعباده، أكرمنا الله بكرامته، و فضلنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله علي كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا و كفرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا و أموالنا نهبا، كأنا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالامس، و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت، لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم و فرحت قلوبكم، افتراء منكم علي الله، و مكرا مكرتم و الله خير خير الماكرين، فلا


تدعونكم أنفسكم إلي الجذل بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة و الرزايا العظيمة، في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير لكيلا تأسوا علي ما فاتكم، و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور تبالكم فانتظروا اللعنة و العذاب، وكأن قد حل بكم، و تواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم، و يذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الاليم يوم القيامة بماظلمتمونا ألا لعنة الله علي الظالمين ويلكم أ تدرون أية يد طاعنتنا منكم، و آية نفس نزعت إلي قتالنا؟ أم بآية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا؟ قست قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع علي أفئدتكم، و ختم علي سمعكم و بصركم، و سول لكم الشيطان و أملا لكم، و جعل علي بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون تبالكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول الله قبلكم، و ذحول له لديكم، بما عند تم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي و بنيه عترة النبي الطاهرين الاخيار و افتخر بذلك مفتخر (كم فقال:)



نحن قتلنا عليا و بني علي [8] .

بسيوف هند بة و رماح



و سبينا نساءهم سبي ترك

و نطحناهم فأي نطاج



بفيك أيها القائل الكثكث و (لك) الاثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله و طهرهم و أذهب عنهم الرجس؟ فاكظم واقع كما أقعي أبوك، و إنما لكل امرئ ما قدمت يداه، حسدتمونا ويلالكم علي ما فضلنا الله عليكم فماذنبنا أن جاش دهرا بحورنا و بحرك ساج لا يواري الدعامصا ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم، و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور


قال: فارتفعت الاصوات بالبكاء، و قالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، و أنضجت نحورنا، و أضرمت أجوافنا، فسكتت، عليها و علي أبيها وجدتها السلام أقول: ذكر في الاحتجاج هذه الخطبة بهذا الاسناد [9] و لنرجع إلي كلام السيد رحمه الله قال: و خطبت ام كلثوم بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت: يا أهل الكوفة سوأة لكم، مالكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه و نكبتموه، فتبالكم و سحقا ويلكم أ تدرون أي دواه، دهتكم؟ وأي وزر علي ظهوركم حملتم؟ وأي دماء سفكتموها؟ وأي كريمة أصبتموها؟ وأي صبية سلبتموها، وأي أموال انتهبتموها؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي، و نزعت الرحمة من قلوبكم ألا إن حزب الله هم الفائزون، و حزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت:



قتلتم أخي صبرا فويل لامكم

ستجزون نارا حرها يتوقد



سفكتم دماء حرم الله سفكها

و حرمها القرآن ثم محمد



ألا فابشروا بالنار إنكم غدا

لفي سقر حقا يقينا تخلدوا



و إني لابكي في حياتي علي أخي

علي خير من بعد النبي سيولد



بدمع غزير مستهل مكفكف

علي الخدمني ذائبا ليس يجمد



قال: فضج الناس بالبكاء، و الحنين و النوح، و نشر النساء شعورهن و وضعن التراب علي رؤوسهن، و خمشن وجوههن، و ضربن خدودهن، و دعون بالويل و الثبور، و بكي الرجال، فلم يرباكية و باك أكثر من ذلك اليوم ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلي الناس أن اسكتوا فسكتوا فقام قائما فحمد الله و أثني عليه و ذكر النبي وصلي عليه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم


أنا ابن المذبوح بشط الفرات، من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا و كفي بذلك فخرا أيها الناس! ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلي أبي و خدعتموه و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة، و قاتلتموه و خذلتموه؟ فتبا لما قدمتم لانفسكم و سوأة لرأيكم، بآية عين تنظرون إلي رسول الله صلي الله عليه و آله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي و انتهتكم حرمتي، فلستم من أمتي؟ قال: فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية، و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون؟ فقال عليه السلام: رحم الله امرءا قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته فان لنافي رسول الله اسوة حسنة، فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك زاهدين فيك و لا راغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذن يزيد و نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا، فقال عليه السلام: هيهات هيهات أيها الغدرة المكره، حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أ تريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلي آبائي من قبل؟ كلا و رب الراقصات فان الجرح لما يندمل، قتل أبي صلوات الله عليه بالامس و أهل بيته معه، و لم ينسني ثكل رسول الله و ثكل أبي و بني أبي، و و جده بين لهاتي، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه يجري في فراش صدري و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا ثم قال:



لا غروإن قتل الحسين و شيخه

قد كان خيرا من حسين و أكرما



فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي

اصيب حسين كان ذلك أعظما



قتيل بشط النهر روحي فداؤه

جزاء الذي أرداه نارجهنما



أقول: روي في الاحتجاج هكذا قال حذيم بن بشير: خرج زين العابدين عليه السلام إلي الناس و أومأ إليهم أن اسكتوا فسكتوا إلي آخر الخبر [10] .


قال السيد: ثم قال عليه السلام: رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا و لا علينا أقول: رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلا عن مسلم الحصاص قال: دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة، فبينما أنا احصص الابواب و إذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت علي خادم كان معنا فقلت: مالي أري الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد، فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي عليهما السلام قال: فتركت الخادم حتي خرج و لطمت وجهي حتي خشيت علي عيني أن يذهب، و غسلت يدي من الجص و خرجت من ظهر القصر و أتيت إلي الكناس فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا و الرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل علي أربعين جملا فيها الحرم و النساء و أولاد فاطمة عليها السلام و إذا بعلي بن الحسين عليهما السلام علي بعير بغير وطاء، و أوداجه تشخب دما، و هو مع ذلك يبكي و يقول:



يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدنا فينا



لو أننا و رسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا



تسيرونا علي الاقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا



بني أمية ما هذا الوقوف علي

تلك المصائب لا تلبون داعينا



تصفقون علينا كفكم فرحا

و أنتم في فجاج الارض تسبونا



أ ليس جدي رسول الله ويلكم

أهدي البرية من سبل المضلينا



يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا

و الله يهتك أستار المسيئينا



قال: و صار أهل الكوفة يناولون الاطفال الذين علي المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم ام كلثوم و قالت: يأهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الاطفال و أفواههم و ترمي به إلي الارض، قال كل ذلك و الناس يبكون علي ما أصابهم


ثم إن ام كلثوم أطلعت رأسها من المحمل، و قالت لهم: صه يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فاذاهم أتوابالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام و هو، رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلي الله عليه و آله و لحيته كسواد السبج قد انتصل منها [11] الخضاب، و وجهه داره قمر طالع و الرمح تلعب بها يمينا و شمالا فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و أومأت إليه بخرقة و جعلت تقول:



يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدا غروبا



ما توهمت يا شقيق فؤادي

كان هذا مقدرا مكتوبا



يا أخي فاطم الصغيرة كلمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا



يا أخي قلبك الشفيق علينا

ماله قد قسي و صار صليبا؟



يا أخي لو تري عليا لدي الاسر

مع اليتم لا يطيق وجوبا



كلما أوجعوه بالضرب نادا

ك بذل يغيض دمعا سكوبا



يا أخي ضمه إليك و قربه

و سكن فؤاده المرعوبا



ما أذل اليتيم حين ينادي

بأبيه و لا يراه مجيبا



ثم قال السيد: ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس، و أذن إذنا عاما و جبئ برأس الحسين عليه السلام فوضع بين يديه و ادخل - نساء الحسين و صبيانه إليه، فجلست زينب بنت علي عليه السلام متنكرة فسأل عنها فقيل: هذه زينب بنت علي، فأقبل عليها فقالت: الحمد لله الذي فضحكم و أكذب احدوثتكم، فقالت: إنما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر، و هو غيرنا، فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك و أهل بيتك؟


فقالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلي مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة قال: فغضب و كأنه هم بها، فقال له عمرو بن حريث: إنها إمرأة و المرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فقال له ابن زياد: لقد شفي الله (قلبي) من طاغيتك الحسين و العصاة المردة من أهل بيتك، فقالت: لعمري لقد قتلت كهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت، فقال ابن زياد: هذه سجاعة! و لعمري لقد كان أبوك سجاعا شاعرا، فقالت: يا ابن زياد ما للمرأة و السجاعة [12] قال ابن نما: و إن لي عن السجاعة لشغلا و إني لاعجب ممن يشتفي بقتل أئمته، و يعلم أنهم منتقمون منه في آخرته و قال المفيد - رحمه الله - فوضع الرأس بين يديه ينظر إليه و يتبسم و بيده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلي جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه و آله عليهما مالااحصيه يقبلهما ثم انتحب باكيا، فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك أ تبكي لفتح الله؟ و الله لو لا أنك شيخ كبيرقدخرقت و ذهب عقلك، لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار إلي منزله [13] .


و قال محمد بن أبي طالب: ثم رفع زيد صوته يبكي و خرج و هو يقول: ملك عبد حرا، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانة حتي يقتل خياركم و يستعبد أشراركم، رضيتم بالذل فبعدا لمن رضي [14] و قال المفيد: فادخل عيال الحسين بن علي صلوات الله عليهما علي ابن زياد فدخلت زينب اخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة و عليها أرذل ثيابها، و مضت حتي جلست ناحية، و حفت بها إماؤها، فقال ابن زياد: من هذه التي انحازت فجلست ناحية و معها نساؤها؟ فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية و ثالثة يسأل عنها فقالت له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله فأقبل عليها ابن زياد و قال: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب احدوثتكم، فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله و طهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق إلي آخر ما مر [15] و قال السيد و ابن نما: ثم التفت ابن زياد إلي علي بن الحسين فقال: من هذا؟ فقيل: علي بن الحسين، فقال: أ ليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فقال علي: قد كان لي أخ يسمي علي بن الحسين قتله الناس، فقال: بل الله قتله، فقال علي: الله يتوفي الانفس حين موتها و التي لم تمت في منامها [16] فقال ابن زياد: و لك جرأة علي جوابي؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه، فسمعت عمته زينب، فقالت: يا ابن زياد إنك لم تبق منا أحدا فان عزمت علي قتله فاقتلني معه [17] و قال المفيد و ابن نما: فتعلقت به زينب عمته، و قالت: يا ابن زياد حسبك من دمائنا، و اعتنقته و قالت: و الله لا افارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها و إليه ساعة ثم قال: عجبا للرحم و الله إني لاظنها ودت أني قتلتها معه


دعوه فاني أراه لمابه و قال السيد: فقال علي لعمته: اسكتي يا عمه حتي اكلمه، ثم أقبل عليه السلام فقال: أ بالقتل تهددني يا ابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة، و كرامتنا الشهادة ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين عليه السلام و أهله فحملوا إلي دار إلي جنب المسجد الاعظم، فقالت زينب بنت علي: لا يدخلن علينا عربية إلا ام ولد أو مملوكة فانهن سبين و قد سبينا و قال ابن نما: رويت أن أنس بن مالك قال: شهدت عبيد الله بن زياد و هو ينكت بقضيب علي أسنان الحسين و يقول: إنه كان حسن الثغر فقلت: أم و الله لاسوءنك، لقد رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله يقبل موضع قضيبك من فيه و عن سعيد بن معاذ و عمرو بن سهل أنهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه أنف الحسين و عينيه و يطعن في فمه فقال زيد بن أرقم: ارفع قضيبك إني رأيت رسول الله واضعا شفتيه علي موضع قضيبك، ثم انتحب باكيا فقال له: أبكي الله عينيك عدو الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك، لضربت عنقك، فقال زيد: لاحدثنك حديثا هو أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله أقعد حسنا علي فخذه اليمني و حسينا علي فخذه اليسري، فوضع يده علي يافوخ كل واحد منهما و قال: أللهم إني أستودعك إياهما و صالح المؤمنين، فكيف كان وديعتك لرسول الله صلي الله عليه و آله و قال: و لما اجتمع عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد بعد قتل الحسين عليه السلام قال عبيد الله لعمر: ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معني قتل الحسين عليه السلام و مناجزته، فقال ضاع، فقال: لتجيئنني به أتراك معتذرا في عجائز قريش؟ قال عمر: و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: صدق و الله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلي يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل قال عمربن سعد: و الله ما رجع أحد بشر مما رجعت أطعت عبيد الله، و عصيت الله، و قطعت الرحم


و قال السيد: ثم أمر ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة و يحق لي أن أتمثل ههنا بأبيات لبعض ذوي العقول يرثي بها قتيلا من آل الرسول صلي الله عليه و آله فقال:



رأس ابن بنت محمد وصيه

للناظرين علي قناة يرفع



و المسلمون بمنظر و بمسمع

لا منكر منهم و لا متفجع



كحلت بمنظرك العيون عماية

و أصم رزؤك كل اذن تسمع



ما روضة إلا تمنت أنها

لك حفرة و لخط قبرك مضجع



أيقظت أجفانا و كنت لهاكري

و أنمت عينا لم يكن بك تهجع [18] .



قال: ثم إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، و قال في بعض كلامه الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله، و نصر أمير المؤمنين و أشياعه، و قتل الكذاب ابن الكذاب فما زاد علي هذا الكلام شيئا حتي قام إليه عبد الله بن عفيف الازدي و كان من خيار الشيعة و زهادها و كانت عينه اليسري ذهبت في يوم الجمل، و الاخري في يوم صفين، و كان يلازم المسجد الاعظم، فيصلي فيه إلي الليل، فقال: يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت و أبوك، و من استعملك و أبوه، يا عدو الله أ تقتلون أبناء النبيين، و تتكلمون بهذا الكلام علي منابر المؤمنين؟ قال: فغضب ابن زياد ثم قال: من هذا المتكلم؟ فقال: أنا المتكلم يا عدو الله تقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنهم الرجس، و تزعم أنك علي دين الاسلام؟ وا غوثاه أين أولاد المهاجرين و الانصار لا ينتقمون من طاغيتك اللعين ابن اللعين علي لسان محمد رسول رب العالمين؟ قال: فازداد غضب ابن زياد حتي انتفخت أوداجه و قال: علي به، فبادر إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه، فقامت الاشراف من الازد من بني عمه فخلصوه من أيدي الجلاوزة و أخرجوه من باب المسجد و انطلقوا به إلي منزله فقال ابن زياد: اذهبوا إلي هذا الاعمي أعمي الازد، أعمي الله قلبه كما أعمي عينه، فائتوني به


فانطلقوا فلما بلغ ذلك الازد اجتمعوا و اجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم قال: و بلغ ذلك إلي ابن زياد فجمع قبائل مضروضمهم إلي محمد بن الاشعث و أمرهم بقتال القوم قال: فاقتتلوا قتالا شديدا حتي قتل بينهم جماعة من العرب، قال: و وصل أصحاب ابن زياد إلي دار عبد الله بن عفيف، فكسروا الباب و اقتحموا عليه فصاحت ابنته: أتاك القوم من حيث تحذر، فقال: لا عليك ناوليني سيفي فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه و يقول:



أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر

عفيف شيخي و ابن ام عامر



كم دارع من جمعكم و حاسر

و بطل جدلته مغادر



قال: و جعلت ابنته تقول: يا أبت ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة، قال: و جعل القوم يدورون عليه من كل جهة و هو يذب عن نفسه، فلم يقدر عليه أحد و كلما جاؤا من جهة قالت: يا أبة قد جاؤك من جهة كذا حتي تكاثروا عليه و أحاطوا به، فقالت بنته: و اذلاه، يحاط بأبي و ليس له ناصر يستعين به، فجعل يدير سيفه و يقول:



أقسم لو يفسح لي عن بصري

ضاق عليكم موردي و مصدري



قال: فما زالوا به حتي أخذوه، ثم حمل فادخل علي ابن زياد فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك، فقال له عبد الله بن عفيف: يا عدو الله! و بما ذا أخزاني الله؟



و الله لو فرج لي عن بصري

ضاق عليك موردي و مصدري



فقال ابن زياد: يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان؟ فقال: يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة - و شتمه - ما أنت و عثمان إن أساء أم أحسن، و أصلح أم أفسد، و الله تعالي ولي خلقه، يقضي بينهم و بين عثمان بالعدل و الحق، و لكن سلني عن أبيك و عنك و عن يزيد و أبيه، فقال ابن زياد: و الله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت فقال عبد الله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين أما إني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك و سألت الله أن يجعل ذلك علي يدي ألعن


خلقه و أبغضهم إليه، فلما كف بصري يئست من الشهادة، و الآن الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها، و عرفني الاجابة منه في قديم دعائي فقال ابن زياد: اضربوا عنقه! فضربت عنقه و صلب في السبخة [19] و قال المفيد: فلما أخذته الجلاوزة نادي شعار الازد فاجتمع منهم سبعمأة فانتزعوه من الجلاوزة، فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من أخرجه من بيته فضرب عنقه و صلبه في السبخة - رحمه الله - [20] و قال ابن نما: ثم دعا جندب بن عبد الله الازدي و كان شيخا فقال: يا عدو الله ألست صاحب أبي تراب؟ قال: بلي لا أعتذر منه، قال: ما أراني إلا متقربا إلي الله بدمك قال: إذن لا يقربك الله منه بل يباعدك، قال: شيخ قد ذهب عقله و خلي سبيله ثم قال المفيد: و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة، و قبائلها، فروي عن زيد بن أرقم أنه مر به علي و هو علي رمح و أنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرء أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا فقف و الله شعري علي و ناديت رأسك يا ابن رسول الله أعجب و أعجب و قال السيد: و كتب عبيد الله بن زياد إلي يزيد بن معاوية يخبره بقتل الحسين و خبر أهل بيته، و كتب أيضا إلي عمرو بن سعيد بن العاص أمير المدينة بمثل ذلك و قال المفيد: و لما أنفذ إلي ابن زياد برأس الحسين عليه السلام إلي يزيد تقدم إلي عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال: انطلق حتي تأتي عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة، فبشره بقتل الحسين عليه السلام قال عبد الملك: فركبت راحلتي و سرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال: ما الخبر؟ فقلت: الخبر عند الامير تسمعه


قال: إنا لله و إنا إليه راجعون قتل و الله الحسين، فلما دخلت علي عمرو بن سعيد قال: ما وراك؟ فقلت: ما سر الامير قتل الحسين بن علي فقال: أخرج فناد بقتله فناديت، فلم أسمع و الله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم علي الحسين ابن علي حين سمعوا النداء بقتله ثم دخلت علي عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معدي كرب:



عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الارنب



ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان، ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين عليه السلام و دعا ليزيد و نزل [21] و قال صاحب المناقب: قال في خطبته: إنها لدمة بلدمة و صدمة بصدمة، كم خطبة بعد خطبة، و موعظة بعد موعظة، حكمة بالغة فما تغني النذر، و الله لوددت أن رأسه في بدنه، و روحه في جسده أحيانا كان يسبنا و نمدحه، و يقطعنا و نصله كعادتنا و عادته و لم يكن من أمره ما كان، و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا [22] فقام عبد الله بن السائب فقال: لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين لبكت عليه، فجبهه عمرو بن سعيد و قال: نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا، و زوجها أخونا، و ابنها ابننا، لو كانت فاطمة حية لبكت عينها، و حرت كبدها، و مالا مت من قتله، و دفعه عن نفسه ثم قال المفيد: فدخل بعض موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فنعي إليه ابنيه فاسترجع، فقال أبو السلاسل [23] مولي عبد الله: هذا ما لقينا من الحسين بن علي فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: يا ابن اللخناء! أ للحسين تقول هذا؟


و الله لو شهدته لاحببت أن لا افارقه حتي اقتل معه، و الله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما و يعزي عن المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي و ابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم أقبل علي جلسائه فقال: الحمد لله، عز علي مصرع الحسين، إن لا أكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي، فخرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام حاسرة و معها أخواتها ام هانئ و أسماء و رملة و زينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف و هي تقول:



ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم؟



بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي

منهم أساري و قتلي ضرجوابدم



ما كان هذا جزائي إذنصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي



فلما كان الليل في ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين عليه السلام بالمدينة، سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته و لا يرون شخصه:



أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب و التنكيل



كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي و مرسل و قبيل [24] .



قد لعنتم علي لسان (ابن) داود

و موسي و صاحب الانجيل [25] .



و قال ابن نما: و روي أن يزيد بن معاوية لعنهما الله بعث بمقتل الحسين عليه السلام إلي المدينة محرز بن حريث بن المسعود الكلبي من بني عدي بن حباب و رجلا من يهرا [26] و كانا من أفاضل أهل الشام، فلما قدما خرجت إمرأة من بنات عبد المطلب قيل: هي زينب بنت عقيل - ناشرة شعرها، واضعة كمها علي رأسها، تتلقاهم و هي تبكي ماذا تقولون إذ قال النبي لكم إلي آخر الابيات


و قال شهر بن حوشب: بينما أنا عند ام سلمة إذ دخلت صارخة تصرخ و قالت قتل الحسين قالت ام سلمة: فعلوها ملا الله قبورهم نارا و نقلت من تأريخ البلاذري أنه لما وافي رأس الحسين المدينة سمعت الواعية من كل جانب، فقال مروان بن الحكم:



ضربت دوسرفيهم ضربة [27] .

أثبتت أوتاد ملك فاستقر



ثم أخذ ينكت وجهه بقضيب و يقول:



ياحبذابردك في اليدين

و لونك الاحمر في الخدين



كأنه بات بمجسدين [28] .

شفيت منك النفس يا حسين



و مما انفرد به النطنزي في الخصائص عن أبي ربيعة عن أبي قبيل قيل: سمع في الهواء بالمدينة قائل:



يامن يقول بفضل آل محمد

بلغ رسالتنا بغير تواني



قتلت شرار بني أمية سيدا

خير البرية ماجدا ذا شأن



ابن المفضل في السماء و أرضها

سبط النبي و هادم الاوثان



بكت المشارق و المغارب بعد ما

بكت الانام له بكل لسان



ثم قال السيد رحمه الله: و أما يزيد بن معاوية فانه لما وصل كتاب عبيد الله و وقف عليه، أعاد الجواب إليه يأمره فيه بحمل رأس الحسين عليه السلام و رؤوس من قتل معه، و حمل أثقاله و نسائه و عياله، فاستدعي ابن زياد بمخفربن ثعلبة العايذي فسلم إليه الرؤوس و النساء، فسار بهم إلي الشام كما يسار سبايا الكفار يتصفح وجوههن أهل الاقطار [29] و قال المفيد رحمه الله: دفع ابن زياد لعنه الله رأس الحسين صلوات الله عليه إلي


زحر بن قيس و دفع إليه رؤوس أصحابه، و سرحه إلي يزيد بن معاوية، و أنفذ معه أبا بردة بن عوف الازدي و طارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة حتي وردوا بها علي يزيد بدمشق [30] و قال صاحب المناقب: روي أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن ابن لهيعة، عن ابن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام، بعث برأسه إلي يزيد فنزلوا في أول مرحلة فجعلوا يشربون و يتبجحون بالرأس فيما بينهم، فخرجت عليهم كف من الحائط ي، معها قلم من حديد فكتبت أسطرا بدم:



أترجو امة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب



و قال صاحب الكامل و صاحب المناقب و ابن نما: ذكر أبو مخنف أن عمربن سعد لما دفع الرأس إلي خولي الاصبحي لعنهما الله ليحمله إلي ابن زياد عليه اللعنة أقبل به خولي ليلا فوجد باب القصر مغلقا فأتي به منزله و له إمرأتان إمرأة من بني أسد، و اخري حضرمية يقال لها النوار فآوي إلي فراشها فقالت له: ما الخبر؟ فقال: جئتك بالذهب هذا رأس الحسين معك في الدار فقالت: ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة، وجئت برأس ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و الله لا يجمع رأسي و رأسك وسادة أبدا قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلي الدار، و دعا الاسدية فأدخلها عليه فما زالت و الله أنظر إلي نور مثل العمود يسطع من الاجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلام إلي السماء و رأيت طيورا بيضا ترفرف حولها و حول الرأس [31] و قال صاحب المناقب و السيد و اللفظ لصاحب المناقب: روي ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة، قال: كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول: أللهم اغفر لي و ما أراك فاعلا، فقلت له: يا عبد الله اتق الله و لا تقل مثل هذا فان ذنوبك لو كانت مثل قطر الامطار، و ورق الاشجار، فاستغفرت الله غفرها لك فانه غفور رحيم، قال: فقال لي: تعال حتي أخبرك بقصتي، فأتيته


فقال: أعلم أننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين إلي الشام و كنا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابي ليلة حتي سكروا و لم أشرب معهم فلما جن الليل سمعت رعدا و رأيت برقا فإذا أبواب السماء قد فتحت و نزل آدم، و نوح و إبراهيم، و إسماعيل، و إسحاق و نبينا محمد صلي الله عليه و آله و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمه إلي نفسه و قبله ثم كذلك فعل الانبياء كلهم و بكي النبي صلي الله عليه و آله علي رأس الحسين فعزاه الانبياء فقال له جبرئيل: يا محمد إن الله تعالي أمرني أن اطيعك في امتك فان أمرتني زلزلت بهم الارض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال النبي صلي الله عليه و آله: لا يا جبرئيل فان لهم معي موقفا بين يدي الله يوم القيامة قال: ثم صلوا عليه ثم أتي قوم من الملائكة و قالوا: إن الله تبارك و تعالي أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبي: شأنكم بهم فجعلوا يضربون بالحربات ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني فقلت: الامان الامان يا رسول الله فقال: اذهب فلا غفر الله لك فلما أصبحت رأيت أصحابي كلهم جاثمين رمادا [32] .ثم قال صاحب المناقب: و باسنادي إلي أبي عبد الله الحدادي، عن أبي جعفر الهندواني بإسناده في هذا الحديث فيه زيادة عند قوله ليحمله إلي يزيد قال: كل من قتله جفت يده و فيه: إذ سمعت صوت برق لم أسمع مثله، فقيل: قد أقبل محمد صلي الله عليه و آله فسمعت صهيل الخيل، و قعقعة السلاح، مع جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و الكروبيين و الروحانيين و المقربين عليهم السلام و فيه فشكي النبي صلي الله عليه و آله إلي الملائكة و النبيين، و قال: قتلوا ولدي وقرة عيني، وكلهم قبل الرأس و ضمه إلي صدره و الباقي يقرب بعضها من بعض أقول: و في بعض الكتب أنهم لما قربوا من بعلبك كتبوا إلي صاحبها فأمر بالرايات فنشرت، و خرج الصبيان يتلقونهم علي نحو من ستة أميال فقالت


ام كلثوم: أباد الله كثرتكم و سلط عليكم من يقتلكم ثم بكي علي بن الحسين عليهما السلام و قال:



و هو الزمان فلا تفني عجائبه

من الكرام و ما تهدي مصائبه



فليت شعري إلي كم ذا تجاذبنا

فنونه و ترانا لم نجاذبه



يسري بنا فوق أقتاب بلا وطأ

و سابق العيس يحمي عنه غاربه



كأننا من أساري الروم بينهم

كأن ما قاله المختار كاذبه



كفرتم برسول الله ويحكم

فكنتم مثل من ضلت مذاهبه



ثم قال السيد - ره -: و سار القوم برأس الحسين عليه السلام و نسائه و الاسري من رجاله، فلما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم من شمر و كان في جملتهم فقالت: لي إليك حاجة فقال: ما حاجتك؟ فقالت: إذا دخلت بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النظارة و تقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، و ينحونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا، و نحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرؤوس علي الرماح في أوساط المحامل بغيا منه و كفرأ، و سلك بهم بين النظارة علي تلك الصفة، حتي أتي بهم باب دمشق، فوقفوا علي درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي [33] و روي صاحب المناقب باسناده عن زيد عن آبائه أن سهل بن سعد قال: خرجت إلي بيت المقدس حتي توسطت الشام، فإذا أنا بمدينه مطردة الانهار كثيرة الاشجار قد علقوا الستور و الحجب و الديباج، و هم فرحون مستبشرون، و عندهم نساء يلعبن بالدفوف و الطبول، فقلت في نفسي: لا نري لاهل الشام عيدا لا نعرفه نحن فرأيت قوما يتحدثون فقلت: يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا: يا شيخ نراك أعرابيا فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمدا صلي الله عليه و آله قالوا: يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دما و الارض لا تنخسف بأهلها؟ قلت: و لم ذاك؟ قالوا: هذا رأس الحسين عليه السلام عترة محمد صلي الله عليه و آله يهدي من أرض العراق فقلت: وا عجباه يهدي رأس


الحسين و الناس يفرحون؟ قلت: من أي باب يدخل؟ فأشاروا إلي باب يقال له باب ساعات قال: فبينا أنا كذلك، حتي رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلي الله عليه و آله فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة علي جمال بغير وطاء، فدنوت من أولادهم فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل ابن سعد ممن رأي جدك و سمعت حديثه، قالت: يا سعد قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتي يشتغل الناس بالنظر إليه، و لا ينظروا إلي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس فقالت له: هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: ما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم ففعل ذلك فدفعت إليه ما وعدته و وضع الرأس في حقه و دخلوا علي يزيد فدخلت معهم و كان يزيد جالسا علي السرير و علي رأسه تاج مكلل بالدر و الياقوت، و حوله كثير من مشايخ قريش، فلما دخل صاحب الرأس و هو يقول:



أوقر ركابي فضة و ذهبا

أنا قتلت السيد المحجبا



قتلت خير الناس اما و أبا

و خيرهم إذينسبون النسبا



قال: لو علمت أنه خير الناس لم قتلته؟ قال: رجوت الجائزة منك فأمر بضرب عنقه فجز رأسه، و وضع رأس الحسين عليه السلام علي طبق من ذهب و هو يقول: كيف رأيت يا حسين؟ ثم قال السيد: فروي أن بعض فضلاء التابعين لما شهد برأس الحسين بالشام أخفي نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه، سألوه عن سبب ذلك فقال: ألا ترون ما نزل بنا ثم أنشأ يقول:




جاؤا برأسك يا ابن بنت محمد

قتلوا جهارا عامدين رسولا



قتلوك عطشانا و لما يرقبوا

في قتلك التأويل و التنزيلا



و يكبرون بأن قتلت و إنما

قتلوا بك التكبير و التهليلا



قال: و جاء شيخ فدنا من نساء الحسين و عياله، و هم أقيموا علي درج باب المسجد، فقال: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و أراح البلاد من رجالكم و أمكن أمير المؤمنين منكم، فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: فهل عرفت هذه الاية قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي [34] قال الشيخ: قد قرأت ذلك فقال له علي: فنحن القربي يا شيخ، فهل قرأت هذه الآية و اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي [35] قال نعم، قال علي: فنحن القربي يا شيخ و هل قرأت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا [36] قال الشيخ: قد قرأت ذلك قال علي: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة يا شيخ! قال: فبقي الشيخ ساكتا نادما علي ما تكلم به و قال: بالله إنكم هم؟ فقال علي بن الحسين: تالله إنا لنحن هم من غير شك، و حق جدنا رسول الله إنا لنحن هم فبكي الشيخ و رمي عمامته، و رفع رأسه إلي السماء و قال: أللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد من جن و إنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إن تبت تاب الله عليك، و أنت معنا، فقال: أنا تائب، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل [37] و قال المفيد و ابن نما: روي عبد الله بن ربيعة الحميري قال: إني لعند يزيد ابن معاوية بدمشق إذا قبل زحر بن قيس حتي دخل عليه فقال له يزيد: ويلك ما وراك و ما عندك؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله و نصره، ورد علينا الحسين ابن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألنا هم أن


يستسلموا أو ينزلوا علي حكم الامير عبيد الله أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتي إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم، جعلوا يهربون إلي وزر، و يلوذون منا بالآكام و الحفر لواذا كما لاذالحمام من الصقر، فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزرجزور، أو نومة قائل، حتي أتينا علي آخرهم، فها! تيك أجسادهم مجردة، و ثيابهم مرملة و خدودهم معفرة، تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الريح، زوارهم الرخم و العقبان [38] فأطرق يزيد هنيئة ثم رفع رأسه و قال: قد كنت أرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما لو كنت صاحبه لعفوت عنه ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين عليه السلام أمر فتيانه و صبيانه و نساءه فجهزوا و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل في عنقه ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع مخفر بن ثعلبة العايذي و شمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتي لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس و لم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا من القوم في الطريق كلمة واحدة حتي بلغوا، فلما انتهوا إلي باب يزيد رفع مخفر بن ثعلبة صوته فقال: هذا مخفر بن ثعلبة أتي أمير المؤمنين بالفجرة اللئام، فأجاب علي بن الحسين: ما ولدت ام مخفر أشر و ألام [39] و زاد في المناقب و لكن قبح الله ابن مرجانة قال في المناقب: و كان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد (فقال:)



لهام بجنب الطف أدني قرابة

من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل



سمية أمسي نسلها عدد الحصا

و بنت رسول الله ليست بذي نسل




قال يزيد: نعم، فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم علي مثل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها، و لدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت، و لو بهلاك بعض ولدي، و لكن قضي الله أمرا فلم يكن له مرد و في رواية أن يزيد أسر إلي عبد الرحمن و قال: سبحان الله أفي هذا الموضع؟ أما يسعك السكوت و قال المفيد: و لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد و فيها رأس الحسين عليه السلام قال يزيد:



نفلق هاما من أناس أعزة

علينا و هم كانوا أعق و أظلما [40] .



فقال يحيي بن الحكم ما مر ذكره، فضرب يزيد علي صدر يحيي يده و قال: أسكت ثم أقبل علي أهل مجلسه، فقال: إن هذا كان يفخر علي و يقول: أبي خير من أب يزيد، و أمي خير من امه، وجدي خير من جده، و أنا خير منه فهذا الذي قتله فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد، فلقد حاج أبي أباه فقضي الله لابي علي أبيه، و أما قوله بأن أمي خير من ام يزيد، فلعمري لقد صدق إن فاطمة بنت رسول الله خير من أمي، و أما قوله جدي خير من جده، فليس لاحد يؤمن بالله و اليوم الآخر يقول بأنه خير من محمد، و أما قوله بأنه خير مني فلعله لم يقرء هذه الآية قل أللهم مالك الملك و قال ابن نما: نقلت من تأريخ دمشق عن ربيعة بن عمرو الجرشي قال: أنا عند يزيد إذ سمعت صوت مخفر يقول: هذا مخفر بن ثعلبة أتي أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه يزيد: ما ولدت ام مخفر أشر و ألام و قال السيد: ثم ادخل ثقل الحسين عليه السلام و نساؤه و من تخلف من أهله علي يزيد و هم مقرنون في الحبال فلما وقفوا بين يديه و هم علي تلك الحال قال له علي


ابن الحسين: أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رانا علي هذه الحالة؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه و أجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه، فرآه علي بن الحسين فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا [41] و قال ابن نما: قال علي بن الحسين عليه السلام: أدخلنا علي يزيد و نحن اثنا عشر رجلا مغللون، فلما وقفنا بين يديه قلت: أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله لو رانا علي هذه الحال؟ و قالت فاطمة بنت الحسين: يا يزيد بنات رسول الله سبايا؟ فبكي الناس و بكي أهل داره حتي علت الاصوات، فقال علي بن الحسين: فقلت و أنا مغلول: أتأذن لي في الكلام؟ فقال: قل و لا تقل هجرا؟ فقال: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنك برسول الله لو راني في الغل؟ فقال لمن حوله:، حلوه حدث عبد الملك بن مرو ان: لما اتي يزيد برأس الحسين عليه السلام قال: لو كان بينك و بين ابن مرجانة قرابة لاعطاك ما سألت ثم أنشد يزيد:



نفلق هاما من رجال أعزة

علينا و هم كانوا أعق و أظلما



قال علي بن الحسين عليهما السلام: ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير [42] ثم قالوا: و أما زينب فانها لما رأته أهوت إلي جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين تفزع القلوب: ياحسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة و مني! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن بنت المصطفي! قال: فأبكت و الله كل من كان في المجلس، و يزيد ساكت ثم جعلت إمرأة من بني هاشم في دار يزيد تندب علي الحسين عليه السلام و تنادي: وا حبيباه! يا سيد أهل بيتاه! يا ابن محمداه! يا ربيع الارامل و اليتامي! يا قتيل أولاد الادعياء! قال: فأبكت كل من سمعها ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام فأقبل عليه


أبو برزة الاسلمي و قال: ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة؟ أشهد لقد رأيت النبي يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول: أنتما سيدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتلكما و لعنه و أعدله جهنم و ساءت مصيرا، قال: فغضب يزيد و أمر بإخراجه فاخرج سحبا قال: فجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعري شعر



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل [43] .



فأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



أقول: و زاد محمد بن أبي طالب:



لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



و في المناقب: لست من عتبة إن لم أنتقم قال السيد و غيره: فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت: الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي رسوله و آله أجمعين، صدق الله كذلك يقول ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءي أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤن أ ظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الارض و آفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الاساري أن بنا علي الله هوانا و بك عليه كرامة؟ و أن ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت بأنفك، و نظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الامور متسقة، و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا، مهلا مهلا أنسيت قول الله تعالي و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين [44] .


أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن تحدوبهن الاعداء من بلد إلي بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الدني و الشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، و لا من حماتهن حمي؟ و كيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الازكياء، و نبت لحمه بدماء الشهداء؟ و كيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن، و الاحن و الاضغان؟ ثم تقول غير متأثم و لا مستعظم:



و أهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



منتحيا علي ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة، تنكتها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك؟ و قد نكأت القرحة و استأصلت الشأفة، باراقتك دماء ذرية محمد صلي الله عليه و آله و نجوم الارض من آل عبد المطلب، و تهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم، و لتودن أنك شللت و بكمت، و لم يكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت أللهم خذبحقنا، و انتقم من ظالمنا، و أحلل غضبك بمن سفك دماءنا و قتل حماتنا فو الله ما فريت إلا جلدك، و لا جززت إلا لحمك، و لتردن علي رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته، و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم، و يأخذ بحقهم، و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، حسبك بالله حاكما، و بمحمد خصيما و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سوي لك و مكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، و أيكم شر مكانا و أضعف جندا و لئن جرت علي علي الدواهي مخاطبتك إني لاستصغرقدرك، و أستعظم تقريعك و أستكبر توبيخك، لكن العيون عبري، و الصدور حري، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الايدي تنطف من


دمائنا و الافواه تتحلب من لحومنا، و تلك الحثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل و تعفوها أمهات الفراعل، و لئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت و ما ربك بظلام للعبيد، فالي الله المشتكا، و عليه المعول، فكدكيدك واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو الله لاتمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رأيك إلا فند، و أيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله علي الظالمين، فالحمد لله الذي ختم لاولنا بالسعادة و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل الله أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، و حسبنا الله و نعم الوكيل فقال يزيد:



يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت علي النوائح



قال: ثم استشار أهل الشام فيما يصنع بهم، فقالوا: لا تتخذ من كلب سوء جروا فقال له النعمان بن بشير: انظر ما كان الرسول يصنعه بهم فاصنعه بهم [45] و قال المفيد - رحمه الله -: ثم قال لعلي بن الحسين: يا ابن حسين أبوك قطع رحمي و جهل حقي، و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت، فقال علي ابن الحسين: ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير [46] فقال يزيد لابنه خالد: اردد عليه! فلم يدر خالد ما يرد عليه، فقال له يزيد: قل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير [47] و قال صاحب المناقب: بعد ذلك فقال علي بن الحسين: يا ابن معاوية و هند و صخر لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر واحد و الاحزاب في يده رأية رسول الله صلي الله عليه و آله و أبوك


وجدك في أيديهما رايات الكفار، ثم جعل علي بن الحسين عليهما السلام يقول:



ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم؟



بعترتي و بأهلي عند مفتقدي

منهم أساري و منهم ضرجوا بدم



ثم قال علي بن الحسين: ويلك يا يزيد! إنك لو تدري ماذا صنعت؟ و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي وأخي و عمومتي إذا لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل و الثبور، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة و علي منصوبا علي باب مدينتكم و هو وديعة رسول الله فيكم، فابشر بالخزي و الندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة و قال المفيد: ثم دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه فرأي هيئة قبيحة فقال: قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم و بينه قرابة و رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم علي هذا فقالت فاطمة بنت الحسين: و لما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية يعنيني و كنت جارية وضيئة فارعدت و ظننت أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمتي زينب و كانت تعلم أن ذلك لا يكون و في رواية السيد قلت: او تمت و استخدم؟ فقالت عمتي للشامي: كذبت و الله و لومت، و الله ما ذلك لك و لا له، فغضب يزيد و قال: كذبت و الله إن ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا و الله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا، و تدين بغيرها، فاستطار يزيد غضبا و قال: إياي تستقبلين بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك و أخوك، قالت زينب: بدين الله و دين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك وجدك إن كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت له: أنت أمير تشتم ظالما و تقهر لسلطانك، فكأنه استحيا و سكت، و عاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية فقال له يزيد: اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا [48]


و في بعض الكتب: قالت ام كلثوم للشامي: أسكت يا لكع الرجال، قطع الله لسانك، و أعمي عينيك، و أيبس يديك، و جعل النار مثواك، إن أولاد الانبياء لا يكونون خدمة لاولاد الادعياء قال: فو الله ما استتم كلامها حتي أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل فقالت: الحمد لله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فهذا جزاء من يتعرض لحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و في رواية السيد - رحمه الله - فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين و تلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة و علي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك، و تسبي ذريته، و الله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم، فقال يزيد: و الله لالحقنك بهم، ثم أمر به فضرب عنقه قال السيد و دعا يزيد الخاطب و أمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه صلوات الله عليهما، فصعد و بالغ في ذم أمير المؤمنين و الحسين الشهيد صلوات الله عليهما و المدح لمعاوية و يزيد، فصاح به علي بن الحسين عليه السلام: ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأمقعدك من النار و لقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:



أعلي المنابر تعلنون بسبه

و بسيفه نصبت لكم أعو ادها [49] .



و قال صاحب المناقب و غيره: روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر و خطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين و علي عليهما السلام و ما فعلا، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم أكثر الوقيعة في علي و الحسين، و أطنب في تقريظ معاوية و يزيد لعنهما الله فذكر هما بكل جميل، قال: فصاح به علي بن الحسين: ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأمقعدك من النار ثم قال علي بن الحسين عليه السلام: يا يزيد ائذن لي حتي أصعد هذه الاعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا، و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب، قال: فأبي يزيد


عليه ذلك فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان فقيل له: يا أمير المؤمنين و ما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا قال: فلم يزالوا به حتي أذن له فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم خطب خطبة أبكي منها العيون، و أو جل منها القلوب، ثم قال: أيها الناس أعطينا ستا و فضلنا بسبع: اعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا، و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد رسوله، و منا سبطا هذه الامة، من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي أيها الناس أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انتعل و احتفي، أنا ابن خير من طاف وسعي، أنا ابن خير من حج و لبي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الاقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلي سدرة المنتهي، أنا ابن من دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي إليه الجليل ما أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا: لا إله إلا الله أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين، و وراث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين وزين العابدين، و تاج البكائين، و أصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين و أفخر من مشي من قريش أجمعين، و أول من أجاب و استجاب لله و لرسوله من


المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و بستان حكمة الله، و عيبة علمه سمح، سخي، بهي، بهلول، زكي، أبطحي، رضي، مقدام، همام صابر، صوام، مهذب، قوام، قاطع الاصلاب، و مفرق الاحزاب، أربطهم عنانا، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الاسنة، و قربت الاعنة، طحن الرحا و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، و كبش العراق، مكي مدني خيفي يعقبي بدري احدي شجري مهاجري، من العرب سيدها، و من ا الوغي ليثها، وارث المشعرين و أبو السبطين: الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، فلم يزل يقول: أنا أنا، حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال علي: لا شئ أكبر من الله، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي بن الحسين: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي، فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله التفت من فوق المنبر إلي يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و إن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال: و فرغ المؤذن من الاذان و الاقامة و تقدم يزيد فصلي صلاة الظهر قال: و روي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال: من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ قال: هو علي بن الحسين، قال: فمن الحسين؟ قال: ابن علي بن أبي طالب، قال: فمن امه؟ قال: امه فاطمة بنت محمد، فقال الحبر: يا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئسما خلفتموه في ذريته و الله لو ترك فينا موسي بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا و أنتم إنما فارقكم نبيكم بالامس، فوثبتم علي ابنه فقتلتموه؟ سوأة لكم من امة


قال: فأمر به يزيد لعنه الله فوجئ في حلقه ثلاثا فقام الحبر و هو يقول: إن شئتم فاضربوني، و إن شئتم فاقتلوني أو فذروني فاني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعونا أبدا ما بقي، فإذا مات يصليه الله نار جهنم و روي الصدوق في الامالي، عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن نصر ابن مزاحم، عن لوط بن يحيي، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليهما قالت: ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين فحبس مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنهم من حر و لاقر، حتي تقشرت وجوههم و لم يرفع ببيت المقدس حجر علي وجه الارض إلا وجد تحته دم عبيط، و أبصر الناس الشمس علي الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة إلي أن خرج علي بن الحسين بالنسوة ورد رأس الحسين عليه السلام إلي كربلاء [50] و قال ابن نما: و رأت سكينة في منامها و هي بدمشق كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت و علي كل نجيب شيخ و الملائكة محدقة بهم، و معهم وصيف يمشي فمضي النجب و أقبل الوصيف إلي و قرب مني و قال: يا سكينة إن جدك يسلم عليك، فقلت: و علي رسول الله السلام يا رسول! من أنت؟ قال: وصيف من وصائف الجنة، فقلت: من هؤلاء المشيخة الذين جاؤا علي النجب؟ قال: الاول آدم صفوة الله، و الثاني إبراهيم خليل الله، و الثالث موسي كليم الله، و الرابع عيسي روح الله، فقلت: من هذا القابض علي لحيته يسقط مرة و يقوم اخري؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و آله فقلت: و أين هم قاصدون؟ قال: إلي أبيك الحسين، فأقبلت أسعي في طلبه لاعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده فبينما أنا كذلك إذا أقبلت خمسة هواد ج من نور، في كل هودج إمرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟ قال: الاولي حواء ام البشر، الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم ابنة عمران، و الرابعة خديجة بنت خويلد، فقلت: من الخامسة الواضعة يدها علي رأسها تسقط مرة و تقوم اخري؟ فقال: جدتك فاطمة بنت محمد


ام أبيك، فقلت: و الله لاخبرنها ما صنع بنا فلحقتها و وقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أمتاه [51] جحدوا و الله حقنا، يا أمتاه بددوا و الله شملنا، يا أمتاه استباحوا و الله حريمنا، يا أمتاه قتلوا و الله الحسين أبانا، فقالت: كفي صوتك يا سكينة فقد أحرقت كبدي، و قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتي ألقي الله به، ثم انتبهت و أردت كتمان ذلك المنام، و حدثت به أهلي فشاع بين الناس و قال السيد: و قالت سكينة: فلما كان اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام و ذكرت مناما طويلا تقول في آخره: و رأيت إمرأة راكبة في هودج و يدها موضوعة علي رأسها، فسألت عنها فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد ام أبيك، فقلت: و الله لانطلقن إليها و لاخبرنها بما صنع بنا فسعيت مبادرة نحوها حتي لحقت بها فوقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أمتاه جحدوا و الله حقنا، يا أمتاه بددوا و الله شملنا، يا أمتاه استباحوا و الله حريمنا، يا أمتاه قتلوا و الله الحسين أبانا، فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة، فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقني حتي ألقي الله [52] و قال السيد و ابن نما: و روي ابن لهيعة عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن قال: لقيني رأس الجالوت فقال: و الله إن بيني و بين داود لسبعين أبا و إن اليهود تلقاني فتعظمني، و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيكم إلا أب واحد قتلتموه و روي عن زين العابدين عليه السلام أنه لما اتي برأس الحسين إلي يزيد كان يتخذ مجالس الشراب و يأتي برأس الحسين و يضعه بين يديه، و يشرب عليه، فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم، و كان من أشراف الروم و عظمائهم، فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد: مالك و لهذا الرأس؟ فقال: إني إذا رجعت إلي ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه حتي يشاركك في الفرح و السرور، فقال له يزيد: هذا رأس


الحسين بن علي بن أبي طالب فقال الرومي: و من امه؟ فقال: فاطمة بنت رسول الله فقال النصراني: اف لك و لدينك! لي دين أحسن من دينك إن أبي من حوافد داود عليه السلام و بيني و بينه آباء كثيرة و النصاري يعظموني و يأخذون من تراب قدمي تبركا بأبي من حوافد داود، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول الله و ما بينه و بين نبيكم إلا ام واحدة؟ فأي دين دينكم ثم قال ليزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له: قل حتي أسمع فقال: بين عمان و الصين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما علي وجه الارض بلدة أكبر منها و منها يحمل الكافور و الياقوت، أشجارهم العود و العنبر، و هي في أيدي النصاري لا ملك لاحد من الملوك فيها سواهم، و في تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة ذهب معلقة، فيها حافر يقولون إن هذا حافر حمار كان يركبه عيسي، و قد زينوا حول الحقة بالذهب و الديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصاري، و يطوفون حولها و يقبلونها و يرفعون حوائجهم إلي الله تعالي هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسي نبيهم و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم؟ فلا بارك الله تعالي فيكم و لا في دينكم فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني لئلا يفضحني في بلاده فلما أحس النصراني بذلك قال له: تريد أن تقتلني؟ قال: نعم، قال: أعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه و أنا أشهد أن لا إله إلا الله،، و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله ثم وثب إلي رأس الحسين فضمه إلي صدره، و جعل يقبله و يبكي حتي قتل [53] و قال صاحب المناقب: و ذكر أبو مخنف و غيره أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس علي باب داره، و أمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره فلما دخلت النسوة دار يزيد، لم يبق من آل معاوية و لا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء


و الصراخ و النياحة علي الحسين عليه السلام و ألقين ما عليهن من الثياب و الحلي و أقمن المآتم عليه ثلاثة أيام، و خرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز إمرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام حتي شقت الستر و هي حاسرة فوثبت إلي يزيد و هو في مجلس عام، فقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب علي فناء بأبي؟ فوثب إليها يزيد فغطاها، و قال: نعم فاعولي عليه يا هند و أبكي علي ابن بنت رسول الله و صريخة قريش عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله، قتله الله ثم إن يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة فما كان يتغدي و لا يتعشي حتي يحضر علي بن الحسين: و قال السيد و غيره: و خرج زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال: أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم يا منهال أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا عربي، و أمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأن محمدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته و نحن مغصوبون مقتولون مشردون، فانا لله و إنا إليه راجعون مما أمسينا فيه، يا منهال و لله درمهيار حيث قال:



يعظمون له أعواد منبره

و تحت أرجلهم أولاده وضعوا



بأي حكم بنوه يتبعونكم

و فخركم أنكم صحب له تبع



قال: و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهما السلام و عمرو بن الحسن عليه السلام و كان عمرو صغيرا يقال: إن عمره إحدي عشرة سنة فقال له: أ تصارع هذا يعني ابنه خالدا فقال له عمرو: لا و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم اقاتله، قال يزيد: شنشنة أعرفها من أخزم [54] هل تلد الحية إلا الحية


و قال لعلي بن الحسين: اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن، فقال: الاولي أن تريني وجه سيدي و أبي و مولاي الحسين فأتزود منه، و أنظر إليه و أودعه، و الثانية أن ترد علينا ما اخذ منا، و الثالثة إن كنت عزمت علي قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلي حرم جدهن صلي الله عليه و آله فقال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا، و أما قتلك فقد عفوت عنك، و أما النساء فما يؤديهن إلي المدينة غيرك، و أما ما اخذ منكم فأنا اعوضكم عنه أضعاف قيمته فقال عليه السلام: أما مالك فمانريده، و هو موفر عليك، و إنما طلبت ما أخذ منا لان فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و مقنعتها و قلادتها و قميصها، فأمر برد ذلك و زاد عليه مائتي دينار فأخذها زين العابدين عليه السلام و فرقها في الفقراء و المساكين ثم أمر برد الاساري و سبايا البتول إلي أوطانهم بمدينه الرسول قال ابن نما: و أما الرأس الشريف اختلف الناس فيه، فقال قوم: إن عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة، و عن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جؤنة حمراء فقال لغلامه سليم: احتفظ بهذه الجؤنة فانها كنز من كنوز بني المية، فلما فتحها إذا فيها رأس الحسين عليه السلام و هو مخضوب بالسواد، فقال لغلامه ائتني بثوب فأتاه به، فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق و حدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم عليه من الذهب شيء كثير، يقصدونه في المواسم و يزورونه و يزعمون أنه مدفون هناك و الذي عليه المعول من الاقوال أنه اعيد إلي الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه و قال السيد: فأما رأس الحسين فروي أنه اعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف صلوات الله عليه و كان عمل الطائفة علي هذا المعني المشار إليه، و رويت آثار مختلفة كثيرة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب [55] .


و قال صاحب المناقب: و ذكر الامام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أن يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه السلام بعث إلي المدينة فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم و ضم إليهم عدة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين و من بقي من أهله معهم و جهزهم بكل شيء، و لم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها، و بعث برأس الحسين عليه السلام إلي عمرو بن سعيد بن العاص و هو إذ ذاك عامله علي المدينة، فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به إلي، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها السلام و ذكر غيره أن سليمان بن عبد الملك بن مروان رأي النبي صلي الله عليه و آله في المنام كأنه يبره و يلطفه، فدعا الحسن البصري فسأله عن ذلك، فقال: لعلك اصطنعت إلي أهله معروفا؟ فقال سليمان: إني وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية فكسوته خمسة من الديباج و صليت عليه في جماعة من أصحابي و قبرته فقال الحسن: إن النبي صلي الله عليه و آله رضي منك بسبب ذلك، و أحسن إلي الحسن، و أمره بالجوائز و ذكر غيرهما أن رأسه عليه السلام صلب بدمشق ثلاثة أيام و مكث في خزائن بني أمية حتي ولي سليمان بن عبد الملك، فطلب فجيئ به و هو عظيم أبيض فجعله في سفط و طيبه و جعل عليه ثوبا و دفنه في مقابر المسلمين، بعد ما صلي عليه، فلما ولي عمربن عبد العزيز بعث إلي المكان يطلب منه الرأس فاخبر بخبره فسأل عن الموضع الذي دفن فيه فنبشه و أخذه و الله أعلم ما صنع به فالظاهر من دينه أنه بعث إلي كربلا فدفن مع جسده عليه السلام أقول: هذه أقوال المخالفين في ذلك، و المشهور بين علمائنا الامامية أنه دفن رأسه مع جسده، رده علي بن الحسين عليهما السلام و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام و سيأتي بعضها و الله يعلم ثم قال المفيد و صاحب المناقب و اللفظ لصاحب المناقب: و روي أن يزيد عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك، و قالوا: بل ردنا إلي المدينة فانه مهاجر


جدنا صلي الله عليه و آله فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله: جهز هؤلاء بما يصلحهم و أبعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا، و أبعث معهم خيلا و أعوانا، ثم كساهم و حباهم و فرض لهم الارزاق و الانزال [56] ثم دعا بعلي بن الحسين عليها السلام فقال له: لعن الله ابن مرجانة أما و الله لو كنت صاحبه ما سألني خلة إلا أعطيتها إياه و لدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه، و لو بهلاك بعض ولدي، و لكن قضي الله ما رأيت، فكاتبني و أنه [57] إلي كل حاجة تكون لك، ثم أوصي بهم الرسول فخرج بهم الرسول يسايرهم فيكون أمامهم فإذا نزلوا تنحي عنهم و تفرق هو و أصحابه كهيئة الحرس ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء، و يعرض عليهم حوائجهم، و يلطفهم حتي دخلوا المدينة قال الحارث بن كعب: قالت لي فاطمة بنت علي عليه السلام: قلت لاختي زينب قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا، فهل لك أن تصله؟ قالت: فقالت: و الله مالنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا فأخذت سواري و دملجي أو سوار اختي و دملجها فبعثنا بها إليه و اعتذرنا من قلتها، و قلنا: هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا، فقال: لو كان الذي صنعته للدنيا كان في دون هذا رضاي و لكن و الله ما فعلته إلا لله و قرابتكم من رسول الله صلي الله عليه و آله ثم قال السيد: و لما رجعت نساء الحسين عليه السلام و عياله من الشام و بلغوا إلي العراق قالوا للدليل: مر بنا علي طريق كربلا، فوصلوا إلي موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري و جماعة من بني هاشم و رجلا من آل رسول الله قد وردوا لزيارة قبر الحسين، فوافوا في وقت واحد، و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم، و أقاموا المآتم المقرحة للاكباد، و اجتمع إليهم نساء ذلك السواد، و أقاموا علي ذلك أياما فروي عن أبي حباب الكلبي قال: حدثنا الحصاصون قالوا: كنا نخرج


إلي الجبانة [58] في الليل عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجن ينوحون عليه فيقولون:



مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش وجده خير الجدود



قال: ثم انفصلوا من كربلا طالبين المدينة، قال بشير بن حذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهما السلام فحط رحله، و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و قال: يا بشير! رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر علي شيء منه؟ قلت: بلي يا ابن - رسول الله إني لشاعر قال: فادخل المدينة و انع أبا عبد الله، قال بشير: فركبت فرسي و ركضت حتي دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي صلي الله عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول:



يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار



الجسم منه بكربلاء مضرج

و الرأس منه علي القناة يدار



قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم، و أنا رسوله إليكم اعرفكم مكانه، فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل و الثبور، فلم أرباكيا أكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر علي المسلمين منه، و سمعت جارية تنوح علي الحسين فتقول:



نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا

و أمرضني ناع نعاه فأفجعا



فعيني جودا بالدموع و أسكبا

وجودا بدمع بعد دمعكما معا



علي من دهي عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد و الدين أجدعا



علي ابن نبي الله و ابن وصيه

و إن كان عنا شاحط الدار أشسعا



ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله و خدشت منا قروحا لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم وجهني مولاي علي بن


الحسين عليهما الصلاة و السلام و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد الله و نسائه، قال: فتركوني مكاني و بادروا فضربت فرسي حتي رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتي قربت من باب الفسطاط و كان علي بن الحسين عليهما السلام داخلا و معه خرقة يمسح بها دموعه، و خلفه خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه، و هو لا يتمالك من العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و حنين الجواري و النساء، و الناس من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن: اسكتوا، فسكنت فورتهم فقال عليه السلام: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع، و جليل الرزء و عظيم المصائب الفاضعة، الكاظة الفادحة الجائحة أيها الناس إن الله و له الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله و عترته، و سبي نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية أيها الناس! فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أية عين منكم تحبس دمعها و تضن عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها و السماوات بأركانها، و الارض بأرجائها، و الاشجار بأغصانها، و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله، أم أي فؤاد لا يحن إليه، أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الامصار كأنا أولاد ترك و كابل، من جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين، إن هذا إلا اختلاق


و الله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا علي مافعلوابنا، فانا لله و إنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أوجعها و أفجعها، و أكظها، و أفظها، و أمرها، و أفدحها؟ فعند الله نحتسب فيما أصابنا و ما بلغ بنا إنه عزيز ذو انتقام قال: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان، و كان زمنا فاعتذر إليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبول معذرته، و حسن الظن فيه و شكر له و ترحم علي أبيه [59] ثم قال السيد: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن زين العابدين عليه السلام بكي علي أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله، فإذا حضر الافطار جاءه غلامه بطعامه و شرابه، فيضعه بين يديه فيقول: كل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتي يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتي لحق بالله عز و جل و حدث مولي له عليه السلام أنه برز يوما إلي الصحراء قال: فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة خشنة فوقفت و أنا أسمع شهيقه و بكاءه و أحصيت عليه ألف مرة لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله تعبداورقا لا إله إلا الله إيمانا و صدقا، ثم رفع رأسه من السجود و إن لحيته و وجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي، و لبكائك أن تقل؟ فقال لي: ويحك إن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام كان نبيا ابن نبي كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن، واحد و دب ظهره من الغم، و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا، و أنا فقدت أبي وأخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعي مقتولين، فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي؟ [60] إيضاح: قال الجوهري: ارتث فلان، هوافتعل علي ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا و به رمق و قال: الخفر بالتحريك شدة الحياء


و جارية خفرة و متخفرة، و قال فرعت (في) الجبل صعدته، و فرعت (في) الجبل صعدت و يقال: بئسما أفرعت به أي ابتدأت أقول: و في بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الا فراغ بمعني السكب و هو أظهر، و الختل الخدعة و في الاحتجاج الختر، و هو أيضا بالتحريك الغدر قولها عليها السلام: كمثل التي إشارة إلي قوله تعالي: و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة [61] قال الطبرسي - ره -: أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للمغزل، و هي إمرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلي انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ماغزلن، و لا تزال ذلك دأبها، و قيل: إنه مثل ضربه الله شبه فيه حال ناقض العهد، بمن كان كذلك أنكاثا جمع نكث، و هو الغزل من الصوف و الشعر، يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أي دغلا و خيانة و مكرا و قال الخليل: الصلف مجاوزة قدر الظرف و الا دعاء فوق ذلك تكبرا و النطف بالتحريك التلطخ بالعيب و في الاحتجاج بعد الصلف و العجب و الشنف و الكذب و الشنف بالتحريك: البغض و التنكر، و الدمنة بالكسر ماتدمنه الابل و الغنم بأبوالها و أبعارها أي تلبده في مرابضها، فربما نبت فيها النبات، شبهتهم، تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم، و عدم الانتفاع بهم، مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم، و اخري بفضة [62] تزين بها القبور في أنهم كالاموات زينوا أنفسهم بلباس الاحياء و لا ينتفع بهم الاحباء، و لا يرجي منهم الكرم و الوفاء قولها بعارها الضمير راجع إلي الامة أو الازمنة، و في الاحتجاج: أجل و الله فابكوا فانكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا فليلا فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها و الشنار العيب و رحضه كمنعه غسله كأرحضه، و المدره بالكسر زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم و الذي يرجعون إلي رأيه، و تبت الايدي: أي خسرت أو هلكت و الايدي إما مجاز للانفس أو بمعناها


و الفري: القطع، و في بعض النسخ و الروايات: فرثتم بالثاء المثلثة، قال في النهاية: في حديث ام كلثوم بنت علي عليه السلام لاهل الكوفة أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله صلي الله عليه و آله الفرث تفتيت الكبد بالغم و الاذي، و الصلعاء الداهية القبيحة قال الجزري: في حديث عائشة إنها قالت لمعاوية حين ادعي زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية و الامر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهي و العنقاء بالقاف الداهية، و في بعض النسخ بالفاء من العنف، و الفقماء من قولهم تفاقم الامر أي عظم، و الخرق ضد الرفق، و الشوهاء القبيحة، و الضمير في قولها جئتم بها راجع إلي الفعلة القبيحة، و القضية الشنيعة التي أتوا بها، و الكلام مبني علي التجريد، و طلاع الارض بالكسر ملؤها، و الحفز: الحث و الاعجال قولها لا يبزي أي لا يغلب و لا يقهر، و الذحل الحقد و العداوة يقال طلب بذحله أي بثأره، و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا وترة قولها عليها السلام في بيت متعلق بالمقتول لان أمير المؤمنين عليه السلام قتل في المسجد و سائر الاوصاف بعد ذلك نعوت له، و التعس الهلاك، و الضيم الظلم، و النقيبة النفس و العريكة الطبيعة، و العذل الملامة، و الجدل بالتحريك الفرح، و سحته و أسحته أي استأصله، و نزع إليه اشتاق، و في بعض النسخ فزعت أي لجأت و قال الجوهري: الكثكث و الكثكث، فتات الحجارة و التراب، مثل الاثلب و الاثلب، و يقال: بفيه الكثكث، و قال كظم غيظه كظما اجترعه، و الكظوم السكوت، و كظم البعير يكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة، و قال: أقعي الكلب إذا جلس علي استه مفترشارجليه، و ناصبا يديه، و قد جاء النهي عن الاقعاء في الصلاة و قال الشاعر:



فأقع كما أقعي أبوك علي استه

رأي أن ريما فوقه لا يعادله



و قال: جاش الوادي زخر و امتد جدا، و قال: سجا يسجو سجوا سكن و دام، و قوله تعالي: و الليل إذا سجي أي إذا دام و سكن، و منه البحر الساجي


قال الاعشي:



فماذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم

و بحرك ساج لا يواري الدعامصا



و قال: الدعموص دويبة تغوص في الماء و الجمع الدعاميص والدعامص أيضا ثم ذكر بيت الاعشي، و الكلة بالكسر الستر الرقيق، و الصبية جمع الصبي و قال الجزري: فيه إنه نهي عن قتل شيء من الدواب صبرا، هو أن يمسك شيء من ذوات الروح حيا ثم يرمي بشيء حتي يموت و كل من قتل في معركة و لا حرب و لا خطاء فانه مقتول صبرا، قوله: و لم ينسني كأنه علي سبيل القلب، و فيه لطف أو المعني لم يتركني، و اللهاة: اللحمة في أقصي الفم و الفراش بالفتح ما يبس بعد الماء من الطين علي الارض، و و بالكسر ما يفرش و موقع اللسان في قعر الفم قولها لا يطيق وجوبا أي لزوما بالارض و سكونا، أو عملا بواجب علي هيئة الاختيار، و يقال: طعنه فجدله أي رماه بالارض، و رجل مغاوربضم الميم: أي مقاتل، و هو صفة لقوله بطل أوحال عنه بالاضافة إلي ياء المتكلم، و ضرجه بدم أي لطخه، و يقال: قف شعري أي قام من الفزع، و قال الجوهري: اللدم صوت الحجر أو الشيء يقع بالارض، و ليس بالصوت الشديد، و في الحديث و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتي تخرج فتصاد، ثم يسمي الضرب لدما، و لدمت المرأة وجهها ضربته، و التدام النساء ضربهن صدورهن في النياحة، و اللدم بالتحريك الحرم في القرابات، و القبيل الكفيل و العريف، و الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتي أي كل قبيل من قبائل الملائكة، و الوزر بالتحريك الملجاء قوله لعنه الله تصهرهم الشمس أي تذيبهم، و المخصرة بكسر الميم كالسوط و كلما اختصر الانسان بيده فأمسكه من عصا و نحوها، و الاسل الرمح، و شمخ الرجل بأنفه تكبر، و عطفا الرجل بالكسر جانباه، و النظر في العطف كناية عن الخيلاء، و الجذل بالتحريك الفرح، و قد جذل بالكسر يجذل فهوجذلان و قولها عليه السلام: يحدوبهن أي يسوقهن سوقا شديدا، و استشرف الشيء:


رفع بصره ينظر إليه، و المنقل: الطريق في الجبل، و المنقلة المرحلة من مراحل السفر، قولها و كيف يستبطئ في بغضنا أي لا يطلب منه الابطاء و التأخير في البغض و الشنف بالتحريك البغض و التنكر، و الاحن بكسر الهمزة، و فتح الحاء جمع الاحنة بالكسر و هي الحقد، والانتحاء الاعتماد و الميل، و انتحيت لفلان أي عرضت له و أنحيت علي حلقه السكين أي عرضت، و نكأت القرحة قشرتها و قال الفيروزآبادي: الشأفة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوي فتذهب و إذا قطعت مات صاحبها، و الاصل، و استأصل الله شأفته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه أزاله من أصله انتهي، و يقال خرج وشيكا أي سريعا، و الفري: القطع قولها: و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك يحتمل أن يكون مخاطبتك مرفوعا بالفاعلية أي إن أوقعت علي مخاطبتك البلايا، فلا أبالي و لا اعظم قدرك أو يكون منصوبا بالمفعولية أي إن أوقعتني دواهي الزمان إلي حال احتجت إلي مخاطبتك فلست معظمة لقدرك قولها: تنطف بكسر الطاء و ضمها أي تقطر، و قال الفيروزآبادي: تحلب عينه وفوه أي سألا، و العواسل الذئاب السريعة العدو، قولها: و تعفوها أمهات الفراعل من قولهم عفت الريح المنزل أي درسته، أؤمن قولهم فلان تعفوه الاضياف أي تأتيه كثيرا و في بعض النسخ تعفرها أي تلطخها بالتراب عند الاكل، و في بعضها بالقاف من العقر بمعني الجرح، و منه كلب عقور، و الفرعل بالضم ولد الضبع و في رواية السيد أمهات الفراعل، و هو أظهر، و الفند بالتحريك الكذب و ضعف الرأي و البهلول من الرجال الضحاك، و ربط العنان كناية عن ترك المحارم و ملازمة الشريعة في جميع الامور، و فلان شديد الشكيمة: إذا كان شديد النفس أنفا أبيا و وجأته بالسكين ضربته و النياط بالكسر عرق علق به القلب من الوتين، فإذا قطع مات صاحبه و الشنشنة الخلق و الطبيعة، و الشحط البعد، و الشاسع البعيد، و اللواذع: المصائب المحرقة الموجعة، و يقال كظني هذا الامر أي جهدني من الكرب، و الجائحة الشدة التي تستأصل المال و غيره و قال الجوهري: عامل الرمح ما يلي السنان


2 - قل: رأيت في كتاب المصابيح بإسناده إلي جعفر بن محمد عليهما السلام قال: قال لي أبي محمد بن علي: سألت أبي علي بن الحسين عن حمل يزيد له، فقال: حملني علي بعير يطلع بغير وطاء و رأس الحسين عليه السلام علي علم، و نسوتنا خلفي علي بغال فأكف، و الفارطة خلفنا و حولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتي إذا دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون بيان: قوله فأكف أي أميل و أشرف علي السقوط، و الاظهرل واكفة أي كانت البغال باكاف أي برذعة من سرج، و فرط سبق، و في الامر قصر به وضيعه و عليه في القول أسرف، و فرط القوم تقدمهم إلي الورد لاصلاح الحوض، و الفرط بضمتين الظلم و الاعتداء و الامر المجاوز فيه الحد، و لعل فيه أيضا تصحيفا 3 - لي: الطالقاني، عن الجلودي، عن الجوهري، عن أحمد بن محمد بن يزيد عن أبي نعيم، قال: حدثني حاجب عبيد الله بن زياد أنه لما جيئ برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طست من ذهب، و جعل يضرب بقضيب في يده علي ثناياه و يقول: لقد أسرع الشيب إليك يا ابا عبد الله، فقال رجل من القوم: مه فاني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله يلثم حيث تضع قضيبك! فقال: يوم بيوم بدر، ثم أمر بعلي بن الحسين عليه السلام فغل و حمل مع النسوة و السبايا إلي السجن، و كنت معهم، فما مررنا بزقاق إلا وجدناه ملاءرجال و نساء يضربون وجوههم و يبكون، فحبسوا في سجن و طبق عليهم ثم إن ابن زياد لعنه الله دعا بعلي بن الحسين و النسوة و أحضر رأس الحسين عليه السلام و كانت زينب ابنة علي عليه السلام فيهم، فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و أكذب أحاديثكم، فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد، و طهرنا تطهيرا إنما يفضح الله الفاسق، و يكذب الفاجر، قال: كيف رأيت صنيع الله بكم أهل البيت؟ قال: كتب عليهم القتل فبرزوا إلي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم فتتحاكمون عنده، فغضب ابن زياد لعنه الله عليها و هم بها فسكن منه عمرو بن حريث


فقالت: زينب: يا ابن زياد حسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا، و قطعت أصلنا و أبحت حريمنا، و سبيت نساءنا و ذرارينا، فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت، فأمر ابن زياد برد هم إلي السجن، و بعث البشائر إلي النواحي بقتل الحسين عليه السلام ثم أمر بالسبايا و رأس الحسين فحملوا إلي الشام فلقد حدثني جماعة كانوا خرجوا في تلك الصحبة أنهم كانوا يسمعون بالليالي نوح الجن علي الحسين إلي الصباح، و قالوا: فلما دخلنا دمشق ادخل بالنساء و السبايا بالنهار مكشفات الوجوه فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟ فقالت سكينة ابنة الحسين: نحن سبايا آل محمد صلي الله عليه و آله فأقيموا علي درج المسجد حيث يقام السبايا و فيهم علي بن الحسين عليهما السلام و هو يومئذ فتي شاب ب، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و قطع قرن الفتنة، فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضي كلامه، قال له علي بن الحسين عليه السلام: أما قرأت كتاب الله عز و جل قال: نعم، قال: أما قرأت هذه الآية قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي [63] قال: بلي، قال: فنحن أولئك، ثم قال: أما قرأت و آت ذا القربي حقه [64] قال: بلي، قال: فنحن هم، فهل قرأت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا [65] قال: بلي، قال: فنحن هم، فرفع الشامي يده إلي السماء ثم قال: أللهم إني أتوب إليك - ثلاث مرات أللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم ثم ادخل نساء الحسين علي يزيد بن معاوية، فصحن نساء آل يزيد و بنات معاوية و أهله، و ولولن و أقمن المآتم، و وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه فقالت سكينة: ما رأيت أقسي قلبا من يزيد، و لا رأيت كافرا و لا مشركا شرا منه، و لا


أجفي منه، و أقبل يقول و ينظر إلي الرأس:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



ثم أمر برأس الحسين فنصب علي باب مسجد دمشق، فروي عن فاطمة بنت علي عليهما السلام أنها قالت: لما اجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شيء و ألطفنا، ثم إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، يعنيني، و كنت جارية وضيئة، فارعبت و فرقت، و ظننت أنه يفعل ذلك، فأخذت بثياب اختي و هي أكبر مني و أعقل، فقالت: كذبت و الله و لعنت ما ذاك لك و لا له، فغضب يزيد، و قال: بل كذبت و الله لو شئت لفعلته، قالت: لا و الله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا، و تدين بغير ديننا، فغضب يزيد ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟ إنما خرج من الدين أبوك و أخوك، فقالت: بدين الله و دين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وجدك و أبوك، قال: كذبت يا عدوة الله قالت: أمير يشتم ظالما و يقهر بسلطانه؟ قالت: فكأنه لعنه الله استحيي فسكت، فأعاد الشامي لعنه الله فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، فقا ل له: اعزب! وهب الله لك حتفا قاضيا [66] 4 - أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم احد:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



حين حطت بقباء بركها [67] .

و استحر القتل في عبد الاشل



ثم قال: كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية، و قال من أكره، التصريح باسمه: هذا البيت ليزيد فقلت له: إنما قاله يزيد متمثلا لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام و هو لا بن الزبعري فلم تسكن نفسه إلي ذلك حتي أوضحته له فقلت ألا تراه قال: جزع الخزرج من وقع الاسل و الحسين عليه السلام لم


تحارب عنه الخزرج: و كان يليق أن يقول جزع بني هاشم من وقع الاسل، فقال بعض من كان حاضرا: لعله قاله يوم الحرة فقلت: المنقول إنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين عليه السلام و المنقول إنه شعر ابن الزبعري، و لا يجوز أن يترك المنقول إلي ما ليس بمنقول [68] 5 - ج: روي شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من الناس أنه لما دخل علي بن الحسين صلوات الله عليه و حرمه علي يزيد لعنه الله، جيئ برأس الحسين عليه السلام و وضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده و هو يقول:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



لاهلوا و استهلوا فرحا

و لقالوا: يا يزيد لا تشل



فجزينا هم ببدر مثلها

و أقمنا مثل بدر فاعتدل



لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب و امها فاطمة بنت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، و قالت: الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي جدي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءي أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤن [69] أ ظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الارض، و ضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في إسار، نساق إليك سوقا في قطار، و أنت علينا


ذواقتدار، أن بنا من الله هوانا و عليك منه كرامة و امتنانا؟ و أن ذلك لعظم خطرك و جلالة قدرك، فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحا، و تنفض مدر ويك مرحا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، و الامور لديك متسقة، و حين صفي لك ملكنا، و خلص لك سلطاننا، فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله: و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين [70] أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك، و سوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، يحدوبهن الاعداء من بلد إلي بلد و يستشرفهن أهل المناقل، و يبرزن لاهل المناهل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الغائب و الشهيد، و الشريف و الوضيع، و الدني و الرفيع، ليس معهن من رجالهن ولي، و لا من حماتهن حميم، عتوا منك علي الله، و جحودا لرسول الله، و دفعا لما جاء به من عند الله و لا غرو منك، و لاعجب من فعلك، وأني يرتجي (مراقبة) من لفظ فوه أكباد الشهداء، و نبت لحمه بدماء السعداء، و نصب الحرب لسيد الانبياء، و جمع الاحزاب، و شهر الحراب، وهز السيوف في وجه رسول الله صلي الله عليه و آله أشد العرب لله جحودا، و أنكرهم له رسولا، و أظهرهم له عدوانا، و أعتاهم علي الرب كفرا و طغيانا ألا إنها نتيجة خلال الكفر، و ضب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفاوشنآنا و أحنا و ضغنا يظهر كفره برسوله، و يفصح ذلك بلسانه، و هو يقول فرحا بقتل ولده و سبي ذريته متحوب و لا مستعظم:



لاهلوا و استهلوا فرحا

و لقالوا يا: يزيد لا تشل



منتحيا علي ثنايا أبي عبد الله، و كان مقبل رسول الله صلي الله عليه و آله ينكتها بمخصرته


قد التمع السرور بوجهه لعمري لقد نكأت القرحة، و استأصلت الشأفة، باراقتك دم سيد شباب أهل الجنة، و ابن يعسوب العرب، و شمس آل عبد المطلب، و هتفت بأشياخك و تقربت بدمه إلي الكفرة من اسلافك، ثم صرخت بندائك و لعمري قد ناديتهم لو شهدوك و وشيكا تشهدهم و يشهدوك [71] و لتؤد يمينك كما زعمت شلت بك من مرفقها و أحببت امك لم تحملك، و أباك لم يلدك، حين تصير إلي سخط الله، و مخاصمك (و مخاصم أبيك) رسول الله صلي الله عليه و آله أللهم خذبحقنا، و انتقم من ظالمنا، و احلل غضبك بمن سفك دماءنا، و نقص ذمامنا، و قتل حماتنا، و هتك عنا سدولنا و فعلت فعلتك التي فعلت، و ما فريت إلا جلدك، و ما جززت إلا لحمك، و سترد علي رسول الله بما تحملت من ذريته، و انتهكت من حرمته، و سفكت من دماء عترته و لحمته، حيث يجمع به شملهم، ويلم به شعثهم، و ينتقم من ظالمهم، و يأخذ لهم بحقهم من أعدائهم، و لا يستفزنك الفرح بقتله و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله [72] و حسبك بالله وليا و حاكما، و برسول الله خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من بوأك و مكنك من رقاب المسلمين (أن) بئس للظالمين بدلا، و أنكم شرمكانا و أضل سبيلا و ما استصغاري قدرك، و لا استعظامي تقريعك، توهما لانتجاع الخطاب فيك، بعد أن تركت عيون المسلمين به عبري، و صدورهم عند ذكره حري، فتلك قلوب قاسية، و نفوس طاغية، و أجسام محشوة بسخط الله و لعنة الرسول قد عشش فيه الشيطان و فرخ، و من هناك مثلك ما درج و نهض، فالعجب كل العجب لقتل الاتقياء، و أسباط الانبياء، و سليل الاوصياء بأيدي الطلقاء الخبيثة، و نسل العهرة


الفجرة، تنطف أكفهم من دمائنا، و تتحلب أفواههم من لحومنا، و للجثث الزاكية علي الجبوب الضاحية، تنتابها العواسل، و تعفرها الفراعل، فلئن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، و ما الله بظلام للعبيد، و إلي الله المشتكي، و المعول، و إليه الملجأ و المؤمل ثم كدكيدك، و اجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي و الكتاب، و النبوة و الانتجاب، لا تدرك أمدنا، و لا تبلغ غايتنا، و لا تمحو ذكرنا، و لا ترحض عنك عارنا، و هل رأيك إلا فند، و أيامك إلا عدد، و جمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي و الحمد لله الذي حكم لاوليائه بالسعادة و ختم لاوصيائه ببلوغ الارادة، نقلهم إلي الرحمة و الرأفة، و الرضوان و المغفرة، و لم يشق بهم غيرك، و لا ابتلي بهم سواك، و نسأله أن يكمل لهم الاجر، و يجزل لهم الثواب و الذخر، و نسأله حسن الخلافة، و جميل الانابة، إنه رحيم ودود فقال يزيد مجيبا لها شعرا:



ياصيخة تحمد من صوائح

ما أهون الموت علي النوائح



ثم أمر بردهم [73] بيان: قال الجزري: في حديث الحسن يضرب أسدريه أي عطفيه و منكبيه يضرب بيده عليهما، و روي بالزاء و الصاد بدل السين بمعني واحد و هذه الاحرف الثلاثة تتعاقب مع الدال، و قال في باب الصاد في حديث الحسن: يضرب أصدريه أي منكبيه و قال في باب الميم و الذال في حديث الحسن ما تشاء أن تري أحدهم ينفض مذرويه المذر و ان جانبا الاليتين و لا واحد لهما، و قيل هما طرفا كل شيء و أراد بهما الحسن فرعا المنكبين، يقال: جاء فلان ينفض مذرويه، إذا جاء باغيا يتهدد، و كذلك إذا جاء فارغا في شغل، و الميم زائدة و قال الفيروز آبادي: الاصدران عرقان تحت الصدغين، و جاء يضرب


أصدريه أي فارغا، و قال في المذروين: بكسر الميم نحوا مما مر و يقال: لا غرو أي ليس بعجب، و الضب الحقد الكامن في الصدر، و في بعض النسخ مكان شنفا و شنآنا سيفا وسنانا، و فلان يتحوب من كذا أي يتأثم و التحوب أيضا التوجع و التحزن، و السديل ما اسبل علي الهودج، و الجمع السدول قولها رضي الله عنها فتلك إشارة إلي أعوانه و أنصاره و في بعض النسخ قبلك بكسر القاف و فتح الباء أي عندك أو بفتح القاف و سكون الباء إشارة إلي آبائه لعنهم الله قولها: ما درج كلمة ما زائدة كما في قوله تعالي: فبما رحمة من الله أي بإعانة هؤلاء درجت و مشيت و قمت، أوفي حجور هؤلاء الاشقياء ربيت، و منهم تفرعت، و الجبوب بضم الجيم و الباء الارض الغليظة، و يقال: وجه الارض و في بعض النسخ بالنون فعلي الاول الضاحية من قولهم مكان ضاح أي بارز، و علي الثاني من قولهم ضحيت للشمس أي برزت و إنما أوردت بعض الروايات مكررا لكثرة اختلافها 6 - ج: روي ثقاة الروات و عدولهم: لما ادخل علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في جملة من حمل إلي الشام سبايا - من أولاد الحسين بن علي عليهما السلام و أهاليه - علي يزيد لعنه الله، قال له: يا علي الحمد لله الذي قتل أباك، قال عليه السلام:، قتل أبي الناس، قال يزيد: الحمد لله الذي قتله فكفانيه قال عليه السلام: علي من قتل أبي لعنة الله، أ فتراني لعنت الله عز و جل؟ قال يزيد: يا علي اصعد المنبر فأعلم الناس حال الفتنة، و ما رزق الله أمير المؤمنين من الظفر، فقال علي بن الحسين: ما أعرفني بما تريد فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه وصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي، أنا ابن مكة و مني، أنا ابن المروة و الصفا، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن من لا يخفي، أنا ابن من علا فاستعلي، فجاز سدرة المنتهي، و كان من ربه قاب قوسين أو أدني


فضج أهل الشام بالبكاء حتي خشي يزيد أن يرحل من مقعده، فقال للمؤذن أذن، فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، جلس علي بن الحسين علي المنبر فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله بكي علي بن الحسين عليه السلام ثم التفت إلي يزيد فقال: يا يزيد هذا أبوك أم أبي؟ قال: بل أبوك، فانزل فنزل فأخذ ناحية باب المسجد فلقيه مكحول صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ قال: أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم، و يستحيون نساءهم و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم، فلما انصرف يزيد إلي منزله دعا بعلي بن الحسين عليهما السلام و قال يا علي أ تصارع ابني خالدا؟ قال عليه السلام: ما تصنع بمصارعتي إياه أعطني سكينا و أعطه سكينا فليقتل أفوانا أضعفنا فضمه يزيد إلي صدره ثم قال: لا تلد الحية إلا الحية أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب ثم قال له علي بن الحسين: يا يزيد بلغني أنك تريد قتلي، فان كنت لابد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال له يزيد لعنه الله: لا يردهن غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فو الله ما أمرته بقتل أبيك، و لو كنت متوليا لقتاله ما قتله، ثم أحسن جائزته و حمله و النساء إلي المدينة [74] 7 - ج: عن حذيم بن شريك الاسدي: قال: لما أتي علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بالنسوة من كربلا و كان مريضا و إذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب، و الرجال معهن يبكون، فقال زين العابدين بصوت ضئيل و قد نهكته العلة: إن هؤلاء يبكون، فمن قتلنا غيرهم؟ فأومأت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام إلي الناس بالسكوت قال حذيم الاسدي: فلم أر و الله خفرة أنطق منها كأنما تنطق و تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام و قد أشارت إلي الناس بأن انصتوا، فارتدت الانفاس، و سكنت الاجراس، ثم قالت بعد حمد الله تعالي و الصلاة علي رسوله:


أما بعد: يا أهل الكوفة يا أهل الختر و الغدر و الحدل [75] ألا فلارقأت العبرة، و لا هدأت الزفرة، إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، هل فيكم إلا الصلف و العجب، و الشنف و الكذب و ملق الاماء و غمز الاعداء كمرعي علي دمنة، أوكقصة علي ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون علي أخي؟ أجل و الله فابكوا، فانكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فقد بليتم بعارها، و منيتم بشنارها، و لن ترحضوها أبدا، وأني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، و معدن الرسالة، و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ حربكم، و معاذ حزبكم، و مقر سلمكم، و آسي كلمكم، و مفزع نازلتكم، و المرجع إليه عند مقالتكم، و مدره حججكم، و منار محجتكم، ألاسآء ما قدمت لكم أنفسكم و ساء ما تزرون ليوم بعثكم فتعسا تعسا و نكسا نكسا لقد خاب السعي، و تبت الايدي و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة أ تدرون ويلكم أي كبد لمحمد صلي الله عليه و آله فريتم؟ وأي عهد نكثتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم له سفكتم؟ لقد جئتم شيئا إداتكاد السماوات يتفطرن منه، و تنشق الارض و تخر الجبال هدالقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سواء فقماءخرقاء، طلاع الارض و ملء [76] السماء أفعجبتم أن لم تمطر السماء دما؟ و لعذاب الآخرة أخزي و هم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل فانه عز و جل من لا يحفزه البدار و لا يخشي عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لنا و لهم بالمرصاد ثم أنشأت تقول:



ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا صنعتم و أنتم آخر الامم؟



بأهل بيتي و أولادي و مكرمتي

منهم أساري و منهم ضرجوا بدم؟






ما كان ذاك جزائي إذنصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي



إني لاخشي عليكم أن يحل بكم

مثل العذاب الذي أودي علي إرم



ثم ولت عنهم قال حذيم: فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم في أفواههم فالتفت إلي شيخ إلي جانبي يبكي و قد اخضلت لحيته بالبكاء، و يده مرفوعة إلي السماء، و هو يقول: بأبي و أمي كهولهم خير الكهول، و شبابهم خير شباب، و نسلهم نسل كريم و فضلهم فضل عظيم، ثم أنشد شعرا:



كهولهم خير الكهول و نسلهم

إذا عد نسل لا يبور و لا يخزي



فقال علي بن الحسين: يا عمة اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار، و أنت بحمد الله عالمة معلمة، فهمة عير مفهمة، إن البكاء و الحنين لا يرد ان من قد أباده الدهر، فسكتت، ثم نزل عليه السلام و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه و دخل الفسطاط بيان: قولها و آسي كلمكم الآسي الطبيب، و الكلم الجراحة، و قال الجوهري: النكس بالضم عود المرض بعد النقه و قد نكس الرجل نكسا، يقال: تعسا له و نكسا و قد يفتح ههنا للازدواج أو لانه لغة، و في أكثر النسخ هنا من لا يحفزه بالحاء و المهملة و الزاء المعجمة، يقال: حفزه أي دفعه من خلفه يحفزه بالكسر حفزا و الليل يحفز النهار أي يسوقه قولها: أودي في أكثر النسخ بالدال المهملة، يقال أودي أي هلك، و أودي به الموت أي ذهب، فكأن علي هنا بمعني البآء و في بعضها بالراء من أوري الزند إذا أخرج منه النار 8 - جا، ما: المفيد، عن محمد بن عمران، عن أحمد بن محمد الجوهري، عن محمد بن مهران، عن موسي بن عبد الرحمن، عن عمربن عبد الواحد، عن إسماعيل ابن راشد، عن حذلم بن ستير [77] قال: قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدي و ستين عند منصرف علي بن الحسن بالنسوة من كربلا، و معهم الاجناد يحيطون بهم، و قد


خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم علي الجمال بغير وطاء، جعل نساء الكوفة يبكين و يندبن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام و هو يقول بصوت ضئيل و قد نهكته العلة، و في عنقه الجامعة، و يده مغلولة إلي عنقه: إن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا؟ قال: و رأيت زينب بنت علي عليه السلام و لم أرخفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال: و قد أومأت إلي الناس أن اسكتوا فارتدت الانفاس و سكنت الاصوات فقالت: الحمد لله و الصلاة علي أبي رسول الله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل و الخذل، فلارقأت العبرة، و لا هدأت الرنة، فانما مثلكم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا و هل فيكم إلا الصلف و السرف، خوارون في اللقاء، عاجزون عن الاعداء، ناكثون للبيعة، مضيعون للذمة، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون أ تبكون؟ إي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فلقد فزتم بعارها و شنارها و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا، فسليل خاتم الرسالة، و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ خيرتكم، و مفزع نازلتكم، و أمارة محجتكم، و مدرجة حجتكم [78] خذلتم، و له قتلتم ألاساء ما تزرون، فتعسا و نكسا و لقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذلة و المسكنة ويلكم أ تدرون أي كبد لمحمد فريتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخر الجبال هدا، و لقد أتيتم بها خرماء شوهاء طلاع الارض و السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما، و لعذاب الآخرة أخزي، فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يعجزه البدار و لا يخاف عليه فوت الثأر، كلا إن ربك لبالمرصاد


قال: ثم سكتت فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم في أفواههم، و رأيت شيخا و قد بكي حتي اخضلت لحيته، و هو يقول:



كهولهم خير الكهول و نسلهم

إذا عدنسل لا يخيب و لا يخزي



9 - ج: و عن ديلم بن عمر قال: كنت بالشام حتي اتي بسبايا آل محمد فأقيموا علي باب المسجد حيث تقام السبايا، و فيهم علي بن الحسين عليه السلام فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم، و أهلككم، و قطع قرن الفتنة - و لم يأل عن شتمهم - فلما انقضي كلامه قال له علي بن الحسين إني قد أنصت لك حتي فرغت من منطقك، و أظهرت ما في نفسك من العداوة و البغضاء فأنصت لي كما أنصت لك، فقال له: هات، قال علي عليه السلام: أما قرأت كتاب الله عز و جل؟ فقال: نعم، قال: أما قرأت هذه الآية قل أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي [79] قال: بلي، فقال له علي عليه السلام: فنحن أولئك، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا، قال علي بن الحسين: أما قرأت هذه الآية و آت ذا القربي حقه [80] قال: نعم، قال علي عليه السلام: فنحن أولئك الذين أمر الله عز و جل نبيه صلي الله عليه و آله أن يؤتيهم حقهم فقال الشامي: إنكم لانتم هم؟ فقال علي عليه السلام: نعم، فهل قرأت هذه الآية و اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي؟ [81] فقال له الشامي: بلي فقال علي: فنحن ذوو القربي، فهل تجد لنا في سورة الاحزاب حقا خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا، قال علي: أما قرأت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا [82] قال: فرفع الشامي يده إلي السماء ثم قال: أللهم إني أتوب إليك ثلاث مرات أللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد، و من قتل أهل بيت محمد، و لقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بها قبل اليوم [83] .


10 - ما: أبو عمرو، عن ابن عقدة، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك، عن إسماعيل بن عامر، عن الحكم بن محمد بن القاسم قال: حدثني أبي، عن أبيه أنه حضر عبيد الله بن زياد حين اتي برأس الحسين عليه السلام فجعل ينكت بقضيب ثناياه و يقول: إن كان لحسن الثغر، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك فطال ما رأيت رسول الله يلثم موضعه، قال: إنك شيخ قد خرفت، فقام زيد يجر ثيابه.

ثم عرضوا عليه فأمر بضرب عنق علي بن الحسين، فقال له علي: إن كان بينك و بين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن، فقال: تؤديهن أنت، و كأنه استحيا، و صرف الله عز و جل عن علي بن الحسين القتل قال أبو القاسم بن محمد [84] : ما رأيت منظرا قط أفضع من إلقاء رأس الحسين عليه السلام بين يديه و هو ينكته 11 - ما: بالاسناد المتقدم، عن الحكم بن محمد، عن أبي إسحاق السبيعي أن زيد بن أرقم خرج من عنده يومئذ و هو يقول: أما و الله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: أللهم إني أستودعكه و صالح المؤمنين، فكيف حفظكم لوديعة رسول الله 12 - فس: ذلك و من عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله [85] فهو رسول الله صلي الله عليه و آله لما أخرجته قريش من مكة، و هرب منهم إلي الغار، و طلبوه ليقتلوه، فعاقبهم الله يوم بدر، و قتل عتبة، و شيبة، و الوليد، و أبو جهل، و حنظلة ابن أبي سفيان و غيرهم، فلما قبض رسول الله طلب بدمائهم فقتل الحسين و آل محمد بغيا و عدوانا، و هو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر:



ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الاسل [86] .



لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



و كذاك الشيخ أوصاني به

فاتبعت الشيخ فيما قد سأل



قد قتلنا القرم من ساداتهم

و عدلناه ببدر فاعتدل




و قال الشاعر في مثل ذلك شعر



يقول و الرأس مطروح يقلبه

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر



حتي يقيسوا قياسا لا يقاس

به أيام بدر و كان الوزن بالقدر



فقال الله تبارك و تعالي و من عاقب يعني رسول الله بمثل ما عوقب به يعني حين أرادوا أن يقتلوه ثم بغي عليه لينصرنه الله يعني بالقائم عليه السلام من ولده 13 - فس: قال الصادق عليه السلام لما ادخل علي بن الحسين عليه السلام علي يزيد لعنه الله نظر إليه ثم قال له: يا علي بن الحسين! و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فقال علي بن الحسين كلاما هذه فينا نزلت، و إنما نزلت فينا ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علي الله يسير لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم [87] .

فنحن الذين لانأسي علي ما فاتنا من أمر الدنيا و لا نفرح بما أوتينا 14 - فس: قال الصادق عليه السلام: لما ادخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام علي يزيد لعنه الله و ادخل عليه علي بن الحسين عليهما السلام و بنات أمير المؤمنين، عليه و عليهن السلام، كان علي بن الحسين عليه السلام مقيدا مغلولا فقال يزيد لعنه الله: يا علي بن الحسين الحمد لله الذي قتل أباك، فقال علي بن الحسين: لعنة الله علي من قتل أبي قال: فغضب يزيد و أمر بضرب عنقه فقال علي بن الحسين: فإذا قتلتني فبنات رسول الله من يردهم إلي منازلهم و ليس لهم محرم غيري؟ فقال: أنت تردهم إلي منازلهم، ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده ثم قال له: يا علي بن الحسين: أ تدري ما الذي أريد بذلك؟ قال: بلي تريد أن لا يكون لاحد علي منة غيرك، فقال يزيد: هذا و الله ما أردت، ثم قال يزيد: يا علي بن الحسين ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم فقال علي بن الحسين: كلاما هذه فينا نزلت، إنما نزلت فينا ما أصاب من مصيبة في الارض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فنحن الذين لانأسي علي ما فاتنا، و لا


نفرح بما آتانا منها 15 - ب: اليقطيني، عن القداح، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: لما قدم علي يزيد بذراري الحسين عليه السلام ادخل بهن نهارا مكشفات وجوههن، فقال أهل الشام الجفاة، مارأيناسبيا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟ فقالت سكينة بنت الحسين: نحن سبايا آل محمد [88] 16 - كش: محمد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن حمدان بن سليمان عن منصور بن العباس، عن إسماعيل بن سهل، عن بعض أصحابنا قال: كنت عند الرضا عليه السلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة و ابن السراج و ابن المكاري فقال علي: بعد كلام جري بينهم و بينه عليه السلام في إمامته: إنا روينا عن آبائك عليهم السلام أن الامام لا يلي أمره إلا إمام مثله، فقال له أبو الحسن عليه السلام: فأخبرني عن الحسين بن علي كان إماما إمام؟ قال: كان إماما قال:، فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين قال: و أين كان علي بن الحسين؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد، قال: خرج و هم كانوا لا يعلمون حتي ولي أمر أبيه ثم انصرف، فقال له أبو الحسن: إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلا فيلي أمر أبيه، فهو يمكن صاحب هذا الامر أن يأتي بغداد ويلي أمر أبيه [89] أقول: تمامه في باب الرد علي الواقفية 17 - كا: الحسين بن أحمد قال: حدثني أبو كريب، و أبو سعيد الاشج قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه إدريس بن عبد الله الاودي قال: لما قتل الحسين عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضة لزينب: يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر فخرج به إلي جزيرة فإذا هوبأسد فقال: يا أبا الحارث أنا مولي رسول الله صلي الله عليه و آله فهمهم بين يديه حتي وقفه علي الطريق، و الاسد رابض في ناحية، فدعيني أمضي إليه فاعلمه ما هم صانعون غدا؟ قال: فمضت إليه فقالت:


يا أبا الحارث فرفع رأسه ثم قالت: أ تدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله عليه السلام؟ يريدون أن يوطئواالخيل ظهره، قال: فمشي حتي وضع يديه علي جسد الحسين عليه السلام فأقبلت الخيل فلما نظروا إليه قال لهم عمربن سعد لعنه الله: فتنة لا تثيروها انصرفوا فانصرفوا [90] بيان: قولها: إن سفينة كسر به إشارة إلي قصة سفينة مولي رسول الله صلي الله عليه و آله و أن الاسد رده إلي الطريق و قد مر بأسانيد في أبواب معجزات الرسول [91] و أبو الحارث من كني الاسد 18 - كا: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أحمد، عن الحسين ابن علي، عن يونس، عن مصقلة الطحان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما قتل الحسين عليه السلام أقامت إمرأته الكلبية عليه مأتما و بكت و بكين النساء و الخدم حتي جفت دموعهن و ذهبت، فبينا هي كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكي و دموعها تسيل، فدعتها فقالت لها: مالك أنت من بيننا تسيل دموعك؟ قالت: إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق قال: فأمرت بالطعام و الاسوقة فأكلت و شربت و أطعمت و سقت و قالت: إنما نريد بذلك أن نتقوي علي البكاء علي الحسين عليه السلام قال: و أهدي إلي الكلبية جؤنا لتستعين بها علي مأتم الحسين عليه السلام فلما رأت الجؤن قالت،: ما هذه؟ قالوا: هدية أهداها فلان لتستعيني بها علي مأتم الحسين عليه السلام فقالت: لسنا في عرس فما نصنع بها؟ ثم أمرت بهن فاخرجن من الدار فلما أخرجن من الدار لم يحس لها حس كأنما طرن بين السماء و الارض و لم يرلهن بعد خروجهن من الدار أثر [92] بيان: الجوني ضرب من القطاسود البطون و الاجنحة، ذكره الجوهري


وكأن الجون بالضم أوكصرد جمعه و إن لم يذكره اللغويون [93] قوله: و أهدي أي رجل و الظاهر اهدي علي بناء المجهول، و رفع جون و لعل فقدهن علي سبيل الاعجاز ذهب بهن إلي الجنة، و يحتمل أن يكون الآتي بهن من الملائكة أيضا 19 - أقول: روي في كتاب المناقب القديم، عن علي بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل بن أحمد البيهقي، عن أبيه، عن أبي عبد الله الحافظ، عن يحيي بن محمد العلوي عن الحسين بن محمد العلوي، عن أبي علي الطرسوسي، عن الحسن بن علي الحلواني عن علي بن يعمر، عن إسحاق بن عباد، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لما قتل الحسين بن علي جاء غراب فوقع في دمه ثم تمرغ ثم طارفوقع بالمدينة علي جدار فاطمة بنت الحسين ابن علي عليهما السلام و هي الصغري فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاء شديدا و أنشأت تقول:



نعب الغراب فقلت من تنعاه ويلك يا غراب

قال الامام فقلت من؟ قال الموفق للصواب



إن الحسين بكربلا بين الاسنة و الضراب

فابكي الحسين بعبرة ترجي الاله مع الثواب






قلت الحسين؟ فقال لي حقا لقد سكن التراب

ثم استقل به الجناح فلم يطق رد الجواب



فبكيت مما حل بي بعد الدعاء المستجاب

قال محمد بن علي: فنعتته لاهل المدينة فقالوا: قد جاءتنا بسحر عبد المطلب فما كان بأسرع أن جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي عليهما السلام بيان: نعب الغراب أي صاح 20 - و قال في الكتاب المذكور: روي أنه لما حمل رأسه إلي الشام جن عليهم الليل فنزلوا عند رجل من اليهود، فلما شربوا و سكروا قالوا: عندنا رأس الحسين عليه السلام فقال: أروه لي فأروه، و هو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء فتعجب منه اليهودي فاستودعه منهم و قال للرأس: اشفع لي عند جدك فأنطق الله الرأس فقال: إنما شفاعتي للمحمديين، و لست بمحمدي، فجمع اليهودي أقرباء ه ثم أخذ الرأس و وضعه في طست وصب عليه ماء الورد، و طرح فيه الكافور و المسك و العنبر ثم قال لاولاده و أقربائه: هذا رأس ابن بنت محمد عليه السلام ثم قال: يالهفاه حيث لم أجد جدك محمدا صلي الله عليه و آله فأسلم علي يديه، يالهفاه حيث لم أجدك حيا فأسلم علي يديك و اقاتل بين يديك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟ فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح: إن أسلمت فأنا لك شفيع، قاله ثلاث مرات و سكت فأسلم الرجل و أقرباؤه و لعل هذا اليهودي كان راهب قنسرين لانه أسلم بسبب رأس الحسين عليه السلام و جاء ذكره في الاشعار و أورده الجوهري الجرجاني في مرثية الحسين عليه السلام [94] 21 - مل: ابن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عبد الله الاصم، عن الحسين، عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لما قتل الحسين عليه السلام سمع أهلنا قائلا بالمدينة يقول: اليوم نزل البلاء علي هذه الامة، فلا يرون فرحا حتي يقوم قائمكم فيشفي صدوركم، و يقتل عدوكم، و ينال بالوتر أوتارا، ففزعوا منه و قالوا: إن لهذا القول لحادثا قد حدث ما نعرفه، فأتاهم بعد ذلك خبر الحسين




و قتله فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلم فيها المتكلم فقلت له: جعلت فداك إلي متي أنتم و نحن في هذا القتل و الخوف و الشدة؟ فقال: حتي مات سبعون فرخا أخوأب [95] و يدخل وقت السبعين (فإذا دخل وقت السبعين) أقبلت الآيات تتري كأنها نظام فمن أدرك ذلك قرت عينه إن الحسين لما قتل أتاهم آت و هم في المعسكر فصرخ فزبر فقال لهم: و كيف لا أصرخ و رسول الله قائم ينظر إلي الارض مرة و ينظر إلي حربكم مرة، و أنا أخاف أن يدعو الله علي أهل الارض فأهلك فيهم، فقال بعضهم لبعض: هذا إنسان مجنون فقال التوابون: تالله ما صنعنا بأنفسنا؟ قتلنا لا بن سمية سيد شباب أهل الجنة، فخرجوا علي عبيد الله بن زياد فكان من أمرهم الذي كان قال: قلت له: جعلت فداك من هذا الصارخ؟ قال: ما نراه إلا جبرئيل أما إنه لو اذن له فيهم لصاح بهم صيحة يخطف منها أرواحهم من أبدانهم إلي النار و لكن أمهل لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب أليم قلت: جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارته و هو يقدر علي ذلك؟ قال: إنه قد عق رسول الله و عقنا، و استخف بأمر هو له، و من زاره كان الله له من وراء حوائجه، و كفي ما أهمه من أمر دنياه، و إنه ليجلب الرزق علي العبد، و يخلف عليه ما أنفق و يغفر له ذنوب خمسين سنة، و يرجع إلي أهله و ما عليه وزر و لا خطيئة إلا و قد محيت من صحيفته، فان هلك في سفره نزلت الملائكة فغسلته و فتح له باب إلي الجنة، يدخل عليه روحها حتي ينشر، و إن سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه، فجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم و ذخر ذلك له (فإذا حشر قيل له: لك بكل درهم) عشرة آلاف درهم، و إن الله تبارك و تعالي نظر لك


و ذخرها لك عنده [96] 22 - قب: في كتاب الاحمر قال الاوزاعي: لما اتي بعلي بن الحسين عليهما السلام و رأس أبيه إلي يزيد بالشام، قال لخطيب بليغ: خذ بيد هذا الغلام فأت به المنبر و أخبر الناس بسوء رأي أبيه وجده و فراقهم الحق و بغيهم علينا قال: فلم يدع شيئا من المساوي إلا ذكره فيهم فلما نزل قام علي بن الحسين فحمد الله بمحامد شريفة وصلي علي النبي صلاة بليغة موجزة ثم قال: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرفه نفسي: أنا ابن مكة و مني، أنا ابن المروة و الصفا، أنا ابن محمد المصطفي أنا ابن من لا يخفي، أنا ابن من علا فاستعلا، فجاز سدرة المنتهي، و كان من ربه كقاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السماء مثني مثني، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلي المسجد الاقصي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبري، أنا ابن المقتول ظلما، أنا ابن المجزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن طريح كربلا، أنا ابن مسلوب العمامة و الرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجن في الارض و الطير في الهواء، أنا ابن من رأسه علي السنان يهدي، أنا ابن من حرمه من العراق إلي الشام تسبي أيها الناس إن الله تعالي و له الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدي و العدل و التقي فينا، و جعل راية الضلالة و الردي في غيرنا فضلنا أهل البيت بست خصال: فضلنا بالعلم، و الحلم، و الشجاعة، و السماحة و المحبة، و المحلة في قلوب المؤمنين، و آتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين من قبلنا فينا مختلف الملائكة و تنزيل الكتب قال: فلم يفرغ حتي قال المؤذن: الله أكبر (فقال علي: الله أكبر كبيرا فقال المؤذن) أشهد أن لا إله إلا الله فقال علي: أشهد بما تشهد به، فلما قال


المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، قال علي: يا يزيد هذا جدي أو جدك؟ فان قلت: جدك فقد كذبت، و إن قلت جدي فلم قتلت أبي و سبيت حرمه و سبيتني؟ ثم قال: معاشر الناس هل فيكم من أبوه وجده رسول الله؟ فعلت الاصوات بالبكاء، فقام إليه رجل من شيعته يقال له المنهال بن عمرو الطائي و في رواية مكحول صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فقال: ويحك كيف أمسيت؟ أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم و يستحيون نسائهم الآية و أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا منها و أمست قريش تفتخر علي العرب بأن محمدا منها، و أمسي آل محمد مقهورين مخذولين، فالي الله نشكوكثرة عدونا و تفرق ذات بيننا و تظاهر الاعداء علينا [97] كتاب النسب: عن يحيي بن الحسن قال يزيد لعلي بن الحسين: وا عجبا لابيك سمي عليا و عليا؟ فقال عليه السلام: إن أبي أحب أباه فسمي باسمه مرارا تأريخ الطبري و البلاذري: إن يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين: أ تصارع هذا؟ يعني خالدا ابنه، قال: و ما تصنع بمصارعتي إياه أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم اقاتله فقال يزيد: شنشنة أعرفها من أخزم



هذا العصا (جاءت) من العصية [98] .

هل تلد الحية إلا الحية



و في كتاب الاحمر قال: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب، و روي أنه قال لزينب: تكلمي فقالت: هو المتكلم فأنشد السجاد:



لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم

و أن نكف الاذي عنكم و تؤذونا



و الله يعلم أنا لا نحبكم

و لا نلومكم أن لا تحبونا



فقال: صدقت يا غلام، و لكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين و الحمد لله


الذي قتلهما و سفك دماءهما فقال عليه السلام: لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد قال المدائني: لما انتسب السجاد إلي النبي صلي الله عليه و آله قال يزيد لجلوازه: أدخله في هذا البستان و اقتله و ادفنه فيه، فدخل به إلي البستان و جعل يحفر و السجاد يصلي، فلما هم بقتله ضربته يدمن الهوا فخر لوجهه، و شهق و دهش، فرآه خالد بن يزيد و ليس لوجهه بقية فانقلب إلي أبيه وقص عليه فأمر بدفن الجلواز في الحفرة و إطلاقه و موضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد [99] 23 - ن: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: لما حمل رأس الحسين إلي الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع و نصب عليه مائدة فأقبل هو و أصحابه يأكلون و يشربون الفقاع، فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طست تحت سريره، و بسط عليه رقعة الشطرنج و جلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطر نج و يذكر الحسين و أباه وجده صلوات الله عليهم، و يستهزئ بذكرهم فمتي قمر صاحبه تناول الفقاع فشربه ثلاث مرات ثم صب فضلته مما يلي الطست من الارض فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع و اللعب بالشطرنج، و من نظر إلي الفقاع أو إلي الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام، و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو الله عز و جل بذلك ذنوبه، و لو كانت كعدد النجوم [100] 24 - ن: تميم القرشي، عن أبيه، عن أحمد الانصاري، عن الهروي قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: أول من اتخذ له الفقاع في الاسلام بالشام يزيد بن معاوية لعنة الله عليه فاحضر و هو علي المائدة: و قد نصبها علي رأس الحسين بن علي عليه السلام فجعل يشربه و يسقي أصحابه و يقول: اشربوا فهذا شراب مبارك من بركته أنا أول تناولناه و رأس عدونا بين أيدينا، و مائدتنا منصوبة عليه، و نحن نأكل و نفوسنا ساكنة، و قلوبنا مطمئنة


فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع فانه شراب أعدائنا الخبر [101] 25 - ير: أحمد بن محمد، عن الاهوازي و البرقي، عن النضر، عن يحيي الحلبي عن عمران الحلبي، عن محمد الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما اتي بعلي بن الحسين عليهما السلام يزيد بن معاوية - عليهما لعائن الله - و من معه، جعلوه في بيت فقال بعضهم: إنما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا، فراطن الحرس فقالوا: أنظروا إلي هؤلاء يخافون أن تقع عليهم البيت و إنما يخرجون غدا فيقتلون قال علي بن الحسين: لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري و الرطانة عند أهل المدينة الرومية [102] 26 - ير: محمد بن الحسين، عن صفوان، عن داود بن فرقد قال: ذكر قتل الحسين و أمر علي بن الحسين لما أن حمل إلي الشام فدفعنا إلي السجن فقال أصحابي: ما أحسن بنيان هذا الجدار؟ فنراطن أهل الروم بينهم فقالوا: ما في هؤلاء صاحب دم إن كان إلا ذلك يعنوني فمكثنا يومين ثم دعانا و أطلق عنا [103] بيان: قوله: فدفعنا من كلام علي بن الحسين عليه السلام و قد حذف صدر الخبر قوله صاحب دم أي طالب دم المقتول أؤمن يريد يزيد قتله 27 - ما: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن فضال، عن العباس بن عامر، عن أبي عمارة عن عبد الله بن طلحة، عن عبد الله بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما قدم علي بن الحسين و قد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهم استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله و قال: يا علي بن الحسين من غلب؟ و هو يغطي رأسه و هو في المحمل، قال: فقال له علي بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب و دخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم


28 - مل: أبي و الكليني معا، عن علي، عن أبيه، عن يحيي بن زكريا، عن يزيد بن عمرو بن طلحة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام و هو بالحيرة: أما تريد ما وعدتك قال: قلت: بلي، يعني الذهاب إلي قبر أمير المؤمنين عليه السلام قال: فركب و ركب إسماعيل معه، و ركبت معهم حتي إذا جاز الثوية و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض نزل و نزل إسماعيل و نزلت معهم، فصلي وصلي إسماعيل و صليت فقال لاسماعيل: قم فسلم علي جدك الحسين بن علي، فقلت: جعلت فداك أ ليس الحسين بكربلا؟ فقال: نعم، و لكن لما حمل رأسه إلي الشام سرقه مولي لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين صلوات الله عليهما [104] 29 - مل: محمد بن الحسن و محمد بن أحمد بن الحسين معا، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن علي بن أحمد بن أشيم، عن يونس بن ظبيان - أو عن رجل، عن يونس - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الملعون عبيد الله بن زياد لعنه الله لما بعث برأس الحسين بن علي عليهما السلام إلي الشام، رد إلي الكوفة فقال: أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها فصيره الله عند أمير المؤمنين فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس [105] بيان: قوله: فقال أي قال عبيد الله، قوله فالرأس مع الجسد أي بعد ما دفن هناك ظاهرا الحق بالجسد بكربلا، أو صعد به مع الجسد إلي السماء كما في بعض الاخبار أوأن بدن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كالجسد لذلك الرأس و هما من نور واحد أقول: قد روي ذلك من الاخبار في الكافي و التهذيب تدل علي كون رأسه عليه السلام مدفونا عند قبر والده صلي الله عليهما و الله يعلم [106] .


30 - مل: [107] عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال، عن سعيد بن محمد، عن محمد ابن سلام الكوفي، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسي بن أبي شيبة القاضي، عن نوح بن دراج، عن قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله أحيانا؟ فقلت: إن ذلك لكما بلغك فقال لي: فلما ذا تفعل ذلك و لك مكان عند سلطانك؟ الذي لا يحتمل أحدا علي محبتنا و تفضيلنا و ذكر فضائلنا؟ و الواجب علي هذه الامة من حقنا؟ فقلت: و الله ما أريد بذلك إلا الله و رسوله، و لا أحفل بسخط من سخط، و لا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: و الله إن ذلك لكذلك فقلت: و الله إن ذلك لكذلك يقولها: ثلاثا و أقولها ثلاثا فقال: أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلاخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، و قتل أبي عليه السلام و قتل من كان معه من ولده و إخوته و سائر أهله، و حملت حرمه و نساؤه علي الاقتاب، يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعي، و لم يواروا فيعظم ذلك في صدري و استقبلت لما أري منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، و تبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبري فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي و أبي و إخوتي؟ فقلت: و كيف لا أجزع و أهلع، و قد أري سيدي و إخوتي و عمومتي و ولد عمي و أهلي مضرجين بدمائهم مرملين، بالعراء مسلبين، لا يكفنون و لا يوارون، و لا يعرج عليهم أحد و لا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم و الخزر، فقالت: لا يجزعنك ما تري فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله إلي جدك و أبيك و عمك، و لقد أخذ الله


ميثاق أناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض [108] و هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها، و هذه الجسوم المضرجة و ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، و لا يعفو رسمه، علي كرور الليالي و الايام، و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلالة في محوه و تطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا و أمره إلا علوا فقلت: و ما هذا العهد؟ و ما هذا الخبر؟ فقالت: حدثتني ام أيمن أن رسول الله صلي الله عليه و آله زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الايام فعملت له حريرة صلي الله عليها و أتاه علي عليه السلام بطبق فيه تمر، ثم قالت ام أيمن: فأتيتهم بعس فيه لبن و زبد، فأكل رسول الله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام من تلك الحريرة و شرب رسول الله صلي الله عليه و آله و شربوا من ذلك اللبن، ثم أكل و أكلوا من ذلك التمر بالزبد ثم غسل رسول الله يده و علي يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلي علي و فاطمة و الحسن و الحسين نظرا عرفنا فيه السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم وجه وجهه نحو القبلة و بسط يديه يدعو، ثم خر ساجدا، و هو ينشج فأطال النشوج و علا نحيبه و جرت دموعه، ثم رفع رأسه و أطرق إلي الارض و دموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة و علي و الحسن و الحسين و حزنت معهم، لما رأينا من رسول الله وهبناه أن نسأله حتي إذا طال ذلك قال له علي و قالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكي الله عينيك؟ و قد أقرح قلوبنا ما نري من حالك؟ فقال: يا أخي سررت بكم - و قال مزاحم بن عبد الوارث في حديثه ههنا [109] - فقال:


يا حبيبي إني سررت بكم سرورا ما سررت مثله قط و إني لانظر إليكم و أحمد الله علي نعمته علي فيكم إذ هبط علي جبرئيل فقال: يا محمد إن الله تبارك و تعالي إطلع علي ما في نفسك، و عرف سرورك بأخيك و ابنتك و سبطيك، فأكمل لك النعمة، و هنأك العطية بأن جعلهم و ذرياتهم و محبيهم و شيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك و بينهم: يحيون كما تحيي [110] و يعطون كما تعطي حتي ترضي وفوق الرضا علي بلوي كثيرة تنالهم في الدنيا، و مكارة تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك و يزعمون أنهم من امتك، برآء من الله و منك خبطا خبطا و قتلا قتلا، شتي مصارعهم نائية قبورهم، خيرة من الله لهم و لك فيهم، فأحمد الله عز و جل علي خيرته و ارض بقضائه، فحمدت الله و رضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال جبرئيل: يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب علي امتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشر الخلق و الخليقة، و أشقي البرية نظير عاقر الناقة، ببلد تكون إليه هجرته، و هو مغرس شيعته و شيعة ولده، و فيه علي كل حال يكثر بلواهم، و يعظم مصابهم، و إن سبطك هذا - و أومأ بيده إلي الحسين عليه السلام - مقتول في عصابة من ذريتك و أهل بيتك، و أخيار من امتك بضفة الفرات، بأرض تدعي كربلاء، من أجلها يكثر الكرب و البلاء، علي أعدائك و أعداء ذريتك، في اليوم الذي لا ينقضي كربه، و لا تفني حسرته، و هي أطهر بقاع الارض، و أعظمها


حرمة، و إنها لمن بطحاء الجنة فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك و أهله، و أحاطت بهم كتائب أهل الكفر و اللعنة، تزعزعت الارض من أقطارها، و مادت الجبال، و كثر اضطرابها و اصطفقت البحار بأمواجها، و ماجت السماوات بأهلها، غضبا لك يا محمد و لذريتك و استعظاما لما ينتهك من حرمتك، و لشر مايتكافي به في ذريتك و عترتك، و لا يبقي شيء من ذلك، إلا استأذن الله عز و جل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله علي خلقه بعدك فيوحي الله إلي السماوات و الارض و الجبال و البحار و من فيهن: إني أنا الله الله الملك القادر، و الذي لا يفوته هارب، و لا يعجزه ممتنع، و أنا أقدر علي الانتصار و الانتقام و عزتي و جلالي لاعذبن من وتررسولي و صفيي، و انتهك حرمته، و قتل عترته، و نبذ عهده و ظلم أهله، عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين، فعند ذلك يضج كل شيء في السماوات و الارضين بلعن من ظلم عترتك، و استحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلي مضاجعها تولي الله جل و عز قبض أرواحها بيده، و هبط إلي الارض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت و الزمرد مملوءة من ماء الحياة و حلل من حلل الجنة، و طيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء، و ألبسوها الحلل، و حنطوها بذلك الطيب، وصلي الملائكة صفا صفا عليهم ثم يبعث الله قوما من امتك لا يعرفهم الكفار، لم يشركوا في تلك الدماء بقول و لافعل ولانية فيوارون أجسامهم، و يقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء، يكون علما لاهل الحق و سببا للمؤمنين إلي الفوز، و تحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم و ليلة، و يصلون عليه، يسبحون الله عنده و يستغفرون الله لزواره، و يكتبون أسماء من يأتيه زائرا من امتك متقربا إلي الله و إليك بذلك، و أسماء آبائهم و عشائرهم و بلدانهم، و يوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء و ابن خير الانبياء فإذا كان يوم القيامة سطح في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشي منه الابصار يدل عليهم و يعرفون به


و كأني بك يا محمد بيني و بين ميكائيل، و علي أمامنا، و معنا من ملائكة الله ما لا يحصي عدده، و نحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتي ينجيهم الله من هول ذلك اليوم و شدائده، و ذلك حكم الله و عطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك، لا يريد به الله عز و جل، و سيجد [111] أناس ممن حقت عليهم من الله اللعنة و السخط، أن يعفورسم ذلك القبر و يمحو أثره، فلا يجعل الله تبارك و تعالي لهم إلي ذلك سبيلا ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله: فهذا أبكاني و أحزنني قالت زينب: فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي عليه السلام و رأيت أثر الموت منه قلت له: يا أبة حدثتني ام أيمن بكذا و كذا، و قد أحببت أن أسمعه منك، فقال: يا بنية الحديث كما حدثتك ام أيمن، و كأني بك و ببنات أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبرا صبرا، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله علي ظهر الارض يومئذ ولي غيركم و غير محبيكم و شيعتكم و لقد قال لنا رسول الله حين أخبرنا بهذا الخبر أن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الارض كلها في شياطينه و عفاريته فيقول: يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة، و بلغنا في هلاكهم الغاية، و أورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، و حملهم علي عداوتهم، و إغرائهم بهم و أوليائهم، حتي تستحكم ضلالة الخلق و كفرهم، و لا ينجو منهم ناج، و لقد صدق عليهم إبليس و هو كذوب، أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، و لا يضر مع محبتكم و موالاتكم ذنب الكبائر قال زائدة: ثم قال علي بن الحسين بعد أن حدثني بهذا الحديث: خذه إليك أما لو ضربت في طلبه آباط الابل حولا لكان قليلا [112] .


بيان: العس القدح العظيم قولها رمق بطرفه أي نظر و نشج الباكي ينشج بالكسر نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه، من انتحاب، و خبطه يخبطه ضربه شديدا، و البعير بيده الارض وطئه شديدا و القوم بسيفه جلدهم، و ضفة النهر بالكسر جانبه والتزعزع التحرك، و كذلك الميد، والاصطفاق الاضطراب يقال: الريح تصفق الاشجار فتصطفق، و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه وتره يتره وترا وتره، و ضرب آباط الابل كناية عن الركض و الاستعجال فان المستعجل يضرب رجليه بإبطي الابل، ليعدو، أي لو سافرت سفرا سريعا في طلبه حولا 31 - يج/: أبو الفرج سعيد بن أبي الرجا، عن محمد بن عبد الله بن عمر الخاني عن أبي القاسم بكرادبن الطيب بن شمعون، عن أبي بكر بن أحمد بن يعقوب، عن أحمد بن عبد الرحمن، عن سعد، عن الحسن بن عمر، عن سليمان بن مهران الاعمش قال: بينما أنا في الطواف بالموسم إذا رأيت رجلا يدعو و هو يقول: أللهم اغفر لي و أنا أعلم أنك لا تغفر، قال: فارتعدت لذلك و دنوت منه و قلت: يا هذا أنت في حرم الله و حرم رسوله، و هذا أيام حرم في شهر عظيم، فلم تيأس من المغفرة؟ قال: يا هذا ذنبي عظيم، قلت: أعظم من جبل تهامة؟ قال: نعم، قلت: يوازن الجبال الرواسي؟ قال: نعم، فان شئت أخبرتك قلت: أخبرني قال: أخرج بنا عن الحرم، فخرجا منه فقال لي: أنا أحد من كان في العسكر الميشوم [113] عسكر عمربن سعد حين قتل الحسين، و كنت أحد الاربعين الذين حملوا الرأس إلي يزيد من الكوفة فلما حملناه علي طريق الشام نزلنا علي دير للنصاري، و كان الرأس معنا مركوزا علي


رمح، و معه الاحراس، فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل، فإذا بكف في حائط الدير تكتب:



أترجو امة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب



قال: فجزعنا من ذلك جزعا شديدا، و أهوي بعضنا إلي الكف ليأخذها فغايت، ثم عاد أصحابي إلي الطعام فإذا الكف قد عادت تكتب:



فلا و الله ليس لهم شفيع

و هم يوم القيامة في العذاب



فقام أصحابنا إليها فغابت ثم عادوا إلي الطعام، فعادت تكتب:



و قد قتلوا الحسين بحكم جور

و خالف حكمهم حكم الكتاب



فامتنعت و ما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأي نورا ساطعا من فوق الرأس فأشرف فرأي عسكرا فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟ قالوا: من العراق، حاربنا الحسين فقال الراهب: ابن فاطمة بنت نبيكم و ابن ابن عم نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: تبالكم، و الله لو كان لعيسي بن مريم ابن لحملناه علي أحداقنا، و لكن لي إليكم حاجة، قالوا: و ما هي؟ قال: قولوا لرئيسكم: عندي عشرة آلاف دراهم، ورثتها من آبائي يأخذها مني و يعطيني الرأس يكون عندي إلي وقت الرحيل فإذا رحل رددته إليه، فأخبروا عمربن سعد بذلك [114] فقال: خذوا منه الدنانير و أعطوه إلي وقت الرحيل فجاؤا إلي الراهب فقالوا: هات المال حتي نعطيك الرأس فأدلي إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف درهم فدعا عمر بالناقد و الوز ان فانتقدها و وزنها و دفعها إلي خازن له، و أمر أن يعطي الرأس فأخذ الراهب الرأس فغسله و نظفه و حشاه بمسك و كافور كان عنده، ثم جعله في حريرة و وضعه في حجره، و لم يزل ينوح و يبكي حتي نادوه و طلبوا منه الرأس، فقال: يا رأس و الله لا أملك إلا نفسي، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدك


محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله، أسلمت علي يديك و أنا مولاك، و قال لهم: إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة و أعطيه الرأس، فدنا عمربن سعد فقال: سألتك بالله (و) بحق محمد أن لا تعود إلي ما كنت تفعله بهذا الرأس و لا تخرج بهذا الرأس من هذا الصندوق، فقال له: أفعل فأعطاه الرأس و نزل من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله، و مضي عمربن سعد ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الاول فلما دنا من دمشق قال لاصحابه: أنزلوا! و طلب من الجارية الجبرابين فاحضرت بين يديه، فنظر إلي خاتمه، ثم أمرأن يفتح فإذا الدنانير قد تحولت خزفية فنظروا في سكتها فإذا علي جانبها مكتوب لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون و علي الجانب الآخر مكتوب سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، خسرت الدنيا و الآخرة ثم قال لغلمانه: اطرحوها في النهر فطرحت و رحل إلي دمشق من الغد و أدخل الرأس إلي يزيد، و ابتدر قاتل الحسين إلي يزيد فقال:



املا ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت الملك المحجبا



قتلت خير الناس أما و أبا

فأمر يزيد بقتله، و قال: (إن) علمت أن حسينا خير الناس اما و أبا فلم قتلته؟ فجعل الرأس في طست و هو ينظر إلي أسنانه و يقول:،



ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



فأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



و جزيناهم ببدر مثلها

و بأحد يوم احد فاعتدل



لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل



فدخل عليه زيد بن أرقم ورأي الرأس في الطست و هو يضرب بالقضيب علي أسنانه، فقال: كف عن ثناياه، فطالما رأيت النبي يقبلها فقال يزيد: لو لا أنك


شيخ كبير خرفت لقتلتك، و دخل عليه رأس اليهود فقال: ما هذا الرأس؟ فقال: رأس خارجي، قال: و من هو؟ قال: الحسين، قال: ابن من؟ قال: ابن علي قال: و من امه؟ قال: فاطمة، قال: و من فاطمة: قال: بنت محمد، قال:، نبيكم؟ قال: نعم، قال: لا جزاكم الله خيرا، بالامس كان نبيكم و اليوم قتلتم ابن بنته، ويحك إن بيني و بين داود النبي نيفا و ثلاثين أبا، فإذا رأتني اليهود كفرت إلي، ثم مال إلي الطست و قبل الرأس، و قال: أشهد أن لا إله إلا الله و أن جدك محمد رسول الله و خرج، فأمر يزيد بقتله و أمر فادخل الرأس القبة التي بإزاء القبة التي يشرب فيها، و وكلنا بالرأس و كل ذلك كان في قلبي فلم يحملني النوم في تلك القبة، فلما دخل الليل وكلنا أيضا بالرأس، فلما مضي وهن من الليل، سمعت دويا من السماء، فإذا مناد ينادي: يا آدم اهبط، فهبط أبو البشر، و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا إبراهيم اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا موسي اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت مناديا ينادي: يا عيسي اهبط فهبط و معه كثير من الملائكة، ثم سمعت دويا عظيما و مناد ينادي: يا محمد اهبط، فهبط و معه خلق كثير من الملائكة، فأحدق الملائكة بالقبة ثم إن النبي دخل القبة و أخذ الرأس منها - و في رواية أن محمدا قعد تحت الرأس فانحني الرمح، و وقع الرأس في حجر رسول الله - فأخذه و جاء به إلي آدم فقال: يا أبي آدم! ما تري ما فعلت أمتي بولدي من بعدي؟ فاقشعر لذلك جلدي، ثم قام جبرئيل فقال: يا محمد أنا صاحب الزلازل، فاءمرني لازلزل بهم الارض و اصيح بهم صيحة واحدة يهلكون فيها، فقال: لا، قال: يا محمد دعني و هؤلاء الاربعين الموكلين بالرأس قال: فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد فدنا مني فقال: تسمع وتري؟ فقال النبي: دعوه دعوه لا يغفر الله له فتركني و أخذوا الرأس، و ولوا، فافتقد الرأس من تلك الليلة فما عرف له خبر و لحق عمربن سعد بالري فما لحق بسلطانه، و محق الله عمره، فاهلك في


الطريق فقال سليمان الاعمش: قلت للرجل: تنح عني لا تحرقني بنارك، و وليت و لا أدري بعد ذلك ما خبره بيان: التكفير أن يخضع الانسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين،: يضع يده علي صدره و يتطأمن له، و الوهن نحو من نصف الليل، قوله تسمع وتري كأنه كلام علي سبيل التهديد، أي وقفت ههنا و تنظر و تسمع؟ أو المعني أنك كنت في العسكر و إن لم تفعل شيئا فكنت تسمع و اعيتهم وتري ما يفعل بهم 32 - يج/: عن المنهال بن عمرو قال: أنا و الله رأيت رأس الحسين حين حمل و أنا بدمشق، و بين يديه رجل يقرء الكهف حتي بلغ قوله أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا [115] ، فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي 33 - سن: الحسن بن ظريف، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، عن عمربن علي بن الحسين قال: لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه لبس نساء بني هاشم السواد و المسوح، و كن لا يشتكين من حر و لا برد، و كان علي بن الحسين يعمل لهن الطعام للمأتم [116] 34 - جا: المرزباني، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن عليل، عن عبد الكريم بن محمد، عن علي بن سلمة، عن محمد بن فخار، عن عبد الله بن عامر قال: لما أتي نعي الحسين عليه السلام إلي المدينة، خرجت أسماء بنت عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه في جماعة من نسائها حتي انتهت إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله فلاذت به و شهقت عنده، ثم التفت إلي المهاجرين و الانصار، و هي تقول:



ماذا تقولون إن قال النبي لكم

يوم الحساب و صدق القول مسموع



خذلتم عترتي أو كنتم غيبا

و الحق عند ولي الامر مجموع



أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما

منكم له اليوم عند الله مشفوع



ما كان عند غداة الطف إذحضروا

تلك المنايا و لا عنهن مدفوع




قال: فما رأينا باكيا و لا باكية أكثر مما رأينا ذلك اليوم 35 - يب: محمد بن يحيي، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن عبيس بن هشام، عن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جددت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين عليه السلام: مسجد الاشعث، و مسجد جرير، و مسجد سماك، و مسجد شبث ابن ربعي [117] 36 - أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا مرسلا أن نصرانيا أتي رسولا من ملك الروم إلي يزيد لعنه الله تعالي و قد حضر في مجلسه الذي اتي إليه فيه برأس الحسين فلما رأي النصراني رأس الحسين عليه السلام بكي و صاح و ناح، حتي ابتلت لحيته بالدموع ثم قال: أعلم يا يزيد: أني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي، و قد أردت أن آتيه بهدية فسألت من أصحابه أي شيء أحب إليه من الهدايا؟ فقالوا: الطيب أحب إليه من كل شيء، و إن له رغبة فيه قال: فحملت من المسك فارتين، و قدرا من العنبر الاشهب، وجئت بها إليه و هو يومئذ في بيت زوجته ام سلمة رضي الله عنها فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا، و زادني منه سرور، و قد تعلق قلبي بمحبته، فسلمت عليه و وضعت العطر بين يديه فقال: ما هذا؟ قلت: هدية محقرة أتيت بها إلي حضرتك فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: اسمي عبد الشمس، فقال لي: بدل اسمك فإني اسميك عبد الوهاب إن قبلت مني الاسلام قبلت منك الهدية، قال: فنظرته و تأملته فعلمت أنه نبي و هو النبي الذي أخبرنا عنه عيسي عليه السلام حيث قال: إني مبشرلكم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فاعتقدت ذلك و أسلمت علي يده في تلك الساعة و رجعت إلي الروم، و أنا اخفي الاسلام، ولي مدة من السنين و أنا مسلم مع خمس من البنين و أربع من البنات، و أنا اليوم وزير ملك الروم، و ليس لاحد من النصاري إطلاع علي حالنا و اعلم يا يزيد أني يوم كنت في حضرة النبي صلي الله عليه و آله و هو في بيت ام سلمة


رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مهينا حقيرا، قد دخل علي جده من باب الحجرة و النبي فاتح باعه ليتناوله و هو يقول: مرحبا بك يا حبيبي حتي أنه تناوله و أجلسه في حجره، و جعل يقبل شيفته، و يرشف ثناياه، و هو يقول، بعد عن رحمة الله من قتلك، لعن الله من قتلك يا حسين و أعان علي قتلك، و النبي صلي الله عليه و آله مع ذلك يبكي فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي في مسجده إذا أتاه الحسين مع أخيه الحسن عليهما السلام و قال: يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن و لم يغلب أحدنا الآخر و إنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر، فقال لهما النبي: حبيبي يا مهجتي إن التصارع لا يليق بكما و لكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر، قال: فمضيا و كتب كل واحد منهما سطرا و أتيا إلي جدهما النبي فأعطياه اللوح، ليقضي بينهما فنظر النبي إليهما ساعة، و لم يرد إن يكسر قلب أحدهما فقال لهما: يا حبيبي إني نبي أمي لا أعرف الخط اذهبا إلي أبيكما ليحكم بينكما و ينظر أيكما أحسن خطا قال: فمضيا إليه و قام النبي أيضا معهما و دخلوا جميعا إلي منزل فاطمة عليها السلام فما كان إلا ساعة و إذا النبي مقبل، و سلمان الفارسي، معه، و كان بيني و بين سلمان صداقة و مودة فسألته كيف حكم أبوهما وخط أيهما أحسن؟ قال سلمان رضوان الله عليه: إن النبي لم يجبهما بشيء لانه تأمل أمرهما و قال: لو قلت خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين، و لو قلت خط الحسين أحسن كان يغتم الحسن، فوجههما إلي أبيهما فقلت: يا سلمان بحق الصداقة و الاخوة التي بيني و بينك و بحق دين الاسلام إلا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟ فقال: لما أتيا إلي أبيهما و تأمل حالهما رق لهما، و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما قال لهما: أمضيا إلي أمكما فهي تحكم بينكما فأتيا إلي أمهما، و عرضا عليها ما كتبا في اللوح، و قالا: يا أماه إن جدنا أمرنا أن نتكاتب، فكل من كان خطه أحسن تكون قوته أكثر، فتكاتبنا و جئنا


إليه، فوجهنا إلي أبينا، فلم يحكم بيننا و وجهنا إليك، فتفكرت فاطمة بأن جدهما و أباهما ما أرادا كسر خاطرهما، أنا ماذا أصنع؟ و كيف أحكم بينهما؟ فقالت لهما: ياقرتي عيني إني أقطع قلادتي علي رأسكما، فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطه أحسن و تكون قوته أكثر، قال: و كان في قلادتها سبع لؤلؤات ثم إنها قامت فقطعت قلادتها علي رأسهما، فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات و التقط الحسين ثلاث لؤلؤات و بقيت الاخري فأراد كل منهما تناولها فأأمر الله تعالي جبرئيل بنزوله إلي الارض و أن يضرب بجناحه تلك اللؤلؤة و يقدها نصفين فأخذ كل منهما نصفا فانظر يا يزيد كيف رسول الله صلي الله عليه و آله لم يدخل علي أحدهما ألم ترجيح الكتابة و لم يرد كسر قلبهما، و كذلك أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السلام؟ و كذلك رب العزة لم يرد كسرقلب أحدهما بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما لجبر قلبهما؟ و أنت هكذا تفعل بإبن بنت رسول الله؟ اف لك و لدينك يا يزيد ثم إن النصراني نهض إلي رأس الحسين عليه السلام و احتضنه و جعل يقبله و هو يبكي و يقول: يا حسين اشهد لي عند جدك محمد المصطفي، و عند أبيك علي المرتضي و عند امك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين قال: و روي من طريق أهل البيت عليهم السلام أنه لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في كربلا صريعا، و دمه علي الارض مسفوحا، و إذا بطائر أبيض قد أتي و تمسح بدمه، و جاء و الدم يقطر منه فرأي طيورا تحت الظلال علي الغصون و الاشجار و كل منهم يذكر الحب و العلف و الماء، فقال لهم ذلك الطير المتلطخ بالدم: يا ويلكم أتشتغلون بالملاهي، و ذكر الدنيا و المناهي، و الحسين في أرض كربلا في هذا الحر ملقي علي الرمضاء ظامئ مذبوح و دمه و مسفوح، فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلا، فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقي في الارض جثة بلا رأس و لا غسل و لا كفن قد سفت عليه السوافي، و بدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار، و ندبته جن السهول و الاوعار، قد أضاء التراب من أنواره و أزهر الجو من أزهاره


فلما رأته الطيور، تصايحن و أعلن بالبكاء و الثبور، و تواقعن علي دمه يتمرغن فيه، و طار كل واحد منهم إلي ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام فمن القضاء و القدر أن طيرا من هذه الطيور قصد مدينة الرسول و جاء يرفرف و الدم يتقاطر من أجنحته، و دار حول قبر سيدنا رسول الله يعلن بالنداء: ألا قتل الحسين بكربلا، ألا ذبح الحسين بكربلا! فاجتمعت الطيور عليه و هم يبكون عليه و ينوحون فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، و شاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتي انقضت مدة من الزمان، و جاء خبر مقتل الحسين علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة البتول، وقرة عين الرسول و قد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير إلي المدينة، كان في المدينة رجل يهودي و له بنت عمياء زمناء طرشاء [118] مشلولة، و الجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطائر و الدم يتقاطر منه، و وقع علي شجرة يبكي طول ليلته، و كان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلي خارج المدينة إلي بستان و تركها في البستان الذي جاء الطير و وقع فيه، فمن القضاء و القدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته، فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلي البستان التي فيها ابنته المعلولة، و البنت لما نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة، لم يأتها نوم لوحدتها لان أباها كان يحدثها و يسليها حتي تنام فسمعت عند السحر بكاء الطير و حنينه، فبقيت تتقلب علي وجه الارض إلي أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير، فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب محزون، فبينما هي كذلك إذ وقع قطرة من الدم فوقعت علي عينها ففتحت ثم قطرة اخري علي عينها الاخري فبرءت، ثم قطرة علي يديها فعوفيت ثم علي رجليها فبرءت، و عادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ به جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام


فلما أصبحت أقبل أبوها إلي البستان فرأي بنتا تدورولم يعلم أنها ابنته فسألها أنه كان لي في البستان ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك، فقالت ابنته: و الله أنا ابنتك، فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه، فلما أفاق قام علي قدميه فأتت به إلي ذلك الطير، فرآه واكرا علي الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رأي مما فعل بالحسين عليه السلام فقال له اليهودي: أقسمت عليك - بالذي خلقك أيها الطير! - أن تكلمني بقدرة الله تعالي، فنطق الطير مستعبرا ثم قال: إني كنت واكرا علي بعض الاشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة، و إذا بطير ساقط علينا، و هو يقول: أيها الطيور تأكلون و تتنعمون، و الحسين في أرض كربلا في هذا الحر علي الرمضاء طريحا ظامئا و النحر دام، و رأسه مقطوع، علي الرمح مرفوع، و نساؤه سبايا، حفاة عرايا فلما سمعن بذلك تطايرن إلي كربلا فرأيناه في ذلك الوادي طريحا: الغسل من دمه و الكفن الرمل السافي عليه، فوقعنا كلنا عليه ننوح و نتمرغ بدمه الشريف و كان كل منا طار إلي ناحية، فوقعت أنافي هذا المكان فلما سمع اليهودي ذلك تعجب و قال: لو لم يكن الحسين ذا قدر رفيع عند الله ما كان دمه شفاء من كل داء، ثم أسلم اليهودي و أسلمت البنت و أسلم خمسمأة من قومه و قال: حكي عن رجل أسدي قال: كنت زارعا علي نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر عسكر بني أمية فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلا بعضها، منها أنه إذا هبت الرياح، تمر علي نفحات كنفحات المسك و العنبر، إذا سكنت أري نجوما تنزل من السماء إلي الارض و يرقي من الارض إلي السماء مثلها، و أنا منفرد مع عيالي و لا أري أحدا أساله عن ذلك، و عند غروب الشمس يقبل أسد من القبلة فأولي عنه إلي منزلي، فإذا أصبح و طلعت الشمس و ذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهبا فقلت في نفسي: إن هؤلاء خوارج قد خرجوا علي عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم وأري منهم ما لم أره من سائر القتلي، فو الله هذه الليلة لابد من المساهرة لابصر هذا


الاسد يأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلما صار عند غروب الشمس و إذا به أقبل فحققته و إذا هو هائل المنظر فارتعدت منه، و خطر ببالي: إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، و أنا احاكي نفسي بهذا فمثلته و هو يتخطي القتلي حتي وقف علي جسد كأنه الشمس إذا طلعت فبرك عليه فقلت يأكل منه و إذا به يمرغ وجهه عليه، و هو يهمهم و يدمدم، فقلت: الله أكبر، ما هذه إلا اعجوبة، فجعلت أحرسه حتي اعتكر الظلام [119] و إذا بشموع معلقة ملات الارض، و إذا ببكاء و نحيب و لطم مفجع، فقصدت تلك الاصوات فإذا هي تحت الارض ففهمت من ناع فيهم يقول: وا حسيناه! وا إماماه! فاقشعر جلدي فقربت من الباكي و أقسمت عليه بالله و برسوله من تكون؟ فقال: إنا نساء من الجن فقلت: و ماشأنكن؟ فقلن: في كل يوم و ليلة هذا عزاؤنا علي الحسين الذبيح العطشان فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الاسد؟ قلن: نعم، أتعرف هذا الاسد؟ قلت: لا، قلن: هذا أبوه علي بن أبي طالب، فرجعت و دموعي تجري علي خدي [120] قال: و نقل أن سكينة بنت الحسين عليه السلام قالت: يا يزيد رأيت البارحة رؤيا إن سمعتها مني قصصتها عليك، فقال يزيد: هاتي ما رأيتي، قالت: بينما أنا ساهرة و قد كللت من البكاء بعد أن صليت و دعوت الله بدعوات، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت و إذا أنا بنور ساطع من السماء إلي الارض، و إذا


أنا بوصائف من وصائف الجنة، و إذا أنا بروضة خضراء، و في تلك الروضة قصر و إذا أنا بخمس مشايخ يدخلون إلي ذلك القصر و عندهم وصيف، فقلت: يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لابيك الحسين أعطاه الله تعالي ثوابا لصبره فقلت: و من هذه المشايخ؟ فقال: أما الاول فآدم أبو البشر، و أما الثاني فنوح نبي الله، و أما الثالث فإبراهيم خليل الرحمن، و أما الرابع فموسي الكليم فقلت له: و من الخامس الذي أراه قابضا علي لحيته، باكيا حزينا من بينهم؟ فقال لي: يا سكينة أما تعرفه؟ فقلت: لا، فقال: هذا جدك رسول الله، فقلت له: إلي أين يريدون؟ فقال: إلي أبيك الحسين، فقلت: و الله لالحقن جدي و اخبرته بما جري علينا، فسبقني و لم ألحقه فبينما أنا متفكرة و إذا بجدي علي بن أبي طالب، و بيده سيفه، و هو واقف فناديته: يا جداه قتل و الله ابنك من بعدك، فبكي و ضمني إلي صدره، و قال: يا بنية صبرا و الله المستعان، ثم إنه مضي و لم أعلم إلي أين، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به، فبينما أنا كذلك إذا بباب قد فتح من السماء، و إذا بالملائكة يصعدون و ينزلون علي رأس أبي، قال: فلما سمع يزيد ذلك، لطم علي وجهه و بكي، و قال: مالي و لقتل الحسين؟ و في رواية اخري: إن سكينة قالت: ثم أقبل علي رجل دري اللون قمري الوجه، حزين القلب، فقلت للوصيف: من هذا؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و اله فدنوت منه و قلت له: يا جداه قتلت و الله رجالنا، و سفكت و الله دماؤنا، و هتكت و الله حريمنا، و حملنا علي الاقتاب من وطاء نساق إلي يزيد، فأخذني إليه و ضمني إلي صدره ثم أقبل علي آدم و نوح و إبراهيم و موسي، ثم قال لهم: ما ترون إلي ما صنعت أمتي بولدي من بعدي؟ ثم قال الوصيف: يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيتي رسول الله صلي الله عليه و آله ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر و إذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن و زاد في نورهن، و بينهن إمرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، و عليها ثياب سود


و بيدها قميص مضمخ بالدم، و إذا قامت يقمن معها و إذا جلست يجلسن معها، فقلت للوصيف: ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظم الله خلقتهن؟ فقال: يا سكينة هذه حواء ام البشر، و هذه مريم ابنة عمران، و هذه خديجة بنت خويلد، و هذه هاجر، و هذه سارة، و هذه التي بيدها القميص المضمخ و إذا قامت يقمن معها و إذا جلست يجلسن معها هي جدتك فاطمة الزهراء فدنوت منها و قلت لها: ياجدتاه! قتل و الله أبي، و اوتمت علي صغر سني فضمتني إلي صدرها و بكت شديدا، و بكين النساء كلهن، و قلن لها: يا فاطمة يحكم الله بينك و بين يزيد يوم فصل القضاء، ثم إن يزيد تركها و لم يعبأ بقولها قال: و نقل عن هند زوجة يزيد قالت: كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء و قد فتحت، و الملائكة ينزلون كتائب كتائب إلي رأس الحسين، و هم يقولون: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلي سحابة قد نزلت من السماء، و فيها رجال كثيرون، و فيهم رجل دري اللون قمري الوجه، فأقبل يسعي حتي انكب علي ثنايا الحسين يقبلهما و هو يقول: يا ولدي قتلوك، أ تراهم ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك، يا ولدي أنا جدك رسول الله، و هذا أبوك علي المرتضي، و هذا أخوك الحسن، و هذا عمك جعفر و هذا عقيل، و هذان حمزة و العباس، ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة، و إذا بنور قد انتشر علي رأس الحسين فجعلت أطلب يزيد، و هو قد دخل إلي بيت مظلم، و قد دار وجهه إلي الحائط و هو يقول: مالي و للحسين؟ و قد وقعت عليه الهمومات، فقصصت عليه المنام و هو منكس الرأس قال: فلما أصبح استدعي بحرم رسول الله صلي الله عليه و آله فقال لهن: أيما أحب إليكن: المقام عندي أو الرجوع إلي المدينة؟ و لكم الجائزة السنية، قالوا: نحب أولا أن ننوح علي الحسين، قال: افعلوا ما بدا لكم ثم اخليت لهن الحجر و البيوت في دمشق و لم تبق هاشمية و لا قرشية إلا و لبست السواد علي الحسين، و ندبوه علي ما نقل سبعة أيام، فلما كان اليوم الثامن دعاهن يزيد، و أعرض عليهن المقام


فأبين و أرادوا الرجوع إلي المدينة، فأحضر لهم المحامل و زينها و أمر بالانطاع الابريسم، وصب عليها الاموال و قال: يا أم كلثوم خذوا هذا المال عوض ما أصابكم فقالت ام كلثوم: يا يزيد ما أقل حياءك و أصلب وجهك؟ تقتل أخي و أهل بيتي و تعطيني عوضهم؟ ثم قال: و أما ام كلثوم فحين توجهت إلي المدينة، جعلت تبكي و تقول:



مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات و الاحزان جئنا



ألا فاخبر رسول الله عنا

بأنا قد فجعنا في أبينا



و أن رجالنا بالطف صرعي

بلارؤس و قد ذبحوا البنينا



و أخبر جدنا أنا أسرنا

و بعد الاسر يا جدا سبينا



و رهطك يا رسول الله أضحوا

عرايا بالطفوف مسلبينا



و قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا

جنابك يا رسول الله فينا



فلو نظرت عيونك للاساري

علي اقتاب الجمال محملينا



رسول الله بعد الصون صارت

عيون الناس ناظرة إلينا



و كنت تحوطنا حتي تولت

عيونك ثأرت الاعداعلينا



أ فاطم لو نظرت إلي السبايا

بناتك في البلاد مشتتينا



أ فاطم لو نظرت إلي الحياري

و لو أبصرت زين العابدينا



أ فاطم لو رأيتينا سهاري

و من سهر الليالي قد عمينا



أ فاطم مالقيتي من عداكي

و لا قيراط مما قد لقينا



فلو دامت حياتك لم تزالي

إلي يوم القيامة تندبينا



و عرج بالبقيع وقف و ناد

أيا ابن حبيب رب العالمينا



و قل يا عم يا حسن المزكي

عيال أخيك أضحوا ضائعينا



أياعماه إن أخاك أضحي

بعيدا عنك بالرمضا رهينا



بلا رأس تنوح عليه جهرا

طيور و الوحوش الموحشينا



و لو عاينت يا مولاي ساقوا

حريما لا يجدن لهم معينا






علي متن النياق بلاوطاء

و شاهدت العيال مكشفينا



مدينة جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات و الاحزان جئنا



خرجنا منك بالاهلين جمعا

رجعنا لا رجال و لا بنينا



و كنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا



و كنا في أمان الله جهرا

رجعنا بالقطيعة خائفينا



و مولانا الحسين لنا أنيس

رجعنا و الحسين به رهينا



فنحن الضائعات بلاكفيل

و نحن النائحات علي أخينا



و نحن السائرات علي المطايا

نشال علي جمال المبغضينا



و نحن بنات يس و طه

و نحن الباكيات علي أبينا



و نحن الطاهرات بلاخفاء

و نحن المخلصون المصطفونا



و نحن الصابرات علي البلايا

و نحن الصادقون الناصحونا



ألا يا جدنا قتلوا حسينا

و لم يرعوا جناب الله فينا



ألا يا جدنا بلغت عدانا

مناها و اشتفي الاعداء فينا



لقد هتكوا النساء و حملوها

علي الاقتاب قهرا أجمعينا



و زينب أخرجوها من خباها

و فاطم و اله تبدي الانينا



سكينة تشتكي من حروجد

تنادي: الغوث رب العالمينا



وزين العابدين بقيد ذل

و راموا قتله أهل الخوونا!



فبعدهم علي الدنيا تراب

فكأس الموت فيها قد سقينا



و هذي قصتي مع شرح حالي

ألا يا سامعون ابكوا علينا



قال الراوي: و أما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد، و نادت يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين، و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة، و لا تفتر من البكاء و النحيب، و كلما نظرت إلي علي بن الحسين، تجددحزنها، و زاد وجدها 38 - يف: من مسند أحمد بن حنبل باسناده إلي سهل قال: قالت ام سلمة


زوجة النبي صلي الله عليه و آله حين جاءها نعي الحسين بن علي: لعنت أهل العراق و قالت: قتلوه قتلهم الله غروه و أذلوه لعنهم الله، فاني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و قد جاءته فاطمة عليها السلام عشية ببرمة، قد صنعت فيها عصيدة [121] تحملها في طبق حتي وضعتها بين يديه، فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت قال: اذهبي فادعيه و ائتيني بابنيه، قالت: و جاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد، و علي عليه السلام يمشي بأثرها حتي دخلوا علي رسول الله صلي الله عليه و آله فأجلسهما في حجره، و جلس علي عليه السلام عن يمينه، و جلست فاطمة عليها السلام عن يساره قالت ام سلمة: فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا فلفه رسول - الله صلي الله عليه و آله و أخذ طرفي الكساء و ألوي بيده اليمني إلي ربه عز و جل و قال: أللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قلت: يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال: بلي، قالت: فأدخلني في الكساء بعد ما قضي دعاءه لا بن عمه علي و ابنته فاطمة و ابنيهما [122] 39 - أقول: روي شارح ديوان أمير المؤمنين عليه السلام عن هشام الكلبي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام أنه لما قتل الحسين عليه السلام سمعوا صوت هاتف من السماء يقول:



أيها القاتلون جهلا حسينا

أبشروا بالعذاب و التنكيل



كل أهل السماء يدعو عليكم

من نبي و مرسل و قتيل



قد لعنتم علي لسان بن داود

و موسي و صاحب الانجيل



40 - و وجدت بخط بعض الافاضل نقلا من خط الشهيد قدس سره قال: لماجيئ برؤس الشهداء و السبايا من آل محمد عليهم السلام أنشد يزيد لعنه الله:



لما بدت تلك الرؤس و أشرقت

تلك الشموس علي ربي جيرون [123] .



صاح الغراب فقلت صح أولا تصح

فلقد قضيت من النبي ديوني




41 - دعوات الراوندي: و روي أنه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام إلي يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه، فوقفه بين يديه و هو يكلمه، ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله و علي عليه السلام يجيبه حسب ما يكلمه، و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه، و هو يتكلم فقال له يزيد: اكلمك، و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك؟ فكيف يجوز ذلك؟ فقال: حدثني أبي عن جدي أنه كان إذا صلي الغداة و انفتل لا يتكلم حتي يأخذ سبحة بين يديه فيقول: أللهم إني أصبحت اسبحك و امجدك و أحمدك و اهللك بعددماادير به سبحتي، و يأخذ السبحة و يديرها، و هو يتكلم بما يريد من أن يتكلم بالتسبيح، و ذكر أن ذلك محتسب له، و هو حرز إلي أن يأوي إلي فراشه، فإذا آوي إلي فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه فهي محسوبة له من الوقت إلي الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدي فقال له يزيد: لست أكلم أحدا منكم إلا و يجيبني بمايعوذبه، و عفا عنه و وصله و أمر بإطلاقه 42 - نوادر علي بن أسباط: عن واحد من أصحابه قال: إن مصعب بن الزبير لما توجه إلي عبد الملك بن مروان يقاتله، و بلغ الحير، دخل فوقف علي قبر أبي عبد الله عليه السلام ثم قال: يا أبا عبد الله أما و الله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك، ثم انصرف و هو يقول (شعر):



و إن الاولي بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا



و منه من واحد قال: لما بلغ أهل البلدان ما كان من أبي عبد الله عليه السلام قدمت لزيارته مائة ألف إمرأة ممن كانت لا تلد، فولدن كلهن



پاورقي

[1] کتاب الملهوف ص 125 - 127.

[2] الارشاد ص 227.

[3] ملاء جمع ملاءة و هي الريطة ذات لفقين، وأزر جمع ازار و هو ثوب يلبس علي الفخذين و مقانع جمع مقنع - بالکسر - ما تقنع به المرأة رأسها و تغطيه به.

[4] في المصدر المطبوع: في الصبر علي ضرب السيوف و طعن الرماح ثم قال: و روي مصنف کتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثني قتل بين يدي عمه الحسين عليه السلام في ذلک اليوم سيعة عشر نفسا و أصابه ثمانية عشر جراحة، فوقع فأخذ خاله أسماء بن خارجة فحمله إلي الکوفة و داواه حتي برء.

[5] کذا في المصدر ص 130، و نقله المصنف - رحمه الله - بلفظه ثم شرحه فيما يأتي من بيان الغرائب بالتزيين، و لکن الصحيح: کقصة علي ملحودة و القصة هي الجصة بلغة أهل الحجاز، کما في أکثرمعاجم اللغة - القاموس - الصحاح - تاج العروس - النهاية و قال في الفائق ج 2 ص 173 روي أن النبي صلي الله عليه و آله نهي عن تطيين القبور و تقصيصها أي تجصيصها، فان القصة هي الجصة أقول: و سائر غرائب الحديث يأتي بيانه عن المصنف - رحمه الله - فلا نکررها.

[6] و شنارها خ ل.

[7] و مثله في کتاب الاحتجاج ص 256، و زاد بعده أبياتا و سيأتي.

[8] کذا في النسخ، و لا يستقيم الشعر وزنا.

[9] کتاب الملهوف ص 127 - 137، الاحتجاج ص 155 و 156.

[10] الاحتجاج ص 157 و فيه: عن حذام بن ستير.

[11] السبج معرب شبه و هو حجر أسود شديد السواد براق و له فوائد طبية، و کثيرا ما يشبه به الاشياء سوادا کقول الحکيم الطوسي شبي شون شبه روي شسته بقير و به سموا السبيج و السبيجة و السبجة للثوب الاسود و قد صحفت الکلمة تارة بالشيخ کما في الاصل و تارة بالشبح کما في الکمباني و اما النصل و الانتصال: فهو خروج اللحية من الخضاب و منه لحية ناصل.

[12] الملهوف ص 142 و 143.

[13] الارشاد ص 228، و لکن قد يقال ان زيد بن أرقم کان حينذاک أعمي: قد کف بصره بدعاء علي أمير المؤمنين عليه السلام حين استشهده عن کلام رسول الله من کنت مولاه فهذا علي مولاه فکتمه، کما في شرح النهج ج 1 ص 362 لا بن أبي الحديد، الا انه لم يثبت، لا نقله أرباب التراجم في ترجمته و لو صح لم يناف إنکاره علي ابن زياد بضرب القضيب علي ثناياه عليه السلام، لجواز أن يکون قد أنکر علي ما سمعه ممن رأي ذلک نعم قال ابن عساکر في تأريخه 4 ص 340 أنه کان حاضر المجلس و يؤيد ابن زياد.

[14] و مثله في الطبري ج 6 ص 262.

[15] الارشاد ص 228.

[16] الزمر: 42.

[17] الملهوف ص 144.

[18] في المصدر ص 145 بين البيتين الاخيرين تقديم و تأخير.

[19] الملهوف ص 146 - 150، و المراد بالسبخة، الکناسة.

[20] الارشاد ص 229، و هکذا ما بعده.

[21] الارشاد ص 231 و 332، و ذکره الطبري في تأريخه 6 ص 268.

[22] ذکره ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 9 ص 361.

[23] ذکر القصة الطبري في ج 6 ص 268 و سماه أبااللسلاس.

[24] کذا، و الصحيح و قتيل يعني الشهيد.

[25] الارشاد ص 232 و 233.

[26] کذا في الاصل، و لعله مصحف بهراء بطن من قضاعة، و هم بنوبهراء بن عمرو ابن الحافي بن قضاعة، کانت منازلهم شمالي منازل بلي من الينبع إلي عقبة أيلة.

[27] دوسر: اسم کتيبة کانت للنعمان بن المنذر.

[28] المجسد - کمکرم و معظم - الاحمر من الثياب أو هو المصبوغ بالزعفران و کمبرد: ما يلي الجسد من الثياب.

[29] الملهوف ص 152.

[30] الارشاد ص 229.

[31] ذکر مثله البلاذري في أنساب الاشراف ج 5 ص 238 و سما زوجته بالعيوف.

[32] الملهوف ص 152 - 154.

[33] الملهوف ص 155 و 156.

[34] الشوري: 33.

[35] الانفال: 41.

[36] الاحزاب: 33.

[37] الملهوف ص 156 - 158.

[38] الرخم: طائرأبقع يشبه النسر في الخلقة، و العقبان جمع عقاب - بالضم - طائر من الجوارح تسميها العرب بالکاسر.

[39] الارشاد ص 229 و 230.

[40] نسبه في الطبري ج 6 ص 267 إلي الحصين بن الحمام المري و قبله: صبرنا و کان الصبر منا عزيمة و أسيافنا يقطعن هاما و معصما أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواضب في أيماننا تقطر الدما.

[41] الملهوف ص 158 و 159.

[42] الحديد: 22.

[43] هذا البيت لعبدالله بن الزبعري في يوم احد، و انما استشهد به يزيد هناک أوله:



يا غراب البين أسمعت فقل

انما تنطق شيئا قد فعل



و بعده



حين حکت بقباء برکها

و استحر القتل في عبد الاشل



و ما ذکره بعد ذلک فهو ليزيد أنشدها مضمنا لا بيات ابن الزبعري و سيجيء لذلک توفية بحث.

[44] آل عمران: 178.

[45] الملهوف ص 161 - 166.

[46] الحديد: 22.

[47] الشوري: 30 راجع الارشاد ص 230.

[48] کتاب الارشاد ص 231.

[49] الملهوف ص 167 و 168.

[50] تراه في الامالي المجلس 31 تحت الرقم 4.

[51] لغية، الحق التاء بالام کما في أبتاه.

[52] الملهوف ص 168 و 169.

[53] الملهوف ص 169 - 173.

[54] شطر بيت لابي أخزم الطائي و هو جد حاتم أو جد جده مات ابنه أخزم و ترک بنين فوثبوا يوما علي جدهم فأدموه فقال:



ان بني رملوني بالدم

من يلق آساد الرجال يکلم



و من يکن درء به يقوم

شنشنة أعرفها من أخزم



يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق، و الششنة: الطبيعة.

[55] الملهوف: 175.

[56] جمع نزل - کقفل - ماهيئ للضيف أن ينزل عليه، أي رزقه و قراء.

[57] من الانهاءبمعني الابلاغ و الاعلام.

[58] الجبانة: الصحراء، و المقبرة، و عن المغرب: المصلي العام في الصحراء.

[59] الملهوف ص 177 - 182.

[60] المصدر ص 188 - 190.

[61] النحل: 92.

[62] الصحيح بقصه: اي بجصة، کما مر.

[63] الشوري: 23.

[64] أسري: 26.

[65] الاحزاب: 33.

[66] امالي الصدوق المجلس 31 تحت الرقم 3.

[67] البرک: الصدر، و قباء موضع بالمدينة و عبد الاشل: أي عبد الاشهل حذف الهاء للضرورة.

[68] لا ريب أن الشعر لعبدالله بن الزبعري کما مر الاشارة اليه في ص 133 تري الابيات في سيرة ابن هشام عند ذکر ما قيل من الشعر يوم احد و هي ستة عشر بيتا و قد أجابه حسان ابن ثابت الانصاري فقال



ذهبت يا ابن الزبعري وقعة

کان منا الفضل فيها لو عدل



و لقد نلتم و نلنا منکم

و کذاک الحرب أحيانا دول



إلي آخر الابيات راجع ج 2 ص 136 - 138.

[69] الروم: 10.

[70] آل عمران: 178.

[71] في الاصل و هکذا المصدر و ان يشهدوک و هو تصحيف.

[72] آل عمران: 169.

[73] الاحتجاج ص 157 - 159.

[74] الاحتجاج ص 159 و 160.

[75] يقال: حدل عليه حدلاوحدولا: مال عليه بالظلم، و في بعض النسخ الجدل و في بعضها الخذل.

[76] ما بين العلامتين زيادة من المصدر ص 156.

[77] و قد يقال حذلم بن ستير، أوحذام بن ستير، و الصحيح: حذيم بن بشير کما مر.

[78] المدرجة: الطريق - و معظمه و سننه و - الورقة التي تکتب فيها الرسالة و يدرج فيها الکتاب، و لکن الصحيح مدره حجتکم کما مر.

[79] الشوري: 23.

[80] أسري: 26.

[81] الانفال: 41.

[82] الاحزاب: 33.

[83] الاحتجاج ص 157.

[84] يعني الحکم بن محمد بن القاسم، عن أبيه، عن جده، فانه کان حاضر المجلس.

[85] الحج: 6.

[86] الصحيح: جزع الخزرج.

[87] الاية الاولي في الشوري: 30، و الثانية في الحديد: 22.

[88] قرب الاسناد ص: 20.

[89] رجال الکشي ص 394.

[90] أصول الکافي ج 1 ص 465، و لکن الحديث ضعيف جدا مخالف لضرورة التاريخ من جهات شتي.

[91] راجع ج 17 ص 409 من الطبعة الحديثة.

[92] أصول الکافي ج 1 ص 466.

[93] بل ذکروه علي ما في أقرب الموارد قال: و الجمع جون قال عبد الله بن الدمينة:



و أنت التي کلفتني دلج السري

و جون القطا بالجلهتين جثوم



و لکن الظاهر کما أثبتناه الجؤن بالهمز، و قد لا يهمز - علي وزن صرد: جمع جونة و هي جونة العطار: سليلة مغشاة بالادم يجعلون فيها الغالية، و لذلک قالت: لسنا في عرس فما نصنع بها أي ما نصنع بالطيب و الغالية؟ و قوله ثم أمرت بهن أي أمرت بالنسوة التي اهدت الجؤن فأخرجن من الدار و أما اهداء الطيب و الغالية ليتسعن بها علي المآتم، فهو أمر صحيح حيث ان الانسان اذا بکي کثيرا غشي عليه، و إذا تغلي بالغالية أفاق و قوي و نشط علي البکاء ثانيا.

[94] لکن اليهودي لا يکون راهبا تارکا للدنيا، بل يکون حبرا من الاحبار.

[95] في المصدر ص 107 حتي يأتي سبعون فرجا أجواب و قال المحشي: الا جواب جمع جوب و هو القطع و لعل المراد ان بين کل فرج و فرج آخر انقطاع و تباعد لکنه تصحيف و الصحيح ما في الصلب.

[96] راجع کامل الزيارات باب نوادر الزيارات آخر حديث في الخاتمة و ما جعلناه بين العلامتين ساقط من الاصل.

[97] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 168 - 169.

[98] مثل أصله العصا من العصية و العصا اسم فرس لجذيمة الابرش سري عليها حتي لم يبق فيها قوة، و العصية أمها، و المعني ان الفرس المسماة بالعصاهي بنت الفرس المسماة بالعصية، و المراد ان بعض الامر من بعض، و في الاصل و المصدر هذا من العصا عصية و هو سهو.

[99] المصدر ج 4 ص 173.

[100] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 22.

[101] المصدر الباب 30 تحت الرقم 51.

[102] بصائر الدرجات (الطبعة الحديثة) ص 337.باب ان الائمه عليهم السلام يعرفون الالسن کلها.

[103] المصدر ص.

[104] کامل الزيارات ص 34، الکافي ج 4 ص 571.

[105] المصدر ص 36.

[106] راجع الکافي أبواب الزيارات من کتاب الحج باب موضع رأس الحسين عليه السلام 339.

[107] هذا الحديث و ان کان منقولا من رواية الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه مؤلف کتاب کامل الزيارات، الا أنه ليسمن أصل کتاب، بل أدرجه فيه بعض تلامذته الذي روي الکتاب و نسخة، و قد صرح بذلک تلميذه في صدر الخبر، و لکن ذهل عنه المؤلف قدس سره فأورده بحيث يظهر أنه من کتاب کامل الزيارات راجع المصدر ص 259 الباب 88 فضل کربلا و زيارة الحسين عليه السلام، و هکذا نبه علي ذلک مفصلا العلامة النوري في المستدرک ج 3 ص 522 فراجع.

[108] في المصدر: هذه الامة.

[109] روي تلميذ ابن قولويه الحسين بن أحمد بن المغيرة هذا الحديث بسندين أحدهما ما ذکره المصنف في المتن و الاخر: قال: و قد کنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبي القاسم علي بن محمد بن عبدوس الکوفي رحمه الله مما نقله عن مزاحم بن عبد الوارث البصري باسناده، عن قدامة بن زائدة، عن إبيه زائدة، عن علي بن الحسين عليه السلام وقدذاکرت شيخنا ابن قولويه بهذا الحديث بعد فراغه من تصنيف هذا الکتاب ليدخله فيه فما قضي ذلک و عاجلته منيته رضي الله عنه و هذا الحديث داخل فيما أجاز لي شيخي - ره - و قد جمعت بين الروايتين بالالفاظ الزائدة و النقصان و التقديم و التأخير فيها حتي صح بجميعه عمن حدثني به أولاد ثم ألان، و ذلک اني ما قرأته علي شيخي و لا أقرأه علي، غير اني أرويه عمن حدثني به عنه الخ فقولة: و قال مزاحم بن عبد الوارث هو البصري الذي وقع في السند الاخر فلا تغفل.

[110] تحبون کما تحبي، خ ل و الحباء هو العطاء بلا من.

[111] في المصدر: و سيجتهد.

[112] راجع کامل الزيارات ص 257 - 266 و أنت خبير بأن ألفاظ الحديث تشهد بأنها قصة مسرودة و کيف يصح جهل علي بن الحسين صلوات الله عليه و هو امام الخلق بهذا الحديث و مفاده حتي ينبهه زينب بنت علي عليه السلام باسناده عن ام ايمن، فتکون هي التي تسليه و تعزيه و تبشره بدرجات الشهداء و ظني أن ابن قولويه رضي الله عنه و أرضاه انما أعرض عن هذا الحديث لما کان يري فيه من العلل.

[113] کذا، و القياس: المشؤوم.

[114] فيه و هم حيث ان ابن زياد بعث الرؤس مع زحر بن قيس کما مر في ص 125، و لم يکن عمربن سعد هناک.

[115] الکهف: 9.

[116] کتاب المحاسن ص 420.

[117] التهذيب:.

[118] مؤنث أطرش، و هو الاسم الذي تعطلت آلات سمعه.

[119] اعتکر الظلام: اي اختلط کأنه کربعضه علي بعض من بطء انجلائه.

[120] هذه کلها قصة مسرودة منثورة، و کل قاص انما يسرد و ينثر علي حسب ما يراه في نفسه عظيما مؤثرا، و هذا الرجل الذي يقص هذه الاقاصيص، و قد صور عظمة الامام علي ابن أبي طالب بصورة أسد يجيئ لنوح الحسين عليه السلام، و لا بأس بنقلها بعد العلم بکونها قصة مسرودة، کما أن المصنف رحمه الله انما ينقل أمثال هذه الروايات القصصية لترويح النفوس.

[121] البرمة: القدر من الحجر، و العصيدة: دقيق يلت بالسمن و يطبخ.

[122] الطرائف: 30.

[123] باب من أبواب دمشق.