بازگشت

ما جري عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلي شهادته علي ضالميه


اقول: بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بايراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله، ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في الارشاد ورواية السيد ابن طاوس رحمه الله في كتاب الملهوف ورواية الشيخ جعفر ابن محمد بن نمافي كتاب مثير الاحزان، ورواية أبي الفرج الاصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين، ورواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله عليه السلام ورواية صاحب كتاب ومؤلفه إما من الامامية أو من الزيدية، وعندي منه نسخة قديمة مصححة، ورواية المسعودي في كتاب مروج الذهب وهو من علمائنا الامامية، ورواية ابن شهر آشوب في المناقب، ورواية صاحب كشف الغمة، وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه، ثم نختم الباب بايراد الاخبار المتفرقة.

1 لي: محمد بن عمر البغدادي، الحافظ، عن الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه، عن إبراهيم بن عبيدالله بن موسي بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ قال: حدثتني مريسة بنت موسي بن يونس ابن أبي إسحاق

-بحار الانوار مجلد: 40 من ص 310 سطر 19 الي ص 318 سطر 18 وكانت عمتي قالت: حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي قالت: حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي عن خالها عبدالله بن منصور، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال: سألت جعفر بن محمد بن علي


ابن الحسين فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلي الله عليه واله فقال: حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام قال: لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له: يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة، وإني أخشي عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم: عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن الزبير، والحسين بن علي [1] .

فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه، وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا، فانه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته، ويواربك مؤاربة الثعلب للكلب [2] .

وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فان ظفرت


به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحما [3] وإياك أن تناله بسوء أو يري منك مكروها، قال: فلما هلك معاوية، وتولي الامر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله علي مدينة رسول الله صلي الله عليه واله وهو عمه عتبة بن أبي سفيان؟ فقدم المدينة وعليها مروان ابن الحكم، وكان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان، فلم يقدر عليه [4] .وبعث عتبة إلي الحسين بن علي عليه السلام فقال: إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له فقال الحسين عليه السلام: يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة، ومعدن الرسالة، وأعلام الحق الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنظقت باذن الله عزوجل ولقد سمعت جدي رسول الله يقول: إن الخلافة محرمة علي ولد أبي سفيان، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا، فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم إلي عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان.

أما بعد فان الحسين بن علي ليس يري لك خلافة ولا بيعة، فرأيك في أمره والسلام.

فلما ورد الكتاب علي يزيد لعنه الله كتب الجواب إلي عتبة: أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي، أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.

فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فهم بالخروج من أرض الحجاز إلي أرض العراق فلما أقبل الليل، راح إلي مسجد النبي صلي الله عليه وآله ليودع القبر، فلما وصل إلي القبر، سطع له نور من القبر فعاد إلي موضعه، فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع


القبر فقام يصلي فأطال فنعس وهو ساجد.

فجاءه النبي وهو في منامه فأخذ الحسين وضمه إلي صدره وجعل يقبل بين عينيه، ويقول: بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة، يرجون شفاعتي، مالهم عندالله من خلاق، يا بني إنك قادم علي أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة، فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا فأتي أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا، وودعهم وحمل أخواته علي المحامل، وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته منهم أبوبكر بن علي، ومحمد بن علي، وعثمان بن علي، والعباس بن علي، وعبدالله بن مسلم بن عقيل، وعلي بن الحسين الاكبر، وعلي بن الحسين الاصغر.

وسمع عبدالله بن عمر بخروجه، فقدم راحلته، وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال: العراق، قال: مهلا ارجع إلي حرم جدك، فأبي الحسين عليه، فلما رأي ابن عمر إباءه قال: يا با عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلي الله عليه وآله يقبله منك، فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكي، وقال: أستودعك الله يا باعبدالله فانك مقتول في وجهك هذا.

فسار الحسين عليه السلام وأصحابه فلما نزلوا ثعلبية، ورد عليه رجل يقال له: بشر بن غالب، فقال: يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل يوم ندعوا كل اناس بإمامهم [5] قال: إمام دعا إلي هدي فأجابوه إليه، وإمام دعا إلي ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، وهو قوله عزوجل فريق في الجنة وفريق في السعير [6] .

ثم سار حتي نزل العذيب فقال فيها [7] قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه


باكيا فقال له: ابنه ما يبكيك يا أبه، فقال: يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها وإنه عرض لي في منام عارض، فقال: تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلي الجنة.

ثم سار حتي نزل الرهيمة [8] فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكني أبا هرم فقال: يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا باهرم شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فصربت، وأيم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا، وسيفا قاطعا، وليسلطن عليهم من يذلهم.

قال: وبلغ عبيدالله بن زياد لعنه الله الخبر وأن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمة فأسري إليه حربن يزيد في ألف فارس قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديث ثلاثا: يا حر أبشر بالجنة، فالتفت فلم أر أحدا فقلت: ثكلت الحر امه، يخرج إلي قتال ابن رسول الله صلي الله عليه وآله ويبشر بالجنة؟ فرهقه عند صلاه الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن وأقام وقام الحسين عليه السلام فصلي بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال: السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال الحسين: وعليك السلام من أنت يا عبدالله؟ فقال: أنا الحر بن يزيد، فقال: ياحر أعلينا أم لنا؟ فقال الحر: والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن احشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي ويدي مغلولة إلي عنقي واكب علي حر وجهي في النار، يا ابن رسول الله أين تذهب؟ ارجع إلي حرم جدك فانك مقتول.

فقال الحسين عليه السلام:



سأمضي فما بالموت عار علي الفتي

إذا ما نوي حقا وجاهد مسلما



وواسي الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما [9]



فان مت لم أندم وإن عشت لم الم




ثم سار الحسين حتي نزل القطقطانة [10] فنظر إلي فسطاط مضروب فقال: لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لعبدالله بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل إنك مذنب خاطئ وإن الله عزوجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلي الله تبارك وتعالي في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالي.

فقال: يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، ولكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه، فدونك فخذه فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال: لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا، ولكن فر، فلا لنا ولا علينا فانه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا، كبه الله علي وجهه في نار جهنم.

ثم سار حتي نزل بكربلا فقال: أي موضع هذا؟ فقيل: هذا كربلاء يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام: هذا والله يوم كرب وبلاء، وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا، ويباح فيه حريمنا فأقبل عبيدالله بن زياد بعسكره حتي عسكر بالنخيلة وبعث إلي الحسين رجلا يقال له: عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس، وأقبل عبدالله بن الحصين التميمي في ألف فارس، وكتب لعمر بن سعد علي الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه، فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمربن سعد يسامر الحسين عليه السلام ويحدثه، ويكره قتاله، فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس، وكتب إلي عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه، وحل بين الماء وبينه، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار، فما وصل الكتاب إلي عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادي: إنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم.

فشق ذلك علي الحسين وعلي أصحابه، فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال:


اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكي ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون، وأنتم في حل من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة، ولا لي عليكم ذمة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا [11] وتفرقوا في سواده، فان القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الاعمام وابن نبينا سيد الانبياء، لم نضرب معه بسيف، ولم نقاتل معه برمح، لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا، وخرجنا مما لزمنا، وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال: يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت، ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت، فقال له ولاصحابه: جزيتم خيرا.

ثم إن الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق، وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقو الماء وهم علي وجل شديد وأنشأ الحسين يقول:



يا دهر اف لك من خليل

كم لك في الاشراق والاصيل



من طالب وصاحب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل



وإنما الامر إلي الجليل

وكل حي سالك سبيلي



ثم قال لاصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم، وتوضأوا


واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم، ثم صلي بهم الفجر وعبأهم تعبية الحرب، وأمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار، ليقاتل القوم من وجه واحد، وأقبل رجل من عسكر عمربن سعد علي فرس له يقال له: ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلي النار تتقد صفق بيده ونادي: يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا، فقال الحسين عليه السلام: اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق.

ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادي: يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلي ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات [12] والله لا ذقتم منه قطرة حتي تذوقوا الموت جزعا فقال الحسين عليه السلام: من الرجل فقيل تميم بن حصين فقال الحسين: هذا وأبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم، قال: فخنقه العطش حتي سقط عن فرسه، فوطأته الخيل بسنابكها فمات.

ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له: محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال: يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين هذه الآية: [13] ثم قال: والله إن محمد لمن آل إبراهيم، وإن العترة الهادية لمن آل محمد من الرجل؟ فقيل: محمد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلي السماء فقال: اللهم أر محمد بن الاشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا، فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز، فسلط الله عليه عقربا فلدغته، فمات بادي العورة.


فبلغ العطش من الحسين عليه السلام وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له: يزيد بن الحصين الهمداني قال إبراهيم بن عبدالله راوي الحديث: هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال: يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فاكلمهم؟ فأذن له فخرج إليهم فقال: يامعشر الناس إن الله عزوجل بعث محمد بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله باذنه وسراجا منيرا، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها، وقد حيل بينه وبين ابنه، فقالوا: يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله، فقال الحسين عليه السلام: اقعد يا يزيد، ثم وثب الحسين عليه السلام متوكيا علي سيفه، فنادي بأعلا صوته، فقال: أنشدكم الله هل تعرفوني؟ قالوا: نعم أنت ابن بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسبطه، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن امي فاطمة بنت محمد، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة إسلاما؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله وأنا متقلده؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فانشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟ قالوا: اللهم نعم قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما وأعلمهم

-بحار الانوار مجلد: 40 من ص 318 سطر 19 الي ص 326 سطر 18 علما وأعظمهم حلما وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا اللهم نعم، قال: فبم تستحلون دمي؟ وأبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء، ولواء الحمد في يد [ي] جدي يوم القيامة، قالوا علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتي تذوق الموت عطشا.


فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته وهو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة ثم قال: اشتد غضب الله علي اليهود حين قالوا: عزيز ابن الله، واشتد غضب الله علي النصاري حين قالوا: المسيح ابن الله، واشتد غضب الله علي المجوس حين عبدوا النار من دون الله، واشتد غضب الله علي قوم قتلوا نبيهم، واشتد غضب الله علي هذه العصابة الذين يريدون قتلي: ابن نبيهم.

[14] قال: فضرب الحر بن يزيد، فرسه، وجاز عسكر عمر بن سعد إلي عسكر الحسين عليه السلام واضعا يده علي رأسه وهو يقول: اللهم إليك انيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك، يا ابن رسول الله هل لي من توبة؟ قال: نعم تاب الله عليك، قال: يا ابن رسول الله ائذن لي فاقاتل عنك فأذن له فبرز وهو يقول:



أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف



فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل، فأتاه الحسين عليه السلام ودمه يشخب، فقال: بخ بخ! يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والاخرة ثم أنشأ الحسين يقول:



لنعم الحر: حر بني رياح

ونعم الحر مختلف الرماح [15]



ونعم الحر إذ نادي حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح



ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي وهو يقول مخاطبا للحسين عليه السلام:



اليوم نلقي جدك النبيا

وحسنا والمرتضي عليا



فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع وهو يقول:



أنا زهير وأنا ابن القين

اذبكم بالسيف عن حسين



ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الاسدي وهو يقول:



أنا حبيب وأبي مطهر [16]

لنحن أزكي منكم وأطهر



ننصر خير الناس حين يذكر




فقتل منهم أحدا وثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه.

ثم برز من بعده عبدالله بن أبي عروة الغفاري وهو يقول:



قد علمت حقا بنو غفار

أني أذب في طلاب الثار



بالمشرفي والقنا الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله.



ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني وكان أقرأ أهل زمانه وهو يقول:



أنا بدير وأبي حفير

لا خير فيمن ليس فيه خير



فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه.

ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول:



قد علمت كاهلها ودودان

والخند فيون وقيس عيلان



بأن قومي قصم الاقران [17]

يا قوم كانوا كاسود الجان



آل علي شيعة الرحمن

وآل حرب شيعة الشيطان



فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه.

وبرز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم وأنشأ يقول:



أنا زياد وأبي مهاصر

أشجع من ليث العرين الخادر



يا رب إني للحسين ناصر

ولابن سعد تارك مهاجر



فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه.

وبرز من بعده وهب بن وهب وكان نصرانيا أسلم علي يدي الحسين هو وامه فاتبعوه إلي كربلا، فركب فرسا، وتناول بيده عود الفسطاط، فقاتل وقتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر، فاتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه ورمي به إلي عسكر الحسين عليه السلام وأخذت امه سيفه وبرزت فقال لها الحسين:


يا ام وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء! إنك و ابنك مع جدي محمد صلي الله عليه و آله في الجنة.

ثم برز من بعده هلال بن حجاج و هو يقول:



أرمي بها معلمة أفواقها [18]

و النفس لا ينفعها إشفاقها



فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه.

و برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب و أنشأ يقول:



أقسمت لا اقتل إلا حرا

و قد وجدت الموت شيئا مرا



و أكره أن ادعي جبانا فرا

إن الجبان من عصي وفرا



فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه.

و برز من بعده علي بن الحسين عليهما السلام فلما برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: أللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به، فجعل يرتجز و هو يقول:



أنا علي بن الحسين بن علي

نحن و بيت الله أولي بالنبي



أما ترون كيف أحمي عن أبي

فقتل منهم عشره ثم رجع إلي أبيه فقال: يا أبه العطش، فقال له الحسين عليه السلام: صبرا يا بني يسقيك جدك بالكأس الاوفي، فرجع فقاتل حتي قتل منهم أربعة و أربعين رجلا ثم قتل صلي الله عليه.



و برز من بعده القاسم بن الحسن [بن علي بن أبي طالب] عليه السلام و هو يقول:



لا تجزعي نفسي فكل فان

اليوم تلقين ذري الجنان



فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه.

و نظر الحسين عليه السلام يمينا و شمالا و لا يري أحدا فرفع رأسه إلي السماء فقال: أللهم إنك تري ما يصنع بولد نبيك، و حال بنو كلاب بينه و بين الماء، و رمي بسهم فوقع في نحره و خر عن فرسه، فأخذ السهم فرمي به، فجعل يتلقي الدم


بكفه فلما امتلات لطخ بها رأسه و لحيته و يقول: ألقي الله عز و جل و أنا مظلوم متلطخ بدمي، ثم خر علي خده الايسر صريعا.

و أقبل عدو الله سنان الايادي و شمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتي وقفوا علي رأس الحسين عليه السلام فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن الانس الايادي و أخذ بلحية الحسين و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول: و الله إني لاجتز رأسك و أنا أعلم أنك ابن رسول الله و خير الناس أبا و اما، و أقبل فرس الحسين حتي لطخ عرفه و ناصيته بدم الحسين، و جعل يركض و يصهل فسمعت بنات النبي صهيله فخرجن فإذا الفرس بلا راكب، فعرفن أن حسينا قد قتل، و خرجت ام كلثوم بنت الحسين واضعا يدها علي رأسها تندب و تقول: وا محمداه، هذا الحسين بالعراء، قد سلب العمامة و الرداء و أقبل سنان حتي أدخل رأس الحسين بن علي عليهما السلام علي عبيد الله بن زياد و هو يقول [19] :



املا ركابي فضة و ذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا



قتلت خير الناس اما و أبا

و خيرهم إذ ينسبون نسبا



فقال له عبيد الله بن زياد: ويحك، فان علمت أنه خير الناس أبا و اما لم قتلته إذا؟ فأمر به فضربت عنقه و عجل الله بروحه إلي النار، و أرسل ابن زياد قاصدا إلي ام كلثوم بنت الحسين عليه السلام فقال لها: الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم؟ فقالت: يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده صلي الله عليه و آله به، و كان يقبله و يلثم شفتيه، و يضعه علي عاتقه، يا ابن زياد أعد لجده جوابا فانه خصمك غدا [20] .


بيان: وطدت الشيء أطده ولدا أي أثبته و ثقلته والتوطيد مثله، و الا رب بالكسر العضو، و جثا كدعا و رمي جثوا و جثيا بضمهما جلس علي ركبتيه أو قام علي أطراف أصابعه، و رمله بالدم فترمل و ارتمل أي تلطخ، و الخلاق النصيب و الظهيرة شدة الحر نصف النهار، و الاسراء السير بالليل، و يقال طلبت فلانا حتي رهقته أي حتي دنوت منه، فربما أخذه و ربما لم يأخذه، و حر الوجه ما بدا من الوجنة، و الثبور الهلاك و الخسران، و الواعية الصراخ و الصوت، و المسامرة الحديث بالليل و يقال أخذت بكظمه بالتحريك أي بمخرج نفسه.

و قال الجزري: يقال للرجل إذا أسري ليله جمعاء أو أحياها بالصلاة أو غيرها من العبادات: اتخذ الليل جملا كأنه ركبه و لم ينم فيه انتهي، و شرقت الشمس أي طلعت، و أشرقت أي أضاءت، و الاصيل بعد العصر إلي المغرب، و البديل: البدل و سنبك الدابة هو طرف حافرها، و البراز بالفتح الفضاء الواسع، و تبرز الرجل أي خرج إلي البراز للحاجة، و الذود الطرد و الدفع.

و قال الجوهري: المشرفية سيوف قال أبو عيد: نسبت إلي مشارف و هي قري من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيف مشرفي، و القنا بالكسر جمع قناة، و هي الرمح و رمح خطار ذو اهتزاز، و يقال: خطران الرمح ارتفاعه و انخفاضه للطعن، و الكاهل أبو قبيلة من أسد و كذا دودان أبو قبيلة منهم، و خندف في الاصل لقب ليلي بنت عمران سميت به القبيلة [21] و قيس أبو قبيلة من مصر، و هو قيس عيلان، و العرين مأوي الاسد الذي يألفه، و في بعض النسخ العريز و كأنه من المعارزة بمعني المعاندة و الخدر الستر، و أسد خادر أي داخل الخدر، و رجل فر: أي فرار، و يقال: ملك محجب أي محتجب عن الناس.


أقول: قال الشيخ المفيد في الارشاد: روي الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا: لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلي الحسين عليه السلام في خلع معاوية و البيعة له، فامتنع عليهم، و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه، حتي تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

فلما مات معاوية و ذلك لنصف من شهر رجب سنه ستين من الهجرة كتب يزيد إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له و لا يرخص له في التأخير عن ذلك، فأنفذ الوليد إلي الحسين في الليل فاستدعاه فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم: إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه، و هو مأمون، فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني.

فصار الحسين عليه السلام إلي الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعي إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثم قرأ عليه كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين عليه السلام: إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل فقال الحسين: فتصبح وتري رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف علي اسم الله تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس.

فقال له مروان: و الله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك و قال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت و الله و أثمت، و خرج يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله [22] .

قال السيد كتب يزيد إلي الوليد يأمره بأخذ البيعة علي أهلها [23] و خاصة علي الحسين عليه السلام و يقول: إن أبي عليك فاضرب عنقه، و أبعث إلي برأسه، فأحضر


الوليد مروان و استشاره في أمر الحسين، فقال: إنه لا يقبل، و لو كنت مكانك ضربت عنقه، فقال الوليد، ليتني لم أك شيئا مذكورا.

ثم بعث إلي الحسين عليه السلام فجاءه في ثلاثين من أهل بيته و مواليه - و ساق الكلام إلي أن قال -: فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبت و الله و أثمت.

ثم أقبل علي الوليد فقال: أيها الامير! إنا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و بنا فتح الله، و بنا ختم الله، و يزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله، و لكن تصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون، أينا أحق بالبيعة و الخلافة، ثم خرج عليه السلام [24] .

و قال ابن شهر إشوب: كتب إلي الوليد بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام و عبد الله بن عمر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الرحمن بن أبي بكر أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن يأبي عليك منهم فاضرب عنقه، و أبعث إلي برأسه.

فشاور في ذلك مروان فقال: الرأي أن تحضرهم و تأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا.

فوجه في طلبهم و كانوا عند التربة، فقال عبد الرحمن و عبد الله: ندخل دورنا و نغلق أبوابنا، و قال ابن الزبير: و الله ما أبايع يزيد أبدا و قال الحسين: أنا لابد لي من الدخول علي الوليد و ذكر قريبا مما مر [25] .

قال المفيد: فقال مروان للوليد: عصيتني لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا فقال الوليد: ويح غيرك يا مروان إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي و الله ما احب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها واني قتلت حسينا، سبحان الله أقتل حسينا إن قال لا أبايع، و الله إني لاظن أن


امرءا يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة.

فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا و هو الحامد له علي رأيه [26] .

قال السيد فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قل حتي أسمع، فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فانه خير لك في دينك و دنياك، فقال الحسين عليه السلام: إنا لله و إنا إليه راجعون، و علي الاسلام السلام إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان، و طال الحديث بينه و بين مروان حتي انصرف مروان، و هو غضبان.

فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلي مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين، فأقام بها باقي شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة [27] .

قال المفيد رحمه الله: فقام الحسين في منزله تلك الليلة و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد، و امتناعه عليهم، و خرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلي مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يدركوه، فرجعوا.

فلما كان آخر نهار السبت، بعث الرجال إلي الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين: اصبحوا ثم ترون و نري! فكفوا تلك الليلة عنه، و لم يحلوا عليه، فخرج عليه السلام [من تحت ليلة] و هي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكه، و معه بنوه و بنو أخيه و إخوته، وجل أهل بيته إلا محمد ابن الحنفية رحمه الله فانه لما علم عزمه علي الخروج عن المدينة


لم يدر أن يتوجه فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي و أعزهم علي و لست أدخر النصيحة لاحد من الخلق إلا لك، و أنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد ابن معاوية، و عن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلي الناس ثم ادعهم إلي نفسك، فان بايعك الناس و بايعوا لك حمدت الله علي ذلك، و إن اجتمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك، و لا تذهب به مروءتك و لا فضلك، إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك و اخري عليك، فيقتتلون فتكون إذا لاول الاسنة غرضا، فإذا خير هذه الامة كلها نفسا و أبا و اما أضيعها دما و أذلها أهلا.

فقال له الحسين عليه السلام: فأين أنزل يا أخي؟ قال: أنزل مكة، فان اطمأنت بك الدار بها فستنل ذلك، و إن نبت بك [28] لحقت بالرمال و شعف الجبال، و خرجت من بلد إلي بد حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس فانك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا.

فقال عليه السلام: يا أخي قد نصحت و أشفقت، و أرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا [29] .

و قال محمد بن أبي طالب الموسوي: لما ورد الكتاب علي الوليد بقتل الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه ثم قال: و الله لا يراني الله أقتل ابن نبيه و لو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها.

قال: و خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة و أقبل إلي قبر جده صلي الله عليه و آله فقال: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك، و سبطك الذي خلفتني في امتك.

فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني، و ضيعوني، و لم يحفظوني، و هذه شكواي إليك حتي ألقاك، قال: ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا.


قال: و أرسل الوليد إلي منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا؟ فلم يصبه في منزله، فقال: الحمد الله الذي خرج! و لم يبتلني بدمه، قال: و رجع الحسين إلي منزله عند الصبح.

فلما كانت الليلة الثانية، خرج إلي القبر أيضا وصلي ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: أللهم هذا قبر نبيك محمد، و أنا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الامر ما قد علمت، أللهم إني احب المعروف، و أنكر المنكر، و أنا أسألك يا ذا الجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضي، و لرسولك رضي.

قال: ثم جعل يبكي عند القبر حتي إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه علي القبر فاغفي، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه حتي ضم الحسين إلي صدره و قبل بين عينيه و قال: حبيبي يا حسين كاني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كرب و بلاء، من عصابة من أمتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقي، و ظمآن لا تروي، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين إن أباك و أمك و أخاك قدموا علي و هم مشتاقون إليك، و إن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.

قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلي جده و يقول: يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلي الدنيا فخذني إليك و أدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله: لابد لك من الرجوع إلي الدنيا حتي ترزق الشهادة، و ما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فانك و أباك و أخاك و عمك و عم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتي تدخلوا الجنة.

قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نوعه فزعا مرعوبا فقص رؤياه علي أهل بيته و بني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق و لا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله و لا أكثر باك و لا باكية منهم.


قال: و تهيأ الحسين عليه السلام للخروج عن المدينة، و مضي في جوف الليل إلي قبر امه فودعها، ثم مضي إلي قبر أخيه الحسن ففعل كذلك، ثم رجع إلي منزله وقت الصبح، فأقبل إليه أخوه محمد ابن الحنفية و قال: يا أخي أنت أحب الخلق إلي و أعزهم علي و لست و الله أدخر النصيحة لاحد من الخلق، و ليس أحد أحق بها منك لانك مزاج مائي و نفسي و روحي و بصري و كبير أهل بيتي، و من وجب طاعته في عنقي، لان الله قد شرفك علي، و جعلك من سادات أهل الجنة.

و ساق الحديث كما مر إلي أن قال: تخرج إلي مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك و إن تكن الاخري خرجت إلي بلاد اليمن، فانهم أنصار جدك و أبيك، و هم أراف الناس و أرقهم قلوبا، و أوسع الناس بلادا، فان اطمأنت بك الدار، و إلا لحقت بالرمال و شعوب الجبال، و جزت من بلد إلي بلد، حتي تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا و بين القوم الفاسقين.

قال: فقال الحسين عليه السلام: يا أخي و الله لو لم يكن ملجأ، و لا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد ابن الحنفية الكلام و بكي، فبكي الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، فقد نصحت و أشرت بالصواب، و أنا عازم علي الخروج إلي مكه، و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي، و أمرهم أمري و رأيهم رأيي، و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم.

ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة و بياض و كتب هذه الوصية لاخيه محمد: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أخيه محمد المعروف يا ابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله، جاء بالحق من عند الحق، و أن الجنة و النار حق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، أني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلي الله عليه و آله أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، و أسير بسيرة جدي و أبي علي


ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، و من رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين، و هذه وصيتي يا أخي إليك و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب.

قال: ثم طوي الحسين الكتاب و ختمه بخاتمه، و دفعه إلي أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل.

و قال محمد بن أبي طالب: روي محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل [30] عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان ابن إسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام و تخلف ابن الحنفية فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا، إن الحسين لما فصل [31] متوجها، دعا بقرطاس و كتب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب إلي بني هاشم.

أما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد، و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام ".

قال: و قال شيخنا المفيد باسناده إلي أبي عبد الله عليه السلام قال: لما سار أبو عبد الله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب علي نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه، و قالوا: يا حجة الله علي خلقه بعد جده و أبيه و أخيه، إن الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة، و إن الله أمدك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي أستشد فيها و هي كربلا، فإذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله! مرنا نسمع و نطع، فهل تخشي من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة أو أصل إلي بقعتي.

وأتته أفواج مسلم الجن فقالوا: يا سيدنا، نحن شيعتك و أنصارك، فمرنا بأمرك، و ما تشاء، فلو أمر تنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم


الحسين خيرا و قال لهم: أو ما قرأت كتاب الله المنزل علي جدي رسول الله " أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة " [32] و قال سبحانه: " لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم " [33] و إذا أقمت بما كني فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ و بما ذا يختبرون؟ و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ و قد اختارها الله يوم دحا الارض، و جعلها معقلا لشيعتنا، و يكون لهم أمانا في الدنيا و الآخرة و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل، و لا يبقي بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و إخوتي و أهل بيتي، و يسار برأسي إلي يزيد لعنه الله.

فقالت الجن: نحن و الله يا حبيب الله و ابن حبيبه، لو لا أن أمرك طاعة و أنه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك، فقال صلوات الله عليه لهم: نحن و الله أقدر عليهم منكم، و لكن ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة.

انتهي ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.

و وجدت في بعض الكتب أنه عليه السلام لما عزم علي الخروج من المدينة أتته ام سلمة رضي الله عنها فقالت: يا بني لا تحزني بخروجك إلي العراق، فاني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلا، فقال لها: يا أماه و أنا و الله أعلم ذلك، و إني مقتول لا محالة، و ليس لي من هذا بد و إني و الله لاعرف اليوم الذي اقتل فيه، و اعرف من يقتلني، و أعرف البقعة التي ادفن فيها، و إني أعرف من يقتل من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي، و إن أردت يا أماه اريك حفرتي و مضجعي.

ثم أشار عليه السلام إلي جهة فانخفضت الارض حتي أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره، و موقفه و مشهده، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا، و سلمت أمره إلي الله، فقال لها: يا أماه قد شاء الله عز و جل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا، و قد شاء أن يري حرمي و رهطي و نسائي مشردين، و أطفالي


مذبوحين مظلومين، مأسورين مقيدين، و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا.

و في رواية اخري: قالت ام سلمة: و عندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة، فقال: و الله إني مقتول كذلك و إن لم أخرج إلي العراق يقتلوني أيضا ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة، و أعطاها إياها، و قال: اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت.

ثم قال المفيد: فسار الحسين إلي مكة و هو يقرأ " فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين " [34] و لزم الطريق الاعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فقال: لا و الله لا افارقه حتي يقضي الله ما هو قاض، و لما دخل الحسين عليه السلام مكة، كان دخوله إياها يوم الجمعة، لثلاث مضين من شعبان، دخلها و هو يقرأ " و لما توجه تلقاء مدين قال: عسي ربي أن يهديني سواء السبيل " [35] .

ثم نزلها و أقبل أهلها يختلفون إليه، و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، و هو قائم يصلي عندها و يطوف، و يأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة و هو عليه السلام أثقل خلق الله علي ابن الزبير] لانه [قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين في البلد و أن الحسين أطوع في الناس منه و أجل.

و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين و امتناعه من بيعته: و ما كان من أمر ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلي مكة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله و أثنوا عليه، فقال سليمان: إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد نقض [36] علي القوم


بيعته، و قد خرج إلي مكة، و أنتم شيعته و شيعة أبيه فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدوا عدوه، فاكتبوا إليه فان خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه، قالوا: لا، بل نقاتل عدوه، و نقتل أنفسنا دونه، فاكتبوا إليه.

فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة [37] و رفاعة بن شداد البجلي و حبيب بن مظاهر [38] و شيعته المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزي علي هذه الامة فابتزها أمرها، و غصبها فيئها، و تأمر عليها بغير رضي منها ثم قتل خيارها و استبقي شرارها، و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود، إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق و النعمان بن بشير في قصر الامارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، و لا نخرج معه إلي عيد، و لو قد بلغنا أنك قد أفبلت إلينا أخرجناه حتي نلحقه بالشام إنشاء الله.

ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وأل و أمروهما بالنجا، فخرجا مسرعين حتي قدما علي الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان.

ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الله و عبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الارحبي [39] و عمارة بن عبد الله السلولي إلي الحسين عليه السلام و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة من الرجل


و الاثنين و الاربعة.

و قال السيد: و هو مع ذلك يتأبي و لا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستمأة كتاب، و تواترت الكتب حتي اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.

و قال المفيد: ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كتبوا إليه " بسم الله الرحمن الرحيم إلي الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين أما بعد فحي هلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، و السلام ".

ثم كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر، و يزيد بن الحارث بن رويم، و عروة ابن قيس، و عمر بن حجاج الزبيدي و محمد بن عمرو التيمي: أما بعد فقد اخضر الجنات، و أينعت الثمار، و أعشبت الارض، و أورقت الاشجار، فإذا شئت فأقبل علي جند لك مجندة، و السلام عليك و رحمة الله و بركاته و علي أبيك من قبلك.

و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس، ثم كتب مع هانئ بن هانئ، و سعيد بن عبد الله، و كانا آخر الرسل: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي الملا من المؤمنين و المسلمين أما بعد فان هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم، و كانا آخر من قدم علي من رسلكم، و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم أنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الحق و الهدي، و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فان كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملائكم، و ذوي الحجي و الفضل منكم، علي مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم، فاني أقدم إليكم وشيكا إنشاء الله فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب


القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه علي ذلك لله، و السلام ".

و دعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد الله السلولي و عبد الرحمن بن عبد الله الازدي، و أمره بالتقوي و كتمان أمره و اللطف، فان رأي الناس مجتمعين مستوسقين [40] عجل إليه بذلك.

فأقبل مسلم رحمه الله حتي أتي المدينة فصلي في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و ودع من أحب من أهله، و استأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق، فضلا عن الطريق، و أصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأومآ له إلي سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك، فسلك مسلم ذلك السنن، و مات الدليلان عطشا، فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر " أما بعد فاني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا، و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن مأتا، و أقبلنا حتي انتهينا إلي الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، و ذلك الماء بمكان يدعي المضيق من بطن الخبت، و قد تطيرت من توجهي هذا، فان رأيت أعفيتني عنه و بعثت غيري، و السلام ".

فكتب إليه الحسين عليه السلام " أما بعد فقد حسبت [41] أن لا يكون حملك علي الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه و السلام ".

فلما قرأ مسلم الكتاب قال: أما هذا فلست أتخوفه علي نفسي، فأقبل حتي مر بماء لطيئ فنزل به ثم ارتحل عنه، فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمي ظبيا حين أشرف له فصرعه، فقال مسلم بن عقيل: نقتل عدونا إنشاء الله.

ثم أقبل حتي دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة و هي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب، و أقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام و هم يبكون، و بايعه الناس حتي بايعه


منهم ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلي الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم، و جعلت الشيعة تختلف إلي مسلم بن عقيل - رحمه الله - حتي علم بمكانه.

فبلغ النعمان بشير ذلك و كان واليا علي الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها، فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد فاتقوا الله عباد الله، و لا تسارعوا إلي الفتنة و الفرقة، فان فيها تهلك الرجال، و تسفك الدماء، و تغصب الاموال إني لا اقاتل من لا يقاتلني، و لا آتي علي من لم يأت علي، و لا انبه نائمكم و لا أتحرش بكم، و لا آخذ بالقرف، و لا الظنة، و لا التهمة، و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي، و نكثتم بيعتكم، و خالفتم إمامكم، فو الله الذي لا إله غيره، لاضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له: إنه لا يصلح ما تري إلا الغشم، و هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين، فقال له النعمان: إن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الاعزين في معصية الله، ثم نزل.

و خرج عبد الله بن مسلم و كتب إلي يزيد بن معاوية كتابا: أما بعد فان مسلم ابن عقيل قد قدم الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فان يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك، و يعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف.

[ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه] [42] ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك، فلما وصلت الكتب إلي يزيد، دعا سرحون مولي


معاوية فقال: ما رأيك؟ إن الحسين قد نفذ إلي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيئ فمن تري أن أستعمل علي الكوفة؟ و كان يزيد عاتبا علي عبيد الله بن زياد، فقال له سرحون: أ رأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه؟ قال: بلي، قال: فأخرج سرحون عهد عبيد الله علي الكوفة، و قال: هذا رأي معاوية مات، و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلي عبيد الله، فقال له يزيد: أفعل، ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه.

ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلي عبيد الله معه " أما بعد فانه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة و يخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرء كتابي هذا حتي تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام " و سلم إليه عهده علي الكوفة، فخرج مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيد الله البصرة، و أوصل إليه العهد و الكتاب، فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته و المسير و التهيئ إلي الكوفة من الغد ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان [43] .

و قال ابن نما - ره -: رويت إلي حصين بن عبد الرحمن أن أهل الكوفة كتبوا إليه: انا معك مائة ألف، و عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: بايع الحسين عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة علي أن يحاربوا من حارب، و يسالموا من سالم، فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقول، و يعدهم بسرعة الوصول، و بعث مسلم بن عقيل.

و قال السيد رحمه الله بعد ذلك: و كان الحسين عليه السلام قد كتب إلي جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولي له اسمه سليمان و يكني أبا رزين، يدعوهم إلي نصرته و لزوم طاعته، منهم يزيد بن مسعود النهشلي و المنذر ابن الجارود العبدي فجمع يزيد بن مسعود تميم و بني حنظلة و بني سعد فلما حضروا قال: يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم و حسبي منكم؟ فقالوا: بخ بخ أنت و الله فقرة الظهر، و رأس الفخر


حللت في الشرف وسطا، و تقدمت فيه فرطا، قال: فاني قد جمعتكم لامر أريد أن اشاوركم فيه، و أستعين بكم عليه، فقالو: إنما و الله نمنحك النصيحة، و نحمد لك ألرأي فقل نسمع.

فقال: إن معاوية مات فأهون به و الله هالكا و مفقودا، ألا و إنه قد انكسر باب الجور و الاثم، و تضعضعت أركان الضلم، و قد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد أحكمه، و هيهات و الذي أراد، اجتهد و الله ففشل، و شاور فخذل، و قد قام يزيد شارب الخمور، و رأس الفجور، يدعي الخلافة علي المسلمين، و يتأمر عليهم مع قصر حلم و قلة علم، لا يعرف من الحق موطئ قدمه.

فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده علي الدين، أفضل من جهاد المشركين، و هذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله ذو الشرف الاصيل و الرأي الاثيل، له فضل لا يوصف، و علم لا ينزف، و هو أولي بهذا الامر لسابقته و سنه و قدمته و قرابته يعطف علي الصغير، و يحنو علي الكبير، فأكرم به راعي رعية، و إمام قوم وجبت لله به الحجة، و بلغت به الموعظة، و لا تعشوا عن نور الحق، و لا تسكعوا في وهدة الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل، فاغسلوها بخروجكم إلي ابن رسول الله و نصرته، و الله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده، و القلة في عشيرته، و ها أنا قد لبست للحرب لامتها، و ادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت، و من يهرب لم يفت، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا: أبا خالد! نحن نبل كنانتك، و فرسان عشيرتك، إن رميت بنا أصبت، و إن غزوت بنا فتحت، لا تخوض و الله غمرة إلا خضناها، و لا تلقي و الله شدة إلا لقيناها، ننصرك بأسيافنا، و نقيك بأبداننا، إذا شئت.

و تكلمت بنو سعد بن زيد، فقالوا: أبا خالد! إن أبغض الاشياء إلينا خلافك و الخروج من رأيك، و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا و بقي عزنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة و يأتيك رأينا.

و تكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا: يا أبا خالد نحن بنو أبيك و حلفاؤك لا نرضي


إن غضبت، و لا نقطن إن ظعنت، و الامر إليك فادعنا نجبك، و مرنا نطعك، و الامر لك إذا شئت.

فقال: و الله يا بني سعيد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا، و لا زال سيفكم فيكم.

ثم كتب إلي الحسين صلوات الله عليه: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت ما ندبتني إليه و دعوتني له، من الاخذ بحظي من طاعتك و الفوز بنصيبي من نصرتك، و إن الله لم يخل الارض قط من عامل عليها بخير أو دليل علي سبيل نجاة، و أنتم حجة الله علي خلقه، و وديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية، هو أصلها و أنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذللت لك أعناق بني تميم، و تركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها [44] و قد ذللت لك رقاب بني سعد، و غسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع.

فلما قرأ الحسين الكتاب قال: مالك آمنك الله يوم الخوف و أعزك و أرواك يوم العطش.

فلما تجهز المشار إليه للخروج إلي الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه.

و أما المنذور بن جارود، فإنه جاء بالكتاب و الرسول إلي عبيد الله بن زياد لان المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله و كانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه، ثم صعد المنبر فخطب و توعد أهل البصرة علي الخلاف، و إثارة الارجاف ثم بات تلك الليلة فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد و أسرع هو إلي قصد الكوفة [45] .

و قال ابن نما: كتب الحسين عليه السلام كتابا إلي وجوه أهل البصرة، منهم


الاحنف بن قيس، و قيس بن الهيثم، و المنذر بن الجارود، و يزيد بن مسعود النهشلي و بعث الكتاب مع زراع السدوسي و قيل مع سليمان المكني بأبي رزين فيه: " إني أدعوكم إلي الله و إلي نبيه، فان السنة قد اميتت، فان تجيبوا دعوتي، و تطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد " فكتب الاحنف إليه: أما بعد فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون، ثم ذكر أمر الرجلين مثل ما ذكره السيد رحمهما الله إلي أن قال: فلما أشرف علي الكوفة نزل حتي أمسي ليلا فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام و دخلها مما يلي النجف فقالت إمرأة: الله اكبر ابن رسول الله و رب الكعبة، فتصايح الناس قالوا: إنا معك أكثر من أربعين ألفا، و ازدحموا عليه حتي أخذوا بذنب دابته و ظنهم أنه الحسين، فحصر اللثام، و قال: أنا عبيد الله فتساقط القوم، و وطئ بعضهم بعضا و دخل دار الامارة، و عليه عمامة سوداء.

فلما أصبح قام خاطبا، و عليهم عاتبا، و لرؤسائهم مؤنبا، و وعدهم بالاحسان علي لزوم طاعته، و بالاساءة علي معصيته و الخروج عن حوزته، ثم قال: يا أهل الكوفة إن أمير المؤمنين يزيد ولاني بلدكم، و استعملني علي مصركم، و أمرني بقسمة فيئكم بينكم، و إنصاف مظلومكم من ظالمكم، و أخذ الحق لضعيفكم من قويكم، و الاحسان للسامع المطيع، و التشديد علي المريب، فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي.

و نزل، يعني بالهاشمي مسلم بن عقيل رضي الله عنه.

و قال المفيد: و أقبل ابن زياد إلي الكوفة، و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن الاعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتي دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم و الناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس إلا سلموا عليه، و قالوا: مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم، فرأي من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا: تأخروا هذا الامير عبيد الله ابن زياد.


و سار حتي و إلي القصر بالليل و معه جماعة قد التفوا به، لا يشكون أنه الحسين عليه السلام فأغلق النعمان بن بشير عليه و علي خاصته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطلع عليه النعمان و هو يظنه الحسين فقال: أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما أنا بمسلم إليك أمانتي و مالي في قتالك من إرب، فجعل لا يكلمه، ثم إنه دنا و تدلي النعمان من شرف القصر، فجعل يكلمه فقال: افتح لا فتحت فقد طال ليلك، و سمعها إنسان خلفه، فنكص إلي القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة علي أنه الحسين عليه السلام فقال: يا قوم! ابن مرجانة و الذي لا إله غيره، ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس و انفضوا.

و أصبح فنادي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد فان أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بقانصاف مظلومكم و إعطاء محرومكم، و الاحسان إلي سامعكم و مطيعكم كالوالد البر، و سوطي و سيفي علي من ترك أمري و خالف عهدي، فليتق إمرء علي نفسه، الصدق ينبي [ء] عنك لا الوعيد [46] ثم نزل.

و أخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا فقال: اكتبوا إلي العرفاء! و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين، و من فيكم من أهل الحرورية، و أهل الريب الذين شأنهم الخلاف و النفاق و الشقاق، فمن يجئ لنا بهم فبرئ، و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، و لا يبغي علينا باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و ماله، أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب علي باب داره و الغيت تلك العرافة من العطاء.

و لما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله مجئ عبيد الله إلي الكوفة، و مقالته التي قالها، و ما أخذ به العرفاء و الناس، خرج من دار المختار حتي انتهي إلي دار هانئ


ابن عروة فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ علي تستر و استخفاء من عبيد الله، و تواصوا بالكتمان، فدعا ابن زياد مولي له يقال له: معقل فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم، و اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، و قل لهم: استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم فانك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك و وثقوا بك، و لم يكتموك شيئا من أمورهم و أخبارهم، ثم اغد عليهم و رح حتي تعرف مستقر مسلم ابن عقيل، و تدخل عليه.

فعل ذلك، و جاء حتي جلس إلي مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الاعظم، و هو يصلي فسمع قوما يقولون: هذا يبايع للحسين، فجاء و جلس إلي جنبه حتي فرغ من صلاته ثم قال: يا عبد الله إني إمرء من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم و تباكا له و قال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لا بن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه، و لا أعرف مكانه فاني لجالس في المسجد ألان إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، و إني أتيتك لتقبض مني هذا المال، و تدخلني علي صاحبك فاني أخ من إخوانك، و ثقة عليك، و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة: احمد الله علي لقائك إياي، فقد سرني ذلك، لتنال الذي تحب، و لينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه و عليهم السلام و لقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الامر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية و سطوته، فقال له معقل: لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي! فأخذ بيعته و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به ثم قال له: اختلف إلي أياما في منزلي فاني طالب لك الاذن علي صاحبك، و أخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن فأذن له و أخذ مسلم بن عقيل بيعته، و أمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه و هو الذي كان يقبض أموالهم، و ما يعين به بعضهم بعضا، و يشتري لهم به السلاح، و كان بصيرا


و فارسا من فرسان العرب، و وجوه الشيعة، و أقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل و آخر خارج، حتي فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم، فكان يخبره به وقتا فوقتا [47] .

و قال ابن شهر آشوب: لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب فبايعه اثنا عشر ألف رجل، فلما دخل ابن زياد انتقل من دار سالم إلي دار هانئ؟ في جوف الليل و دخل في أمانه و كان يبايعه الناس حتي بايعه خمسة و عشرون ألف رجل فعزم علي الخروج، فقال هانئ: لا تعجل و كان شريك بن الاعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد فمرض فنزل دار هانئ أياما ثم قال لمسلم: إن عبيد الله يعودني و إني مطاوله الحديث، فاخرج إليه بسيفك فاقتله، و علامتك أن أقول: " اسقوني ماء " و نهاه هانئ عن ذلك.

فلما دخل عبيد الله علي شريك و سأله عن وجعه، و طال سؤاله ورأي أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول:

[شعر]:

ما الانتظار بسلمي أن تحييها [48]

" كأس المنية بالتعجيل اسقوها "



فتوهم ابن زياد و خرج، فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه: للحسين بن علي عليهما السلام أما بعد فاني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فان الناس كلهم معك، و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوي، فأمر ابن زياد بقتله [49] .

و قال ابن نما فلما خرج ابن زياد دخل مسلم، و السيف في كفه، قال له


شريك: ما منعك من الامر؟ قال مسلم: هممت بالخروج فتعلقت بي إمرأة و قالت: نشدتك الله إن قتلت ابن زياد في دارنا، و بكت في وجهي، فرميت السيف و جلست هانئ: يا ويلها قتلتني و قتلت نفسها و الذي فررت منه وقعت فيه.

و قال أبو الفرج في المقاتل: قال هانئ لمسلم: إني لا احب أن يقتل في داري، قال: فلما خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان: أما احداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، و أما الاخري فحديث حد ثنيه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله أن الايمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن، فقال لها هانئ: أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا [50] .

ثم قال المفيد: و خاف هانئ بن عروة عبيد الله علي نفسه، فانقطع عن حضور مجلسه ففضلهم، فقال ابن زياد: لجلسائه ما لي لا أري هانئا؟ فقالوا: هو شاك، فقال: علمت بمرضه لعدته، و دعا محمد بن الاشعث، و أسماء بن خارجة و عمرو بن الحجاج الزبيدي و كانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة و هي ام يحيي بن هانئ فقال لهم: ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ فقالوا: ما ندري و قد قيل إنه يشتكي قال: قد بلغني أنه قد بري و هو يجلس علي باب داره فالقوه و مروه أن لا يدع ما عليه من حقنا، فاني لا احب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

فأتوه حتي وقفوا عليه عشية و هو جالس علي بابه، و قالوا له: ما يمنعك من لقاء الامير؟ فانه قد ذكرك و قال: لو أعلم أنه شاك لعدته فقال لهم: الشكوي تمنعني فقالوا: قد بلغه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك و قد استبطأك و الابطاء و الجفاء لا يحتمل السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا، فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتي إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض


الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يا ابن الاخ إني و الله لهذا الرجل لخائف، فما تري؟ فقال: يا عم و الله ما أتخوف عليك شيئا، و لم تجعل علي نفسك سبيلا؟ و لم يكن حسان يعلم في أي شيء بعث إليه عبيد الله.

فجاء هانئ حتي دخل علي عبيد الله بن زياد و عنده القوم، فلما طلع قال عبيد الله: أتتك بحائن رجلاه [51] .

فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي، التفت نحوه فقال:



أريد حباءه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



و قد كان أول ما مقدم مكرما له ملطفا، فقال له هانئ: و ما ذاك أيها الامير؟ قال: إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الامور التي تربص في دارك لامير المؤمنين و عامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك، و جمعت له الجموع، و السلاح و الرجال في الدور حولك، و ظننت أن ذلك يخفي علي؟ قال: ما فعلت ذلك و ما مسلم عندي قال: بلي قد فعلت، فلما كثر بينهما و أبي هانئ إلا مجاحدته و مناكرته، دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتي وقف بين يديه و قال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم، و أنه قد أتاه بأخبارهم فاسقط في


يده ساعة [52] .

ثم راجعته نفسه، فقال: اسمع مني و صدق مقالتي، فو الله ما كذبت، و الله ما دعوته إلي منزلي، و لا علمت بشيء من أمره حتي جاءني يسألني النزول، فاستحييت من رده و داخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته، و قد كان من أمره ما بلغك، فان شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا و لا غائلة و لآتينك حتي أضع يدي في يدك و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلي حيث شاء من الارض فأخرج من ذمامه و جواره.

فقال له ابن زياد: و الله لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به قال: لا و الله لا أجيئك به أبدا أجيئك بضيفي تقتله؟ قال: و الله لتأتيني به قال: و الله لا آتيك به، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال: أصلح الله الامير خلني و إياه حتي اكلمه فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.

فقال له مسلم: يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك، و أن تدخل البلاء في عشيرتك، فو الله إني لانفس بك عن القتل، إن هذا ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه إليهم فانه ليس عليكم بذلك مخزاة و لا منقصة، إنما تدفعه إلي السلطان، فقال هانئ: و الله إن علي في ذلك الخزي و العار أن أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع وأري، شديد الساعد، كثير الاعوان، و الله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه، فأخذ يناشده و هو يقول: و الله لا أدفعه إليه أبدا.

فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال: ادنوه مني، فأدنوه منه، فقال: و الله لتأتيني به أو لاضربن عنقك، فقال هانئ: إذا و الله تكثر البارقة حول دارك، فقال ابن زياد: وا لهفاه عليك، أ بالبارقة تخوفني؟ و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه


ثم قال: ادنوه مني فادني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه و جبينه و خده حتي كسر أنفه و سال الدماء علي وجهه و لحيته، و نثر لحم جبينه و خذه علي لحيته، حتي كسر القضيب، و ضرب هانئ يده علي قائم سيف شرطي و جاذبه [الرجل] و منعه.

فقال عبيد الله: أحروري سائر اليوم [53] قد حل دمك جروه، فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار، و أغلقوا عليه بابه، فقال: اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه حسان بن أسماء فقال: أرسل غدر سائر اليوم! [54] أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتي إذا جئناك به هشمت أنفه و وجهه، و سيلت دماءه علي لحيته، و زعمت أنك تقتله؟ فقال له عبيد الله: وإنك لههنا؟ فأمر به فلهز و تعتع و أجلس ناحية فقال محمد بن الاشعث: قد رضينا بما رأي الامير، لنا كان أم علينا، إنما الامير مؤدب.

و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر و معه جمع عظيم، و قال: أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد: و هذه فرسان مذحج بالباب؟! فقال لشريح القاضي: ادخل علي


صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل، فدخل شريح فنظر إليه فقال هانئ: لما رأي شريحا يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل الدين أين أهل المصر، و الدماء ا تسيل علي لحيته، إذ سمع الضجة علي باب القصر، فقال: إني لاظنها أصوات مذحج، و شيعتي من المسلمين، إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني.

فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم: إن الامير لما بلغه كلامكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم و اعرفكم أنه حي و أن الذي بلغكم من قتله باطل، فقال له عمرو بن الحجاج و أصحابه: أما إذ لم يقتل فالحمد لله، ثم انصرفوا.

فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه، فقال: أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم، و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحرموا، إن أخاك من صدقك، و قد أعذر من أنذر، و السلام.

ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتي دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون و يقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيد الله القصر مسرعا و أغلق أبوابه، فقال عبد الله بن حازم: أنا و الله رسول ابن عقيل إلي القصر لانظر ما فعل هانئ، فلما ضرب و حبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار علي مسلم بن عقيل بالخبر، و إذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبر تاه يا ثكلاه، فدخلت علي مسلم فأخبرته الخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملا بهم الدور حوله، كانوا فيها أربعة آلاف رجل فقال [55] : ناد: " يا منصور أمت " فناديت فتنادي أهل الكوفة و اجتمعوا عليه.

فعقد مسلم رحمه الله لرؤس الارباع كندة و مدحج و تميم و أسد و مضر و همدان و تداعي الناس و اجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتي امتلا المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتي المساء، فضاق بعبيد الله أمره و نكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر، و ليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط، و عشرون رجلا من أشراف الناس


و أهل بيته و خاصته، و أقبل من نأي عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين، و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون علي عبيد الله و علي امه فدعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج، فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل، و يخوفهم الحرب، و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت، فيرفع راية أمان لمن جاء من الناس، و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر السلمي و شمر بن ذي الجوشن العامري، و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم، و خرج محمد بن الاشعث حتي وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلي محمد بن الاشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني، فلما رأي ابن الاشعث كثرة من أتاه، تأخر عن مكانه، و جعل محمد بن الاشعث و كثير بن شهاب و القعقاع بن ثور الذهلي و شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم، و يخوفونهم السلطان، حتي اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم و غيرهم، فصاروا إلي ابن زياد من قبل دار الروميين، و دخل القوم معهم.

فقال كثير بن شهاب: أصلح الله الامير! معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك، فاخرج بنا إليهم، فأبي عبيد الله و عقد لشبث ابن ربعي لواء و أخرجه، و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتي المساء، و أمرهم شديد، فبعث عبيد الله إلي الاشراف فجمعهم ثم أشرفوا علي الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة، و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة و اعلموهم وصول الجند من الشام إليهم.

و تكلم كثير بن شهاب حتي كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم، و لا تعجلوا الشر، و لا تعرضوا أنفسكم للقتل، فان هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، و قد أعطي الله الامير عهدا لئن تممتم علي حربه، و لم تنصرفوا


من عشيتكم، أن يحرم ذريتكم العطاء، و يفرق مقاتليكم في مفازي الشام، و أن يأخذ البرئ منكم بالسقيم، و الشاهد بالغائب، حتي لا يبقي له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها، و تكلم الاشراف بنحو من ذلك.

فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف! الناس يكفونك، و يجيء الرجل إلي ابنه أو أخيه و يقول: غدا تأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر؟ انصرف! فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرقون حتي أمسي ابن عقيل، وصلي المغرب و ما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد.

فلما رأي أنه قد أمسي و ليس معه إلا أولئك النفر، و خرج متوجها إلي أبواب كندة فلم يبلغ الابواب إلا و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب و إذا ليس معه إنسان يدله، فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق، و لا يدله علي منزله، و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو، فمضي علي وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب؟ حتي خرج إلي دور بني جبلقة من كندة، فمضي حتي أتي إلي باب إمرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس، و أعتقها و تزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا، و كان بلال قد خرج مع الناس، و امه قائمة تنتظره.

فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و دخلت ثم خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلي قالت: فاذهب إلي أهلك، فسكت، ثم أعادت مثل ذلك، فسكت، ثم قالت في الثالثة: سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلي أهلك فانه لا يصلح لك الجلوس علي بأبي و لا احله لك، فقام و قال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل و لا عشيرة، فهل لك في أجر و معروف، و لعلي مكافيك بعد هذا اليوم، قالت: يا عبد الله و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم، و غروني و أخرجوني، قالت: أنت مسلم؟! قال: نعم، قالت: ادخل.

فدخل إلي بيت دارها البيت الذي تكون فيه، و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش، و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في


البيت و الخروج منه، فقال لها: و الله إنه ليريبني كثرة دخولك إلي هذا البيت و خروجك منه، منذ الليلة، إن لك لشأنا قالت له: يا بني اله عن هذا قال: و الله لتخبريني قالت له: أقبل علي شأنك، و لا تسألني عن شيء، فألح عليها فقالت: يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به قال: نعم، فأخذت عليه الايمان فحلف لها، فأخبرته فاضطجع و سكت.

و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله، طال علي ابن زياد و جعل لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك، فقال لاصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟ فأشرفوا فلم يجدوا أحدا، قال: فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج المسجد، و جعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم و ينظرون، و كانت أحيانا تضيئ لهم و تارة لا تضيئ لهم كما يريدون فدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلي حتي ينتهي إلي الارض ففعلوا ذلك في أقصي الظلال و أدناها و اوسطها حتي فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم.

ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر، و خرج أصحابه معه و أمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمر بن نافع فنادي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلي العتمة إلا في المسجد فلم يكن إلا ساعة حتي امتلا المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته و من أن يدخل إليه من يغتاله، وصلي بالناس.

ثم صعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما رأيتم من الخلاف و الشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، و ألزموا الطاعة و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.

يا حصين بن نمير! ثكلتك امك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة، و خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة. فابعث مراصد علي


أهل الكوفة و دورهم، و أصبح غدا و استبرء الدور و جس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل، و كان الحصين بن نمير علي شرطه، و هو من بني تميم، ثم دخل ابن زياد القصر و قد عقد لعمرو بن حريث راية و أمره علي الناس.

فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس، فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الاشعث فقال: مرحبا بمن لا يستغش و لا يتهم، ثم أقعده إلي جنبه، و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلي عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امه، فأقبل عبد الرحمن حتي أتي أباه و هو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه [56] : قم فأتني به الساعة، فقام و بعث معه قومه لانه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل.

فبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد اتي، فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو و بكر بن حمران الاحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم، فقطع شفته العليا و أسرع السيف في السفلي و فصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة و ثناه بأخري علي حبل العاتق، كادت تطلع إلي جوفه.

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، و أخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال محمد بن الاشعث: لك الامان لا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول:



أقسمت لا اقتل إلا حرا

و إن رأيت الموت شيئا نكرا



و يخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا



كل امرئ يوما ملاق شرا

أخاف أن اكذب أو اغرا




فقال له محمد بن الاشعث: إنك لا تكذب و لا تغر و لا تخدع إن القوم بنوا عمك، و ليسوا بقاتليك، و لا ضائريك، و كان قد اثخن بالحجارة، و عجز عن القتال فانتهز [57] و استند ظهره إلي جنب تلك الدار فأعاد ابن الاشعث عليه القول: لك الامان، فقال: آمن أنا؟ قال: نعم، فقال للقوم الذين معه ألي الامان؟ قال القوم له: نعم، إلا عبيد الله بن العباس السلمي فانه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل [58] ثم تنحي.

فقال مسلم: أما لو تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فأتي ببغلة فحمل عليها، و اجتمعوا حوله و نزعوا سيفه، و كأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه م ثم قال: هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الاشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس قال: و ما هو إلا الرجاء؟ أين أمانكم؟ إنا لله و إنا إليه راجعون، و بكي، فقال له عبيد الله بن العباس: إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك، قال: و الله إني ما لنفسي بكيت، و لا لها من القتل أرثي، و إن كنت لم احب لها طرفة عين تلفا، و لكني أبكي لاهلي المقبلين، إني أبكي للحسين و آل الحسين عليه السلام.

ثم أقبل علي محمد بن الاشعث فقال: يا عبد الله إني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير: تستطيع أن تبعث من عند رجلا علي لساني أن يبلغ حسينا فاني لا أراه إلا و قد خرج اليوم أو خارج غدا و أهل بيته، و يقول له: إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد القوم لا يري أنه يمسي حتي يقتل، و هو يقول لك:


ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغررك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي، فقال ابن الاشعث: و الله لافعلن و لاعلمن ابن زياد أني قد أمنتك [59] .

و قال محمد بن شهر آشوب: أنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي و محمد بن الاشعث في سبعين رجلا حتي أطافوا بالدار، فحمل مسلم عليهم و هو يقول:



هو الموت فاصنع و بك ما أنت صانع

فأنت لكأس الموت لا شك جارع



فصبر لامر الله جل جلاله

فحكم قضأ الله في الخلق ذائع



فقتل منهم أحدا و أربعين رجلا [60] .

و قال محمد بن أبي طالب: لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة، و بلغ ذلك ابن زياد، أرسل إلي محمد بن الاشعث يقول: بعثناك إلي رجل واحد لتأتينا به، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة، فكيف إذا أرسلناك إلي غيره؟ فأرسل ابن الاشعث: أيها الامير أ تظن أنك بعثتني إلي بقال من بقالي الكوفة، أو إلي جرمقاني من جرامقة ألحيرة؟ أو لم تعلم أيها الامير أنك بعثتني إلي أسد ضرغام، وسيف حسام، في كف بطل همام، من آل خير الانام، فأرسل إليه ابن زياد أعطه الامان فانك لا تقدر عليه إلا به.

أقول: روي في بعض كتب المناقب عن علي بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل ابن أحمد البيهقي، عن والده، عن أبي الحسين بن بشران، عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل بن إسحاق، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: أرسل الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل إلي الكوفة و كان مثل الاسد، قال عمرو و غيره: لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده، فيرمي به فوق البيت.

رجعنا إلي كلام المفيد رحمه الله قال: و أقبل ابن الاشعث بإبن عقيل إلي


باب القصر، و استأذن، فأذن له، فدخل علي عبيد الله بن زياد، فأخبره خبر ابن عقيل، و ضرب بكر إياه، و ما كان من أمانه له، فقال له عبيد الله: و ما أنت و الامان؟ كأنا أرسلناك لتؤمنه، إنما أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الاشعث و انتهي بإبن عقيل إلي باب القصر، و قد اشتد به العطش، و علي باب القصر ناس جلوس، ينتظرون الاذن، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، و عمرو بن حريث، و مسلم بن عمرو و كثير بن شهاب و إذا قلة باردة موضوعة علي الباب.

فقال مسلم: اسقوني من هذا الماء! فقال له مسلم بن عمرو: أ تراها ما أبردها لا و الله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له ابن عقيل: ويحك من أنت؟ فقال: أنا الذي عرف الحق إذا أنكرته، و نصح لامامه إذ غششته و أطاعه إذ خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي فقال له ابن عقيل: لامك الثكل ما أجفاك و أقطعك و أقسي قلبك، أنت يا ابن بأهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني.

ثم جلس فتساند إلي حائط و بعث عمرو بن حريث غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل و قدح فصب فيه ماء فقال له: اشرب فأخذ كلما شرب امتلا القدح دما من فمه، و لا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك مرتين، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمد الله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته، و خرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه.

فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الامير؟ فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و إن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه، فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن، قال: كذلك؟ قال: نعم، قال: فدعني أوصي إلي بعض قومي، قال: افعل! فنظر مسلم إلي جلساء عبيد الله بن زياد، و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: يا عمر إن بيني و بينك قرابة، ولي إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي، و هي سر، فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيد الله بن زياد: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك؟ فقام معه فجلس حيث


ينظر إليهما ابن زياد، فقال له: إن علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبع مائة درهم، فبع سيفي و درعي فاقضها عني و إذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و أبعث إلي الحسين عليه السلام من يرده فاني قد كتبت إليه اعلمه أن الناس معه، و لا أراه إلا مقبلا.

فقال عمر لا بن زياد: إ تدري أيها الامير ما قال لي؟ إنه ذكر كذا و كذا فقال ابن زياد: إنه لا يخونك الامين و لكن قد يؤتمن الخائن أما ماله فهو له، و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحب، و أما جثته فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها، و أما حسين فانه إن لم يردنا لم نرده.

ثم قال ابن زياد: إيه ابن عقيل: أتيت الناس و هم جمع فشتت بينهم، و فرقت كلمتهم، و حملت بعضهم علي بعض، قال: كلا لست لذلك أتيت، و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، و سفك دماءهم، و عمل فيهم أعمال كسري و قيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل، و ندعو إلي الكتاب، فقال له ابن زياد: و ما أنت و ذاك يا فاسق؟ لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال مسلم: أنا أشرب الخمر؟ أما - و الله - إن الله ليعلم أنك صادق، وأنك قد قلت بغير علم وأني لست كما ذكرت، وأنك أحق بشرب الخمر مني، و أولي بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، و يسفك الدم الذي حرم الله علي الغصب و العداوة، و سوء الظن، و هو يلهو و يلعب، كان لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك منتك ما حال الله دونه، و لم يرك الله له أهلا فقال مسلم: فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله؟ فقال ابن زياد: أمير المؤمنين يزيد، فقال مسلم: الحمد لله علي كل حال، رضينا بالله حكما بيننا و بينكم فقال له ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس، فقال له مسلم: أما إنك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن وإنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة، لا أحد أولي بها منك، فأقبل ابن زياد يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه.


ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده فقال مسلم رحمه الله: و الله لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف، فدعا بكر بن حمران الاحمري فقال له: اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به، و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله و يقول: أللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا.

و أشرفوا به علي موضع الحذائين اليوم، فضرب عنقه و أتبع رأسه جثته [61] .

و قال السيد، و لما قتل مسلم منهم جماعة نادي إليه محمد بن الاشعث: يا مسلم لك الامان، فقال مسلم: وأي أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم، و يرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن " أقسمت لا اقتل إلا حرا " إلي آخر الابيات، فنادي إليه إنك لا تكذب، و لا تغر، فلم يلتفت إلي ذلك، و تكاثروا عليه بعد أن اثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخر إلي الارض فاخذ أسيرا فلما دخل علي عبيد الله لم يسلم عليه، فقال له الحرسي: سلم علي الامير، فقال له: أسكت يا ويحك، و الله ما هولي بأمير، فقال ابن زياد: لا عليك سلمت أم لم تسلم فانك مقتول فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني ثم قال ابن زياد: يا عاق و يا شاق، خرجت علي إمامك و شققت عصا المسلمين و ألقحت الفتنة، فقال مسلم: كذبت يا ابن زياد إنما شق عصا المسلمين معاوية و ابنه يزيد، و أما الفتنة فانما ألقحها أنت و أبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف و أنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة علي يدي شر بريته.

ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر: فضرب عنقه و نزل مذعورا، فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ فقال: أيها الامير رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيئ الوجه حذائي عاضا علي أصبعه أو قال شفتيه، ففزعت فزعا لم أفزعه قط! فقال ابن زياد: لعلك دهشت [62] .


و قال المسعودي: دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال: أ قتلته؟ قال: نعم قال: فما كان يقول و أنتم تصعدون به لتقتلوه؟ قال: كان يكبر و يسبح و يهلل و يستغفر الله، فلما أدنيناه لنضرب عنقه قال: أللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا ثم خذلونا و قتلونا، فقلت له: الحمد لله الذي أقادني منك و ضربته ضربة لم تعمل شيئا فقال لي: أو ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك؟ أيها العبد، قال ابن زياد و فخرا عند الموت؟ قال: و ضربته الثانية فقتلته.

و قال المفيد: فقام محمد بن الاشعث إلي عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة، فقال: إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر، و بيته في العشيرة، و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه إليك و أنشدك الله لما وهبته لي فاني أكره عداوة المصر و أهله، فوعده أن يفعل، ثم بداله و أمر بهاني في الحال فقال: أخرجوه إلي السوق فاضربوا عنقه، فاخرج هانئ حتي اتي به إلي مكان من السوق كان يباع فيه الغنم، و هو مكتوف فجعل يقول: و امذحجاه و لا مذحج لي اليوم، يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج؟ فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه؟ و وثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له: أمدد عنقك فقال: ما أنا بها بسخي، و ما أنا بمعينكم علي نفسي فضربه مولي لعبيد الله بن زياد تركي، يقال له رشيد بالسيف، فلم يصنع شيئا فقال له هانئ: إلي الله المعاد أللهم إلي رحمتك و رضوانك، ثم ضربه اخري فقتله.

و في مسلم بن عقيل و هاني بن عروة رحمهما الله يقول عبد الله بن الزبير الاسدي [63] :



فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلي هانئ في السوق و ابن عقيل



إلي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل






أصابهما أمر اللعين فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل



تري جسدا قد الموت لونه

و نضح دم قد سأل كل مسيل



فتي كان أحيا من فتاة حيية

و أقطع من ذي شفرتين صقيل



أ يركب أسماء الهماليج آمنا

و قد طالبته مذحج بذحول



تطيف حواليه مراد وكلهم

علي رقبة من سائل و مسؤول



فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل



و لما قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الا روح التميمي إلي يزيد بن معاوية و أمر كاتبه أن يكتب إلي يزيد بما كان من أمر مسلم و هاني فكتب الكاتب و هو عمرو بن نافع فأطال فيه و كان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله كرهه و قال: ما هذا التطويل و هذه الفضول أكتب: أما بعد الحمد لله الذي أخذ لامير المؤمنين بحقه، و كفاه مؤنة عدوه أخبر أمير المؤمنين أن مسلم بن عقيل لجأ إلي دار هانئ بن عروة المرادي و إني جعلت عليهما المراصد و العيون و دسست إليهما الرجال، و كدتهما حتي أخرجتهما و أمكن الله منهما، فقد متهما و ضربت أعناقهما و قد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الا روح التميمي و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمرهما، فان عندهما علما و ورعا و صدقا و السلام.

فكتب إليه يزيد: أما بعد فانك لم تعد أن كنت لما احب علمت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، و قد أغنيت و كفيت، و صدقت ظني بك و رأيي فيك، و قد دعوت رسوليك، و سألتهما و ناجيتهما، فودجتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيرا، و إنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق، فضع المناظر و المسالح، و احترس و احبس علي الظنة، و اقتل علي التهمة و اكتب إلي في كل يوم ما يحدث من خبر إنشاء الله [64] .


و قال ابن نما: كتب يزيد إلي ابن زياد: قد بلغني أن حسينا قد سار إلي الكوفة، و قد ابتلي به زمانك من بين الازمان، و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا، كما تعبد العبيد.

إيضاح: قوله " ويح منزلك " قال: هذا تعظيما له، أي لا أقول لك " ويحك " بل أقول لغيرك، " و السلام " بالكسر الحجر، ذكره الجوهري و قال نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه، و قال: الشعفة بالتحريك رأس الجبل، و الجمع شعف و شعوف و شعاف و شعفات، و هي رؤوس الجبال.

قوله عليه السلام: " و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح " أي لا يتيسر له فتح و فلاح في الدنيا أو في الآخرة، أو الاعم، و هذا إما تعليل بأن ابن الحنفية إنما لم يلحق لانه علم أنه يقتل إن ذهب بأخباره عليه السلام أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة، أو لانه لا عذر له في ذلك لانه عليه السلام أعلمه و أمثاله بذلك.

قوله: نحمد إليك الله " أي نحمد الله منهيا إليك، و التنزي و الانتزاء: التوثب و التسرع، و ابتززت الشيء استلبته، و النجا الاسراع، و قال الجوهري: يقال حيهلا الثريد، فتحت ياؤه لاجتماع الساكنين، و بنيت " حي " مع " هل " اسما واحدا مثل خمسة عشر، و سمي به الفعل، و إذا وقفت عليه قلت حيهلا.

و قال: الجناب - بالفتح - الفناء، و ما قرب من محلة ألقوم، يقال أخصب جناب القوم، و الحشاشة بالضم بقية الروح في المريض قال الجزري فيه فانفلتت البقرة بحشاشة نفسها أي برمق بقية الحياة و الروح، و التحريش الاغراء بين القوم، و " القرف " التهمة، " و الغشم " الظلم.

طلب الخرزة كأنه كناية عن شدة الطلب فان من يطلب الخرزة يفتشها في كل مكان و ثقبة، و ثقفه: صادفه، قوله " فرطا " أي تقدما كثيرا، من قولهم فرطت ا لقوم أي سبقتهم، أو هو حال فان الفرط بالتحريك من يتقدم الواردة إلي الماء و الكلاء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه.

قوله: " فأهون به " صيغة تعجب أي ما أهونه، و الاثيل الاصيل، و التكسع


التمادي في الباطل، و قطن بالمكان كنصر أقام، و ظعن أي سار.

قوله: " لئن فعلتموها " أي المخالفة، " و الخمس " بالكسر من أظماء الابل أن ترعي ثلاثة أيام، و ترد اليوم الرابع، و المزنة السحابة البيضاء، و الجمع المزن ذكره الجوهري، و قال الفيروز آبادي: المزن بالضم السحاب أو أبيضه، أو ذو الماء.

قوله: " لا فتحت " دعاء عليه أي لا فتحت علي نفسك بابا من الخير، فقد طال ليلك: أي كثر و امتد همك أو انتظارك، و في مروج الذهب، فقد طال نومك أي غفلتك، و ضربوا الباب أي أغلقوه.

قوله: فان الصدق ينبي عنك، قال الزمخشري في المستقصي: الصدق ينبي عنك لا الوعيد: مهموز من أنباه إذا جعله نابيا أي إنما يبعد عنك العدو و يرده أن تصدقه القتال، لا التهدد، يضرب للجبان يتوعد ثم لا يفعل، و قال الجوهري: في المثل " الصدق ينبي عنك لا الوعيد " أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد قال أبو عبيد: هو ينبي مهموز، و يقال: أصله الهمز من الانباء أي إن الفعل يخبر عن حقيقتك لا القول انتهي.

و في بعض النسخ عليك أي عند ما يتحقق ما أقول، تطلع علي فوائد ما أقول لك و تندم علي ما فات لا مجرد و عيدي، يقال: نبأت علي القوم طلعت عليهم، و الظاهر أنه تصحيف و " العريف " النقيب، و هو دون الرئيس.

قوله: " و لم تجعل علي نفسك " الجملة حالية، و قال الجزري: في حديث علي عليه السلام قال: و هو ينظر إلي ابن ملجم " عذيرك من خليلك من مراد " يقال: عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعني فاعل، قوله: أيه أي أسكت، و الشائع فيه أيها.

و قال الفيروز آبادي: ربص بفلان ربصا: انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتربص، و يقال: سقط في يديه أي ندم، و جوز أسقط في يديه و الذمام: الحق و الحرمة، و أذم فلانا أجاره، و يقال: أخذتني منه مذمة أي رقة و عار من ترك


حرمته و الغالئة ألداهية، و نفس به بالكسر أي ضن به، و البارقة السيوف، و الحروري الخارجي أي أنت كنت أو تكون خارجيا في جميع الايام أو في بقية اليوم.

و قال الجوهري: و من أمثالهم في اليأس عن الحاجة " أ سائر اليوم و قد زال الظهر " [65] أي أ تطمع فيما بعد و قد تبين لك اليأس، لان من كان حاجته اليوم بأسره و قد زال الظهر، وجب أن ييأس منه بغروب الشمس انتهي.

و الظاهر أن هذا المعني لا يناسب المقام.

و اللهز الضرب بجمع اليد في الصدور، و لهزه بالرمح طعنه في صدره و تعته حركه بعنف و أقلقه، قوله " استيحاشا إليهم " يقال: استوحش أي وجد الوحشة و فيه تضمين معني الانضمام، و المتلدد المتحير الذي يلتفت يمينا و شمالا، و " التخاتج " لعله جمع تختج معرب " تخته " أي نزعوا الاخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم و إن لم يرد بهذا المعني في اللغة، و المنكب هو رأس العرفاء، و الاستبراء الاختبار و الاستعلام.

قوله: " و جس خلالها " من قولهم " جاسوا خلال الديار " أي تخللوها فطلبوا ما فيها قوله: فانتهز أي اغتنم الامان، قوله: لا ناقة لي في هذا قال الزمخشري في مستقصي الامثال: أي لا خير لي فيه و لا شر، و أصله أن الصدوف بنت حليس كانت تحت زيد بن الاخنس و له بنت من غيرها تسمي الفارعة كانت تسكن بمعزل منها في خباء آخر، فغاب زيد غيبة فلهج بالفارعة رجل عدوي يدعي شبثا و طاوعته فكانت تركب علي عشية جملا لابيها و تنطلق معه إلي متيهة يبيتان فيها، و رجع زيد عن وجهه، فعرج علي كاهنة اسمها طريفة فأخبرته بريبة في أهله، فأقبل سائرا لا يلوي علي أحد، و إنما تخوف علي إمرأته حتي دخل عليها فلما رأته عرفت الشر في وجهه فقالت: لا تعجل واقف الاثر لا ناقة لي في ذا و لا جمل، يضرب في التبري عن الشيء قال الراعي:



و ما هجرتك حتي قلت معلنة

لا ناقة لي في هذا و لا جمل




و قال الفيروز آبادي: الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الاسلام الواحدي جرمقاني، و الضرغام بالكسر الاسد، و الهمام كغراب الملك العظيم الهمة، و السيد الشجاع، قوله عليه السلام: " من يلغ " من ولوغ الكلب، و قال الجوهري طمار: المكان المرتفع، و قال الاصمعي: أنصب عليه من طمار، مثل قطام، قال الشاعر: " فان كنت " إلي آخر البيتين و كان ابن زياد أمر برمي مسلم بن عقيل من سطح انتهي.

قوله " أحاديث من يسري " أي صارا بحيث يذكر قصتهما كل من يسير بالليل في السبل، و شفرة السيف حده أي من سلاح مصقول يقطع من الجانبين و الصقيل السيف أيضا " و الهماليج " جمع الهملاج، و هو نوع من البراذين و أسماء هو أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني إلي ابن زياد " و الرقبة " بالفتح الارتقاب و الانتظار و بالكسر التحفظ قوله: فكونوا بغايا أي زواني، و في بعض النسخ أيامي.

قال المفيد - ره -: فصل: و كان خروج مسلم بن عقيل - رحمه الله - بالكوفة يوم الثلثا لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، و قتله - رحمه الله - يوم الاربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة إلي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية، بعد مقامه بمكة بقية شعبان و [شهر] رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، و كان قد اجتمع إلي الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، و نفر من أهل البصرة انضافوا إلي أهل بيته و مواليه.

و لما أراد الحسين التوجه إلي العراق، طاف بالبيت، وسعي بين الصفا و المروة و أحل من إحرامه و جعلها عمرة، لانه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلي يزيد بن معاوية، فخرج عليه السلام مبادرا بأهله و ولده و من انضم إليه من شيعته، و لم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه علي ما ذكرناه [66] .


و قال السيد رضي الله عنه: روي أبو جعفر الطبري، عن الواقدي و زرارة بن صالح قالا: لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل خروجه إلي العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوي الناس بالكوفة، و أن قلوبهم معه، و سيوفهم عليه، فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله تعالي، فقال عليه السلام: لو لا تقارب الاشياء، و حبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي و مصرع أصحابي، و لا ينجو منهم إلا ولدي علي.

و رويت بالاسناد، عن أحمد بن داود القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء محمد ابن الحنفية إلي الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له: يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فان رأيت أن تقيم فانك أعز من بالحرم و أمنعه، فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت، فقال له ابن الحنفية: فان خفت ذلك فصر إلي اليمن أو بعض نواحي البر فانك أمنع الناس به، و لا يقدر عليك أحد، فقال: أنظر فيما قلت.

فلما كان السحر، ارتحل الحسين عليه السلام فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته - و قد ركبها - فقال: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلي قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ قال: أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله بعد ما فارقتك فقال: يا حسين أخرج فان الله قد شاء أن يراك قتيلا فقال محمد ابن الحنفية: إنا لله و إنا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج علي مثل هذا الحال؟ قال: فقال [لي صلي الله عليه و آله]: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا، فسلم عليه و مضي [67] .

قال: و جاءه عبد الله بن العباس و عبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك فقال لهما: إن رسول الله قد أمرني بأمر و أنا ماض فيه، قال: فخرج ابن العباس و هو يقول:


وا حسيناه، ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذره من القتل و القتال، فقال: يا أبا عبد الرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا علي الله تعالي أن رأس يحيي بن زكريا اهدي إلي بغي من بغايا بني إسرائيل أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن، و لا تدع نصرتي [68] .

ثم قال المفيد - رحمه الله - و روي عن الفرزدق أنه قال: حججت بامي في سنة ستين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتي دخلت الحرم إذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة، معه أسيافه و تراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي عليهما السلام فأتيته و سلمت عليه.

و قلت له: أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟ قال: لو لم أعجل لاخذت ثم قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، و لا و الله ما فتشني عن أكثر من ذلك.

ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟ فقلت: الخبير سألت قلوب الناس معك و أسيافهم عليك، و القضاء ينزل من السماء و الله يفعل ما يشاء قال: صدقت لله الامر من قبل و من بعد، و كل يوم [ربنا] هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله علي نعمائه، و هو المستعان علي أداء الشكر، و إن حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد من كان الحق نيته، و التقوي سيرته، فقلت له: أجل بلغك الله ما تحب و كفاك ما تحذر، و سألته عن أشياء من نذور و مناسك فأخبرني بها، و حرك راحلته و قال: السلام عليك ثم افترقنا.

و كان الحسين بن علي عليه السلام لما خرج من مكة اعترضه يحيي بن سعيد بن العاص، و معه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد، فقالوا له: انصرف أين تذهب؟ فأبي عليهم و مضي، و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط، فامتنع الحسين عليه السلام و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتي أتي التنعيم، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن


فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه، و قال لاصحابها: من أحب أن ينطلق معنا إلي العراق وفيناه كراه و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه علي قدر ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم و امتنع آخرون.

و ألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون و محمد و كتب علي أيديهما كتابا يقول فيه: أما بعد فاني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا فاني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له، أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الارض، فانك علم المهتدين، و رجاء المؤمنين، و لا تعجل بالسير فاني في أثر كتابي و السلام.

و صار عبد الله إلي عمرو بن سعيد و سأله أن يكتب إلي الحسين عليه السلام أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه، و كتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة، و يؤمنه علي نفسه، و أنفذه مع يحيي بن سعيد، فلحقه يحيي و عبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، و دفعا إليه الكتاب و جهدا به في الرجوع، فقال: إني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له، فقالوا له: ما تلك الرؤيا؟ فقال: ما حدثت أحدا بها و لا أنا محدث بها أحدا حتي ألق ربي عز و جل فلما يئس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه، و المسير معه، و الجهاد دونه، و رجع مع يحيي ابن سعيد إلي مكة.

و توجه الحسين عليه السلام إلي العراق مغذا لا يلوي إلي شيء حتي نزل ذات عرق [69] و قال السيد - رحمه الله: - توجه الحسين عليه السلام من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم، لانه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.

و روي أنه صلوات الله عليه لما عزم علي الخروج إلي العراق، قام خطيبا فقال: الحمد لله، و ما شاء الله، و لا حول و لا قوة إلا بالله وصلي الله علي رسوله و سلم خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني إلي أسلافي


اشتياق يعقوب إلي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه، كاني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس و كربلا، فيملان مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، و هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه، و تنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته، موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني راحل مصبحا إنشاء الله [70] .

أقول: وري هذه الخطبة في كشف الغمة عن كمال الدين ابن طلحة [71] .

قال السيد و ابن نما رحمهما الله: ثم سار حتي مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلي يزيد بن معاوية و كان عامله علي اليمن و عليها الورس و الحلل فأخذها عليه السلام لان حكم امور المسلمين إليه، و قال لاصحاب الابل: من أحب منكم أن ينطلق معنا إلي العراق وفيناه كراه و احسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكري بقدر ما قطع من الطريق، فمضي قوم و امتنع آخرون.

ثم سار عليه السلام: حتي بلغ ذات عرق، فلقي بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها، فقال: خلفت القلوب معك، و السيوف مع بني أمية.

فقال: صدق أخو بني أسد إن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

قال: ثم سار صلوات الله عليه حتي نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال: قد رأيت هاتقا يقول: أنتم تسرعون، و المنايا تسرع بكم إلي الجنة، فقا له ابنه علي: يا أبه أ فلسنا علي الحق؟ فقال: بلي با بني و الذي إليه مرجع العباد، فقال: يا أبه إذن لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام جزاك الله يا بني خير ما جزا ولدا عن والد ثم بات عليه السلام في الموضع.

فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكني أبا هرة الازدي، قد أتاه


فسلم عليه ثم قال: يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله و حرم جدك محمد صلي الله عليه و آله؟ فقال الحسين عليه السلام: ويحك أبا هرة إن بني أمية أخذوا ما لي فصبرت و شتموا عرضي فصبرت، و طلبوا دمي فهربت، و أيم الله لتقتلني الفئة الباغية، و ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم إمرأة منهم، فحكمت في أموالهم و دمائهم [72] .

و قال محمد بن أبي طالب: و اتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه إلي العراق فكتب إلي ابن زياد: " أما بعد فان الحسين قد توجه إلي العراق و هو ابن فاطمة، و فاطمة بنت رسول الله، فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج علي نفسك و قومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء، و لا تنساه الخاصة و العامة أبدا ما دامت الدنيا ": قال: فلم يلتفت ابن زياد إلي كتاب الوليد.

و في كتاب تأريخ عن الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال: حججت فتركت أصحابي و انطلقت أتعسف الطريق وحدي، فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلي أخبية و فساطيط، فانطلقت نحوها حتي أتيت أدناها فقلت: لمن هذه الابنية؟ فقالوا: للحسين عليه السلام قلت: ابن علي؟ و ابن فاطمة عليهما السلام؟ قالوا: نعم، قلت: في أيها هو؟ قالوا: في ذلك الفسطاط، فانطلقت نحوه، فإذا الحسين عليه السلام متك علي باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه فسلمت فرد علي، فقلت يا ابن رسول الله بأبي أنت و أمي ما أنزلك في هذه الارض القفراء التي ليس فيها ريف و لا منعة [73] قال: إن هؤلاء أخافوني و هذه كتب أهل الكوفة، و هم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك و لم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه، بعث الله إليهم من يقتلهم حتي يكونوا أذل من قوم الامة.

و قال ابن نما: حدث عقبة بن سمعان قال: خرج الحسين عليه السلام من مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيي بن سعيد ليردوه فأبي عليهم و تضاربوا بالسياط، و مضي عليه السلام علي وجهه، فبادروه و قالوا: يا حسين ألا تتقي


الله تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الامة؟ فقال: لي عملي، و لكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل، و أنا بري مما تعملون.

و رويت أن الطرماح بن حكم قال: لقيت حسينا و قد امترت لاهلي ميرة فقلت: أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة، فو الله لئن دخلتها لتقتلن و إني لاخاف أن لا تصل إليها، فان كنت مجمعا علي الحرب فانزل أجأ [74] فانه جبل منيع و الله ما نالنا فيه ذل قط، و عشيرتي يرون جميعا نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم فقال: إن بيني و بين القوم موعدا أكره أن اخلفهم فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا و كفي، و إن يكن ما لا بد منه، ففوز و شهادة إنشاء الله.

ثم حملت الميرة إلي أهلي و أوصيتهم بأمورهم أريد الحسين عليه السلام فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت.

و قال المفيد - رحمه الله - و لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلي الكوفة، بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه، حتي نزل القادسية، و نظم الخيل ما بين القادسية إلي خفان [75] و ما بين القادسية إلي القطقطانة، و قال للناس: هذا الحسين يريد العراق، و لما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة، بعث قيس ابن مسهر الصيداوي و يقال إنه بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلي أهل الكوفة.

و لم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم بن عقيل - رحمه الله - و كتب معه إليهم: " بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي إخوانه المؤمنين و المسلمين سلام عليكم فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم، و اجتماع ملائكم علي نصرنا و الطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، و أن يثيبكم علي ذلك أعظم الاجر، و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلثاء، لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في


أيامي هذه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ".

و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة و كتب إليه أهل الكوفة أن لك ههنا مائة ألف سيف و لا تتأخر.

فأقبل قيس بن مسهر بكتاب الحسين عليه السلام حتي إذا انتهي القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلي عبيد الله بن زياد [إلي الكوفة] فقال له عبيد الله بن زياد: اصعد فسب الكذاب الحسين بن علي [76] .

و قال السيد: فلما قارب دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج [قيس] الكتاب و مزقه، فحمله الحصين إلي ابن زياد، فلما مثل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه عليهما السلام قال: فلماذا خرقت الكتاب؟ قال: لئلا تعلم ما فيه، قال: و ممن الكتاب و إلي من؟ قال: من الحسين بن علي إلي جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد فقال: و الله لا تفارقني حتي تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر و تلعن الحسين بن علي و أباه وأخاه و إلا قطعتك إربا إربا، فقال قيس: أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم، و أما لعنة الحسين و أبيه و أخيه فأفعل، فصعد المنبر و حمد الله وصلي علي النبي و أكثر من الترحم علي علي و ولده صلوات الله عليهم ثم لعن عبيد الله بن زياد و أباه و لعن عتاة بني أمية عن آخرهم، ثم قال: أنا رسول الحسين إليكم و قد خلفته بموضع كذا فأجيبوه [77] .

ثم قال المفيد: - رحمه الله - فأمر بن عبيد الله بن زياد أن يرمي من فوق القصر، فرمي به فتقطع، و روي أنه وقع إلي الارض مكتوفا فتكسرت عظامه و بقي به رمق، فأتاه رجل يقال له: عبد الملك بن عمر اللخمي فذبحه فقيل له في ذلك و عيب عليه، فقال: أردت أن اريحه.

ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق [78] فانتهي إلي ماء من مياه


العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي، و هو نازل به، فلما رآه الحسين قام إليه فقال: بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أقدمك و احتمله و أنزله، فقال له الحسين عليه السلام: كان من موت معاوية ما قد بلغك، و كتب إلي أهل العراق يدعونني إلي أنفسهم.

فقال له عبد الله بن مطيع: أذكرك الله يا ابن رسول الله و حرمة الاسلام أن تنهتك، أنشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك، و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا، و الله إنها لحرمة الاسلام تنهتك، و حرمة قريش و حرمة العرب، فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض نفسك لبني أمية، فأبي الحسين عليه السلام إلا أن يمضي.

و كان عبيد الله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلي طريق الشام، و إلي طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج فأقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشيء حتي لقي الاعراب فسألهم فقالوا: لا و الله ما ندري أنا لا نستطيع أن نلج و لا نخرج، فسار تلقاء وجهه عليه السلام.

و حدث جماعة من فزارة و من بجيلة قالوا: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، و كنا نسائر الحسين عليه السلام فلم يكن شيء أبغض علينا من أن ننازله في منزل: و إذا سار الحسين عليه السلام فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله فنزل الحسين في جانب و نزلنا في جانب، فبينا نحن جلوس نتغذي من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتي سلم، ثم دخل، فقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه، فطرح كل إنسان منا ما في يده، حتي كأنما علي رؤوسنا الطير، فقالت له إمرأته - قال السيد و هي ديلم بنت عمرو - سبحان الله أ يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت.

فأتاه زهير بن القين، فلما لبث أن جاء مستبشرا، قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه، و ثقله و متاعه، فقوض و حمل إلي الحسين عليه السلام ثم قال لامرأته: أنت طالق! الحقي بأهلك فاني لا احب أن يصيبك بسببي إلا خير.


و زاد السيد - و قد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لافديه بروحي، وأقيه بنفسي، ثم أعطاها مالها و سلمها إلي بعض بني عمها ليوصلها إلي أهلها، فقامت إليه و بكت و ودعته، و قالت: خار الله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام [79] .

و قال المفيد: ثم قال لاصحابه: من أحب منكم أن يتبعني و إلا فهو آخر العهد، إني ساحدثكم حديثا إنا غزونا البحر، ففتح الله علينا و أصبنا غنائم، فقال لنا سلمان: رحمه الله - أفرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم فقال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم، فأما أنا فأستودعكم الله، قالوا: ثم و الله ما زال في القوم مع الحسين حتي قتل - رحمه الله - [80] .

و في المناقب و لما نزل عليه السلام الخزيمية [81] أقام بها يوما و ليلة، فلما أصبح أقبلت إليه اخته زينب، فقالت: يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة؟ فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ فقالت: خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف، و هو يقول:



ألا يا عين فاحتفلي بجهد

و من يبكي علي الشهداء بعدي



علي قوم تسوقهم المنايا

بمقدار إلي إنجاز وعد



فقال لها الحسين عليه السلام: يا اختاه كل الذي قضي فهو كائن [82] .

و قال المفيد - رحمه الله -: و روي عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الاسديان قالا: لما قضينا حجتنا، لم تكن لنا همة إلا الالحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين، حتي لحقناه بزرود


فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتي رأي الحسين عليه السلام فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده ثم تركه و مضي، و مضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلي هذا لنسأله، فان عنده خبر الكوفة، فمضينا حتي انتهينا إليه فقلنا: السلام عليك، فقال: و عليكما السلام، قلنا: ممن الرجل؟ قال: أسدي: قلنا له: و نحن أسديان فمن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان فانتسبنا له ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتي قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة، و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.

فأقبلنا حتي لحقنا بالحسين فسايرناه، حتي نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له: يرحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية و إن شئت سرا، فنظر إلينا و إلي أصحابه ثم قال: ما دون هؤلاء سر فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟ فقال: نعم، قد أردت مسألته فقلنا: قد و الله استبرءنا لك خبره، و كفيناك مسألته، و هو إمرء منا ذو رأي و صدق و عقل، و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتي قتل مسلم و هاني و رآهما يجران في السوق بأرجلهما، فقال: إنا لله و إنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا.

فقلنا له: ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا و إنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر إلي بني عقيل فقال: ما ترون؟ فقد قتل مسلم؟ فقالوا: و الله ما نرجع حتي نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق، فأقبل علينا الحسين عليه السلام فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه علي المسير، فقلنا له: خار الله لك، فقال: يرحمكم الله، فقال له: أصحابه: إنك و الله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، و لو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك فسكت [83] .


و قال السيد: أتاه خبر مسلم في زبالة ثم إنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال: يا ابن رسول الله كيف تركن إلي أهل الكوفة و هم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته؟ قال: فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا ثم قال: رحم الله مسلما فلقد صار إلي روح الله و ريحانه، و تحيته و رضوانه، أما إنه قد قضي ما عليه، و بقي ما علينا ثم أنشأ يقول:



فان تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلي و أنبل



و إن تكن الابدان للموت أنشئت

فقتل إمرء بالسيف في الله أفضل



و إن تكن الارزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل



و إن تكن الاموال للترك جمعها

فما بال متروك به الحر يبخل [84]



و قال المفيد: ثم انتظر حتي إذا كان السحر، فقال لفتيانه و غلمانه: أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا، ثم ارتحلوا فسار حتي انتهي إلي زبالة، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر.

و قال السيد: فاستعبر باكيا ثم قال: أللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك، إنك علي كل شيء قدير [85] .

و قال المفيد رحمه الله: فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فانه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، و هاني ابن عروة، و عبد الله بن يقطر، و قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، في حرج، ليس عليه ذمام، فتفرق الناس عنه، و أخذوا يمينا و شمالا حتي بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة، و نفر يسير ممن انضموا إليه و إنما فعل ذلك لانه عليه السلام علم أن الاعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها، فكره أن يسيروا معه إلا و هم يعلمون علي ما يقدمون.


فلما كان السحر أمر أصحابه، فاستقوا ماء و أكثروا، ثم سار حتي مر ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمر بن لوذان قال له: أين تريد؟ قال له الحسين: الكوفة، فقال له الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت، فو الله ما تقدم إلا علي الاسنة، وحد السيوف، و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال و وطأوا لك الاشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا، فأما علي هذه الحال التي تذكر فاني لا أري لك أن تفعل، فقال له: يا عبد الله ليس يخفي علي الرأي و لكن الله تعالي لا يغلب علي أمره.

ثم قال عليه السلام: و الله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل فرق الامم، ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتي نزل شراف [86] فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء و أكثروا ثم سار حتي انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه، فقال له الحسين عليه السلام: الله أكبر لما كبرت؟ فقال: رأيت النخل قال جماعة ممن صحبه: و الله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط، فقال الحسين عليه السلام: فما ترونه؟ قالوا: و الله نراه أسنة الرماح و آذان الخيل، فقال: و أنا و الله أري ذلك.

ثم قال عليه السلام: ما لنا ملجأ نلجأ إليه و نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد؟ فقلنا له: بلي هذا ذو جشم [87] إلي جنبك، فمل إليه عن يسارك، فان سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار، و ملنا معه، فلما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبينا [ها] و عدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة ألطير، فاستبقنا إلي ذي جشم فسبقناهم إليه و أمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت، و جاء القوم زهاء ألف فارس، مع الحر بن يزيد التميمي حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، و الحسين و أصحابه معتمون متقلدون أسيافهم.


فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم و ارووهم من الماء، و رشفوا الخيل ترشيفا، ففعلوا و أقبلوا يملاون القصاع و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقي آخر، حتي سقوها عن آخرها.

فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأي الحسين عليه السلام ما بي و بفرسي من العطش قال: أنخ الراوية! و الرواية عندي السقا ثم قال: يا ابن الاخ أنخ الجمل! فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سأل الماء من المسقاء فقال الحسين: اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت و سقيت فرسي.

و كان مجيئ الحر بن يزيد من القادسية، و كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين ابن نمير و أمره أن ينزل القادسية، و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يؤذن.

فلما حضرت الاقامة، خرج الحسين عليه السلام في إزار و رداء و نعلين فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أيها الناس إني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم أن: " أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا و إياكم علي الهدي و الحق " فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم و إن لم تفعلوا، و كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم.

فسكتوا عنه و لم يتكلموا كلمة، فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة فقال للحر: أ تريد أن تصلي بأصحابك؟ فقال الحر: لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك، فصلي بهم الحسين عليه السلام ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه، و انصرف الحر إلي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع إليه خمسمأة من أصحابه و عاد


الباقون إلي صفهم الذي كانوا فيه [88] ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه و جلس في ظلها.

فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهياوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادي بالعصر و أقام فاستقدم الحسين و قام فصلي بالقوم ثم سلم و انصرف إليهم بوجهه فحمد الله و أثني عليه و قال: أما بعد أيها الناس فانكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لاهله، يكن أرضي لله عنكم، و نحن أهل بيت محمد أولي بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، و السائرين فيكم بالجور و العدوان، فان أبيتم إلا الكراهة لنا، و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الآن ما أتتني به كتبكم و قدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحر: أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر؟ فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، و قد امرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين عليه السلام: الموت أدني إليك من ذلك ثم قال لاصحابه: فقوموا فاركبوا، فركبوا و انتظر حتي ركبت نساؤه فقال لاصحابه: انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا، حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك امك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان، و لكن و الله مالي من ذكر امك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلي الامير عبيد الله بن زياد، فقال: إذا و الله لا أتبعك، فقال: إذا و الله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: إني لم أومر بقتالك إنما


أمرت أن لا افارقك حتي اقدمك الكوفة فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلي المدينة يكون بيني و بينك نصفا حتي أكتب إلي الامير عبيد الله بن زياد فلعل الله أن يرزقني العافية من أن ابتلي بشيء من أمرك فخذ ههنا.

فتياسر عن طريق العذيب و القادسية، و سار الحسين عليه السلام و سار الحر في أصحابه يسايره، و هو يقول له: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني و سأقول كما قال أخو الاوس لا بن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب فانك مقتول؟ فقال:



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

إذا ما نوي حقا و جاهد مسلما



و آسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و ودع مجرما



فان عشت لم أندم و إن مت لم ألم

كفي بك ذلا أن تعيش و ترغما [89]



أقول: و زاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الاخير هذا البيت:



اقدم نفسي لا أريد بقاءها

لتلقي خميسا في الوغي و عرمرما



ثم قال: ثم أقبل الحسين عليه السلام علي أصحابه و قال: هل فيكم احد يعرف الطريق علي الجادة؟ فقال الطرماح: نعم يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق فقال الحسين عليه السلام: سر بين أيدينا فسار الطرماح و اتبعه الحسين عليه السلام و أصحابه و جعل الطرماح يرتجز و يقول:



يا ناقتي لا تذعري من زجري

و امضي بنا قبل طلوع الفجر



بخير فتيان و خير سفر

آل رسول الله آل الفخر



السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر



الضاربين بالسيوف البتر

حتي تحلي بكريم الفخر



الماجد الجد رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر



عمره الله بقاء الدهر




يا مالك النقع معا و النصر

أيد حسينا سيدي بالنصر



علي الطغاة من بقايا الكفر

علي اللعينين سليلي صخر



يزيد لا زال حليف الخمر

و ابن زياد عهر بن العهر



و قال المفيد رحمه الله: فلما سمع الحر ذلك تنحي عنه، و كان يسير بأصحابه ناحية و الحسين عليه السلام في ناحية، حتي انتهوا إلي عذيب الهجانات ثم مضي الحسين عليه السلام حتي انتهي إلي قصر بني مقاتل فنزل به و إذا هو بفسطاط مضروب، فقال لمن هذا؟ فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي قال: ادعوه إلي! فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي عليهما السلام يدعوك، فقال عبيد الله: إنا لله و إنا إليه راجعون و الله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين و أنا فيها، و الله ما أريد أن أراه و لا يراني.

فأتاه الرسول فأخبره فقام إليه الحسين فجاء حتي دخل عليه و سلم و جلس ثم دعاه إلي الخروج معه، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة و استقاله مما دعاه إليه، فقال له الحسين عليه السلام: فان لم تكن تنصرنا فاتق الله [أن] لا تكون ممن يقاتلنا، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك، فقا له: أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله.

ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتي دخل رحله، و لما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء، ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل.

فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة، فخفق عليه السلام و هو علي ظهر فرسه خفقة ثم انتبه و هو يقول: " إنا لله و إنا إليه راجعون " و الحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال: مم حمدت الله و استرجعت؟ قال: يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس علي فرس و هو يقول: القوم يسيرون، و المنايا تسير إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءا، ألسنا علي الحق؟ قال: بلي و الله الذي مرجع العباد إليه، فقال: فاننا إذا لا نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد


خير ما جزي ولدا عن والده.

فلما أصبح نزل وصلي بهم الغداة ثم عجل الركوب و أخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه، فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتي انتهوا إلي نينوي بالمكان الذي نزل به الحسين عليه السلام فإذا راكب علي نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة، فوقفوا جميعا ينتظرونه، فلما انتهي إليهم سلم علي الحر و أصحابه و لم يسلم علي الحسين و أصحابه، و دفع إلي الحر كتابا من عبيد الله ابن زياد لعنة الله فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا و يقدم عليك رسولي، و لا تنزله إلا بالعراء في خضر و علي ماء، و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بانفاذك أمري و السلام.

فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الامير عبيد الله يأمرني أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه، و هذا رسوله و قد أمره أن لا يفارقني حتي أنفذ أمره فيكم، فنظر يزيد بن المهاجر الكندي و كان مع الحسين عليه السلام إلي رسول ابن زياد فعرفه فقال له: ثكلتك امك ما ذا جئت فيه؟ قال: اطعت إمامي و وفيت ببيعتي، فقال له ابن المهاجر: بل عصيت ربك، و أطعت إمامك في هلاك نفسك و كسيت العار و النار، و بئس الامام إمامك قال الله عز و جل: " و جعلناهم أئمة يدعون إلي النار و يوم القيامة لا ينصرون " [90] فإمامك منهم، و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي ماء و لا في قرية فقال له الحسين عليه السلام: دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه، يعني نينوي و الغاضرية، أو هذه يعني شفية! قال: لا و الله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا علي فقال له زهير بن القين: إني و الله لا أري أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون، يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به، فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لا بدءهم بالقتال ثم نزل و ذلك


اليوم يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدي و ستين [91] .

و قال السيد رحمه الله: فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله و أثني عليه ثم قال: إنه قد نزل من الامر ما قد ترون، و ان الدنيا تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الانآء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل ألا ترون إلي الحق لا يعمل به، و إلي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا فاني لا أري الموت إلا سعادة، و الحياة مع الظالمين إلا برما.

فقام زهير بن القين فقال: قد سمعنا - هداك الله يا ابن رسول الله - مقالتك و لو كانت الدنيا لنا باقية، و كنا فيها مخلدين، لآثرنا النهوض معك علي الاقامة فيها.

قال: و وثب هلال بن نافع البجلي فقال: و الله ما كرهنا لقاء ربنا، و إنا علي نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك.

قال: و قام برير بن خضير فقال: و الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، فيقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.

قال: ثم إن الحسين عليه السلام ركب و سار كلما أراد المسير يمنعونه تارة و يسايرونه اخري حتي بلغ كربلا و كان ذلك في اليوم الثامن من المحرم [92] .

و في المناقب: فقال له زهير: فسربنا حتي ننزل بكربلاء فانها علي شاطئ الفرات، فنكون هنالك، فان قاتلونا قاتلناهم، و استعنا الله عليهم، قال: فدمعت علينا الحسين عليه السلام ثم قال: أللهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء، و نزل الحسين في موضعه ذلك، و نزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس، و دعا الحسين بداوة و بيضاء و كتب إلي أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه علي رأيه: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة، و رفاعة بن شداد، و عبد الله بن وأل، و جماعة المؤمنين


أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله قد قال في حياته: " من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان ثم لم يغير بقول و لا فعل، كان حقيقا علي الله أن يدخله مدخله " و قد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تولوا عن طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفيئ، و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله، و إني أحق بهذا الامر لقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله.

و قد أتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني، فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم و رشدكم، و نفسي مع أنفسكم و أهلي و ولدي مع أهاليكم و أولادكم، فلكم بي اسوة، و إن لم تفعلوا و نقضتم عهودكم و خلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي و ابن عمي و المغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطاتم، و نصيبكم ضيعتم، و من نكث فانما ينكث علي نفسه، و سيغني الله عنكم و السلام.

ثم طوي الكتاب و ختمه و دفعه إلي قيس بن مسهر الصيداوي - و ساق الحديث كما مر - ثم قال: و لما بلغ الحسين قتل قيس استعبر باكيا ثم قال: " أللهم اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك إنك علي كل شيء قدير ".

قال: فوثب إلي الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع البجلي فقال: يا ابن رسول الله أنت تعلم أن جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبته و لا أن يرجعوا إلي أمره ما أحب، و قد كان منهم منافقون يعدون بالنصر، و يضمرون له الغدر، يلقونه بأحلي من العسل و يخلفونه بأمر من الحنظل، حتي قبضه الله إليه، و إن أباك عليا رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا علي نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين، حتي أتاه أجله فمضي إلي رحمة الله و رضوانه، و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده، و خلع بيعته، فلن يضر إلا نفسه، و الله مغن عنه، فسربنا راشدا معافا مشرقا إن شئت، و إن


شئت مغربا، فو الله ما أشفقنا من قدر الله، و لا كرهنا لقاء ربنا، و إنا علي نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك.

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال: و الله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيه أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا، لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم، اف لهم غدا ماذا يلاقون؟ ينادون بالويل و الثبور في نار جهنم.

قال: فجمع الحسين عليه السلام ولده و إخوته و أهل بيته، ثم نظر إليهم فبكي ساعة ثم قال: أللهم إنا عترة نبيك محمد و قد أخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا و تعدت بنو أمية علينا أللهم فخذنا لنا بحقنا، و انصرنا علي القوم الظالمين.

قال: فرحل من موضعه حتي نزل في يوم الاربعاء أو يوم الخميس بكربلا و ذلك في الثاني من المحرم سنة إحدي و ستين.

ثم أقبل علي أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

ثم قال: أ هذه كربلاء؟ فقالوا: نعم يا ابن رسول الله، فقال: هذا موضع كرب و بلاء، ههنا مناخ ركابنا، و محط رحالنا، و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا.

قال: فنزل القوم و أقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ثم كتب إلي ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلا.

و كتب ابن زياد لعنه الله إلي الحسين صلوات الله عليه: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلا، و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير، و لا أشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير، أو ترجع إلي حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام.

فلما ورد كتابه علي الحسين و قرأه رماه من يده، ثم قال: لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فقال له الرسول: جواب الكتاب؟ أبا عبد الله! فقال: ما له عندي جواب لانه قد حققت عليه كلمة العذاب، فرجع الرسول.


إليه فخبره بذلك، فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب، و التفت إلي عمر بن سعد و أمره بقتال الحسين، و قد كان ولاه الري قبل ذلك، فاستعفي عمر من ذلك، فقال ابن زياد: فاردد إلينا عهدنا، فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري.

و قال المفيد رحمه الله: فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوي، فبعث إلي الحسين عليه السلام عروة بن قيس الاحمسي فقال له: ائته فسله ما الذي جاء بك و ما تريد! و كان عروة ممن كتب إلي الحسين، فاستحيي منه أن يأتيه، فعرض ذلك علي الرؤساء الذين كاتبوه وكلهم أبي ذلك و كرهه.

فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال له: أنا أذهب إليه، و و الله لئن شئت لافتكن به، فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن تفتك به، و لكن ائته فسله ما الذي جاء به، فأقبل كثير إليه، فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله يا عبد الله! قد جاءك شر أهل الارض و أجرأه علي دم و أفتكه، و قام إليه فقال له: ضع سفيك، قال: لا و الله و لا كرامة إنما أنا رسول إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم، و إن أبيتم انصرفت عنكم، قال: فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال: لا و الله لا تمسه فقال له: أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك، و لا أدعك تدنو منه، فانك فاجر، فاستبا و انصرف إلي عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك ألق حسينا فسله ما جاء به؟ و ما ذا يريد؟ فأتاه قرة فلما رآه الحسين مقبلا قال: أ تعرفون هذا؟ فقال حبيب بن مظاهر: هذا رجل من حنظلة تميم، و هو ابن اختنا، و قد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتي سلم علي الحسين و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين عليه السلام: كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم، فقال حبيب بن مظاهر: ويحك


يا قرة أين تذهب؟ إلي القوم الظالمين؟ أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة، فقال له قرة: أرجع إلي صاحبي بجواب رسالته وأري رأيي، فانصرف إلي عمر بن سعد و أخبره الخبر، فقال عمر بن سعد: أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله.

و كتب إلي عبيد الله بن زياد: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب؟ فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم، يسألوني القدوم إليهم ففعلت، فأما إذا كرهتموني، و بدا لهم ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم ".

قال حسان بن قائد العبسي: و كنت عند عبيد الله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال: الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص و كتب إلي عمر بن سعد: " أما بعد فقد بلغني كتابك، و فهمت ما ذكرت فأعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام " فلما ورد الجواب علي عمر بن سعد قال: قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية [93] و قال محمد بن أبي طالب: فلم يعرض ابن سعد علي الحسين ما أرسل به ابن زياد لانه علم أن الحسين لا يبايع يزيد أبدا، قال: ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، ثم خرج فصعد المنبر ثم قال: أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، و هذا أمير المؤمنين يزيد، قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة، محسنا إلي الرعية، يعطي العطاء في حقه، قد أمنت السبل علي عهده و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده، يكرم العباد، و يغنيهم بالاموال، و يكرمهم، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن اوفرها عليكم و اخرجكم إلي حرب عدوه الحسين، فاسمعوا له و أطيعوا.


ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء و أمرهم أن يخرجوا إلي حرب الحسين عليه السلام، و يكونوا عونا لا بن سعد علي حربه، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف، فصار ابن سعد في تسعة آلاف، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين، و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و فلانا المازني في ثلاثة آلاف، و نصر بن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفا.

ثم أرسل إلي شبث بن ربعي أن أقبل إلينا و إنا نريد أن نوجه بك إلي حرب الحسين، فتمارض شبث، و أراد أن يعفيه ابن زياد فأرسل إليه: أما بعد فان رسولي أخبرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن، إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا.

فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلي وجهه فلا يري عليه أثر العلة فلما دخل رحب به و قرب مجلسه، و قال: احب أن تشخص إلي قتال هذا الرجل عونا لا بن سعد عليه، فقال: أفعل أيها الامير، فما زال يرسل إليه بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل، ثم كتب إليه ابن زياد أني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا أمسي إلا و خبرك عندي غدوة و عشية، و كان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم.

و أقبل حبيب بن مظاهر إلي الحسين عليه السلام فقال: يا ابن رسول الله ههنا حي من بني أسد بالقرب منا أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلي نصرتك، فعسي الله أن يدفع بهم عنك، قال: قد أذنت لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتي أتي إليهم فعرفوه أنه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك؟ فقال: إني قد أتيتكم بخير ما أتي به وافد إلي قوم، أتيتكم أدعوكم إلي نصر ابن بنت نبيكم فانه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا و هذا عمر بن سعد قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة


فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة فاني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد صلي الله عليه و آله في عليين قال: فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد الله بن بشر فقال: أنا أول من يجيب إلي هذه الدعوة، ثم جعل يرتجز و يقول:



قد علم القوم إذا تواكلوا

و أحجم الفرسان إذ تناقلوا [94]



أني شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين باسل



ثم تبادر رجال الحي حتي التام منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام و خرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتي صار إلي عمر بن سعد فأخبره بالحال، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الازرق فضم إليه أربعمائة فارس و وجه نحو حي بني أسد، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدن عكسر الحسين عليه السلام في جوف الليل إذا استقبلهم خيل ابن سعد علي شاطئ الفرات، و بينهم و بين عسكر الحسين اليسير، فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا، و صاح حبيب ابن مظاهر بالازرق ويلك مالك و ما لنا انصرف عنا، ودعنا يشقي بنا غيرك، فأبي الازرق أن يرجع، و علمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلي حيهم، ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم و رجع حبيب بن مظاهر إلي الحسين عليه السلام فخبره بذلك فقال عليه السلام: لا حول و لا قوة إلا بالله.

قال: و رجعت خيل ابن سعد حتي نزلوا علي شاطئ الفرات، فحالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و أضر العطش بالحسين و أصحابه، فأخذ الحسين عليه السلام فأسا [95] و جاء إلي وراء خيمة النساء فخطا في الارض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس بأجمعهم، و ملاوا أسقيتهم، ثم غارت العين، فلم ير لها أثر، و بلغ ذلك ابن زياد


فأرسل إلي عمر بن سعد: بلغني أن الحسين يحفر الآبار، و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضيق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء، و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق.

فلما اشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا و عشرين راكبا، و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتي دنوا من الفرات فقال عمرو بن الحجاج: من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام، يقال له هلال بن نافع البجلي: ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئا فقال هلال: ويحك تأمرني أن أشرب و الحسين بن علي و من معه يموتون عطشا؟ فقال عمرو: صدقت و لكن امرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه، فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس و اقتتلوا قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون، و قوم يملاون حتي ملاوها، و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثم رجع القوم إلي معسكرهم، فشرب الحسين و من كان معه، و لذلك سمي العباس عليه السلام السقاء.

ثم أرسل الحسين إلي عمر بن سعد لعنه الله: أني أريد أن اكلمك فالقني الليلة بين عسكري و عسرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، و بقي معه أخوه العباس، و ابنه علي الاكبر، و أمر عمر بن سعد و أصحابه فتنحوا عنه، و بقي معه ابنه حفص و غلام له.

فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك أ تقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي، فانه أقرب لك إلي الله تعالي، فقال عمر بن سعد: أخاف أن يهدم داري، فقال الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال: لي عيال و أخاف عليهم، ثم سكت و لم يجبه إلي شيء


فانصرف عنه الحسين عليه السلام، و هو يقول: مالك ذبحك الله علي فراشك عاجلا و لا غفر لك يوم حشرك، فو الله إني لارجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البر مستهزئا بذلك القول.

رجعنا إلي سياقة حديث المفيد قال: و ورد كتاب ابن زياد في الاثر إلي عمر ابن سعد أن: حل بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان، فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمأة فارس فنزلوا علي الشريعة، و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء و منعوهم أن يسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام.

و نادي عبد الله بن حصين الازدي و كان عداده في بجيلة: قال بأعلي صوته: يا حسين! ألا تنظر [ون] إلي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذوقون منه قطرة واحدة، حتي تموتوا عطشا، فقال الحسين عليه السلام: أللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا، قال حميد بن مسلم: و الله لعدته في مرضه بعد ذلك فو الله الذي لا إله غيره، لقد رأيته يشرب الماء حتي يبغر [96] ثم يقيئه و يصيح العطش العطش ثم يعود و يشرب حتي يبغر ثم يقيئه و يتلظي عطشا فما زال ذلك دأبه حتي لفظ نفسه.

و لما رأي الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوي و مددهم لقتاله، أنفذ إلي عمر بن سعد: أنني أريد أن ألقاك، فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلي مكانه، و كتب إلي عبيد الله بن زياد: " أما بعد فان الله قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة، و أصلح أمر الامة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلي المكان الذي منه أتي، أو أن يسير إلي ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين: له مالهم، و عليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده [97]


فيري فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لك رضي و للامة صلاح ".

فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن، فقال: أتقبل هذا منه، و قد نزل بأرضك و اتي جنبك؟ و الله لئن رحل بلادك و لم يضع يده في يدك، ليكونن أولي بالقوة، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فانها من الوهن و لكن لينزل علي حكمك هو و أصاحبه، فان عاقبت فأنت أولي بالعقوبة، و إن عفوت كان ذلك لك.

فقال ابن زياد: نعم ما رأيت! الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب إلي عمر بن سعد فليعرض علي الحسين و أصحابه النزول علي حكمي، فان فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، و إن هم أبوا فليقاتلهم، فان فعل فاسمع له و أطع، و إن أبي أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه و أبعث إلي برأسه.

و كتب إلي عمر بن سعد: " لم أبعثك إلي الحسين لتكف عنه، و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء، و لا لتعتذر عنه، و لا لتكون له عندي شفيعا، أنظر فان نزل حسين و أصحابه علي حكمي، و استسلموا، فابعث بهم إلي سلما، و إن أبوا فازحف إليهم حتي تقتلهم و تمثل بهم، فانهم لذلك مستحقون، فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره فانه عات ظلوم، و لست أري أن هذا يضر بعد الموت شيئا، و لكن علي قول قد قلته لو قد قتلته لفعلته هذا به، فان أنت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا، و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر، فانا قد أمرناه بأمرنا و السلام ".

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلي عمر بن سعد، فلما قدم عليه و قرأه، قال له عمر: مالك ويلك، لاقرب الله دارك، و قبح الله ما قدمت به علي، و الله إني لاظنك نهيته عما كتبت به إليه، و أفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم و الله حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه، فقال له شمر:


أخبرني ما أنت صانع؟ أ تمضي لامر أميرك و تقاتل عدوه و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر، قال: لا و لا كرامة لك، و لكن أن اتولي ذلك فدونك فكن أنت علي الرجالة.

و نهض عمر بن سعد إلي الحسين عليه السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرم و جاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين و قال: أين بنو اختنا؟ [98] فخرج إليه جعفر و العباس و عبد الله و عثمان بنو علي عليه السلام فقالوا: ما تريد؟ فقال أنتم يا بني اختي آمنون، فقال له الفئة: لعنك الله و لعن أمانك أتؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له.

ثم نادي عمر: يا خيل الله اركبي! و بالجنة أبشري! فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر و الحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبئ بسيفه إذ خفق برأسه علي ركبتيه، و سمعت اخته الصيحة، فدنت من أخيها و قالت: يا أخي أما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال: إني رأيت رسول الله الساعة في المنام، و هو يقول لي: إنك تروح إلينا، فلطمت اخته وجهها، و نادت بالويل فقال لها الحسين: ليس لك الويل يا اخته [99] اسكتي رحمك الله، و في رواية السيد قال: يا اختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا و أبي عليا و أمي فاطمة وأخي الحسن و هم يقولون: يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب و في بعض الروايات: غدا، قال: فلطمت زينب عليها السلام علي وجهها و صاحت، فقال لها الحسين عليه السلام: مهلا لا تشمتي القوم بنا [100] .

قال المفيد: فقال له العباس بن علي عليه السلام: يا أخي أتاك القوم، فنهض ثم قال: اركب أنت يا أخي حتي تلقاهم و تقول لهم: مالكم؟ و ما بدا لكم؟ و تسألهم عما


جاء بهم، فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس: ما بدا لكم و ما تريدون؟ قالوا: قد جاء أمر الامير أن يعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو نناجزكم، قال: فلا تعجلوا حتي أرجع إلي أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم، فوقفوا فقالوا: ألقه و أعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلي الحسين عليه السلام يخبره الخبر، و وقف أصحابه يخاطبون القوم، و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين.

فجاء العباس إلي الحسين عليه السلام و أخبره بما قال القوم، فقال: ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخرهم إلي غد، و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني كنت قد احب الصلاة له، و تلاوة كتابه، و كثرة الدعاء و الاستغفار.

فمضي العباس إلي القوم، و رجع من عندهم، و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول: إنا قد أجلناكم إلي غد، فان استسلمتم سرحنا بكم إلي عبيد الله بن زياد و إن أبيتم فلسنا بتاركيكم، فانصرف.

و جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء [101] .

قال علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام: فدنوت منه لاسمع ما يقول لهم و أنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لاصحابه: أثني علي الله أحسن الثناء و أحمده علي السراء و الضراء أللهم إني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، و علمتنا القرآن و فقهتنا في الدين [102] و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أوفي و لا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت أبر


و أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا ألا و إني لاظن [103] يوما لنا من هؤلاء ألا و إني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج مني و لا ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا [104] .

فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل: ذلك لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي و أتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه، فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، فقالوا: سبحان الله ما يقول الناس؟ نقول إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الاعمام، و لم نرم معهم بسهم، و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا، لا و الله ما نفعل ذلك و لكن نفديك بأنفسنا و أموالنا و أهلنا، و نقاتل معك حتي نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.

و قام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: أنحن نخلي عنك، و بما نعتذر إلي الله في أداء حقك؟ لا و الله حتي أطعن في صدورهم برمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، و الله لا نخليك حتي يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما و الله لو علمت أني اقتل ثم احيي ثم أحرق ثم احيي ثم اذري، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتله واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

و قام زهير بن القين فقال: و الله لوددت أني قتلت نشرت ثم قتلت حتي اقتل هكذا ألف مرة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.


و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين خيرا و انصرف إلي مضربه [105] .

و قال السيد: و قيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال: قد اسر ابنك بثغر الري، فقال: عند الله احتسبه و نفسي ما احب أن يؤسر و أنا أبقي بعده، فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال: رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال: أكلتني السباع حيا إن فارقتك، قال: فأعط ابنك هذه الاثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال: و بات الحسين و أصحابه تلك الليلة، و لهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع و ساجد، و قائم و قاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا.

إلي هنا انتهي الجزء الثاني من المجلد العاشر، ويليه الجزء الثالث و أوله: فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه.....

ابتداء المقتل من يوم عاشوراء.


پاورقي

[1] قال ابن الجوزي في التذکرة ص 134: وکان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه اني قد کفيتک الحل والترحال، وطأت لک البلاد والرجال، وأخضعت لک أعناق العرب وان لا اتخوف عليک ان ينازعک هذاالامر الذي أسست لک الا أربعة نفر من قريش: الحسين ابن علي، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر، وعبدالرحمان بن أبي بکر.

فأما ابن عمر، فرجل قد وقذته العبادة، واذا لم يبق أحد غيره بايعک، وأما الحسين فان أهل العراق لن يدعوه حتي يخرجوه، فان خرج عليک فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة، وحقا عظيما.

وأما ابن أبي بکر، فانه ليست له همة الافي النساء واللهو، فاذا رأي أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله، واما الذي يجثم لک جثوم الاسد، ويطرق اطراق الافعوان، ويراوغک مراوغة الثعلب، فذاک ابن الزبير، فان وثب عليک وامکنتک الفرصة منه فقطعه اربا اربا،

[2] آربه مؤاربة: داهاه وخاتله، ومنه مؤاربة الاريب جهل وعناء من حيث ان الاريب لا يختل عن عقله.

والمراد بمؤاربة الثعلب: روغانه وعسلانه: يذهب هکذا وهکذا مکرا وخديعة.

[3] هکذا في المصدر المطبوع وهو الصحيح، وفي نسخة الاصل خلطة ورحم (کذا) وفي الکمباني خلطة وکذا رحم،

[4] فيه غرابة، فان مروان کان حاضر المجلس حين دخل الحسين عليه السلام علي عتبة، ولعله تصحيف ابن الزبير.

[5] أسري: 71.

[6] الشوري: 7.

[7] أي نام قيلولة.

[8] کجهينة عين ماء بالکوفة.

[9] المثبور: المخسور والملعون المطرود قال الکميت:



ورأت قضاعة في الايا

من رأي مثبور وثابر

[10] موضع بالکوفه کانت سجن، لنعمان بن المنذر.

[11] يقال: اتخذ الليل جملا: اذا أحيا ليلته بصلاة أو غيرها من العبادات، وکذا اذا رکبه في حاجته، (اللسان) والمراد: اتخاذ ظلمة الليل سترا للفرار.

[12] الحيتان خ ل.

[13] آل عمران: 23.

[14] في المصدر: قتل ابن نبيهم.

[15] منصوب بالظرفية أي عند اختلاف الرماح، وقد يوجد عند في بعض النسخ، وهو سهو.

[16] في نسخة الاصل - نسخة المؤلف قدس سره -: مطهر، بالطاء المهملة، وهو المناسب لقوله بعد ذلک " وأطهر " ولکن ضبطه الشيخ بخط يده " حبيب بن مظاهر " - کمراقب - وضبطه العلامة " حبيب بن مظهر " - بفتح الظاء وتشديد الهاء - کمعظم - وهو الاشبه کما عنونه في الاصابة في القسم الثالث تحت الرقم 1948.

[17] قصم - کصرد -: من يحطم کل من يلقاء.

[18] أفواهها خ ل، و الا فواق جمع الفوق بالضم: مشق رأس السهم حيث يقع الوتر.

[19] قال الواقدي: و جاء سنان بن أنس و قيل شمر فوقف علي باب فسطاط عمر بن سعد و قال:



أوقر رکابي فضة و ذهبا

و أنا قتلت ا لسيد المحجبا



البيت فناداه عمر بن سعد: أو مجنون أنت؟ لو سمعک ابن زياد لقتلک.

[20] أمالي الصدوق المجلس 30 ص 150 -164.

[21] و هم بنو الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان کانت خندف و اسمها ليلي بنت حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة تحت الياس بن مضر فعرف بنوه بها فقيل: خندف - کزبرج - و انما لقبت خندف، بمعني المتبختر في مشيها لما قيل له يوما اين تخندفين؟ فقالت: ما زلت أخندف في أثرکم.

[22] إرشاد المفيد ص 182 و 183 و هکذا ما بعده.

[23] يعني المدينة.

[24] کتاب الملهوف ص 17 و 18 و تجده في المطبوع بذيل نسخة الکمباني من المجلد العاشر ص 303. و هکذا ما بعده.

[25] مناقب إل أبي طالب ج 4 ص 88.

[26] إرشاد المفيد ص 183.

[27] کتاب الملهوف ص 19 و 20 و 25.

[28] أي نبت بک الدار: لم يوافقک جوها.

[29] الارشاد ص 184.

[30] جمع فيه رسائل الائمة عليهم السلام، راجع النجاشي ص 292.

[31] يقال: فصل فلان من البلد: خرج منه، و منه قوله تعالي: " و لما فصلت العير ".

[32] النساء: 78.

[33] آل عمران: 154.

[34] القصص: 18.

[35] القصص: 22.

[36] في المصدر: تقبض: و هو الاظهر، فانه عليه السلام لم يبايع يزيد فيما سبق حين أخذ معاوية بيعة الناس بولاية عهده.

[37] هذا هو الصحيح کما ضبطه في الاصابة -: بفتح النون و الجيم بعدها موحدة - ابن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن سمح بن فزارة الفزاري، و قال: له إدراک، و قال ابن سعد: کان مع علي في مشاهده و قال ابن أبي حاتم عن أبيه: قتل مع سليمان بن صرد في طلب دم الحسين سنة خمس و ستين.

[38] کذا ضبطه ابن داود و نقله عن خط الشيخ قدس سره و بعضهم يقول: مظهر، بفتح الظاء و تشديد الهاء و کسرها راجع ص 319 و 320 فيما سبق.

[39] في المصدر: و عبد الله و عبد الرحمن ابنا شداد الارحبي.

و في المناقب ج 4 ص 90 و هکذا تذکرة خواص الامة لسبط ابن الجوئزي ص 139 و 140 نقلا عن ابن إسحاق " و عبد الرحمن بن عبد الله الارحبي " و لعله الصحيح لما سيجئ بعد ذلک أنه عليه السلام أرسل مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي، و عمارة بن عبد الله السلولي، و عبد الرحمن بن عبد الله الازدي [الارحبي] فان الظاهر أنهم هم الذين جاءوا من الکوفة رسلا اليه.

[40] يقال: استوسق له الامر: اي امکنه.

[41] في المصدر: خشيت.

[42] ما بين العلامتين ساقط من نسخة الاصل موجود في نسخة المصدر ص 187 و هکذا طبعة الکمباني ص 172 و لا مناص منه لقوله بعد ذلک: " فلما وصلت الکتب " بصيغة الجمع.

[43] الارشاد: 1 ص 187 - 188.

[44] هو أن ترعي الابل ثلاثة أيام و ترد الرابع.

[45] کتاب الملهوف ص 32 - 38 طبعة الکمباني ص 304 و 305.

[46] هذا من الامثال السائرة يضرب للجبان، يقول: انما ينبئ عدوک عنک أن تصدقه في المحاربة و غيرها، لا أن توعده و لا تنفذ لما توعد به، راجع مجمع الامثال ج ص 398 تحت الرقم 2111 و سيجيء شرحه أوفي من ذلک في بيان المصنف قدس سره.

[47] إرشاد المفيد ص 188 - 190.

[48] کذا في نسخة الاصل و المصدر و الصحيح کما في مقاتل الطالبيين:



ما الانتظار بسلمي أن تحيوها

حيوا سليمي و حيوا من يحييها



" کأس المنية بالتعجيل أسقوها "



و الشطر الاخير من زيادة شريک بن الاعور تصريحا بما تواطئوا عليه.

[49] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 91 و 92 باختصار و تلفيق.

[50] مقاتل الطالبين ص 71 و الحديث رواه أبو داود في سننه ج 2 ص 79 عن أبي هريرة و معناه أن الايمان يمنع من الفتک الذي هو القتل بعد الامان غدرا کما يمنع القيد من التصرف.

[51] الحائن من الحين - بالفتح - و هو الهلاک، و الحائن: الذي حان حينه و هلاکه قال الميداني في مجمع الامثال تحت الرقم 57: کان المفضل يخبر بقائل هذا المثل فيقول: انه الحارث بن جبلة الغساني، قاله للحارث بن عيف العبدي، و کان ابن العيف قد هجاه فلما غزا الحارث بن جبلة، المنذر بن ماء السماء، کان ابن العيف معه، فقتل المنذر، و تفرقت جموعه، و اسر ابن العيف، فأتي به إلي الحارث بن جبلة، فعندها قال: أتتک بحائن رجلاه يعني مسيره مع المنذر اليه، ثم أمر الحارث سيافه الدلامص فضربه ضربة دقت منکبه، ثم برأ منها و به خبل، و قيل: أول من قاله عبيد الابرص حين عرض للنعمان بن المنذر في يوم بؤسه و کان قصده ليمدحه و لم يعرف أنه يوم بؤسه، فلما انتهي اليه قال له النعمان: ما جاء بک يا عبيد؟ قال: أتتک بحائن رجلاه فقال النعمان هلا کان هذا غيرک؟ قال: البلايا علي الحوايا.

فذهبت کلمتاه مثلا.

[52] قال الاخفش: و يقال: سقط في يده و أسقط - مجهولا - أي ندم، و منه قوله تعالي: " و لما سقط في أيديهم " اي ندموا.

[53] کذا في نسخة الاصل و هکذا المصدر ص 191 و 192، و الظاهر أن ابن زياد خاطبه بذلک، و أن " سائر اليوم " کان لقبا له معروفا بذلک، و يؤيده قول حسان بن أسماء ابن خارجة لا بن زياد: " أرسل غدر سائر اليوم " و السائر: البقية، و المعني بقية السلف اليوم.

و لکن الصحيح ما في نسخة الملهوف ص 42: " سائر القوم " اي قائدهم و سائسهم في المسير و المعني: هل قائد القوم و سائرهم حروري يري رأي الخوارج، فيخرج علي أميره بالسيف؟ و سيجيء في ذلک کلام من المصنف قدس سره.

[54] الغدر: الغادر، و يقال في شتم الرجل " يا غدر " اي يا غادر، و سيجيء تفسير سائر غرائب الحديث منه قدس سره.

[55] في الاصل و هکذا المصدر ص 192 " فقال لمناديه " و هو سهو ظاهر.

[56] أي ضرب بالقضيب جنبه أن قم.

[57] في المصدر: فانبهر: أي انقطع نفسه من شدة السعي و القتال.

[58] قال الميداني: أصل المثل [لا ناقتي في هذا و لا جملي] للحارث بن عباد، حين قتل جساس بن مرة کليبا.

و هاجت الحرب بين الفريقين.

و کان الحارث اعتزلهما.

قال و قال بعضهم ان أول من قال ذلک الصدوف بنت حليس العذرية علي ما سيجئ بيانه مختصرا عند إيضاح المصنف لغرائب الحديث. راجع مجمع الامثال ج 2 ص 220 تحت الرقم 3539.

[59] الارشاد ص 190 - 197 و فيه " ليس لکذوب رأي ".

[60] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 93.

[61] کتاب الارشاد ص 197 - 199.

[62] راجع کتاب الملهوف ص 47 - 50، و ذيل العاشر ص 306.

[63] نسبه في ذيل الصحاح ص 726 إلي سليم بن سلام الحنفي، و فيه: " قد عفر السيف وجهه " و يروي: " قد کدح السيف وجهه، و يروي " قد عفر الترب وجهه ".

[64] إرشاد المفيد ص 199 - 200.

[65] في مجمع الامثال: أ سائر القوم و قد زال الظهر، راجع ج 1 ص 335 تحت الرقم 1790.

[66] الارشاد ص 200 و 201.

[67] کتاب الملهوف ص 53 - 56.

[68] المصدر ص 26 و 27.

[69] الارشاد 201 و 202.

[70] کتاب الملهوف ص 52 و 53.

[71] کشف الغمة ج 2 ص 204.

[72] کتاب الملهوف ص 60 - 62.

[73] الريف: أرض فيها زرع و خصب، و السعة في المأکل و المشرب.

[74] اجأ و سلمي: جبلان لطيئ.

[75] مأسدة قرب الکوفة.

[76] الارشاد ص 202.

[77] الملهوف ص 66 و 67.

[78] في المصدر: الکوفة.

[79] کتاب الملهوف ص 62 - 64.

[80] الارشاد ص 204.

[81] منزلة للحاج بين الاجفر و الثعلبيه.

[82] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 95.

[83] الارشاد ص 204 و 205.

[84] کتاب الملهوف ص 64 و 65، و فيه " فما بال متروک به المرء يبخل " و رواه في کشف الغمة ج 2 ص 202.

[85] ذکره السيد في قيس بن مسهر الصيداوي راجع المصدر ص 67.

[86] کقطام: موضع أو ماءة لبني أسد، أو جبل عال.

[87] ذو خشب خ ل، و في المصدر: ذو حسم، فليتحرر.

[88] زاد في المصدر ص 207: فأعادوه.

[89] الارشاد ص 207 و 208.

[90] القصص: 41.

[91] الارشاد ص 209 و 210.

[92] کتاب الملهوف ص 69 و 70.

[93] الارشاد ص 210 و 211 و الظاهر قد حسبت أن لا يقبل.

[94] تناضلوا. خ ل. و الظاهر: تثاقلوا.

[95] الفأس: آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب و غيره. و قد يترک همزها.

[96] يقال: بغر البعير و کذا الرجل - کقطع و علم -: بغرا: شرب فلم يرو. فهو بغير و بغر.

[97] قال سبط ابن الجوزي في التذکرة ص 141: و قد وقع في بعض النسخ أن الحسين عليه السلام قال: لعمر بن سعد دعوني أمضي إلي المدينة أو إلي بزيد فادع يدي في يده.

و لا يصح ذلک عنه، فان عقبة بن السمعان قال: صحبت الحسين من المدينة إلي العراق و لم أزل معه إلي أن قتل و الله ما سمعته قال ذلک.

[98] و ذلک لان ام البنين بنت حزام ام عباس و عثمان و جعفر و عبد الله کانت کلابية و شمر ابن ذي الجوشن کلابي و لذا أخذ من ابن زياد أمانا لبنيها، و ذکر ابن جرير ان جرير بن عبد الله بن مخلد الکلابي کانت أم البنين عمته فأخذ لابنائها أمانا هو و شمر بن ذي الجوشن.

[99] مخفف يا اختاه، اي يا اختي، کما يقال: يا ابه مخفف يا أباه بمعني يا أبي.

[100] راجع کتاب الملهوف ص 79.

[101] ي بعض النسخ: عند قرب الماء. يعني الخيمة التي فيها قرب الماء.

[102] کذا في المصدر ص 214.

و هو الصحيح و في سائر النسخ: فهمتنا في الدين و هو تصحيف.

[103] في المصدر: لا أظن.

[104] مر معني المثل في ص 316 و 323 فراجع.

[105] إرشاد المفيد ص 213 و 215.