بازگشت

غدر قديم و شجت عليه اصولكم


في هذه الحالة يتحول الشر من حالة طارئة عارضة الي حالة أصيلة عريقة داخل النفس ، وكما ان للخير عراقة وأصالة كذلك للشر عراقة واصالة ، وجذور الخير تمتد الي الفطرة والعقل والضمير والقلب ، وجذورالشر تمتد الي الهوي ، وعندما يتاصّل الشر و الهوي في النفس يفقدصاحبه كل منابع الخير في نفسه ، وتنضب في قلبه وضميره و عقله و فطرته كل جذور الخير وأصول الخير.

و يدخل عامل الوراثة في تاصيل حالة الخير و حالة الشر معاً. و لست اقول : إن الوراثة عامل قهري في تاصيل الخير والشر، ولكن اقول : إن عامل الوراثة له دور هام في تاصيل الخير والشر.

إن الوراثة تنقح الخير و تنقح الشر، ولكن من دون إجبار و قهر.

و من هنا فإن البشرية تنشطر الي شطرين : الشجرة الطيّبة و الشجرة الخبيثة ، كل منهما شجرة ، و للشجرة جذور و ثمار، و تتشابه الجذور و الثمار في الشجرة ، إن الجذور أصل الشجرة والثمار فرعها، و الشجرة واسطة في نقل الخصائص من الجذور الي الثمار.

و كذلك الشجرة الطيّبة والشجرة الخبيثة ، كل منهما ينقلان الطيّب و الخبيث من الاسلاف الي الابناء فيتعرق في كل منهما الخير والشر.

و بالتالي فهاتان الشجرتان تشكلان خطين في تاريخ البشر: خطّاً صاعداً، مستمراً في الصعود، وخطّاً هابطاً مستمراً في السقوط . الاسرة النمرودية في سقوط ، والاسرة الإبراهيمية في صعود. والاسرة الموسوية في صعود، والاسرة الفرعونية في سقوط .

و قانون الوراثة ينقّح هذا الصعود، وذلك الهبوط ، لا ينقل فقط خصائص الخير والشر من الاسلاف الي الابناء، و إنما ينقّحه و يصفّيه ،و يفرز الشرّ عن الخير، ويفرز الخير عن الشر، وكلما يمر الزمن علي هاتين الاسرتين تتسع الفاصلة بينهما، حتي إذا خلصت نفوسهم عن الخير، و نضب معين الخير في نفوسه ، نزل عليهم العذاب ؛ لانهم لايستحقون الرحمة عندئذٍ كما حدث في عهد نوح (ع). و الذي حدث في عهد نوح (ع) يحدث في اي وقت آخر؛ فتنتهي الاسرة الخبيثة و تسقط ،فتبدا دورة جديدة من التاريخ .

إن قانون الوراثة ينقل خصائص الطيّب و الخبيث من جيل الي جيل ،و ينقّح الطيّب و الخبيث معاً.

و الي هذا القانون ، (قانون الوراثة ) يشير الإمام الحسين (ع): «اجل و الله غدر فيكم قديم ، وشجت عليه اصولكم ، وتازّرت عليه فروعكم ، فكنتم اخبث ثمر،شجي للناظر و أكلة للغاصب ».

(وشجت : اشتبكت ، تازرت : هاجت ).

يقول لهم الإمام (ع): إن هذا الغدر والخبث فيكم أصيل و عريق ، ورثه الابناء من الآباء، اشتبكت عليه أصولكم وتازّرت وهاجت و تفتحت عليه فروعكم ، فأنتم أخبث ثمر للشجرة الخبيثة .

و يبقي أن نضيف الي هذا: أن الوراثة هنا، في القيم والسلوك لا ينطبق مع الوراثة الحياتية (البايولوجية )، وقانون الوراثة الحياتية لا ينطبق بالضرورة علي قانون الوراثة في القيم و السلوك والافكار.

و قد يتخالفان تماماً، كما حدث ذلك في ابن نوح (ع). إن وراثة العمل ، و هي غير الوراثة البايولوجية ، و تعبير القرآن عن ابن نوح (ع) تعبير دقيق ،(إنّه عمل غير صالح )، و إن كان من ذرية نوح (ع)، وهو إمام الصالحين .