بازگشت

فسحقا لكم يا عبيد الامة ، و شذاذ الاحزاب


وهنا يدعو عليهم الإمام (ع) بالبعد من رحمة الله، و السحق هو البعد،و الإمام (ع) ينطق هنا في هذا الدعاء عن سنن الله؛ ذلك ان لرحمة الله تعالي منازل في حياة الإنسان ، تنزل عليه منها الرحمة ، فاذا ابتعد الانسان عن هذه المنازل ابتعد عن رحمة الله، وهذه سنة الله في عباده ، ولنتامل في هذه السنة : إن بين رحمة الله الهابطة علي الناس و منازل هذه الرحمة علاقة متبادلة .

فالرحمة النازلة تُفَعّل مواضع نزولها، فإذا نزل المطر علي أرض اخضرت و أثمرت وأينعت وازدهرت وآتت اُكلها. وهذا هو فعل (الرحمة النازلة ) بـ (مواضع نزولها).

و مواضع الرحمة تستنزل الرحمة ، و لا تنزل الرحمة علي مواضعها إلاّ إذا كانت مؤهلة لنزول الرحمة ، و هذا التاهيل هو (الطلب التكويني ) لرحمة الله بلسان الاستعداد، ولابد من هذا التاهل والاستعداد لقبول الرحمة حتي تنزل الرحمة ، وبعكسه الإعراض عن رحمة الله، فإنه يدفع الرحمة ويُبعّدها. و الرحمة الإلهية نازلة لا تنقطع ، ولكن هناك عوامل لاستقبال رحمة الله، تستنزل الرحمة ، و عوامل لرفض رحمة الله.

تاملوا في دعاء العبد الصالح نوح (ع) علي قومه : (و قال نوح رب ّ لا تذرعلي الارض من الكافرين دياراً، إنّك إن تذرهم يُضلّوا عبادك و لا يلدوا إلاّ فاجراً كفّاراً).

وهو دعاء عجيب ، ينطق فيه نوح (ع) بسنن الله في نزول الرحمة و انقطاعها، لقد نضب فيهم كل استعداد لقبول الخير، وكل استعداد بطلب الرحمة : (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراً) فعلي ماذا تنزل رحمة الله؟

إن لرحمة الله تعالي في حياة الانسان منازل تتنزّل عليها، فإذا انعدمت هذه المنازل و نضب معينها في نفس الإنسان ، فلا يبقي لرحمة الله تعالي موضع في حياة الإنسان ، فيستحقون عندئذٍ البعد من رحمة الله.

و الحسين (ع) يدعو الله تعالي علي أولئك الناس يوم عاشوراء؛ لان هذه القلوب فقدت كل ّ القيم التي هي منازل الرحمة في نفوسهم ، فلم يبق لنزول رحمة الله موضع في نفوس هؤلاء و حياتهم ، فيقول لهم : (فسحقاً ياعبيد الاُمة ).