بازگشت

لقاء الله


والنقطة السادسة في الخطاب الحسيني علي (لقاء الله) نفسه . و هذه الكلمة هي التعبير الشفّاف و الرقيق الذي اختاره الإمام للموت و هو (لقاءالله).

و للموت و جهان : وجه سلبي ووجه إيجابي ، والوجه السلبي هو حالة (الفصل ) والوجه الإيجابي هو حالة (الوصل ).

فإن الموت يقوم بتقطيع كل العلاقات التي كوّنها الإنسان لنفسه ،وبناها في الحياة الدنيا بجهد وحرص وتعب خلال ايام عمره مرة واحدة ،من العلاقة بالاموال و البنين و الازواج و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسوّمة ، و ما الي ذلك من العلاقات التي يكوّنها الانسان لنفسه في عمره بجهد و حرص ، ويأنس بها انساً شديداً منقطع النظير،فيقوم الموت بفصل الانسان عن كل هذه العلاقات مرة واحدة ، وليس بصورة تدريجية .

و هذا هو الوجه السلبي المرعب والمخيف للموت و هو وجه (الفصل ) من هذه الحتمية الإلهية التي تنزل باي إنسان .

و الوجه الآخر للموت ، وهو الذي يشير اليه الإمام الحسين (ع) في هذه الكلمة ، هو وجه (الوصل ) وهو الجانب الإيجابي من الموت ، فإن الموت هو النافذة التي فتحها الله تعالي علي عباده للقائه ، ومن خلال نافذة الموت يتم للصالحين من عباده لقاؤه ؛ فان الدنيا تحجب الإنسان عن لقاء الله فإذا حل ّ به الموت انكشفت عنه الحجب (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)، و أمكنه ان يرقي الي لقاء الله تعالي .

(قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله).

(قد خسر الذين كذّبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ).

(يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون ).

(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً).

(من كان يرجو لقاء الله فإن اجل الله لآت ).

(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمانوا بها).

وهذا هو الوجه المشرق للموت .

ويختلف موقف الناس النفسي من الموت باختلاف الوجه الذي ينظرون من خلاله الي الموت ، فالذين ينظرون الي الموت من خلال وجهه السلبي يرعبهم الموت و يصدمهم عند المفاجاة ، والذين ينظرون الي الموت من الوجه الثاني يجدون في الموت نافذة الي لقاء الله فيحبون الموت و يقبلون عليه و يتمنونه ، ويجدون في الموت فوزاً بلقاء الله؛ كما قال امير المؤمنين (ع) لمّا ضربه اللعين ابن ملجم و سقط في محراب صلاته : «فزت ورب الكعبة »، والي هذا المعني يشير القرآن الكريم عندمايتحدّي اليهود في دعواهم (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين و لا يتمنونه أبداً بماقدّمت أيديهم ).

وقبل أن نختم الحديث عن هذه الفقرة من كلام الإمام (ع) نتساءل :كيف يتمكن الإنسان ان يوطّن نفسه للموت و لنزول البلاء حتي لاتصدمه مفاجأة الابتلاء في ساحة الباساء والضراء، التي خلق الله تعالي الإنسان فيها، وحتي لا يهتز الانسان في زلزال الابتلاء؟

و للإجابة علي هذا السؤال نقول : إن هناك عاملين تربويين في حياة الانسان يساعدان الإنسان في توطين نفسه للابتلاء و الموت ، وهما الإكثار من ذكر الموت اولاً، و تركيز الشوق الي لقاء الله تعالي في النفس ،و النظر الي الموت من خلال هذا الوجه الإيجابي والمشرق ثانياً.

ففي المحاولة التربوية الاولي ، يانس الإنسان الي الموت ، و يالف التفكير فيه فلا يصدمه الموت والابتلاء عندما ينزل بالانسان ، و في المحاولة التربوية الثانية يجد الإنسان في الموت نافذة الي لقاء الله، وكانماالحياة الدنيا كانت تعيقه عن ذلك فيحرّره الموت عن عوائق الدنيا ليلقي الله تعالي في الآخرة و تقر عينه بلقاء الله.