التوطين
والقضية الخامسة التي يشير اليها الإمام (ع) في هذه الدعوة :(التوطين ) و لابد منه في هذه الرحلة العسيرة والشاقة .
فهذا الذي يدعو اليه الحسين (ع) من بذل المهج و الدماء، لله ليس بالامر السهل اليسير، وقد عبّر عنه القرآن في سورة الانفال بـ (ذات الشوكة ). و قد يندفع الإنسان في هذا الطريق من دون إعداد وتوطين ، ثم يتزلزل في أثناء الطريق ، وتهتز قدمه ، و يدخله الخوف و الرعب و يتراجع .
ولنا في مسيرة الرسالات شواهد كثير علي ذلك .
ولكيلا يتراجع الإنسان ، و لا تفاجئه اهوال الطريق يجب عليه ان يعدّنفسه للقاء الله إعداداً خالصاً، و يوطّن نفسه لهذه الرحلة العسيرة علي طريق ذات الشوكة توطيناً.
و (التوطين ) اعلي درجات الإعداد النفسي لمواجهة الابتلاء، وكانما يعدّ الانسان نفسه ليكون منزلاً و موطناً للابتلاء، ويحضّر نفسه لنزول البلاء و يهيئها لاستقبال الموت و الابتلاء، فلا تفاجئه الابتلاءات عندماتنزل عليه .
و الإعداد النفسي لاستقبال الابتلاء علي أنحاء، و أعلاها و أفضلها و في نفس الوقت أشقّها، هو هذه الحالة الي يشير اليها الإمام بكلمة (التوطين ).
و هو يشبه الي حدّ كبير الحديث المعروف «موتوا قبل ان تموتوا»! فإن الموت الاول حالة إيحائية نفسية بتقطيع العلاقات التي تربط الإنسان بالدنيا، استعداداً لتلقي الموت ، فإذا نزل به الموت لم يفاجئه ، و بهذه الحالة من الإيحاء النفسي يمتص صدمة مفاجاة الابتلاء و الموت الحقيقي كثيراً.
و الإيحاء الثاني للتوطين توطين النفس للرضا بقضاء الله، و ما قدّره تعالي لعبده علي طريق ذات الشوكة .
والي هذا المعني التربوي الدقيق تشير النصوص الإسلامية ؛ ففي دعاء كميل : «واجعلني بقسمك راضياً قانعاً».
وفي زيارة (امين الله):
«اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك ، راضية بقضائك ، صابرة علي نزول بلائك ».
وكلمة (التوطين ) تحمل هنا هذا المعني التربوي العميق ، وتُعِدُّ الإنسان لاستقبال الابتلاء من جانب الله بحالة التسليم والرضا بقضاء الله.و حالة (الرضا) في تلقي الابتلاء من جانب الله اعمق من حالة التسليم .
وكلمة (التوطين ) تشير الي هذا المعني النفسي العميق بالرضا بقضاء الله.
وهذا الإيحاء الثاني يقوم أيضاً بدور مؤثّر في امتصاص صدمة مفاجاة الموت والابتلاء من نفس الإنسان في ساحة المواجهة و الصراع .