بازگشت

ورود اهل بيت المدينة


1 - قال الفتال: ثم ندب يزيد نعمان بن بشير، و قال له تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة الي المدينة و لما أراد أن يجهزهم دعا بعلي بن الحسين عليهماالسلام فاستحلاه ثم قال لعن الله بن مرجانة أما و الله لواني صاحب أبيك ما سألني خصلة الا أعطيته اياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولكن الله قضي ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه الي كل جاجة تكون لك و تقدم بكسوته و كسوة أهل بيته و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا يقدم اليه أن يسير بهم في الليل و يكون أمامهم حيث لا يفوتون طرفة فاذا نزلوا تنحي عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و نزل معهم حيث أراد الانسان من جماعتهم وضؤا و قضاء حاجة لم يحتشم.

صار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطرق كما وصاه يزيد و يرفق بهم حتي دخلوا المدينة فلم يسمع واعية مثل واعية بني هاشم في دور هم علي الحسين بن علي عليهماالسلام، و خرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت بنعي الحسين عليه السلام حاسرة و معها أخواتها ام هاني و اسماء و رملة و زينب بنات عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطف و هي تقول:



ماذا تقولون ان قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم اخر الامم



يعترتي و بأهلي بعد مفتقدي

منهم اساري و منهم ضرجوا بدم



ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسئوفي ذوي رحم



سمع أهل المدينة في جوف اليل مناديا ينادي، يسمعون صوته و لا يرون شخصه:



أيها القاتلون ظلما حسينا

ابشروا بالعذاب و التنكيل






كل أهل السماء يدعوا عليكم

من نبي و ملك و قبيل



قد لعنتم علي لسان ابن داود

و موسي و عيسي صاحب الانجيل



2 - قال المفيد: ثم ندب النعمان بن بشير و قال له تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة الي المدينة، و لما أراد أن يجهزهم دعي علي بن الحسين عليهماالسلام فاستخلي به، ثم قال لعن الله ابن مرجانة ام و الله لو اني صاحب أبيك ما سئلني خصلة أبدا الا أعطتيه اياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولكن الله قضي ما رأيت كاتبني من المدينة، و أنه الي كل حاجة تكون لك و تقدم بكسوته و كسوة أهله و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم اليه ان يسيربهم في الليل، و يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه.

فاذا نزلوا انتحي عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و ينزل منهم بحيث ان أراد انسان من جماعتهم و ضوء و قضاء حاجة لم يحتشم فسار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كما وصاه يزيد و يرعاهم حتي دخلوا المدينة [1] .

3 - قال ابن طاووس قال الراوي: و لما رجع نساء الحسين عليه السلام و عياله من الشام و بلغوا العراق قالوا للدليل: مربنا علي طريق كربلا فوصلوا الي موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله و جماعة من بني هاشم و رجالا من آل رسول الله صلي الله عليه و آله قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام فوافوا في وقت واحد و تلافوا بالبكاء و الحزن و اللطم و أقاموا الماتم المقرحة للأكباد و اجتمع اليهم نساء ذلك السواد فأقاموا علي ذلك اياما [2] .

قال الراوي ثم انفصلوا من كربلا طالبين المدينة قال بشير بن جذلم فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليه السلام فحط رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نسائه و قال


يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر علي شي منه فقال بلي يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله اني شاعر فقال عليه السلام ادخل المدينة وانع أباعبدالله عليه السلام قال بشير فركبت فرسي و ركضت حتي دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي صلي الله عليه و آله رفعت صوتي بالبكاء و انشأت أقول:



يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحسين فأدمعي مدرار



الجسم منه بكربلاء مضرج

و الرأس منه علي القناة يدار



قال ثم قلت هذا علي بن الحسين عليهماالسلام معه عماته و أخواته فدخلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه قال فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة الا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل و الثبور فلم أر باكيا اكثر من ذلك اليوم و لا يوما أمر علي المسلمين منه و سمعت جارية تنوح علي الحسين عليه السلام فتقول:



نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا

و أمرضني ناع نعاه فأفجعا



فعيني جواد بالدموع واسكبا

وجودا بدمع بعدد معكما معا



علي من دهي عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد و الدين اجدعا



علي ابن نبي الله و ابن وصيه

و ان كان عنا شاحط الدار أشعا



ثم قالت أيها الناعي جددت حزننا بابي عبدالله عليه السلام و خدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت أنا بشير بن جذلم و جهني مولاي علي بن الحسين عليهماالسلام و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال ابي عبدالله الحسين عليه السلام و نسائه قال فتركوني مكاني و بادروني فضربت فرسي حتي رجعت الهيم فوجدت الناس قد اخذوا الطرق و المواضع فنزلت عن فرسي و تخطيت رقاب الناس حتي قربت من باب الفسطاط.

كان علي بن الحسين عليه السلام داخلا فخرج و معه خرقة يمسح بها دموعه و خلفه


خادم معه كرسي فوضعه له و جلس عليه و هو لا يتمالك عن العبرة و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء و حنين النسوان و الجواري و الناس يعزونه من كل ناحية فضجت تلك البقعة ضجة شديدة، فأومأ بيده ان اسكتوا فسكنت فورتهم فقال:

الحمدلله رب العالمين مالك يوم الدين باري الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السموات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور و فجائع الدهور، و الم الفجائع و مضاضة اللواذع و جليل الزرء و عظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحه أيها القوم ان الله و له الحمد ابتلانا بمصائب جليلة و ثلمة في الاسلام عظيمة قتل أبوعبدالله الحسين عليه السلام و عترته و سبي نسائه و صبيته و داروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله أم أية عين منكم تحبس دمعها و تضن عن انهما لها فلقد يكت السبع الشداد لقتله و بكت البحار بأمواجها و السموات بأركانها و الأرض بأرجائها و الاشجار بأغصانها و الحيتان و لجج البحار و الملائكة المقربون و أهل السموات أجمعون يا ايها الناس أي قلب لا ينصرع لقتله أم أي فواد لا يحن اليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام و لا يصم.

أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين و شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا الا اختلاق، والله لو أن النبي تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصاية بنا لمازادوا علي ما فعلوا بنا فانا لله و انا اليه راجعون من مصيبة ما أعظمها و أوجعها و أفجعها و أكظها و أفظعها و أمرها و أفدحها فعند الله نحتسب فيما أصابنا و ابلغ بنا فانه عزيز ذوانتقام.

قال الراوي فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان و كان زمنا فاعتذر اليه


صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجليه فأجابه بقبلو معذرته و حسن الظن فيه و شكر له و ترحم علي أبيه.

4 - قال علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن طاووس: ثم انه صلوات الله عليه رحل الي المدينة بأهله و عياله، و نظر الي منازل قومه و رجاله فوجد تلك المنازل تنوح بلسان أحوالها و تبوح باعلال الدموع و ارسالها لفقد حماتها و رجالها و تندب عليهم ندب الثواكل و تسأل عنهم أهل المناهل و تهيج أحزانه علي مصارع قتلاه و تنادي لاجلهم و اثكلاه، و تقول يا قوم اعذروني علي النياحة و العويل و ساعدوني علي المصاب الجليل.

قال: القوم الذين أندب لفراقهم و أحن الي كرم أخلاقهم كانوا سمار ليلي و نهاري و أنوار ظلمي و أسحاري، و أطناب شرفي و افتخاري، و أسباب قوتي و انتصاري، و الخلف من شموسي و أقماري كم ليلة شردوا باكرامهم وحشتي، و شيدوا بأنعامهم حرمتي و أسمعوني مناجات أسحارهم و أمتعوني بايداع أسرارهم، و كم يوم عمروا ان نعي بمحافلهم و عطروا طبعي بفضائلهم و اورقوا عودي بماء عهودهم و أذهبوا نحوسي بنماء سعودهم و كم غرسوا لي من المناقب و حرسوا محلي من النوائب.

كم أصبحت بهم أتشرف علي المنازل و القصور و أميس في ثوب الجذل و السرور و كم أعاشوا في شعابي من أموات الدهوروكم انتاشوا علي أعتابي من رفات المحذور فاقصوني فيهم منهم الحمام، و حسدني عليهم حكم الأيام فأصبحوا غرباء بين الأعداء و غرضا لسهام الاعتداء، و أصبحت المكارم تقطع بقطع أناملهم و المناقب تشكو لفقد شمائلهم و المحاسن تزول بزوال أعضائهم و الاحكام تنوح لوحشة أرجائهم، فيالله من ورع أريق دمه في تلك الحروب و كمال نكس علمه بتلك الخطوب.


لئن عدمت مساعدة أهل العقول و خذلني عند المصائب جهل العقول فان لي مسعدا من السنن الدارسة و الأعلام الطامسة فانها تندب كندبي و تجد مثل و جدي و كربي، فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات و يحن اليهم انسان الخلوات و تشتاقهم طوية المكارم و ترتاح اليهم أندية الأكارم و تبكيهم محاريب المساجد و تناديهم مآريب الفوائد لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة و عرفتم تقصيركم في هذه المصيبة الشاملة.

بل لو رأيتم وحدتي و انكساري و خلو مجالسي و آثاري، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور و يهيج أحزان الصدور، لقد شمت بي من كان يحسدني من الديار و ظفرت بي أكف الأخطار، فياشوقاه الي منزل سكنوه و منهل أقاموا عنده و استوطنوه ليتني كنت انسانا أفديهم حز السيوف و ادفع عنهم حر الحتوف و أشفي غيظي من أهل السنان و أرد عنهم سهام العدوان، و هلا اذا فاتني شرف تلك المواساة الواجبة، كنت محلا لضم جسومهم الشاحبة و اهلا لحفظ شمائلهم من البلي، و مصونا من لوعة هذا الهجر و القلي.

فآه ثم آه لو كنت مخطا لتلك الأجساد و محطا لنفوس أولائك الأجواد، لبذلت في حفظها غاية المجهود، و وفيت لها بقديم العهود، و قضيت لها بعض الحقوق الأوائل و وقيتها من وقع الجنادل، و خدمتها خدمة العبد المطيع، و بذلت لها جهد المستطيع فرشت لتلك الخدود والأ وصال فراش الا كرام و الا جلال، و كنت أبلغ منيتي من اعتناقها و أنور ظلمتي باشراقها.

فياشوقاه الي تلك الأماني، و يا قلقاه لغيبة أهلي و سكاني، فكل حنين يقصر عنن حنيني، و كل دواء غيرهم لا يشفيني، و ها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الأحزان، و أنست بعدهم بجلبات الأشجان، و آيست ان يلم في التجلد و الصبر و قلت يا سلوة الأيام موعدك الحشر، و لقد أحسن ابن قتيبة رحمه الله تعالي و قد


بكي علي المنازل المشار اليها فقال



مررت علي ابيات آل محمد

فلم أرها أمثالها يوم حلت



فلا يبعد الله الديار و أهلها

و ان أصبحت منهم بزعمي تخلت



ألا ان قتلي الطف من آل هاشم

أذلت رقاب المسلمين فذلت



و كانوا غياثا ثم أضحوا رزية

لقد عظمت تلك الرزايا و جلت



ألم تر أن الشمس أضحت مريضة

لفقد حسين و البلاد اقشعرت



فاسلك ايها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حماة الكتاب [3] .

5 - عنه روي عن مولانا زين العابدين عليه السلام و هو ذوالحلم الذي لا يبلغه الوصف انه كان كثير البكاء لتلك البلوي، و عظيم البث و الشكوي [4] .

6 - عن روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: ان زين العابدين عليه السلام بكي علي أبيه أربعين سنة صائما نهاره و قائما ليله فاذا حضر الافطار و جاء غلامه بطعامه و شرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول الله صلي الله عليهما جائعا قتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك و يبكي حتي يبتل طعامه من دموعه ثم يمزح شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتي لحق بالله عزوجل [5] .

7 - عنه حدث مولي له انه برز يوما اي الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد علي حجارة خشنة فوقفت و أنا أسمع شهيقه و بكائه و أحصيت عليه ألف مرة يقول لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله تعبدا و رقا لا اله الا الله ايمانا و تصديقا و صدقا، ثم رفع رأسه من سجوده و أن لحيته و وجهه قد غمراه بالماء من دموع عينيه، فقلت: يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي، و لبكائك أن يقل فقال لي ويحك ان


يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم، كان نبيا ابن نبي له اثني عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم، فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم، و ذهب بصره من البكاء، وابنه حي في دار الدنيا، و أنا رأيت أبي و أخي و سبعة عشر من أهل بيتي صرعي مقتولين فكيف ينقضي حزني و يقل بكائي، و ها أنا أتمثل و أشير اليهم صلوات الله عليهم فأقول:



من مخبر الملبسينا بانتزاحهم

ثوبا من الحزن لا يبلي و يبلينا



ان الزمان الذي قد كان يضحكنا

بقربهم صار بالتفريق يبكينا



حالت لفقدهم أيامنا فغدت

سودا و كانت بهم بيضا ليالينا [6] .



8 - قال أبوالفرج: ثم أمر يزيد علي بن الحسين عليهماالسلام الشخوص الي المدينة مع النسوة من أهله و سائر بني عمه فانصرف بهم [7] .

9 - قال الدينوري: ثم أمر بتجهيزهم بأحسن جهاز، و قال لعلي بن الحسين: انطلق مع نسائك حتي تبلغهن وطنهن. و وجه معه رجلا في ثلاثين فارسا، يسير أمامهم، و ينزل حجرة عنهم، حتي انتهي بهم الي المدينة [8] .

10 - قال محمد بن سعد: ثم بعث يزيد الي المدينة فقدم عليه بعدة من ذوي السن من موالي بني هاشم ثم من موالي بني علي، و ضم اليهم أيضا عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بثقل الحسين و من بقي من نسائه و أهله و ولده معهم و جهزهم بكل شي و لم يدع لهم حاجة بالمدينة الا أمر لهم بها، و قال لعلي بن حسين: ان أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك و نعرف لك حقك فعلت، و ان أحببت أن أردك الي بلادك و أصلك، قال: بل تردني الي بلادي، فرده الي المدينة و وصله، و أمر الرسل الذين وجههم معهم أن ينزلوا بهم حيث شاؤوا و متي شاؤوا، و بعث بهم


مع محرز بن حريث الكلبي و رجل من بهراء و كانا من أفاضل أهل الشام [9] .


پاورقي

[1] الارشاد: 231.

[2] اللهوف: 86.

[3] اللهوف: 89.

[4] اللهوف: 92.

[5] اللهوف: 93.

[6] اللهوف: 92.

[7] مقاتل الطالبيين: 81.

[8] الاخبار الطوال: 261.

[9] ترجمة الامام الحسين من الطبقات.