بازگشت

ماجري في يوم عاشوراء


1 - قال الصدوق: ان الحسين عليه السلام أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق و أمر فحشيت حطبا و أرسل عليا ابنه عليه السلام في ثلثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم علي وجل شديد، و انشأ الحسين عليه السلام يقول:



يا دهر أف لك من خليل

كم لك في الاشراق و الأصيل



من صاحب و ما جد قتيل

و الدهر لا يقنع بالبديل



و انما الأمر الي الجليل

و كل حي سالك السبيل



ثم قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضؤا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم، لتكون اكفانكم، ثم صلي بهم الفجر، و عبأهم تعبية الحرب و أمر بحفيرته التي حول عسكره فاضرمت بالنار، ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد علي فرس له يقال له ابن أبي جويرية المزني فلما نظر الي النار تتقد صفق بيده و نادي يا حسين و أصحاب حسين ابشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الحسين عليه السلام: من الرجل فقيل ابن أبي جويرية المزني، فقال الحسين عليه السلام: اللهم أذقة عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار، فاحترق، ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن الحصين الفزاري، فنادي يا حسين و يا أصحاب حسين أما ترون الي ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات و الله لاذقتم منه قطرة حتي الموت جرعا.


فقال الحسين عليه السلام من الرجل؟ فقيل تميم بن حصين، فقال الحسين عليه السلام هذا و أبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم، قال فخنقه العطش حتي سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد، يقال له محمد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك.

قال الحسين عليه السلام: هذه الأية «ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين ذرية» الآية، ثم قال: والله ان محمدا لمن آل ابراهيم و ان العترة الهادية لمن آل محمد من الرجل فقيل محمد بن اشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين عليه السلام رأسه الي السمآء فقال: اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغه فمات بادي العورة.

فبلغ العطش من الحسين عليه السلام و أصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني، قال ابراهيم بن عبدالله راوي الحديث هو خال أبي اسحق الهمداني، فقال يابن رسول الله أتأذن لي فأخرج اليهم، فاكلمهم فاذن له فخرج اليهم، فقال يا معشر الناس ان الله عز و جل بعث محمدا بالحق بشيرا و نذيرا و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا، و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد، و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه فقالوا يا يزيد فقد اكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله.

فقال الحسين اقعد يا يزيد ثم وثب الحسين عليه السلام متوكيا علي سيفه فنادي بأعلي صوته فقال: انشدكم الله هل تعرفوني قالوا نعم أنت ابن رسول الله و سبطه، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله قالوا اللهم نعم، قال أنشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة بنت محمد قالوا: اللهم نعم، قال أنشدكم الله


هل تعلمون ان أبي علي بن أبي طالب قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد أول نسآء هذه الامة أسلاما قالوا اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي قالوا: اللهم نعم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر اطيار في الجنة عمي قالوا: اللهم نعم قال: فانشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله و انا متقلده قالوا: اللهم نعم، قال: فانشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لا بسهما قالوا: اللهم نعم.

قال: فانشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان أولهم اسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و انه ولي كل مؤمن و مؤمنة قالوا: اللهم نعم، قال فبم تستحلون دمي و ابي الذايد عن الحوض، غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يدي جدي يوم القيمة، قالوا قد علمنا ذلك كله و نحن غير تاركيك حتي تذوق الموت عطشا.

أخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة، ثم قال: اشتد غضب الله علي اليهود حين قالوا: عزيز بن الله و اشتد عضب الله علي النصاري حين قالوا: المسيح بن الله، و اشتد، عضب الله علي المجوس حين عبدوا النار من دون الله، و اشتد عضب الله علي قوم قتلوا نبيهم و اشتد عضب الله علي هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم [1] .

2 - قال المفيد: و اصبح الحسين عليه السلام فعبأ أصحابه بعد صلوة الغداة و كان معه اثنان و ثلثون فارسا و أربعون راجلا، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطي رايته العباس أخاه، و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كان قد


حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة و قيل يوم السبت فعباء أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه السلام، و كان علي ميمنته عمرو بن الحجاج، و علي ميسرته شمر بن ذي الجوشن، و علي الخيل عروة بن قيس، و علي الرجالة شبث بن ربعي، و أعطي الراية دريدا مولاه فروي عن علي بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام انه قال:

لما أصبحت الخيل تقبل علي الحسين عليه السلام رفع يديه و قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب و أنت رجائي في كل شدة و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدو أنزلته بك و شكوته اليك رغبة مني اليك، عمن سواك ففرجته عني و كشفته فانت ولي كل نعمة و صاحب كل حسنة و منتهي كل رغبة.

قال و أقبل القوم يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون الخندق في ظهورهم، و النار تضطرم في الحطب و القصب الذي كان القي فيه، فنادي شمر بن ذي الجوشن بأعلي صوته يا حسين أتعجلت النار قيل يوم القيامة فقال الحسين عليه السلام من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا له: نعم، فقال له يابن راعية المعزي أنت أولي بها صليا و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك.

فقال له دعني حتي أرميه فانه الفاسق من أعداء الله و عظماء الجبارين، و قد أمكن الله منه، فقال له الحسين عليه السلام لا ترمه فاني أكره أن أبدأهم ثم دعي الحسين عليه السلام براحلته فركبها و نادي بأعلي صوته يا أهل العراق و جلهم يسمعون، فقال: أيها الناس أسمعوا قولي، و لا تعجلوا حتي أعظكم بما يحق لكم علي و حتي اعذر اليكم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد و ان لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم.


ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين» ثم حمد الله و أثني عليه و ذكر الله تعالي بما هو أهله، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و علي ملائكته و أنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال: أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا الي أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدق لرسول الله صلي الله عليه و آله بما جآء به من عند ربه.

أوليس حمزة سيدالشهداء عمي أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي، أولم يبلغكم ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة، فان صدقتموني بما أقول، و هو الحق و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت ان الله يمقت عليه أهله و ان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبدالله انصاري و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذا المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي.

فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله علي حرف ان كان يدري ما يقول فقال له حبيب بن مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله علي سبعين حرفا و أنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله علي قلبك، ثم قال لهم الحسين عليه السلام فان كنتم في شك من هذا فتشكون اني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم، و لا في غيركم، و يحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة فاخذوا لايكلمونه.

فنادي يا شبث بن ربعي و يا حجار بن أبجر و يا قيس بن الأشعث، و يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجنات، و انما تقدم


علي جند لك مجند، فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل علي حكم بني عمك فانهم لم يروك الا ما تحب فقال له الحسين عليه السلام: لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا افر فرار العبيد، ثم نادي يا عباد الله «أني عذت بربي و ربك ان ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» ثم انه اناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها فأقبلوا يزحفون نحوه [2] .

3 - قال الطبرسي: أصبح عليه السلام و عباء أصحابه بعد صلاة الغذاة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، و حبيب بن مظهر في ميسرة أصحابه، و أعطي الراية العباس أخاه، و جعل البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان هناك قد حضروه أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة و قيل: يوم السبت فعباء أصحابه فجعل علي ميمنته عمرو بن الحجاج، و علي ميسرته شمر بن ذي الجوشن، و علي الخيل عروة بن قيس، و علي الرجالة شبث بن ربعي، و نادي شمر - لعنه الله - بأعلي صوته - يا حسين تعجلت بالنار قيل يوم القيامة فقال: يا ابن راعية المعزي أنت أولي بها صليا، و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم.

فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك، فقال له: دعني حتي أرميه فان الفاسق من عظماء الجبارين، و قد أمكن الله منه فقال: أكره أن أبدأهم، ثم دعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها و نادي بأعلي صوته و كلهم يسمعونه فقال: أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتي أعظكم بما يحق عليكم، و حتي أعذر الكيم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد و ان لم تعطوني النصف من أنفسكم، فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن


أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون، ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين.

ثم حمد الله و أثني عليه، و صلي علي النبي فلم يسمع متكلم قط بعده و لا قبله أبلغ في منطق منه، ثم قال: أما بعد فانسبوني و انظروا من أنا ثم ارجعوا الي أنفسكم، و عاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدقين لرسول الله و بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أوليس جعفر الطيار بجناحين عمي، أولم يبلغكم ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لأخي: «هذان سيدا شباب أهل الجنة».

فان صدقتموني بما أقول و هو الحق فو الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله تعالي يمقت عليه و ان كذبتموني فان فيكم من اذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ فقال له شمر: هو يعبد الله علي حرف ان كان يدري ما تقول:

فقال له حبيب بن مظهر: والله اني لأراك تعبد الله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما تقول قد طبع الله علي قلبك، فقال لهم الحسين: فان كنتم في شك من هذا أفتشكون أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه.

فنادي يا شبث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار و اخضر الجنات، و انما تقدم علي جند لك مجند؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن انزل علي حكم ابن


عمك، فانهم لم يريدوا بك الا ما تحب، فقال الحسين عليه السلام: لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد، ثم نادي يا عباد الله «اني عذت بربي و ربكم أن ترجمون و أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» ثم انه نزل عن راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه [3] .

4 - قال ابن طاووس: فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب فأمر بجفنة فيها مسك كثير و جعل عندها نورة ثم دخل ليطلي، فروي ان برير بن خضير الهمداني و عبدالرحمن بن عبد ربه الانصاري، وقفا علي باب الفسطاط ليطليا بعد فجعل برير يضاحك عبدالرحمن، فقال له عبدالرحمن يا برير أتضحك ما هذه ساعة ضحك و لا باطل فقال برير لقد علم قومي انني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا و انما افعل ذلك استبشارا بما نصير اليه، فوالله ما هو الا ان نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة، ثم نعانق الحور العين [4] .

5 - عنه قال الراوي: و ركب أصحاب عمر بن سعد لعنهم الله فبعث الحسين عليه السلام برير بن خضير، فوعظهم فلم يستمعوا و ذكرهم فلم ينتفعوا، فركب الحسين عليه السلام ناقته و قيل فرسه فاستنصتهم فانصتوا، فحمد الله و اثني عليه، و ذكره بما هو أهله و صلي علي محمد صلي الله عليه و آله و علي الملائكة و الأنبياء و الرسل و أبلغ في المقال ثم قال:

تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا حين استصرختمونا و الهين، فاصرخنا لكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتد حناها علي عدونا و عدوكم، فأصبحتم ألباء الأعدائكم علي أوليائكم بغير عدل افشوه فيكم و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن و الراي


لما يستحصف، ولكن أسرعتم اليها كطيرة الدبا و تداعيتم اليها كتهافت الفراش.

فسحقا لكم يا عبيد الامة و شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب، و محر في الكلم و عصبة الاثام و نفثة الشيطان، و مطفي ء السنن أهؤلاء تعضدون و عنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم و شجت اليه اصولكم، و تأزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجا للناظر و أكلة للغاصب، ألا و أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبي الله ذلك لنا و رسوله، و المؤمنون و حجور طابت و طهرت، و انوف حمية و نفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام ألا و اني زاحف بهذا الأسرة مع قلة العدد، و خذلة الناصر، ثم أوصل كلامه بابيات فروة بن مسيك المرادي:



فان نهزم فهزامون قدما

و ان نغلب فغير مغلبينا



و ما ان طبنا جبن ولكن

منايانا و دولة آخرينا



اذا ما الموت رفع عن اناس

كلا كله أناخ بآخرينا



فأفني ذلكم سرواة قومي

كما افني القرون الاولينا



فلو خلد الملوك اذا خلدنا

و لو بقي الكرام اذا بقينا



فقل للشامتين با أفيقوا

سيلقي الشامتون كما لقينا



ثم أيم الله لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتي تدور بكم دور الرحي، و تقلق بكم قلق المحور عهد عهده الي أبي عن جدي، «فاجمعوا أمركم و شركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون اني توكلت علي الله ربي و ربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم».

اللهم احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كأسا مصبرة، فانهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و اليك أنبنا و اليك المصير، ثم نزل عليه السلام و دعا بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله المرتجز


فركبه و عبي أصجابه للقتال [5] .

6 - عنه باسناده، علي الباقر عليه السلام انهم كانوا خمسة و أربعين فارسا و مأة راجل و روي غير ذلك [6] .

7 - عنه قال الراوي فتقدم عمر بن سعد فرمي نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم، و قال: اشهد و الي عند الامير أني أول من رمي و أقبلت السهام من القوم كانها القطر، فقال عليه السلام لأصحابه قوموا رحمكم الله الي الموت الذي لابد منه فان هذه السهام رسل القوم اليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة و حملة، حتي قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة.

قال فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده الي لحيته و جعل يقول اشتد غضب الله تعالي علي اليهود اذا جعلوا له و اشتد غضب الله تعالي علي النصاري، اذ جعلوه ثالث ثلاثة و اشتد غضبه علي المجوس اذ عبدوا الشمس و القمر دونه، و اشتد غضبه علي قوم اتفقت كلمتهم علي قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم الي شي ء مما يريدون حتي ألقي الله تعالي و انا مخضب بدمي [7] .

8 - عنه روي عن مولانا الصادق عليه السلام انه قال: سمعت أبي يقول: لما التقي الحسين عليه السلام و عمر بن سعد لعنه الله و قامت الحرب أنزل الله تعالي النصر حتي رفرف علي رأس الحسين عليه السلام، ثم خير بين النصر علي أعدائه و بين لقاء الله فاختار لقاء الله رواها أبوطاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين [8] .

9 - عنه قال الراوي ثم صالح عليه السلام أما من مغيث يغيثنا لوجه الله أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله، قال فاذا الحر بن يزيد قد أقبل الي عمر بن سعد، فقال


أمقاتل أنت هذا الرجل قال: اي والله قتالا أيسره أن تطير الرؤس و تطيح الأيدي [9] .

10 - أبوجعفر المشهدي باسناده: عن الصادق صلوات الله عليه، قال: لما تهيأ الحسين عليه السلام للقتال أمر باضرام النار في الخندق الذي حول عسكره، ليقاتل القوم من وجه واحد، فأقبل رجل من عسكر ابن سعد لعنه الله، يقال له: ابن أبي جويرية المزني، فلما نظر الي النار تتقد صفق بيده و نادي: يا حسين، و يا أصحاب الحسين، أبشروا بالنار، فقد تعجلتموها في الدنيا.

فقال الحسين صلوات الله عليه: من الرجل؟ فقيل: ابن أبي جويرية المزني، فقال صلوات الله عليه: اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا قبل الأخرة. فنفر به فرسه، فألقاه في تلك النار فاحترق [10] .

11 - عنه، قال: ثم برز من عسكر عمر بن سعد لعنه الله رجل يقال له: تميم ابن الحصين فنادي: يا حسين و يا أصحاب الحسين، أما ترون الي ماء الفرات يلوح كانه بطون الحيات، والله لاذقتم منه قطرة، حتي تذوقوا الموت جزعا، فقال الحسين صلوات الله عليه: هذا و أبوه من أهل النار، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم، قال: فخنقه العطش حتي سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها حتي مات لعنه الله [11] .

13 - قال الدينوري: قالوا: و أمر الحسين أصحابه أن يضموا مضاربهم بعضهم من بعض، و يكونوا أمام البيوت، و أن يحفروا من وراء البيوت أخدودا، و أن يضرموا فيه حطبا و قصبا كثيرا، لئلا يؤتوا من أدبار البيوت، فيدخلونها.


قالوا: و لما صلي عمر بن سعد الغداة نهد بأصحابه و علي ميمنته عمرو بن الحجاج، و علي ميسرته شمر بن ذي الجوشن - و اسمه شرحبيل بن عمرو بن معاوية، من آل الوحيد، من بني عامر بن صعصعة - و علي الخيل عزرة بن قيس، و علي الرجالة شبث ابن ربعي، و الراية بيد زيد مولي عمر بن سعد [12] .

13 - عنه عبي الحسين عليه السلام أيضا أصحابه، و كانوا اثنين و ثلاثين فارسا و أربعين راجلا، فجعل زهير بن القين علي ميمنته، و حبيب بن مظاهر علي ميسرته، و دفع الراية الي أخيه العباس بن علي، ثم وقف، و وقفوا معه أمام البيوت [13] .

14 - قال اليعقوبي: خرج زهير بن القين علي فرس له فنادي: يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار، عباد الله ولد فاطمة أحق بالود و النصر من ولد سمية فان لم تنصروهم فلا تقاتلوهم. أيها الناس انه ما أصبح علي ظهر الأرض ابن بنت بني الا الحسين، فلا يعين أحد علي قتله و لو بكلمة الا نغصه الله الدنيا و عذبه أشد عذاب الآخرة، ثم تقدموا رجلا رجلا حتي بقي وحده ما معه أحد من أهله و لا ولده و لا أقاربه [14] .

15 - قال الطبري: عبأ الحسين أصحابه، و صلي بهم صلاة الغداة، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، و أعطي رأيته العباس بن علي أخاه، و جعلوا البيوت في ظهورهم، و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

قال: و كان الحسين عليه السلام أتي بقصب و حطب الي مكان من ورائهم منخفض


كأنه سياقة، فحفروه في ساعة من الليل، فجعلوه كالخندق، ثم ألقوا فيه ذلك الحطب و القصب، و قالوا: اذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا تؤتي من ورائنا، و قاتلنا القوم من وجه واحد. ففعلوا، و كان لهم نافعا [15] .

16 - عنه قال أبومخنف: حدثني فضيل بن خديج الكندي، عن محمد بن بشر عن عمرو الحضرمي، قال: لما خرج عمر بن سعد بالناس كان علي ربع أهل المدينة يومئذ عبدالله بن زهير بن مسلم الازدي، و علي ربع مذحج و أسد عبدالرحمن بن أبي سبرة الجعفي، و علي ربع ربيعة و كندة قيس بن الأشعث بن قيس، و علي ربع تميم و همدان الحر بن يزيد الرياحي.

فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين الا الحر بن يزيد فانه عدل الي الحسين، و قتل معه، و جعل عمر علي ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، و علي ميسرته شمر ابن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن عمر بن معاوية - و هو الضباب بن كلاب - و علي الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، و علي الرجالة شبث بن ربعي الرياحي، و أعطي الراية ذويدا مولاه [16] .

17 - عنه قال أبومخنف: حدثني عمرو بن مرة الجملي، عن أبي صالح الحنفي، عن غلام لعبدالرحمن بن عبد ربه الأنصاري، قال: كنت مع مولاي، فلما حضر الناس و أقبلوا الي الحسين، أمر الحسين بفسطاط فضرب، ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة: قال ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلي بالنورة. قال: و مولاي عبدالرحمن بن عبد ربه و برير ابن خضير الهمداني علي باب الفسطاط تحتك مناكبهما، فازدحما أيهما يطلي علي أثره، فجعل بريرها زل عبدالرحمن.

فقال له عبدالرحمن: دعنا، فوالله ما هذه بساعة باطل، فقال له برير: و الله


لقد علم قومي أنا ما أحببت الباطل شابا و لا كهلا، ولكن والله اني لمستبشر بما نحن لاقون، والله ان بيننا و بين الحور العين الا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم، قال: فلما فرغ الحسين دخلنا فاطلينا؛ قال: ثم ان الحسين ركب دابته و دعا بمصحف فوضعه أمامه، قال: فاقتتل أصحابه بين يديه قتالا شديدا، فلما رأيت القوم فد صرعوا أفلت و تركتهم [17] .

18 - عنه قال أبومخنف: عن بعض أصحابه، عن أبي خالد الكابلي، قال: لما صبحت الخيل الحسين رفع الحسين يديه، فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، و رجائي في كل شدة، و أنت لي في أمر نزل بي ثقة و عدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدو، أنزله بك، و شكوته اليك، رغبة مني اليك عمن سواك، ففرجته و كشفته، فأنت ولي كل نعمة، و صاحب كل حسنة، و منتهي كل رغبة [18] .

19 - عنه قال أبومخنف: فحدثني عبدالله بن عاصم، قال: حدثني الضحاك المشرقي، قال: لما أقبلوا نحونا فنظروا الي النار تضطرم في الحطب و القصب، الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا، لئلا يأتونا من خلفنا، اذا أقبل الينا منهم رجل يركض علي فرس كامل الأداة، فلم يكلمنا حتي مر علي أبياتنا، فنظر الي أبياتنا فاذا هو لا يري الا حطبا تلتهب النار فيه، فرجع راجعا، فنادي بأعلي صوته، يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة.

فقال الحسين: من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن! فقالوا: نعم، أصلحك الله هو هو، فقال: يابن راعية المعزي، أنت أولي بها صليا، فقال له مسلم بن عوسجة: يابن رسول الله، جعلت فداك! ألا أرميه بسهم! فانه قد أمكنني، و ليس يسقط:


مني سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين؛ فقال له الحسين: لا ترمه، فاني أكره أن أبدأهم، و كان مع الحسين فرس له يدعي لا حقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين.

قال: فلما دنا منه القوم عاد براحلته فركبها، ثم نادي بأعلي صوته يسمع جل الناس: أيها الناس، اسمعوا قولي، و لا تعجلوني حتي أعظكم بما الحق لكم علي، و حتي أعتذر اليكم من مقدمي عليكم، فان قبلتم عذري، و صدقتم قولي، و أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، و لم يكن لكم علي سبيل، و ان لم تقبلوا مني العذر، و لم تعطوا النصف من أنفسكم «فاجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون، ان وليي والله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين».

قال: فلما سمع أخواته كلامه هذا صحن و بكين، و بكي بناته فارتفعت أصواتهن، فأرسل اليهم أخاه العباس بن علي و عليا ابنه، و قال لهما: أسكتاهن، فلعمري ليكثرن بكاؤهن، قال: فلما ذهبا ليسكتاهن قال: لا يبعد ابن عباس، قال فظننا أنه انما قالها حين سمع بكاؤهن، لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن، فلما سكتن حمد الله و أثني عليه، و ذكر الله بما هو أهله، و صلي علي محمد صلي الله عليه و علي ملائكته و أنبيائه، فذكر من ذلك ما الله أعلم و ما لا يحصي ذكره.

قال: فوالله ما سمعت متكلما قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال: أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا الي أنفسكم و عاتبوها، فانظروا، هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلي الله عليه و آله و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء بن من عند ربه! أوليس حمزة سيدالشهداء عم أبي! أوليس جعفر الشهيد الطيار ذوالجناحين عمي! أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قال لي و لأخي: «هذان سيد اشباب أهل الجنة.»


فان صدقتموني بما أقول - و هو الحق - فواالله ما تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه أهله، و يضربه من اختلقه، و ان كذبتوني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الانصاري، أو أباسعيد الخدري، و سهل ابن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله لي و لأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي!

فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله علي حرف ان كان يدري ما يقول! فقال له حبيب مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله علي قلبك.

ثم قال لهم الحسين: فان كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم! فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة؟ قال: فأخذوا لا يكلمونه، قال: فنادي: يا شبث بن ربعي، و يا حجار بن أبجر، و يا قيس بن الأشعث، و يا يزيد بن الحارث.

ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار، و اخضرا الجنات، و طمت الجمام، و انما تقدم علي جند لك مجند، فأقبل! قالوا له لم نفعل، فقال: سبحان الله! بلي والله، لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس، اذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الي مأمني من الأرض، قال: فقال له قيس بن الأشعث: أو لا تنزل علي حكم بني عمك، فانهم لم يروك الا ما تحب، و لن يصل اليك منهم مكروه؟

فقال الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك، بنوهاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل، و لا أفر فرار العبيد عبادالله «اني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب» قال: ثم انه أناخ راحلته، و أمر عقبة بن سمعان فعقلها، واقبلوا


يزحفون نحوه [19] .

20 - عنه قال أبومخنف: حدثني علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل يقال له كثير بن عبدالله الشعبي، قال: لما زحفنا قبل الحسين خرج الينا زهير بن قين علي فرس له ذنوب، شاك في السلاح، فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار! ان حقا علي المسلم نصيحة أخيه المسلم، و نحن حتي الآن اخوة، و علي دين واحد و ملة واحدة، مالم يقع بيننا و بينكم السيف، و أنتم للنصيحة منا أهل، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة، و كنا أمة و أنتم أمة.

ان الله قد ابتلانا و اياكم بذرية نبيه محمد صلي الله عليه و آله لينظر ما نحن و أنتم عاملون، انا ندعوكم الي نصرهم و خذلان الطاغية عبيدالله بن زياد، فانكم لا تدركون منهما الا بسوء عمر سلطانهما كله، ليسملان أعينكم و يقطعان أيديكم و أرجلكم، و يمثلان بكم، و يرفعانكم علي جذوع النخل، و يقتلان أماثلكم، و قراءكم، أمثال حجر بن عدي و أصحابه، و هاني بن عروة و أشباهه، قال: فسبوه، و أثنوا علي عبيدالله بن زياد، و دعوا له و قالوا: والله لا نبرح حتي نقتل صاحبك و من معه، أو نبعث به و بأصحابه الي الأمير عبيدالله سلما.

فقال لهم: عباد الله، ان ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود و النصر من ابن سمية، فان لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين الرجل و بين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري ان يزيد ليرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين، قال: فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم و قال: اسكت أسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال له زهير: يابن البوال علي عقبيه، ما اياك أخاطب، انما أنت


بهيمة، والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة و العذاب الاليم.

فقال له شمر: ان الله قاتلك و صاحبك عن ساعة، قال: أفبالموت تخوفني! فوالله للموت معه أحب الي من الخلد معكم، قال: ثم أقبل علي الناس رافعا صوته، فقال: عباد الله، لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي، و أشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد صلي الله عليه و آله هراقوا دماء ذريته، و أهل بيته، و قتلوا من نصرهم و ذب عن حريمهم، قال: فناداه رجل فقال له: ان أباعبدالله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه و أبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت لو نفع النصح و الابلاغ! [20] .

21 - روي ابن عبد ربه: عن علي بن عبدالعزيز قال: حدثني الزبير قال: حدثني محمد بن الحسن قال: لما نزل عمر بن سعد بالحسين و أيقن أنهم قاتلوه، قام في أصحابه خطيبا، فحمدالله و أثني عليه، ثم قال: قد نزل بي ما ترون من الأمر، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت، و أدبر معروفها و اشمعلت، فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء الأخنس، عيش كالمرعي الوبيل. ألا ترون الحق لا يعمل به، و الباطل لا ينهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا ذنا و ندما [21] .

22 - الحافظ ابن عساكر: أخبرنا أبوبكر محمد بن عبد الباقي: أنبأنا أبومحمد الشيرازي، أنبأنا أبوعمر الخزاز، أنبأنا أبوالحسن الخشاب، أنبأنا الحسين بن محمد أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا علي بن محمد بن أبي الأسود العبدي: عن الأسود بن قيس العبدي، قال: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي و هو مع الحسين في كربلا: قد أسر


ابنك بثغر الري، قال: عندالله احتسبه و نفسي، ما كنت أحب أن يؤسر و لا أن أبقي بعده، فسمع قوله الحسين عليه السلام فقال له: رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك! قال: أكلتني السباع حيا ان فارقتك! قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود تستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار [22] .

23 - قال عبدالرزاق المقرم: قال ابن قولويه و المسعودي: لما أصبح الحسين يوم عاشوراء و صلي بأصحابه صلاة الصبح قام خطيبا فيهم، حمد الله و أثني عليه ثم قال: ان الله تعالي أذن في قتلكم و قتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر و القتال، ثم صفهم للحرب و كانوا اثنين و ثمانين ما بين فارس و راجل، فجعل زهير بن القين في الميمنة و حبيب بن مظاهر في الميسرة، و ثبت هو عليه السلام و أهل بيته في القلب و أعطي رأيته أخاه العباس.

اقبل عمر بن سعد نحو الحسين عليه السلام في ثلاثين ألفا و كان روساء الأربعة بالكوفة يومئذ: عبدالله بن زهير بن سليم الأزدي علي ربع أهل المدينة، و عبدالرحمان بن أبي سبرة الحنفي علي ربع مذحج و أسد، و قيس بن الأشعث علي ربع ربيعة و كندة، و الحر بن يزيد الرياحي علي ربع تميم و همدان، و كلهم اشتركوا في حرب الحسين الا الحر الرياحي و جعل ابن سعد علي الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، و علي الميسرة شمر بن ذي الجوشن العامري، و علي الخيل عزرة بن قيس الأحمسي و علي الرجالة شبث بن ربعي و الراية مع مولاه ذويد.

ثم أقبلوا يجولون حول البيوت فيرون الناصر تضطرم في الخندق، فنادي شمر بأعلا صوته يا حسين تعجلت بالنار قبل يوم القيامة، فقال الحسين من هذا كأنه شمر ابن ذي الجوشن، قيل نعم، فقال عليه السلام: يا ابن راعية المعزي أنت اولي بها مني صليا


ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين و قال أكره أن أبدأهم بقتال.

لما نظر الحسين عليه السلام الي جمعهم كأنه السيل رفع يديه بالدعاء و قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب و رجائي في كل شدة، و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة و عدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، و تقل فيه الحيلة و يخذل فيه لصديق، و يشمت فيه العدو أنزلته بك و شكوته اليك رغبة مني اليك، عمن سواك فكشفته و فرجته فأنت ولي كل نعمة و منتهي كل رغبة.

ثم دعا براحلته فركبها و نادي بصورت عال يسمعه جلهم: أيها الناس اسمعوا قولي و لا تجعلوا حتي أعظكم بما هو حق لكم علي و حتي اعتذر اليكم من مقدمي عليكم فان قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد و لم يكن لكم علي سبيل، و ان لم تقبلوا مني العذر، و لم تعطوا النصف من أنفسكم «فاجمعوا أمركم و شركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين».

فلما سمعن النساء هذا منه صحن و بكين و ارتفعت أصواتهن، فأرسل اليهن أخاه العباس و ابنه علي الأكبر، و قال لهما اسكتا هن فلعمري ليكثر بكاؤهن، و لما سكتن حمدالله و اثني عليه و صلي علي محمد و علي الملائكة و الانبياء و قال في ذلك ما لا يحصي ذكره و لم يسمع متكلم قبله و لا بعده أبلغ منه في منطقه، ثم قال:

الحمد الله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء و زوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته و الشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها تخيب طمع من طمع فيها، و اراكم قد اجتمعتم علي أمر قد اسخطتم الله فيه عليكم و اعرض بوجهه الكريم عنكم و أحل بكم نقمته و جنبكم رحمته فنعم الرب ربنا و بئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة و آمنتم بالرسول محمد صلي الله عليه و آله، ثم انكم زحفتم الي ذريته و عترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان،


فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبا لكم و لما تريدون لنا انا الله و انا اليه راجعون.

هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين، أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا الي أنفسكم و عاتبوها و انظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء من عند ربه، أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي، أوليس جعفر الطيار عمي، أولم يبلغكم قول رسول الله لي و لاخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة، فان صدقتموني بما أقول و هو الحق و الله تعمدت الكذب منذ عملت أن الله يمقت عليه أهله و يضر به من اختلقه و ان كذبتموني فان فيكم من أن سألتموه عن ذلك أخبركم.

سلوا جابر بن عبدالله الانصاري، و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس بن مالك يخبرونكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي، فقال الشمر، هو يعبد الله علي حرف ان كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر: والله اني أراك تعبد الله علي سبعين حرفا و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله علي قلبك.

ثم قال الحسين عليه السلام: فان كنتم في شك من هذا القول أفتشكون اني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم، و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة، فأخذوا لا يكلمونه، فنادي: يا شبث بن ربعي، و يا حجار بن أبجر، و يا قيس بن الأشعث و يا زيد بن الحارث ألم تكتبوا الي أن أقدم قد أينعت الثمار و اخضر الجنات، و انما تقدم علي جند لك مجندة؟

فقالوا: لم نفعل. قال: سبحان الله بلي و الله لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس اذا


كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم الي مأمني من الارض، فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل علي حكم بني عمك؟ فانهم لن يروك الا ما تحب و لن يصل اليك منهم مكروه، فقال الحسين عليه السلام: أنت أخو أخيك أتريد أن يطلب بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا و الله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل، و لا أفر فرار العبيد عباد الله «اني عذت بربي و ربكم أن ترجمون، أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يومن بيوم الحساب» ثم أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان فعقلها.

ثم ان الحسين عليه السلام ركب فرسه و أخذ مصحفا و نشره علي رأسه و وقف بأزاء القوم و قال: يا قوم ان بيني و بينكم كتاب الله و سنة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله، ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة ما عليه من سيف النبي صلي الله عليه و آله و درعه و عمامته فأجابوه بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم علي قتله قالوا: طاعة للأمير عبيدالله بن زياد.

فقال عليه السلام: تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها علي عدونا و عدوكم فأصبحتم ألبا لأعدائكم علي أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن و الرأي لما يستحصف و لكن أسرعتم اليها لكطيرة الدبا و تداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثم نفضتموها، فسحقا لكم يا عبيد لأئمة و شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب و محر في الكلم و عصبة الاثم و نفثة الشيطان و مطفي السنن.

و يحكم أهؤلاء تعضدون و عنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم و شجت عليه أصولكم و تأزرت فروعكم فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر و أكلة للغاصب، ألا و ان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبي الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون، و حجور طابت و طهرت و أنوف


حمية و نفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام، ألا و اني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العدد و خذلان الناصر، ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:



فان نهزم فهزامون قدما

و ان نغلب فغير مغلبينا



و ما أن طبنا جبن ولكن

منايانا و دولة آخرينا



فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقي الشامتون كما لقينا



اذا ما الموت رفع عن أناس

بكلكله أناخ بآخرينا



أما و الله لا تلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس حتي تدوركم دور الرحي و تقلق بكم قلق المحور عهد عهده الي أبي عن جدي رسول الله «فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون اني توكلت علي الله ربي و ربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم».

ثم رفع يديه نحو السماء و قال: اللهم احبس عنهم قطر السماء و ابعث عليهم سنين كسني يوسف و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، فانهم كذبونا و خذلونا و أنت ربنا عليك توكلنا و اليك المصير، و الله لا يدع أحدا منهم الا انتقم لي منه قتلة بقتلة، و ضربة بضربة، و انه لينتصرلي و لأهل بيتي و أشياعي.

استدعي عمر ابن سعد فدعي له و كان كارها لا يحب أن يأتيه فقال: أي عمر أتزعم أنك تقتلني و يوليك الداعي بلاد الري و جرجان، و الله لا تتهنا بذلك عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع فانك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و كأني برأسك علي قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة و يتخذونه غرضا بينهم فصرف بوجهه عنه مغضبا [23] .


الحافظ أبونعيم: حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الزبير بن بكار، حدثني محمد بن الحسين، قال: لما نزل القوم بالحسين و أيقن أنهم قاتلوه، قام في أصحابه خطيبا، فحمدالله و أثني عليه ثم قال: قد نزل من الأمر ما ترون، و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها، و انشمرت، حتي لم يبق منها الا كصبابة الأناء، الا خسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، و الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله و اني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا جرما [24] .

25 - الهيتمي باسناده: عن محمد بن الحسن، قال لما نزل عمر بن سعد بالحسين، و أيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا فحمد الله عزوجل و أثني عليه ثم قال: قد نزل ما ترون من الأمر، و أن الدنيا تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و انشمر حتي لم يبق منها الا صبابة الاناء الا خسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به و الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فاني لا أري الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما [25] .


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 95.

[2] الارشاد: 216.

[3] اعلام الوري: 236

[4] اللهوف: 41.

[5] اللهوف: 42.

[6] اللهوف: 43.

[7] اللهوف: 43.

[8] اللهوف: 44.

[9] اللهوف: 44.

[10] الثاقب: 340.

[11] الثاقب في المناقب: 340.

[12] الاخبار الطوال: 256.

[13] الاخبار الطوال: 256.

[14] تاريخ اليعقوبي: 231:2.

[15] تاريخ الطبري: 422:5.

[16] الطبري: 422:5.

[17] تاريخ الطبري: 422:5.

[18] تاريخ الطبري: 423:5.

[19] تاريخ الطبري 423:5

[20] تاريخ الطبري: 426:5.

[21] العقد الفريد: 380:4.

[22] ترجمة الامام الحسين: 154.

[23] مقتل الحسين: 256.

[24] حلية الاولياء: 39:2.

[25] مجمع الزوائد: 192:9.