بازگشت

ما جري له مع الحر بن يزيد


1- قال الصدوق: بلغ عبيدالله بن زياد لعنه الله الخبر و أن الحسين عليه السلام قد نزل الرهيمية فاسري اليه الحر بن يزيد في ألف فارس، قال الحر فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين عليه السلام نوديت ثلاثا: يا حر ابشر بالجنة، فالتفت فلم أراحدا فقتل: ثكلت الحر أمه يخرج الي قتال ابن رسول الله صلي الله عليه و آله، و يبشر بالجنة فرهقه عند صلوة الظهر فأمر الحسين عليه السلام ابنه فأذن و أقام و قام الحسين عليه السلام فصلي بالفريقين جميعا.

فلما سلم و ثب الحر بن يزيد، فقال السلام عليك يابن رسول الله و رحمة الله و بركاته، فقال الحسين عليه السلام: و عليك السلام، من أنت يا عبدالله، فقال أنا الحر ابن يزيد فقال يا حرأ علينا أم لنا، فقال الحر والله يابن رسول الله لقد بعثت لقتالك و أعوذ بالله أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة الي رجلي و يدي مغلوبة الي عنقي، وأكب علي وجهي في النار.

يابن رسول الله أين تذهب ارجع الي حرم جدك، فانك مقتول، فقال الحسين عليه السلام:




سأمضي فما بالموت عار علي الفتي

اذا مانوي حقا و جاهد مسلما



و واسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و خالف مجرما



فان مت لم أندم و ان عشت لم ألم

كفي بك ذلا أن تمون و ترغما [1] .



2 قال المفيد: ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتي نزل شراف، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا، ثم سار منها حتي انتصف النهار، فبينا هو يسير اذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين عليه السلام: الله أكبر لم كبرت، قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه: والله ان هذا لمكان ما رأينا به نخلة قط فقال له الحسين عليه السلام فما ترونه قالوا نراه والله آذان الخيل، قال: والله أري ذلك.

ثم قال عليه السلام مالنا ملجاء نلجأ اليه فنجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد، فقلنا له بلي ذو حسم الي جنبك تميل اليه عن يسارك فان سبقت اليه فهو كما تريد، فاخذ اليه ذات الياسر وصلنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادي الخيل فتبينا و عدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا، كان أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا الي ذي حسم فسبقناهم اليه.

أمر الحسين عليه السلام بابنيته فضربت و جاء القوم زهآء الف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، و الحسين عليه السلام و أصحابه معتمون متقلدون أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانهم اسقوا القوم، وارو و هم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا، ففعلوا و أقبلوا يملئون القصاع و الطساس من المآء، ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلثا أو أربعا أو خسما عزلت عنه و سقوا آخر حتي سقوها كلها.


فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأي الحسين عليه السلام مابي و فرسي من العطش، قال: أنخ الرواية و الراوية عندي السقاء، ثم قال يابن الأخ انخ الجمل فأنخته فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت، سال الماء من السقاء، فقال الحسين عليه السلام أخنث السقاء فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت و سقيت فرسي و كان مجي ء الحر بن يزيد من القادسية.

كان عبيدالله بن زياد بعث الحصين بن نمير و أمره ان ينزل القادسية و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلوة الظهر و أمر الحسين عليه السلام الحجاج من مسروق أن يؤذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين عليه السلام في ازار و رداء، و نعلين فحمد الله و أثني عليه.

ثم قال: أيها الناس: أني لم آتكم حتي اتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي، و الحق، فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم، و مواثيقكم و ان لم تفعلوا و كنتم لقدومي كارهين، انصرفت عنكم الي المكان الذي جئت منه اليكم، فسكتوا عنه، و لم يتكلم أحد منهم بكلمة، فقال للمؤذن أقم و أقام الصلوة.

فقال للحر أتريد أن تصلي بأصحابك، قال لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك فصلي بهم الحسين عليه السلام، ثم دخل فاجتمع اليه أصحابه و انصرف الحر الي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت و اجتمع اليه جماعة من أصحابه، و دعا الباقون الي صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها، فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيئوا للرحيل، ففعلوا،ثم أمر مناديه، فنادي بالعصر و أقام، فاستقدم الحسين عليه السلام و قام فصلي ثم سلم و انصرف اليهم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال.

أما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا الله، و تعرفوا الحق لأهله، تكن أرضي لله


عنكم و نحن أهل بيت محمد و أولي بولاية هذا الامر عليكم من هذه المدعين، ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان و ان أبيتم الا كراهية لنا و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم، فقال له الحر: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر.

فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم، الي فاخرج خرجين مملوين صحفا فنشرت بين يديه، فقال له الحر انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، و قد أمرنا اذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيدالله فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا و انتظروا حتي ركب نسائهم.

فقال لأصحابه انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام للحر ثكلتك امك ما تريد؟ قال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان، و لكن والله مالي الي ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه فقال له الحسين عليه السلام فما تريد قال: أريد ان أنطلق بك الي الامير عبيدالله.

قال اذا والله لا أتبعك قال اذا والله لا أدعك فتراد القول ثلث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر اني لم أومر بقتالك انما أمرت الا افارقك حتي اقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا تردك الي المدينة، تكون بيني و بينك نصفا حتي اكتب الي الامير عبيدالله فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي بشي ء من أمرك فخذ هيهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية.

فسار الحسين عليه السلام و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقول له يا حسين اني اذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال الحسين عليه السلام أفبألموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب، أن تقتلونني و سأقول كما قال أخو الأوس لابن


عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله، فخوفه ابن عمه و قال اين تذهب فانك مقتول فقال:



سأمضي و ما بلموت عار علي الفتي

اذا مانوي حقا و جاهد مسلما



و واسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و خالف مجرما



فان عشت لم اندم و ان مت لم ألم

كفي بك ذلا أن تعيش و ترغما



فلما سمع ذلك الحر تنحي عنه و كان يسير بأصحابه ناحية والحسين عليه السلام في ناحية أخري حتي انتهوا الي عذيب الهجانات [2] .

3- قال الطبرسي: ثم سار حتي انتصف النهار فبينا هو يسير كبر رجل من أصحابه عليه السلام، فقال: لم كبرت فقال: رأيت النخل، فقال له جماعة من أصحابه: و الله ان هذا المكان ما رأينا به نخل، قط قال: فما ترونه؟ قالوا: نراه والله آذان الخيل، قال: أنا والله أري ذلك، فما كان بأسرع حتي طلعت هوادي الخيل، مع الحر بن يزيد التميمي، فجاء حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة و كان مجيي ء الحر بن يزيد من القادسية.

فقدم الحصين بن نمير في ألف فارس، فحضرت صلاة الظهر فصلي الحسين عليه السلام و صلي الحر خلفه، فلما سلم انصرف الي القوم و حمد الله وأثني عليه و قال: أيها الناس انكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله تكن أرضي لله عنكم، و نحن أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله، أولي بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين بكم بالجور و العدوان، فان أبيتم الا الكرامة لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم، و قدمت علي به رسلكم، و قدمت علي به رسلكم، أنصرف عنكم.

قالوا انا والله لا ندري ما هذه الكتب التي تذكر، فقال الحسين عليه السلام: لبعض


أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي، فاخرج خرجين مملوين، كتبا فنشرت بين يديه فقال له الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك و قد أمرنا اذا لقيناك أن لا نفارقك حتي نقدم بك الكوفة علي عبيدالله بن زياد.

فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم، و بين الانصراف فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك امك يابن يزيد، قال الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل و لكن والله مالي الي ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: أريد أن أنطلق بك الأمير عبيدالله، قال: اذا والله ما اتبعك قال: اذا والله لا أدعك و ترادا القول، فلما كثر الكلام بينهما قال الحر: اني لم أومر بقتالك، انما امرت أن لا افارقك حتي أقدم بك الكوفة فتياسر ههنا عن طريق العذيب و القادسية حتي أكتب الي الامير و يكتب الي الامير لعل الله أن يأتيني بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلي بشي ء من أمرك.

فسار الحسين عليه السلام و سرا الحر في أصحابه يسايره، و هو يقول له: اني اذكرك في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال الحسين عليه السلام: أفبالمت تخوفني؟ و سأقول ما قال أخو الاوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله فخوفه ابن عمه فقال: انك مقتول فقال:



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما



و آسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و ودع مجرما



فلما سمع ذلك الحر تنحي عنه، قال عقبة بن سمعان، فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام هو علي ظهر فرسه خفقة، ثم انتبه و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون و الحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل اليه علي بن الحسين عليهماالسلام


علي فرس فقال يا أبه فيم حمدت الله و استرجعت؟ فقال: يا بني اني خفقت خفقة فعن لي فارس علي فرس، و هو يقول: القوم يسيرون و المنايا تسري اليهم، فعملت أنها أنفسنا نعيت الينا.

فقال له: يا أبه لا أراك الله سوءا ألسنا علي الحق؟ قال: بلي والذي اليه مرجع العباد، قال: فاننا اذن لا نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده فلما أصبح نزل فصلي الغداة، ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم، فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه فجعل اذا ردهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتي انتهوا الي نينوي بالمكان الذي نزل به الحسين.

فاذا راكب علي نجيب له فلما انتهي اليهم سلم علي الحر و لم يسلم علي الحسين عليه السلام و أصحابه و دفع الي الحر كتابا من عبيدالله بن زياد، فاذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبغلك كتابي، و لا تنزله الا بالعراء في غير خضر و لا ماء و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بانفاذك أمري والسلام فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء و لا قرية.

فقال له الحسين: دعنا ويحك أنزل في هذه القرية، يعني نينوي، أو هذه، يعني الغاضرية - قال: لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علي فقال زهير ابن القين: اني والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون الا أشد ما ترون يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به، فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لابدأهم بالقتال [3] .

4- قال الفتال: بعث ابن زياد الحر بن يزيد في ألف فارس الي الحسين عليه


السلام، فجاء حتي وقفوا مقابل الحسين عليه السلام في جو الظهيرة، فقال: اسقوهم و آووهم، و صلي بهم الحسين الظهر و العصر، ثم توجه اليهم فحمد الله و أثني عليه و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و اخبرهم بمقالة الكوفيين و رسالاتهم، و قال: أنا أولي بهذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، فقال الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك و أمرنا اذا لقينا أن لا نفارقك، حتي نقدمك الكوفة.

فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك، ثم قال لاصحابه: قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتي ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه: انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام فما تريد؟ قال أريد أن أنطلق الي الامير عبيدالله بن زياد، قال اذا والله لا نتبعك فترادا القول ثلث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحراني لم أومر بقتالك انما أمرت أن لا أفارقك حتي أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة لا يردك الي المدينة، يكون بيني و بينك نصفا حتي اكتب الي الامير.

فلعل الله أن يأتيي بأمر رزقني فيه العافية من أن ابتلي بشي ء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و سار الحسين عليه السلام و سار الحر في أصحابه يسايره و يقول يا حسين أني أذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين عليه السلام افبالموت تخوفني و هل يعدوا بكم الخطب أن يقتلوني و سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله، فخوفه ابن عمه و قال اين تذهب فانك مقتول، فقال:



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا مانوي حقا و جاهد مسلما



و واسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و ودع مجرما



فان مت لم أندم و ان عشت لم الم

كفي بك ذلا ان تيعش و ترغما



فلما سمع ذلك الحر تنحي عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية و الحسين عليه السلام في


ناحية أخري حتي انتهوا الي عذيب الهجانات.

فلما أصبح نزل فصلي الغداة ثم عجل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد، فيرده و أصحابه، فجعل اذا ردهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتي انتهوا الي نينوي بالمكان الذي نزل به الحسين، فاذا راكب علي نجيب له، فلما انتهي اليهم سلم علي الحر و لم يسلم علي الحسين عليه السلام، و أصحابه، و دفع الي الحر كتابا من عبيداله بن زياد، فاذا فيه:

أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و لا تنزله الا بالعراء في غير خضر و لا ماء و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بانفاذك أمري والسلام، فأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء و لا قرية، فقال له الحسين، دعنا ويحك أنزل في هذه القرية - يعني نينوي أو هذه - يعني الغاضرية -

قال: لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علي فقال زهير بن القين: اني والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون الا أشد ما ترون يابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به، فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لأبدأهم بالقتال [4] .

5- قال ابن شهرآشوب: فلما نزل علي شراف قال، رأيت النخيل، فقال رجلان أسديان كانا معه هذا مكان ما رأينا نخلا قط، قال الحسين فما تريانه، فقالا: لا نراه والله الا هوادي الخيل، فقال أنا والله أري ذلك و أمر أصحابه أن يستبقوا اذا هم بالحر الرياحي، في ألف رجل، فقام الحسين و صلي بأصحابه و صلي الحر معه فلما سلم قال أيها الناس معذرة الي الله و اليكم اني لم آتكم حتي اتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم في كلام له حتي قال فان تعطوني ما اطمان عليه من عهودكم


أقدم مصركم، و ان كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم.

فقال الحر انا والله ما ندري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر فدعا الحسين عليه السلام بخرجين مملوين كتبا فنثرها، فقال الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك انما أمرنا اذا لقيناك لا نفارقك حتي نقدمك الكوفة، علي عبيدالله بن زياد، فقال الحسين الموت أدني اليك من ذلك فلما انتهي الي نينوي كتب ابن زياد الي الحر أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، و لا تنزله الا بالعراء غير حصن علي غير ماء و قد أمرت رسولي أن لا يفارقك حتي يأتيني بانفاذك أمري.

فأمر الحسين عليه السلام أن يشدوا الرحال فجعلوا يلازمونه فطال بينهما المقال، فقال الحر خذ علي غير الطريق، فوالله لئن قاتلت لتقتلن، فقال الحسين بالموت تخوفني و تمثل بقول أخي أوس سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي الابيات» فاستدل علي غير الجادة فقال الطرماح بن عدي الطائي أنا المدل و جعل يرتجز:



يا ناقتي لا تجزعي من زجري

و امض بنا قبل طلوع الفجر



بخير فتيان و خير سفر

آل رسول الله أهل الخير



السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر



الضاربين بالسيوف البتر

فلما أصبح بعذيب الحجانات رأي الحر في عسكره يتبعه، فسأله عن الحالة فقال هددني الأمير في شأنك، فقال دعنا في نينوي و الغاضرية، فقال لا والله و علي عينه، فقال زهير بن القين البجلي ائذن لنا بقتالهم، فقال هؤلاء اليوم أسهل من قتال من يجيي ء بعدهم، فقال لا أبتدي فساقوا الي قرية «عقر» فسأل عنها فقال هي العقر فقال: اني أعوذ بك من العقر [5] .




6-قال ابن طاووس: قال الراوي و سار الحسين عليه السلام حتي صاره مرحلتين من الكوفة فاذا بالحر بن يزيد في ألف فارس فقال له الحسين عليه السلام ألنا أم علينا فقال: بل عليك يا أباعبدالله، فقال لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم تردد الكلام بينهما حتي قال الحسين عليه السلام فاذا كنتم علي خلاف ما أتثني به كتبكم، و قدمت به علي رسلكم فانني أرجع الي الموضع الذي أتي منه فمنعه الحر و أصحابه من ذلك.

قال بل خذ يا ابن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يوصلك الي المدينة لاعتذر انا الي ابن زياد، بانك خالفتني في الطريق، فتياسر الحسين عليه السلام حتي وصل الي عذيب الهجانات، قال فورد كتاب عبيدالله بن زياد لعنه الله الي الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام و يأمره بالتضييق عليه، فعرض له الحر و أصحابه و منعوه من السير، فقال له الحسين ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق فقال له الحر بلي و لكن كتاب الامير عبيدالله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق و قد جعل علي عينا يطالبني بذلك، قال الراوي، فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه فحمد الله و أثني عليه و ذكر جده فصلي عليه، ثم قال: انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت حذاء، و لم تبق منها الاصبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل.

ألا ترون الي الحق لا يعمل به، و الي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، محقا فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا برما.

فقام زهير بن القين، و قال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله، مقالتك، و لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين لأثرنا النهوض معك علي الاقامة.

قال الراوي و قام هلال بن نافع البجلي، فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا و انا علي نياتنا، و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك، قال و قام بريربن


خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك و تقطع فيك أعضائنا، ثم يون جدك شفيعنا يوم القيامة [6] .

7- قال أبوالفرج: و مضي حتي دنا من الحر بن يزيد، فلما عاين أصحابه العسكر من بعيد، كبروا، فقال لهم الحسين: ما هذا التكبير قالوا: رأينا النخل، فقال بعض أصحابه: ما بهذا الموضع والله نخل و لا أحسبكم ترون الا هوادي الخيل و أطراف الرماح، فقال الحسين و أنا والله أري ذلك، فمضوا لوجوههم و لحقهم الحر ابن يزيد في أصحابه، فقال للحسين: اني أمرت ان انزلك في أي موضع لقيتك و اجعجع بك و لا اتركك أن تزول من مكانك.

قال: اذا اقاتلك فاحذر أن تشقي بقتلي ثكلتك امك، فقال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها و هو علي مثل الحال التي أنت عليها، ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله، كائنا من كان و لكن والله مالي الي ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه، و أقبل يسير و الحر سايره و يمنعه من الرجوع من حيث جاء، و يمنع الحسين من دخول الكوفة حتي نزل بأقساس مالك وكتب الحر الي عبيدالله يعلمه ذلك [7] .

8- قال الدينوري: و أقبلت الخيل، و كانوا ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي، ثم اليربوعي، تي اذا دنوا، أمر الحسين عليه السلام فتيانه أن يستقبلوهم بالماء فشربوا و تغمرت خيلهم، ثم جلسوا جيمعا في ظل خيولهم و أعنتها في أيديهم حتي اذا حضرت الظهر قال الحسين عليه السلام للحر: أتصلي معنا أم تصلي بأصحابك و أصلي بأصحابي؟ قال الحر: بل نصلي جميعا بصلاتك، فتقدم الحسين عليه السلام فصلي بهم جميعا فلما انفعل من صلاته حول وجهه الي القوم ثم قال:

أيها الناس معذرة الي الله، ثم اليكم اني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت


علي رسلكم، فان أعطيتموني ما أطمئن اليه من عهودكم و مواثيقكم، دخلنا معكم مصركم، و ان تكن الاخري انصرفت من حيث جئت، فأسكت القوم فلم يردوا عليه، حتي اذا جاء وقت العصر نادي مؤذن الحسين ثم أقام و تقدم الحسين عليه السلام فصلي بالفريقين، ثم انفتل اليهم فأعاد مثل القول الاول فقال الحر بن يزيد: والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين: عليه السلام: ائتني بالخرجين اللذين فيها كتبهم فأتي بخرجين مملؤين كتبا فنثرت بين يدي الحر و أصحابه، فقال له الحر يا هذا لسنا ممن كتب اليك شيئا من هذه الكتب، و قد أمرنا ألا نفارقك اذا لقيناك أو تقدم بالكوفة، علي الأمير عبيدالله بن زياد.

فقال الحسين عليه السلام: الموت دون ذلك ثم أمر بأثقاله فحملت و أمر أصحابه، فركبوا، ثم ولي وجهه منصرفا نحو الحجاز فحال القوم بينه و بين ذلك، فقال الحسين للحر: ما الذي تريد؟ قال أريد والله ان انطلق بك الي الامير عبيدالله بن زياد، قال الحسين: اذن والله أنا بذك الحرب، فلما كثر الجدال بينهما قال الحر: اني لم أومر بقتالك.

و انما امرت الا افارقك و قد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك و هو أن تجعل بيني و بينك طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك الي الحجاز، تكون نصفا بيني و بينك حتي يأتينا رأي الامير، قال الحسين: فخذ هاهنا فاخذ متياسرا من طريق العذيب و من ذلك المكان الي العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا. فسارا جميعا حتي انتهوا الي عذيب الهجانات فنزلوا جميعا و كل فريق منهما علي غلوة من الآخرة [8] .

9- قال المسعودي: فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي، فقال


له:أين تريد يا ابن رسول الله؟ قال: أريد هذا المصر فعرفه بقتل مسلم، و ما كان من خبره، ثم قال: ارجع فاني لم أدع خلفي خيرا أرجوه لك فهم بالرجوع، فقال له اخوة مسلم: والله لا نرجع حتي نصيب ثارنا أو نقتل كلنا، فقال الحسين: لا خير في الحياة بعدكم [9] .

10- قال الطبري: حدثت عن هشام، عن أبي مخنف، قال: حدثني أبوجناب، عن عدي بن حرملة، عن عبدالله بن سليم، و المذري بن المشمعل الأسديين، قالا: أقبل الحسين عليه السلام حتي نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه، فاستقوا من الماء، فاكثروا، ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتي انتصف النهار، ثم ان رجلا قال: الله أكبر! فقال الحسين: الله أكبر ما كبرت قال: رأيت النخل، فقال له الاسديان: ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط قالا: فقال لنا الحسين فما تريانه قلناه: نراه هوادي الخيل فقال: و انا والله رأي ذلك.

فقال الحسين: أما لنا ملجأ نلجأ اليه، نجعله في ظهورنا، و نستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له: بلي هذا ذوحسم الي جنبك تميل اليه عن يسارك فان سبقت القوم اليه فهو كما تريد، قالا فأخذ اليه ذات اليسار، قالا: وصلنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبيناها وعدنا، فلما رأونا و قد عدلنا عن الطريق، عدلوا الينا كأن أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحته الطير قال: فاستبقنا الي ذي حسم، فسبقناهم اليه.

فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي، حتي وقف هو و خيله، مقابل الحسين في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلد و أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم،


و أرووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتي أرووهم وأقبلوا يملئن القصاع، و الاتوار، و الطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقوا آخر حتي سقوا الخيل كلها [10] .

11- عنه قال هشام: حدثني لقيط، عن علي بن الطعان المحاربي، قال كنت مع الحر بن يزيد، فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأي الحسين مابي و بفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية - و الراوية عندي السقاء - ثم قال: يابن أخ أنخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء - اي أعطفه - قال: فجعلت لا أدري كيف افعل؟ قال: فقام الحسين فخنثه فشرب و سقيت فرسي.

قال: و كان مجي ء الحر بن يزيد و مسيره الي الحسين من القادسية و ذلك، أن عبيدالله بن زياد لما بلغه اقبال الحسين بعث الحصين بن تميم التميمي - و كان علي شرطه - فأمره أن ينزل القادسية وأن يصنع المسالح فينظم ما بين القطقطانة الي خفان، و قدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الالف من القادسية فيستقبل حسينا، قال: فلم يزل موافقا حسينا حتي حضرت الصلاة صلاة الظهر.

فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي، أن يؤذن، فأذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين في ازار و رداء، و نعلين فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: ايها الناس انها معذرة الي الله عزوجل و اليكم اني لم آتكم حتي أتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم، أن أقدم علينا فانه ليس لنا امام لعل الله يجمعنا بك علي الهدي، فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم و ان لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم الي


المكان الذي أقبلت منه اليكم، قال: فسكتوا عنه و قالوا للمؤذن: أقم فأقام الصلاة.

فقال الحسين عليه السلام للحر أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال: لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك، قال: فصلي بهم الحسين، ثم انه دخل و اجتمع اليه أصحابه، و انصرف الحر الي مكانه الذي كانوا فيه، فأعادوه، ثم أخذ كل رجل منهم، بعنان دابته و جلس في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل.

ثم انه خرج فأمر مناديه فنادي بالعصر و أقام فاستقدم الحسين فصلي بالقوم ثم سلم، و انصرف الي القوم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضي لله، و نحن أهل البيت أولي بولاية هذا الامر عليكم، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان، و ان كنتم كرهتمونا و جهلتم حقنا، و كان رأيكم غير ما أتتني كتبكم، و قدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم، فقال له الحر بن يزيد، انا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم، فقال الحر: فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، و قد أمرنا اذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتي نقدمك علي عبيدالله بن زياد، فقال له الحسين: الموت أدني اليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا و انتظروا حتي ركبت نساؤهم فقال لأصحابه: انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف.

فقال الحسين للحر: ثكلتك امك ما تريد؟ قال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل الحال التي أنت عليها، ما ترك ذكر أمه بالثكل، أن أقوله كائنا من كان، و لكن والله مالي في ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه، فقال له الحسين فما تريد؟ قال الحر: أريد والله أن أنطلق بك الي عبيدالله بن زياد


قال له الحسين اذن والله لا أتبعك، فقال له الحر: اذن والله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات.

و لما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم أومر بقتالك و انما أمرت ألا أفارقك حتي أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة و لا تردك الي المدينة، تكون بيني و بينك، نصفا حتي أكتب الي ابن زياد، و تكتب أنت الي يزيد بن معاوية أردت أن تكتب اليه أو الي عبيدالله بن زياد ان شئت فلعل الله الي ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية، من أن ابتلي بشي ء من أمرك، قال: فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية، و بينه و بين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلا، ثم ان الحسين سار في أصحابه و الحر يسايره [11] .

12- عنه قال أبومخنف: عن عقبة بن أبي العيزار، ان الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحر بالبيضة، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أيها الناس ان رسول الله صلي الله عليه و آله قال: من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان، فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقا علي الله أن يدخله مدخله.

ألا و ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان، و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله، و انا أحق من غير قد أتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم ببيعتكم، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني،فان تميمي علي بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله.

نفسي مع أنفسكم و أهلي مع أهليكم فلكم في أسوة و ان لم تفعلوا و نقضتم


عهدكم، و خلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ماهي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي مسلم و المغرور من اغتربكم فحظكم أخطأتم، و نصيبكم ضيعتم، و من نكث فانما ينكث علي نفسه، و سيغني الله عنكم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته [12] .

13- عنه قال عقبة بن أبي العيزار، قام حسين عليه السلام بذي حسم، فحمد الله و اثني عليه، ثم قال: انه قد نزل من الامر ما قد ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت جدا، فلم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، و أن الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاعه الله محقا فاني لا أري الموت الا شهادة و لا الحياة مع الظالمين الا برما.

قال: فقام زهير بن القين البجلي فقام لأصحابه: تكلمون ام أتكلم قالوا لا بل تلكم، فحمد الله فأثني عليه ثم قال: قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية، و كنا فيها مخلدين، الا أن فراقها في نصرك و مواساتك لآثرنا الخروج معك علي الاقامة فيها.

قال: فدعا له الحسين، ثم قال له خيرا و أقبل الحر يسايره و هو يقول له: يا حسين اني أذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن و لئن قوتلت لتهلكن فيما أري فقال له الحسين: أفبا الموت تخوفني و هل يعدوبكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك و لكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه، و لقيه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله فقال له: أين تذهب؟ فانك مقتول فقال:



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما






و آسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا يغش و يرغما



قال فلما سمع ذلك منه الحر تنحي عنه، و كان يسير بأصحابه في ناحية و حسين في ناحية أخري حتي انتهوا الي عذيب الهجانات و كان بها هجائن النعمان، ترعي هناك، فاذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة علي رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال، يقال له الكامل و معهم دليلهم الطرماح بن عدي علي فرسه و هو يقول:



يا ناقتي لا تذعري من زجري

و شمري قبل طلوع الفجر



بخير ركبان و خير سفر

حتي تحلي بكريم النجر



الماجد الحر ريب الصدر

أتي به الله لخير أمر



ثمت أبقاه بقاء الدهر

قال: فلما انتهوا الي الحسين انشدوه هذه الابيات، فقال: أما والله اني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا، قال: و أقبل اليهم الحر بن يزيد، فقال: ان هولاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك و أنا حابسهم أورادهم، فقال له الحسين: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، انما هؤلاء أنصاري و أعواني و قد كنت أعطيتني ألا تعارض لي بشي ء حتي يأتيك كتاب من ابن زياد.



فقال: أجل لكن لم يأتوا معك قال: أصحابي و هم بمنزلة من جاء معي، فان تممت علي ما كان بيني و بينك و الا ناجزتك، قال: فكف عنهم الحر قال: ثم قال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس و راءكم فقال له مجمع بن عبدالله العائذي، و هو أحد النفر الأربعة الذين جاءوه: أما أشراف الناس، فقد أعظمت رشوتهم و ملئت غرائزهم يستمال ودهم و يستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك، و أما سائر الناس بعد، فان أفئدتهم تهوي اليك، و سيوفهم غدا مشهورة عليك.

قال: أخبروني فهل لكم برسولي اليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر


الصيداوي، فقالوا: نعم أخذه الحصين بن تميم، فبعث به الي ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك و يلعن أباك فصلي عليك و علي أبيك و لعن ابن زياد و أباه و دعا الي نصرتك، و أخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر، فترقرقت عينا حسين عليه السلام و لم يلمك دمعه ثم قال: منهم من قضي نحبه، و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا، اللهم اجعل لنا و لهم الجنة نزلا و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك و رغائب مذخور ثوابك [13] .


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 93.

[2] الارشاد: 206.

[3] اعلام الوري: 229.

[4] روضة الواعظين: 153.

[5] 213/2.

[6] اللهوف: 33.

[7] مقاتل الطالبيين: 73.

[8] الاخبار الطوال: 249.

[9] مروج الذهب: 70/3.

[10] تاريخ الطبري: 400/5.

[11] تاريخ الطبري: 401/5.

[12] تاريخ الطبري: 403/5.

[13] تاريخ الطبري: 403/5.