بازگشت

خروجه الي العراق


1- قال المفيد: توجه الحسين صلوات الله عليه من مكة الي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية، بعد مقامه بمكة بقية شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذاالقعدة، و ثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين و كان قد اجتمع اليه عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، و نفر من أهل البصرة انضافو الي أهل بيته و مواليه.

لما أراد الحسين عليه السلام التوجه الي العراق طاف بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة و أحل من احرامه و جعلها عمرة، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة ان يقبض عليه بمكة فينفذ به الي يزيد بن معاوية، فخرج عليه السلام مبدرا بأهله و ولده، و من انضم اليه من شيعته و لم يكن خبر مسلم قد بلغه لخروجه في يوم خروجه [1] .

2- عنه قال: كان الحسين بن علي عليهماالسلام لما خرج من مكة اعترضه يحيي بن سعيد بن العاص، و معه جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد اليه، فقالوا له انصرف الي أين تذهب، فأبي عليهم، و مضي و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط، و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتي أتي التنعيم، فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه.


و قال لأصحابهما: من أحب أن ينطلق معنا الي العراق و فيناه كرائه و احسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه راه علي قدر ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم، و امتنع آخرون و ألحقه عبدالله بن جعفر بابنيه عون و محمد و كتب علي أيديهما اليه كتابا يقول فيه:

أما بعد، فاني أسئلك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له، أن يكون فيه هلاكك و استيصال أهل بيتك، و ان هلكت اليوم طفي ء نور الارض، فانك علم المهتدين و رجاء المؤمنين و لا تجعل بالمسير، فاني في أثر كتابي و السلام.

ثم صار عبدالله الي عمرو بن سعيد، فسئله أن يكتب للحسين أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه، فكتب اليه عمرو بن سعيد، كتابا يمنيه فيه الصلة، و يؤمنه علي نفسه، و أنفذه مع أخيه يحيي بن سعيد، فلحقه يحيي و عبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا اليه الكتاب، و جهدا به في الرجوع، فقال اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له.

فقالا له فما تلك الرؤيا قال: ما حدثت أحدا بها، و لا أنا محدث حتي القي ربي عزوجل، فلما آيس منه عبدالله بن جعفر رحمه الله أمرا بنيه عونا، و محمدا بلزومه، و المسير معه، و الجهاد دونه و رجع مع يحيي بن سعيد الي مكه، و توجه الحسين عليه السلام نحو العراق مغذا لا يلوي عن شي ء حتي نزل ذات عرق [2] .

3- قال الطبرسي: و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة الي العراق في يوم خروج مسلم الي الكوفة و قد اجتمع اليه مدة اقامته بمكة نفر من اهل الحجاز و البصرة، و لما أراد الخروج الي العراق طاف بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة، و


أحل من احرامه و جعلها عمرة لانه لم يتمكن من اتمام الحج، مخافة أن يقبض عليه بمكة، فينفذ الي يزيد بن معاوية. و لحقه عبدالله بن جعفر بكتاب عمرو بن سعيد ابن العاص و الي مكة مع أخيه بن سعيد يؤمنه علي نفسه.

فدعا اليه الكتاب، وجهدا به الرجوع، فقال: اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله في المنام و أمرني بما أنا ماض له، قالا له: فما تلك الرؤيا؟ فقال: ما حدثت بها أحدا و لا أحدث حتي ألقي ربي عزوجل، فلما يئس عبدالله بن جعفر منه أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه و المسير معه و الجهاد دونه و رجع هو و يحيي بن سعيد الي مكة و توجه الحسين عليه السلام نحو العراق [3] .

4- قال ابن شهرآشوب: فلما عزم الحسين عليه السلام، نهاه عمرو بن عبدالرحمن بن هشام المخزومي فقال عليه السلام: جزاك الله خيرا يا ابن عم، مهما يقض يكن و أنت عندي أحمد مشير و أنصح ناصح فأتاه ابن عباس، و تكلم في ذلك كثيرا فانصرف، و مر بعبد الله بن الزبير، فقال:



قد قلت لما أن زيت معشري

يا لك من قنبرة بمعمري



خلا لك البر فبيضي و اصفري

و نقري ما شئت ان تنقري



هذا حسين ساير فاستبشري

مذ رفع الفخ فما ذا تحذري



لابد أخذك يوما فاصبري [4] .

5- عنه كتب اليه عبدالله بن جعفر من المدينة في ذلك فأجابه اني قد رأيت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله في منامي فخبرني بأمر و أنا ماض له لي كان أم علي؟ و الله يابن عم ليعتدين علي كما يعتدي اليهود يوم السبت و خرج [5] .




6- قال ابن طاووس: و كان قد توجه الحسين عليه السلام، من مكة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجة و قيل يوم الاربعاء، لثمان من ذي الحجة سنه ستين، قبل أن يعلم بقتل مسلم لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم، رضوان الله عليه [6] .

7- عنه روي أنه عليه السلام لما عزم علي الخروج الي العراق، قام خطيبا، فقال: الحمد لله ما شاء الله، و لا قوة الا بالله و صلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أو لهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف و خير لي مصرع أنا لا قيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس و كربلا، فيملأن مني أكر شاجو فاوأ جربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم.

رضي الله رضانا أهل البيت نصبر علي بلائه، و يوفينا أجر الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلي الله عليه و آله لحمته، و هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقربهم عينه و ينجزهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته و موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحا انشا الله تعالي [7] .

8- عنه روي أبوجعفر محمد بن جرير الطبري الامامي في كتاب دلائل الامامة، قال حدثنا أبومحمد سفيان بن وكيع عن أبيه، وكيع عن الأعمش قال قال أبومحمد الواقدي، و زرارة بن خلج: لقينا الحسين بن علي عليهماالسلام قبل أن يخرج الي العراق، فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة و أن قلوبهم معه، و سيوفهم عليه، فاومي بيده نحو السماء، ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة عدد الا يحصيهم، الا الله عزوجل، فقال لو لا تقارب الاشياء و حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن أعلم يقينا


أن هناك مصرعي، و مصرع أصحابي لا ينجو معهم الا ولدي علي عليه السلام [8] .

9- عنه روي معمر بن المثني في مقتل الحسين عليه السلام فقال ما هذا لفظه: فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي [9] وقاص، الي مكة في جند كثيف، قد أمره يزيد ان يناجز الحسين القتال، ان هو ناجزه أو يقاتله ان قدر عليه، فخرج الحسين عليه السلام يم التروية [10] .

10- عنه رويت من كتاب الاصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة، الثقة و علي الأصل انه كان لمحمد بن داود القمي، بالاسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال سار محمد بن الحنفية الي الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها، من مكة فقال: يا أخي ان أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم، بأبيك، و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فان رأيت أن تقيم فانك أعز من في الحرم و أمنعه.

فقال يا أخي قد خفت أن تغتالني يزيد بن معاوية، في الحرم، فاكون الذي يستابح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية، فان خفت ذلك فصر الي اليمن، أو بعض نواحي البر فانك أمنع الناس به و لا يقدر عليك، أحد، فقال أنظر فيما قلت، فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فاخذ زمام ناقته التي ركبها فقال له يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك قال بلي؟ قال: فما حداك علي الخروج عاجلا.

فقال أتاني رول الله صلي الله عليه و آله بعد ما فارقتك، فقال يا حسين اخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا، فقال له ابن الحنفية انا لله و انا اليه راجعون، فما معني حملك


هؤلاء النساء معك و أنت تخرج علي مثل هذه الحال، قال فقال له قد قال لي ان الله قد شاء أن يريهن سبايا و سلم عليه و مضي [11] .

11- عنه ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل، عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن اسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام، و تخلف ابن الحنفية عنه فقال أبوعبدالله عليه السلام يا حمزة اني سأحدثك بحديث لا تسئل عنه بعد مجلسنا هذا، ان الحسين عليه السلام لما فصل متوجها أمر بقرطاس و كتب.

بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي،الي بني هاشم، أما بعد، فانه من لحق بي منكم استشهد، و من تخلف عني، و لم يبلغ الفتح و السلام [12] .

12- عنه ذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان، رضي الله عنه في كتاب مولد النبي صلي الله عليه و آله، و مولد الاوصياء صلوات الله عليهم، باسناده الي أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليهم السلام، قال: لما سار أبوعبدالله الحسين بن علي صلوات الله عليهما، من مكة ليدخل المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومين و المردفين في أيديهم الحراب، علي نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه، و قالوا يا حجة الله علي خلقه بعد جده و أبيه و أخيه ان الله عزوجل أمد جدك رسول الله صلي الله عليه و آله بنا في مواطن كثيرة، و ان الله أمرك بنا.

فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي استشهد فيها و هي كربلا، فاذا وردتها فأتوني فقالوا: يا حجة الله ان الله أمرنا أن نسمع لك و نطيع، فهل تخشي من عدو يلقاك، فنكون معك، فقال لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة، أو أصل الي بقعتي و أتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له يا مولانا نحن شيعتك، و أنصارك، فمرنا بما


تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا و قال لهم.

أما قرأتم كتاب الله المنزل علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله في قوله: «قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الي مضاجعهم»، فاذا أقمت في مكاني فيهم يمتحن هذا الخلق المتعوس، و بما ذا يختبرون و من ذا يكون ساكن حفرتي، و قد اختراها الله تعالي لي يوم دحا الارض و جعلها معقلا لشيعتنا و محبينا تقبل أعملاهم و صلواتهم، و يجاب دعاؤهم، و تسكن شيعتنا فتكون لهم امانا في الدنيا و في الاخرة و لكن تحضرون يوم السبت و هو يوم عاشورا.

في غير هذه الرواية يوم الجمعة الذي في آخره اقتل، و لا يبقي بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و اخواني و أهل بيتي و يسار رأسي الي يزيد بن معاوية، لعنهما الله فقالت الجن نحن والله يا حبيب الله و اين حبيبه لو لا أن أمرك طاعة و أنه لا يجوز لنا مخالفتك، لخالفناك، و قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا اليك، فقال لهم عليه السلام: و نحن والله أقدر عليهم منكم، و لكن ليهلك من هلك عن بينة و يحي من حي عن بينة.

ثم ثار حتي مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية، قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن، الي يزيد بن معاوية، فاخذ الهدية، لأن حكم امور المسلمين اليه، و قال لأصحاب الجمال من أحب أن ينطلق معنا الي العراق و فيناه كراه، و أحسنا معه صحبته و من يحب أن يفارقنا أعطينا كراه، بقدر ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم و امتنع آخرون [13] .

13- قال أبوالفرج: قالوا: و كان مسلم قد كتب الي الحسين عليه السلام بأخذ البيعة


له، و اجتماع الناس عليه و انتظارهم اياه، فأزمع الشخوص، الي الكوفة، و لقيه عبدالله بن الزبير، في تلك الايام و لم يكن شي ء أثقل عليه، من مكان الحسين بالحجاز، و لا أحب اليه من خروجه الي العراق طمعا في الوثوب بالحجاز، و علما بأن ذلك لا يتم له الا بعد خروج الحسين عليه السلام فقال له: علي أي شي ء عزمت يا أباعبدالله؟

فأخبره، برأيه في اتيان الكوفة و أعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل اليه، فقال له ابن الزبير: فما يحبسك فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شي ء، و قوي عزمه، ثم انصرف. و جاء به عبدالله بن عباس، و قد أجمع رأيه علي الخروج، و حققه فجعل يناشده في المقام، و يعظم عليه القول في ذم أهل الكوفة و قال له: انك تأتي قوما قتلوا أباك و طعنوا أخاك و ما أراهم الا خاذليك.

فقال له: هذه كتبهم معي و هذا كتاب مسلم باتماعهم، فقال له ابن عباس: أما اذا كنت لا بد فاعلا فلا تخرج أحدا من ولدك، و لا حرمك، و لا نسائك، فخليق ان تقتل و هم ينظرون اليك كما قتل ابن عفان، فأبي ذلك و لم يقبله، قال: فذكر من حضره يوم قتل و هو يلتفت الي حرمه و اخوته و هن يخرجن من اخبيتهن جزعا، لقتل من يقتل معه و ما يرينه به، و يقول: لله در ابن عباس فيما أشار علي به

قال: فلما أبي الحسين قبول رأي ابن عباس، قال له: و الله لو أعلم اني اذا تشتبثت بك، و قبضت علي مجامع ثوبك و ادخلت يدي في شعرك، حتي يجتمع الناس علي و عليك، كان ذلك نافعي لفعلته، و لكن أعلم أن الله بالغ أمره، ثم أرسل عينيه فبكي، و ودع الحسين و انصرف. و مضي الحسين لوجهه و لقي ابن عباس بعد خروجه عبدالله ابن الزبير فقال له:



يا لك من قبره بمعمر

خلالك الجو فبيضي و اصفري



و نقري ما شئت أن تنقري

هذا الحسين خارجا فاستبشري




فقال قد خرج الحسين و خلت لك الحجاز [14] .

14- قال الدينوري: قالوا: و لما ورد كتاب مسلم بن عقيل، علي الحسين عليه السلام: ابن الرائد لا يكذب أهله و قد بايعني من أهل الكوفة، ثمانية عشر ألف رجل، فاقدم فان جميع الناس معك، و لا رأي لهم في آل أبي سفيان، فلما عزم علي الخروج، و أخذ في الجهاز بلغ ذلك عبدالله بن عباس، فأقبل حتي دخل علي الحسين عليه السلام فقال: يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد المسير الي العراق.

قال الحسين: أنا علي ذلك. قال عبدالله: أعيذك بالله يابن عم من ذلك. قال الحسين: قد عزمت، و لابد من المسير، قال له عبدالله: أتسير الي قوم طردوا أميرهم عنهم، و ظبطوا بلادهم؟ فان كانوا فعلوا ذلك فسر اليهم، و ان كانوا انما يدعونك اليهم، و أميرهم عليهم، و عما له يجبونهم، فانهم انما يدعونك الي الحرب، و لا آمنهم أن يخذلوك كما خذلوا أباك و أخاك.

قال الحسين يابن عم، سأنظر فيما قلت، و بلغ عبدالله بن الزبير ما يهم به الحسين، فأقبل حتي دخل عليه، فقال له: لو أقمت بهذا الحرم، و بثثت رسلك في البلدان، و كتب الي شيعتك بالعراق، أن يقدموا عليك، فاذا قوي أمرك، نفيت عمال يزيد عن هذا البلد، و علي لك المكانفة و المؤازرة، و ان عملت بمشورتي طلبت هذا الامر بهذا الحرم، فانه مجمع أهل الآفاق، و مورد اهل الاقطار لم يعدمك باذن الله ادراك ما تريد، و رجوت أن تناله.

قالوا: و لما كان في اليوم الثالث عاد عبدالله بن عباس الي الحسين، فقال له: يابن عم لا تقرب أهل الكوفه، فانهم قوم غدرة، و أقم بهذه البلدة، فانك سيد أهلها، فان أبيت فسر الي أرض اليمن،، فان بها حصونا و شعابا، و هي أرض طويلة


عريضة، و لأبيك فيها شيعة، فتكون عن الناس في عزله، و تبث دعاتك في الآفاق، فاني أرجو ان فعلت ذلك أتاك الذي تحب في عافية.

قال الحسين عليه السلام: يابن عم، والله اني لأعلم أنك ناصح مشفق، غير أني قد عزمت علي الخروج، قال ابن عباس: فان كنت لا محالة سائرا، فلا تخرج النساء و الصبيان، فاني لا آمن أن تقتل كما قتل ابن عفان، و صبيته ينظرون اليه، قال الحسين: يابن عم، ما أري الا الخروج بالأهل و الولد، فرج ابن عباس من عند الحسن فمر بابن الزبير، و هو جالس، فقال له: قرت عينك يابن الزبير بخروج الحسين. ثم تمثل:



خلالك الجو، فبيضي و اصفري

و نقري، ما شئت أن تنقري



قالوا: و لما خرج الحسين من مكة اعترضه صاحب شرطة أميرها، عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند، فقال: ان الامير يأمرك بالانصراف، فانصرف و الا منعتك. فامتنع عليه الحسين، و تدافع الفريقان، و اظطربوا بالسياط، و بلغ ذلك عمرو بن سعيد فخاف أن يتفاقم الامر، فأرسل الي صاحب شرطه، يأمره بالانصراف.

قالوا: و لما فصل الحسين بن علي من مكة سائرا، قد وصل الي التنعيم لحق عيرا مقبلة من اليمن، عليهما و رس و حناء، ينطلق به الي يزيد بن معاوية، فأخذها و ما عليها.

قال لأصحاب الابل: من أحب منكم أن يسير معنا الي العراق، أو فيناه كراه و أحسنا صحبته؛ و من أحب أن يفارقنا من هاهنا، أعطيناه من الكري بقدر ما قطع من الأرض. ففارقه قوم، و مضي معه آخرون [15] .


15- قال الطبري قال هشام عن أبي مخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، قال: لما قدمت كتب أهل العراق الي الحسين، و تهيأ للمسير الي العراق، أتيته فدخلت عليه و هو بمكة، فحمدت الله و أثنيت عليه، ثم قلت: أما بعد، فاني أتيتك يابن عم لحاجة أيرد ذكرها لك نصيحة، فان كنت تري أنك تستنصحني و الا كففت عما أريد أن أقول:

فقال: قل، فوالله ما أظنك بسي ء الرأي، و لا هو للقبيح من الامر و الفعل، قال: قلت له: انه قد بلغني انك تريد المسير الي العراق، و اني مشفق عليك من مسيرك، انك تأتي بلدا فيه عماله و أمراؤه، و معهم بيوت الاموال، و انما الناس عبيد لهذا الدرهم و الدينار، و لا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره، و من أنت أحب اليه ممن يقاتلك معه.

فقال الحسين: جزاك الله خيرا يابن عم، فقد والله علمت انك مشيت بنصح، و تكلمت بعقل، و مهما يقض من أمر يكن، أخذت برأيك أو تركته، فأنت عندي أحمد مشير، و أنصح ناصح، قال: فانصرفت من عنده فدخلت علي الحارث ابن خالد بن العاص بن هشام، فسألني: هل لقيت حسينا؟ فقلت له: نعم، قال: فما قال لك و ما قلت له؟ قال: فقلت له: قلت كذا و كذا، فقال: نصحته و رب المروة الشهباء، أما و رب البنية ان الرأي لما رأيته، قبله أن تركته، ثم قال:



رب مستنصح يغش و يردي

و ظنين بالغيب يلفي نصيحا [16] .



16- عنه قال أبومخنف: و حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عنه عقبة بن سمعان، أن حسينا لما أجمع المسير الي الكوفة، أتاه عبدالله بن عباس، فقال: يابن


عم انك قد أرجف الناس أنك سائر الي العراق، فبين لي ما أنت صانع؟ قال: اني قد أجمعت المسيرف في أحد يومي هذين ان شاء الله تعالي، فقال له ابن عباس: فاني أعيذك بالله من ذلك، أخبرني رحمك الله! أتسير الي قوم قد قتلوا أميرهم، و ظبطوا بلادهم و نفوا عدوهم؟

فان كانوا قد فعلوا ذلك فسر اليهم و ان كانوا انما دعوك اليهم و أميرهم عليه قاهر لهم، و عماله تجيي ء بلادهم، فانهم انما دعوك الي الحرب و القتال، و لا آمن عليك أن يغروك و يكذبوك، و يخالفوك و يخذلوك، و أن يستنفروا اليك فيكونوا أشد الناس عليك، فقال له حسين: و اني أستخير الله و أنظر ما يكون. قال: فخرج ابن عباس من عنده، و أتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ثم قال:

ما ادري ما تركنا هؤلاء القوم و كفنا عنهم، و نحن أبناه المهاجرين، و ولاة هذا الامر دونهم! خبرني ما تريد أن تصنع؟ فقال الحسين: والله لقد حدثت نفسي باتيان الكوفة، و لقد كتب الي شيعتي بها و أشراف أهلها و أستخير الله، فقال له ابن الزبير: أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها، قال: ثم انه خشي أن يتهمه فقال: اما انك لو أقمت بالحجاز. ثم أردت هذا الامرها هنا ما خولف عليك ان شاء الله، ثم قام فخرج من عنده.

فقال الحسين: ها ان هذا ليس شي ء يؤتاه من الدنيا أحب اليه من أن أخرج من الحجاز الي العراق و قد علم انه ليس له من الامر معي شي ء و أن الناس لم يعدلوه بي فود أني خرجت منها لتخلوله قال: فلما كان من العشي أو من الغد أتي الحسين عبدالله بن العباس، فقال: يابن عم اني أتصبر و لا أصبر، اني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك و الاستيصال ان أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم، أقم بهذا البلد فانك سيد أهل الحجاز.

فان كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب اليهم فلينفوا عدوهم، ثم


أقدم عليهم، فان أبيت الا أن تخرج، فسر الي اليمن، فان بها حصونا و شعابا، و هي أرض عريضة طويلة و لأبيك بها شيعة و أنت عن الناس في عزلة، فتكتب الي الناس و ترسل و تبث دعاتك، فاني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.

فقال له الحسين: يابن عم اني والله لأعلم أنك ناصح مشفق و لكني قد أزمعت و أجمعت علي المسير، فقال له ابن عباس: فان كنت سائرا فلا تسر بنسائك و صبيتك، فوالله اني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون اليه، ثم قال ابن عباس: لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك اياه و الحجاز و الخروج منها، هو اليوم لا ينظر اليه أحد معك، والله الذي لا اله الا هو أعلم أنك اذا أخذت بشعرك و ناصيتك حتي يجتمع علي و عليك الناس، أطعتني، لفعلت ذلك، قال: ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير، فقال: قرت عينك يابن الزبير! ثم قال:



يا لك من قبرة بمعمر

خلا لمك الجو فبيضي و اصفري [17] .



و نقري ما شئت أن تنقري

هذا حسين يخرج الي العراق و عليك بالحجاز [18] .



17- عنه قال أبومخنف: قال أبوخباب يحيي بن أبي حية، عن عدي بن حرملة الاسدي، عن عبدالله بن سليم، و المذري بن المشمعل الاسديين، قالا: خرجنا حاجين، من الكوفة حتي قدمنا مكة، فدخلنا يوم التروية، فاذا نحن بالحسين و عبدالله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحي فيما بين حجر والباب، قالا: فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين: ان شئت أن تقيم أقمت فوليت


هذا الامر فآزرناك و ساعدناك، و نصحنا لك و بايعناك.

فقال له الحسين: ان أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش فقال له ابن الزبير: فأقم ان شئت و توليني أنا الامر، فتطاع و لا تعصي، فقال: و ما اريد أيضا قالا: ثم انهما أخفيا كلامهما دوننا، فما زالا يتناجيان حتي سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين الي مني عند الظهر قالا: فطاف الحسين بالبيت و بين الصف و المروة، و قص من شعره و حل من عمرته، ثم توجه نحو الكوفة و توجهنا، و نحو الناس الي مني [19] .

18- عنه قال أبومخنف: عن أبي سعيد عقيصي، عن بعض أصحابه، قال: سمعت الحسين بن علي و هو بمكة، و هو واقف مع عبدالله بن الزبير، فقال له ابن الزبير الي يابن فاطمة، فأصغي اليه فساره قال: ثم التفت الينا الحسين، فقال: أتدرون ما يقول ابن الزبير؟ فقلنا: لا ندري جعلنا الله فداك، فقال: قال: أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس، ثم قال الحسين: والله لأن أقتل خارجا منها بشبر أحب الي من أن أقتل داخلا منها بشبر، و أيم الله لو كنت في حجر هامة، من هذا الهوام، لا ستخرجوني حتي يقضوا في حاجتهم، و والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت [20] .

19- عنه قال أبومخنف: حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان، قال: لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيي بن سعيد، فقالوا له: انصرف أين تذهب، فأبي عليهم و مضي و تدافع الفريقان، فاضطربوا بالسياط، ثم ان الحسين و أصحابه امتنعوا امتناعا قويا، و مضي الحسين عليه السلام علي وجهه فنادوه يا حسين ألا تنقي الله تخرج من الجماعة و


تفرق بين هذه الامة، فتأول حسين قول الله عزوجل: «لي عملي و لكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل و أنا بري ء مما تعملون».

قال: ثم ان الحسين، أقبل حتي مر بالتنعيم، فلقي بها عيرا قد أقبل بها من اليمن، بعث بها بحير بن ريسمان الحميري الي يزيد بن معاوية و كان عامله علي اليمن، و علي العير الورس و الحلل، ينطلق بها الي يزيد، فأخذها الحسين فانطلق بها، ثم قال لاصحاب الابل: لا أكرهكم من أحب أن يمضي معنا الي العراق أو فينا كراءه، و احسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا من كاننا، هذا أعطيناه من الكراء علي قدر ما قطع من الارض، قال: فمن فارقه منهم حوسب، فأوفي منهم حوسب، فأوفي حقه و من مضي منهم معه أعطاه كراءه و كساه [21] .

20- قال أبومخنف: حدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب، قال: لما خرجنا من مكة كتب عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الي الحسين بن علي مع ابنيه، عون و محمد: أما بعد فاني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له، أن يكون فيه هلاكك، و استئصال أهل بيتك ان هلكت اليوم طفي ء نور الارض فانك علم المهتدين و رجا، المؤمنين فلا تعجل بالسير فاني في أثر الكتاب و السلام.

قال و قام عبيدالله بن جعفر، الي عمرو بن سعيد بن العاص، فكلمه، و قال: اكتب الي الحسين كتابا تعجل له فيه الأمان، و تمينه فيه البر و الصلة، و توثق له في كتابك، و تسأله الرجوع لعله يطمئن الي ذلك فيرجع، فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما شئت و أتني به حتي أختمه، فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب، ثم أتي به عمرو بن سعيد، فقال له: اختمه و ابعث به مع أخيك يحيي بن سعيد فانه أحري أن


تطمئن نفسه اليه و يعلم أنه الجد منك ففعل.

كان عمرو بن سعيد. عامل يزيد بن معاويه علي مكة، قال: فلحقه يحيي و عبدالله بن جعفر، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيي الكتاب، فقالا: أقرأناه الكتاب و جهدنا به و كان مما اعتذر به الينا أن قال: اني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلي الله عليه و آله، و أمرت فيها بأمرنا ماض له علي كان أولي، فقالا: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحدا بها و ما أنا محدث بها حتي ألقي ربي قال: كان كتاب عمرو بن سعيد الي الحسين بن علي:

بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد الي الحسين بن علي، أما بعد فاني أسألك الله أن يصرفك عما يوبقك، و أن يهديك لما يرشدك؛ بلغني أنك قد توجهت الي العراق، و اني أعيذك بالله من الشقاق، فاني أخاف عليك فيه الهلاك، و قد بعثت اليه عبدالله بن جعفر، و يحيي بن سعيد، فأقبل الي معهما، فان لك عندي الأمان، و الصلة و البر، و حسن الجوار لك، الله علي بذلك شهيد و كفيل، و مراع و وكيل؛ و السلام عليك.

قال: و كتب اليه السحين: أما بعد: فانه لم يشاقق الله و رسوله من دعا الي الله عزوجل و عمل صالحا، و قال انني من المسلمين، و قد دعوت الي المكان و البر و الصلة، فخير الامان أمان الله، و لن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة، فان كنت نوبت بالكتاب صلتي و بري، فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة، و السلام [22] .



پاورقي

[1] الارشاد: 200.

[2] الارشاد: 201.

[3] اعلام الوري:227.

[4] المناقب: 212/2.

[5] المناقب: 212/2.

[6] اللهوف: 26.

[7] اللهوف: 26.

[8] اللهوف: 26.

[9] هو عمرو بن سعيد بن العاص و کان عمر بن سعد حينئذ في الکوفة فاشتبه الامر علي الرواة.

[10] اللهوف: 27.

[11] اللهوف: 27.

[12] اللهوف: 28.

[13] اللهوف: 28.

[14] مقاتل الطالبين:72.

[15] الاخبار الطوال: 243.

[16] تاريخ الطبري: 382/5.

[17] تاريخ الطبري: 383/5.

[18] تاريخ الطبري: 383/5.

[19] تاريخ الطبري: 384/5.

[20] تاريخ الطبري: 385/5.

[21] تاريخ الطبري: 385/5.

[22] تاريخ الطبري: 387/5.