بازگشت

شهادة مسلم بن عقيل


1- قال المفيد: فلما وصلت الكتب الي يزيد دعي سرجون مولي معاوية فقال ما رأيك ان حسينا قد نفذ الي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سي ء، فمن تري أن استعمل علي الكوفة، و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد، فقال له سرجون أرأيت لو يشير لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه، قال: بلي قال فاخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد علي الكوفة و قال: هذا رأي معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين الي عبيدالله.

فقال له يزيد أفعل ابعث بعهد عبيدالله بن زياد اليه ثم دعي مسلم بن عمرو الباهلي، و كتب الي عبيدالله معه اما بعد فانه كتب الي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابي هذا حتي تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخزرة حتي تثفقه أو تقتله أو تنفيه والسلام و سلم اليه عهده علي الكوفة.

فخرج مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيدالله بالبصرة، و أوصل اليه العهد، و الكتاب فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ الي الكوفة من الغد، ثم


خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان و أقبل الي الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي، و شريك بن الأعور الحارثي، و حشمه و أهل بيته حتي دخل الكوفة، و عليه عمامة سوداء و هو متلثم و الناس قد بلغهم اقبال الحسين عليه السلام.

فاخذ لا يمر علي جماعة من الناس الا سلموا عليه و قالوا مرحبا بك يابن رسول الله قدمت خير مقدم، فراي من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما سائله فقال مسلم بن عمرو، لما اكثروا تأخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد و سار حتي وافي القصر، بالليل و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين عليه السلام، فاغلق النعمان بن بشير عليه و علي خاصته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب، فاطلع عليه النعمان و هو يظنه الحسين عليه السلام.

فقال انشدك الله الا تنحيت، و الله ما انا بمسلم اليك أمانتي و مالي في قتالك من ارب، فجعل لا يكلمه ثم انه دني، و تدلي النعمان من شرف القصر، فجعل يكلمه، افتح لا فتحت، فقد طال ليلك، و سمعها انسان خلقه فنكص الي قوم الذين اتبعوه، من أهل الكوفة علي انه الحسين عليه السلام فقال يا قوم ابن مرجانة و الذي لا اله غيره. ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس و انفضوا.

فأصبح فنادي في الناس الصلوة جامعة، فاجتمع الناس، فخرج اليهم فحمد الله و أثني عليه، ثم قال اما بعد، فان أميرالمؤمنين يزيد و لاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بانصاف مظلومكم،و اعطاء محرومكم، و الاحسان الي سامعكم، و مطيعكم كالوالد البر، و سوطي، و سيفي علي من ترك أمري، و خالف عهدي فليتق امرؤ علي نفسه الصدق ينبي ء عنك لا الوعيد ثم نزل و أخذ العرفآء و الناس أخذا شديدا.

فقال اكتبوا الي العرفاء و من فيكم من طلبة أميرالمؤمنين و من فيكم من أهل الحرورية و أهل الريب الذين شأنهم الخلاف و النفاق، و الشقاق فمن يجي ء لنا بهم


فبري ء، و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم، مخالف و لا يبغي علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة، و حلال لنا دمه و ماله وايما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب علي باب داره و الغيت تلك العرافة من العطاء.

لما سمع مسلم بن عقيل مجيي ء عبيدالله الي الكوفة و مقالته التي قالها و ما أخذ به العرفاء و الناس خرج من دار المختار حتي انتهي الي دار هاني بن عروة، فدخلها فأخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني علي تسترو استخفاء من عبيدالله و تواصوا بالكتمان فدعي ابن زياد مولي له يقال له معقل فقال له خذ: ثلثة آلاف درهم، و اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه، فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فاعطهم هذه الثلثة آلاف درهم، و قل لهم استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم.

فانك لوقد أعطيتم اياها لقد اطمأنوا اليك و وثقوا، و لم يكتموك شيئا من أخبارهم، ثم اغد عليهم و رح حتي تعرف مستقر مسلم بن عقيل، و تدخل عليه، ففعل ذلك و جاء حتي جلس الي مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الأعظم، و هو يصلي، فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين عليه السلام، فجاء و جلس الي جنبه، حتي فرغ من صلوته ثم قال يا عبدالله اني امرء من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت و حب من أحبهم و تباكا له.

قال معي ثلاثة الاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، فكنت أريد لقائه فلم أجدا أحدا يدلني عليه و لا أعرف مكانه فاني لجالس في المسجد الان اذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، و اني أتيتك لتقبض مني هذا المال و تدخلني علي صابحك، فاني أخ من اخوانك و ثقة عليك، و ان شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.


فقال له ابن عوسجة: احمد الله علي لقائك اياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب، و لينصر الله بك أهل بيت نبيه عليه و عليهم السلام، و لقد سائني معرفة الناس اياي بهذا الامر، قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية و سطوته، قال له معقل لا يكون الا خيرا خذ البيعة علي فأخذ بيعته و أخد عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به ثم قال اختلف الي اياما في منزلي، فاني طالب لك الاذن علي صاحبك و اخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن.

فاذن له فاخذ مسلم بن عقيل بيعته، و أمر أباثمامة الصائدي بقبض المال منه، و هو الذي كان يقبض أموالهم، و ما يعين به بعضهم بعضا، و يشتري لهم السلاح و كان بصيرا و فارسا من فرسان العرب و وجوه الشيعة، و اقبل ذلك الرجل يختلف اليهم، فهو أول داخل و آخر خارج، حتي فهم ما احتاج اليه ابن زياد، من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا، و خاف هاني بن عروة عبيدالله علي نفسه فانقطع عن حضور مجلسه و تمارض، فقال ابن زياد لجلسائه مالي لا أري هانيا فقالوا هو شاك.

فقال لو علمت بمرضه لعدته و دعي محمد بن الاشعث و اسماء بن خارجة و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و كانت دويحة بنت عمرو تحت هاني بن عروة، و هي ام يحيي بن هاني، فقال لهم ما يمنع هاني بن عروة من اتياننا، فقالوا ما ندري و قد قيل انه يشتكي، قال قد بلغني أنه قد بري ء و هو يجلس علي باب داره، فالقوه و مروه ألا يدع ما عليه من حقنا فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب، فاتوه حتي وقفوا عليه عشية و جالس علي بابه، و قالوا له ما يمنعك من لقاء الامير فانه قد ذكرك و قال لو اعلم انه شاك لعدته.

فقال لهم الشكوي تمنعني، فقالوا له قد بلغه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك، و قد استبطاك و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا فدعي بثيابه، فلبسها ثم دعي ببغلة فركبها، حتي اذا دني من القصر، كان نفسه


أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن اسماء بن خارجة، يابن الاخ اني والله لهذا الرجل لخائف فما تري، فقال يا عم والله ما أتخوف شيئا، ولم تجعل علي نفسك سبيلا، و لم يكن حسان يعلم في أي شي ء بعث اليه عبيدالله فجاء هاني حتي دخل علي عبيدالله بن زياد و عنده القوم.

فلما طلع قال عبيدالله اتتك بحاين رجلاه، فلما دني من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه، فقال:



اريد حبائه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



و قد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا فقال له هاني و ما ذاك أيها الامير، قال ايه يا هاني بن عروة ما هذه الامور التي تربص في دارك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت ان ذلك يخفي علي، قال ما فعلت ذلك و ما مسلم عندي، قال بلي قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما و أبي هاني الا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين، فجاء حتي وقف بين يديه فقال له: أتعرف هذا؟

قال نعم، و علم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم، و انه قد أتاه بأخبارهم فاسقط في يده ساعة، ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني و صدق مقالتي فوالله لا كذبت والله ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من أمره، حتي جائني يسئلني النزول، فاستحييت من رده و دخلني من ذلك زمام فضيفته و آويته، و قد كان من أمره ما بلغك، فان شئت أن اعطيك الآن موثقا مغلظا الا أبغيك سوء و لا غائلة و لآتينك حتي اضع يدي في يدك، و ان شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي اتيك و انطلق اليه فآمره أن يخرج من داري الي حيث شاء من الارض فاخرج من ذمامه و جواره.

فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبدا حتي تاتيني به، قال: لا والله لا


أجيك بضيفي تقتله قال: والله لتأتيني به قال لا والله لا آتيك به فلما كثر الكلام بينهما، قام مسلم بن عمرو الباهلي، و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره، فقال: أصلح الله الأمير خلني و اياه حتي أكلمه، فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما، فاذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولون، فقال له مسلم: يا هاني انشدك الله ان تقتل نفسك و أن تدخل البلاء في عشيرتك.

فوالله اني لأنفس بك عن القتل، ان هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه، و لا ضائريه فادفعه اليهم، فانه ليس عليك بذلك، مخزاة و لا منقصة، انما تدفعه الي السلطان فقال هاني: والله ان علي في ذلك الخزي و العار أن أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح، أسمع و أري شديد الساعد كثير الأعوان والله لو لم أكن الا واحدا، ليس لي ناصر لم أدفعه حتي اموت دونه، فاخذ يناشده و هو يقول: والله لا ادفعه اليه أبدا فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فادنوه منه.

فقال: والله لتأتيني به أولا ضربن عنقك فقال هاني: اذا والله لتكثر البارقة حول دارك، فقال ابن زياد: والهفاه عليك، بالبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه، قم قال ادنوه مني فأدني منه فاعترض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه و جبينه و خده حتي كسر أنفه و سال الدماء علي وجهه و لحيته و نثر لحم جبينه و خده علي لحيته حتي كسرا لقضيب و ضرب هاني يده الي قائم سيف شرطي و جاذبه الرجل و منعه.

فقال عبيدالله احروري ساير اليوم، قد حل لنا دمك، جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه، فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به، فقام اليه حسان بن أسماء فقال ارسل غدر ساير اليوم، أمرتنا أن نجيئك بالرجل، حتي اذا جئناك به هشمت انفه و وجهه و سيلت دمائه علي لحيته، و زعمت انك تقتله، فقال له عبيدالله: و انك لها هنا فأمر به فلهز و تعتع و اجلس ناحية.


فقال محمد بن الاشعث: قد رضينا بما رأي الامير، لنا كان أم علينا، انما الامير مؤدب، و بلغ عمرو بن الحجاج ان هانيا قد قتل، فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر، و معه جمع عظيم، ثم نادي أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج، و وجوهها لم نخلع طاعة، و لم نفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم قتل، فاعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد هذه مذحج بالباب فقال لشريح فنظر اليه.

فقال هاني لما رأي شريحا: يا الله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل الدين، أين أهل المصر و الدماء تسيل علي لحيته، اذ سمع الزجة علي باب القصر فقال: اني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، انه ان دخل علي عشرة نفر انقذوني، فلما سمع كلامه شريح خرج اليهم، فقال لهم: ان الامير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول اليه فاتيته فنظرت اليه فأمرني ان القاكم و أعرضكم انه حي، و ان الذي بلغكم من قتله باطل.

فقال له عمرو بن الحجاج و أصحابه اما اذا لم يقتل، فالحمد لله، ثم انصرفوا فخرج عبيدالله بن زياد فصعد المنبر و معه أشرف الناس و شرطه و حشمه، فقال: أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحرموا ان أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر، حتي دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين، يشتدون و يقولون قد جاء مسلم بن عقيل.

فدخل عبيدالله القصر مسرعا و أغلق أبوابه فقال: عبدالله بن حازم أنا والله رسول ابن عقيل الي القصر لا نظر ما فعل هاني، فلما ضرب و حبس ركبت فرسي فكنت اول الداخلين الدار علي مسلم بن عقيل، بالخبر، فاذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت علي مسلم، فاخبرته الخبر فأمرني أن


أنادي في أصحابه و قد ملاء بهم الدور حوله، فكانوا فيها أربعة آلاف رجل، فقال لمانديه ناديا منصور أمت.

فناديت يا منصور أمت فتنادي أهل الكوفة، فاجتمعوا عليه فقعد مسلم رحمه الله لرؤس الارباع علي القبايل كندة و مذحج و تميم و أسد و مضر و همدان و تداعي الناس و اجتمعوا فما لبثنا الا قليلا حتي امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالو يتوثبون حتي المساء فضاق بعبيد الله أمره، و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر، و ليس معه في القصر الا ثلثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته و أقبل من نأي عنه من أشراف الناس تأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون اليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون علي عبيدالله و علي أبيه.

فدعي ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيما أطاعه من مذحج، فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل، و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان، و أمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت فيرفع راية امان لمن جائه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي، و حجار بن أبجر العجلي، و شمر بن ذالجوشن العامري، و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم لقلة عدد من معه من الناس.

فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم، و خرج محمد بن الاشعث، من المسجد حتي وقف عند دور بني عمارة و بعث ابن عقيل الي محمد بن الاشعث من المسجد عبدالرحمان بن شريح الشامي، فلما رأي ابن الاشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه، و جعل محمد بن الاشعث، و كثير بن شهاب و القعقاع بن شور الذهلي، و شيث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم و يخوفونهم السلطان حتي اجتمع


اليهم عدد كثير من قومهم، و غيرهم، فصاروا الي ابن زياد من قبل دار الروميين و دخل القوم معهم.

فقال له كثير بن شهاب أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و موالينا، فاخرج بنا اليهم، فاتي عبيدالله و عقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه، و أقام الناس مع ابن عقيل، يكثرون حتي المسا و أمرهم شديد، فبعث عبيدالله الي الاشراف فجمعهم ثم اشرفوا علي الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة، و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة، و أعلموهم وصول الجند من الشام، اليهم و تكلم كثير بن شهاب حتي كادت الشمس ان تجب، فقال أيها الناس الحقوا بأهاليكم و لا تجعلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل،فان هذه جنود أميرالمؤمنين يزيد قد أقبلت.

قد أعطي الله الامير عهد الان تممتم علي حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم ليحر من ذرييتكم العطاء، و يفرق مقاتليكم في مغازي الشام، و ان يأخذ البري ء منكم بالسقيم، و الشاهد بالغايب، حتي لا يبقي له من أهل المعصية الا اذاقها و بال ما جنت أيديها، و تكلم الاشراف، بنحو من ذلك، فلما سمع الناس مقاتلهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تاتي ابنها و أخاها فتقول انصرف، الناس يكفونك و يجي ء الرجل الي ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فينصرف.

فما زالوا يتفرقون حتي أمسي ابن عقيل و صلي المغرب و ما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأي انه قد أمسي و ما معه الا اولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الابواب الا و معه منهم عشرة، ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان يدله، فالتفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله علي منزله و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضي علي وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين


يذهب حتي خرج الي دور بني جبلة من كندة.

فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للأشعث بن قيس، فاعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا، و كان بلال قد خرج مع الناس و امه قائمه تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام، فقال لها يا امة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و ادخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبدالله لم تشرب قال بلي قالت فاذهب الي أهلك فسكت ثم اعادك عليه مثل ذلك فسكت ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبدالله قم عافاك الله الي أهلك فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي و لا احله لك.

فقام و قال يا امة الله مالي في هذا المصر منزل و لا عشيرة فهل لك في أجر و معروف و لعلي مكافيك بعد اليوم قالت يا عبدالله و ما ذلك قال انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني، قالت: أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش و لم يكن باسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه، فقال لها والله انه لتريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه ان لك لشانا.

قالت يا بني أله، عن هذا قال والله لتخبريني قالت أقبل علي شأنك و لا تسألني عن شي ء فألح عليها فقالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشي ء مما أخبرك به قال: نعم، فاخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال علي ابن زياد و جعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوت كما كان يسمع قبل ذلك قال لاصحابه: اشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يروا أحدا قال فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم.

فنزعوا تخاتج المسجد و جلعوا يفحصون بشعل النار في أيديهم و ينظرون


فكانت احيانا تضي ء لهم و أحيانا لا تضي ء كما يريدون فدلوا قناديل و اطنان القصب تشد بالحبال فيها النيران ثم تدلي حتي ينتهي الي الارض ففعلوا ذلك في أقصي الظلال و أدناها و أوسطها حتي فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم، فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع، فنادي ألا برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد.

فلم يكن الا ساعة حتي امتلاء المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلوة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله و صلي بالناس، ثم صعد المنبر، فحمد الله و اثني عليه، ثم قال: أما بعد، فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.

يا حصين بن نمير، ثكلتك امك ان ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به وقد سلطتك علي دور أهل الكوفة فابعث مراصد علي أهل السكك و أصبح غدا فاستبرء الدور وجس خلالها حتي تاتيني بهذا الرجل و كان حصين بن نمير علي شرطه و هو من بني تميم، ثم دخل ابن زياد القصر و قد عقد لعمرو ابن الحريث راية و أمره علي الناس، فلما اصبح جلس مجلسه، و أذن للناس، فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الاشعث، فقال مرحبا بمن لا يستغش ولايتهم.

ثم اقعده الي جنبه و أصبح ابن تلك العجوز فغدا الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امه فاقبل عبدالرحمن حتي أتي أباه و هو عند ابن زياد سراره فعرف ابن زياد سراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه


قم مائتني به الساعة، فقام و بعث قومه، لانه قد علم أن كل قوم يكرهون يصاب فيهم مسلم بن عقيل، و بعث معه عبيدالله بن عباس بن السلمي في سبعين رجلا من قيس حتي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل.

فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصواب الرجال علم أنه قد أتي فخرج اليهم بسيفه، و اقتحموا عليه الدار، فشد عليهم فضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عاد و اليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري، فضرب بكر فم، مسلم فقطع شفته العليا، و أسرع السيف في السفلي و فصلت له ثناياه، و ضرب مسلم في رأسه ضربة منكره و ثناه باخري علي حبل عاتقة قطع علي جوفه.

فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فاخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في اطنان القصب، ثم يلقونها عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا سيفه في السكة فقال له محمد بن الأشعث لك الأمان ألا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول:



أقسمت لا اقتل الا حرا

اني رأيت الموت شيئا نكرا



و يجعل البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا



كل امري ء يوما ملاق شرا

أخاف أن اكذب أوا غرا



فقال له محمد بن الأشعث: انك لا تكذب و لا تغر فلا تجزع ان القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك و لا ضائرك، و كان قد اثخن بالحجارة و عجز عن القتال، فانبهر و أسند ظهره الي جنب تلك الدار، فاعاد ابن الاشعث عليه القول لك الامان، فقال ءآمن أنا قال نعم، فقال للقوم الذين معه الي الامان، قال القوم له نعم، الا عبيدالله ابن العباس السلمي، فانه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحي.

فقال مسلم أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم و اتي ببغلة فحمل


عليه فاجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك آيس من نفسه، و دمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر، قال له محمد بن الاشعث: أرجوا أن لا يكون عليك بأس، فقال و ما هو الا الرجاء أين أمانكم، انا لله و انا اليه راجعون و بكي فقال له عبيدالله بن العباس السلمي: ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك، قال: اني والله ما لنفسي بكيت، و لا لها من القتل ارثي و ان كنت لم احب لها طرفة عين تلفا، و لكن أبكي لأهلي المقبلين الي أبكي للحسين عليه و عليهم السلام.

ثم أقبل علي محمد بن الأشعث، فقال يا عبدالله اني أراك والله ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا علي لساني أن يبلغ حسينا، فاني لا أراه الا قد خرج اليكم مقبلا أو هو خارج غدا و أهل بيته، و يقول ان ابن عقيل بعثني اليك و هو أسير في أيدي القوم لا يري أنه يمسي حتي يقتل، و هو يقول ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة، فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل، ان أهل الكوفة قد كذبوك، و ليس لكذوب رأي.

فقال له ابن أشعث والله لا فعلن و لأعلمن ابن زياد اني قد أمنتك و أقبل ابن الاشعث بابن عقيل الي باب القصر، فاستأذن له، فدخل علي ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل و ضرب بكر اياه و ما كان من أمانه له فقال له عبيدالله: و ما أنت و الأمان، كأنا أرسلناك لتؤمنه انما أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الاشعث و انتهي بابن عقيل الي باب القصر و قد اشتد به العطش و علي باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن.

فيهم عمارة بن عقبه بن أبي معيط، و عمرو بن حريث و مسلم بن عمرو، و كثير بن شهاب و اذا قلة باردة موضوعة علي الباب فقال: مسلم اسقوني من هذا


الماء، فقال مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم، فقال له ابن عقيل: ويلك من أنت قال أنا من عرف الحق اذا نكرته و نصح لامامه، اذ غششته، و أطاعه اذ خالفته أنا مسلم بن عمرو الباهلي.

فقال له ابن عقيل لامك الثكل ما أجفاك و أفضك و أقسي قلبك أنت يابن باهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني ثم جلس فتساند الي حايط، و بعث عمرو بن حريث، غلاما له فجائه بقلة عليها منديل و قدح فصب فيه ماء، و قال له: اشرب فأخذ كلما شرب امتلاء القدح دما من فيه، فلا يقدر أن يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين، فلما ذهب الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم شربته، و خرج رسول ابن زياد فأمر بادخاله اليه.

فلما دخل لم يسلم علي بالامرة فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الامير، فقال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامي عليه، فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن، قال كذلك، قال نعم قال فدعني أوصي الي بعض قومي قال افعل فنظر مسلم الي جلساء عبيدالله و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: يا عمر ان بيني و بينك قرابة ولي اليك، حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي، و هي سر، فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيدالله لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه فجلس حيث ينظر اليها ابن زياد.

فقال له ان علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمأة درهم فبع سيفي و درعي، فاقضها عني، قفاذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها وابعث الي الحسين عليه السلام من يرده، فاني قد كتبت اليه اعلمه ان الناس معه و لا أراه الا مقبلا، فقال عمر لابن زياد: أتدري أيها الامير ما قال لي انه ذكر كذا و كذا، فقال له ابن زياد: انه لا يخونك الامين و لكن قد يؤتمن الخائن اما مالك فهو لك، و


لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، و أما جثة فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها و أما حسين فان هو لم يردنا لم نرده.

ثم قال ابن زياد ايها يابن عقيل، أتيت الناس و هم جميع فشتتت بينهم، و فرقت كلمتهم و حملت بعضهم علي بعض، قال: كلا لست لذلك أتيت، و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، و سفك دمائهم، و عمل فيهم أعمال كسري و قيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل و ندعوا الي حكم الكتاب، فقال له ابن زياد: و ما أنت و ذاك يا فاسق لم لم تعمل فيهم بذاك اذا أنت بالمدينة تشرب الخمر، قال: أنا أشرب الخمر.

أما والله ان الله يعلم انك غير صادق و انك قد قلت بغير علم، و اني لست كما ذكرت، و انك أحق بشرب الخمر مني، و أولي بها من ولغ في دماء المسلمين، لغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها و يسفك الدم الحرام علي الغضب و العداوة و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كان لم يصنع شيئا، فقال له ابن زياد يا فاسق ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه و لم يرك الله أهلا، فقال مسلم فمن أهله اذا لم نكن نحن أهله.

فقال ابن زياد أميرالمؤمنين يزيد، فقال مسلم: الحمد لله علي كل حال رضينا بالله حكما بيننا و بينكم، فقال له ابن زياد قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام من الناس، فقال له مسلم أما أنك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن، و انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة، و خبث السيرة و لؤم الغلبة لأحد، فأقبل ابن زياد يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا عليهم السلام و أخذ مسلم لا يكلمه ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر و اضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده.

فقال مسلم والله لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني، فقال ابن زياد اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران الأحمري، فقال له اصعد


فلتكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي علي رسوله، و يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا و اشرفوا به علي موضع الحذائين اليوم فضربت عنقه و اتبع جسده رأسه، و قام محمد بن الأشعث الي عبيدالله بن زياد فكلمه في هاني بن عروة.

فقال: انك قد عرفت منزلة هاني في المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه اني أنا و صاحبي سقناه اليك، فانشدت الله لما و هبته لي فاني اكره عداوة المصر و أهله لي فوعده أن يفعل ثم بداله، فأمر بهاني في الحال فقال أخرجوه الي السوق فاضربوا عنقه، فاخرج هاني حتي انتهي به مكانا من السوق كان يباع فيه من الغنم و هو مكتوب فجعل يقول و امذ حجاه و لا مذجح لي اليوم يا مذجاه يا مذحجاه و اين مذجح فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف.

ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه، فوثبوا اليه فشدوه و ثاقا، ثم قيل له مد عنقك فقال: ما أنا بها بسخي و ما أنا بمعينكم علي نفسي، فضربه مولي لعبيد الله تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال هاني الي الله المعاد اللهم الي رحمتك و رضوانك، ثم ضربه أخري فقتله، و في مسلم بن عقيل و هاني الي الله المعاد اللهم الي رحمتك و رضوانك، ثم ضربه أخري فقتله، و في مسلم بن عقيل و هاني بن عروة رحمة الله عليهما يقول عبدالله بن الزبير الأسدي:



فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل



أصابهما أمر الأمير فاصبحا

أحاديث من يسري به كل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل سبيل



فتي هو أحيا من تفاه حيية

و اقطع من ذي شفرتين صقيل



أيركب أسماء الهماليجم آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



يطيف حواليه مراد و كلهم

علي رقبة من سائل و مسول






فان أنتم لم تثاروا بأخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل



لما قتل مسلم و هاني رحمة الله عليهما بعث عبيدالله بن زياد برأسهما مع هاني بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الاروح التميمي الي يزيد بن معاوية، و أمر كاتبه ان يكتب ليزيد بما كان من أمر مسلم و هاني فكتب الكاتب و هو عمرو بن نافع، فاطال فيه، و كان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيدالله كرهه فقال ما هذا التطويل و ما هذا الفضول اكتب.

أما بعد، فالحمد لله الذي أخذ لاميرالمؤمنين حقه و كفاه مؤنة عدوه أخبر أميرالمؤمنين ان مسلم بن عقيل الجأ الي دار هاني بن عروة المرادي، و اني جعلت عليهما المراصد و العيون، و دسست اليهما الرجال، وكدتهما حتي استخرجتهما و امكن الله منهما فقدمتهما و ضرب أعناقهما، و قد بعثت اليك برأسهما مع هاني بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الأروح التميمي، و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة فليسئلهما أميرالمؤمنين عما أحب من أمرهما فان عندهما علما و صدقا و ورعا والسلام.

فكتب اليه يزيد: أما بعد فانك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجاش، و قد أغنيت و كفيت، و صدقت ظني بك و رأيي فيك، و قد دعوت رسوليك، و سألتهما و ناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا و انه قد بلغني أن حسينا قد توجه الي العراق فضع المناظر و المسالح و احترس و احبس علي الظنة و اقتل علي التهمة و اكتب الي فيما يحدث من خبر انشاء الله تعالي [1] .

2-قال الطبرسي: كتب الي يزيد عمر بن سعد و غيره فلما وصلت الكتب


الي يزيد دعا بسرحون: مولي معاوية و شاوره في ذلك و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد، فقال سرحون: أرأيت معاوية لو يشير لك كنت آخذا برأيه؟ قال: نعم فاخرج سرحون عهد عبيدالله بن زياد علي الكوفة، فقال: ان معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين الي عبيدالله، فقال يزيد: ابعث بعهد ابن زياد اليه و كتب اليه أن سرحون لا يقرأ كتابي هذا حتي تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتي تثقفة فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام.

فلما وصل العهد و الكتاب الي عبيدالله أمر بالجماز من وقته و المسير الي الكوفة و معه مسلم عمرو الباهلي، و شريك بن الأعور الحارثي، و حشمه و أهل بيته حتي دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء فظنو أنه الحسين عليه السلام، فكان لا يمر علي ملأ من الناس الا سلموا عليه فقالوا: مرحبا با ابن رسول الله قدمت خير مقدم، فرأي من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا لهم، تأخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد و ساروا حتي وافوا قصر الامارة.

فأغلق النعمان بن بشير عليهم الباب حتي أعلم، أنه عبيدالله بن زياد ففتح له الباب فلما أصبح نادي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس و خطب، و قال: أما بعد فان أميرالمؤمنين و لاني مصركم، و ثغركم، و فيئكم و أمرني بانصاف مظلومكم، و اعطاء محرومكم، و الاحسان الي سامعكم و مطيعكم، كالوالد البر و سوطي و سيفي علي من ترك أمري و عهدي فليتق كل امرء علي نفسه و الصدق يبني ء عنك الوعيد ثم نزل و أخذ الناس أخذا شديدا.

لما سمع مسلم بن عقيل بمجي ء ابن زياد الي الكوفة، و مقاتله التي قالها خرج من دار المختار الي دار هاني بن عروة، فأقبلت الشيعة يختلف اليه، سرا و نزل شريك بن الأعور، دار هاني بن عروة، و مرض فأخبر أن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده، فقال لمسلم بن عقيل: أدخل هذا البيت فاذا دخل هذا اللعين و تمكن جالسا


فاخرج اليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه و قد حصل المراد و استقام لك البلد لو من الله علي بالصحة ضمنت لك استقامة أمر البصرة. فلما دخل ابن زياد و أمكنه ماوافقه بداله في ذلك و لم يفعل و اعتذر الي شريك بعد وفات الامر بأن ذلك كان يكون فتكا و قد قال النبي: «ان الايمان قيد الفتك» فقال: أما والله لو قد قتله لقتلت غادرا فاجرا كافرا، ثم مات شريك من تلك العلة و دعا عبيدالله بن زياد مولي يقال له: معقل و قال: خذئلا ثمائه درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه فاذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم و قل:

استعينوا بها علي حرب عدوكم فاذا اطمأنوا اليك و وثقوا بك لم يكتموك شيئا من أخبارهم، ثم أغد عليهم، ورح حتي تعرف مستقر مسلم بن عقيل، ففعل ذلك و جاء حتي جلس عند مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم و قال: يا عبدالله اني امرء من أهل الشام، أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت، فقال له مسلم: أحمد الله علي لقائك، فقد سرني في ذلك فقد ساءني معرفة الناس اياي بهذا الأمر، قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية.

فقال له معقل: لا يكون الا خيرا خذمني البيعة فأخذ بيعته، و أخذ عليه المواثيق المغلظه ليناصحن، و ليمكنن، ثم قال: اختلف الي اياما في منزلي فاني طالب لك الاذن فأذن له، مسلم بيعته، ثم أمر قابض الأموال فقبض المال منه و أقبل ذلك اللعين يختلف اليهم، فهو أول داخل و اخر خارج، حتي علم ما احتاج اليه ابن زياد و كان يخبربه وقتا فوقتا و خاف هاني بن عروة علي نفسه من عبيدالله بن زياد فانقطع عنه حضور مجلسه و تمارض.

فقال ابن زياد: مالي لا أري هانيا فقالوا: هو شاك فقال: لو علمت بمرضه لعدته، و دعا محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة و عمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم: ما يمنع هانيا من اتياننا؟ فقالوا: ما ندري و قد قيل: انه يشتكي قال: لقد بلغني


أنه يجلس علي باب داره، فألقوه و مروه أن لا يدع ما عليه من حقنا فأتوه حتي وقفوا عليه عشية و هو علي باب داره جالس.

فقالوا: ما يمنعك من لقاء الأمير فقال لهم الشكوي يمنعني من لقائه، فقالوا له: قد بلغه أنك تجلس لعي باب دارك، عشية و قد استبطأك فدعا بثيابه فلبثها و دعا ببغلته فركبها فلما دخل علي ابن زياد قال: أتتك بحائن رجلاه و التفت نحوه و قال:



اريد حياته و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



فقال هاني: و ما ذاك أيها الأمير؟ قال: ما هذه الامور التي تربص في دورك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين، جئت بمسلم بن عقيل، فأدخلته دارك و جمعت له الرجال و السلاح قال: ما فعلت ذلك قال: بلي ثم دعا ابن زياد معقلا ذلك اللعين فجاء حتي وقف بين يديه فلما رآه هاني علم أنه كان عينا عليهم، و أنه قد أتاه بأخبارهم، فقال: اسمع مني و صدق مقالتي والله ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من أمره حتي جاء يسألني النزول.

فاستحييت أن أرده فضيفته و آويته، و أنا أعطيك اليوم عهدا لا أبغيك سوءا و لا غائلة و ان شئت أعطيك رهينة فتكون في يدك حتي آتيك به أوآمره أن يخرج من داري حيث شاء من الأرض فأخرج من جواره، فقال ابن زياد: والله ما تفارقني أبدا حتي تأتيني به قال: لا والله لا آتيك به و كثر الكلام بينهما حتي قال: والله لتأتيني به قال: لا والله لا آتيك به قال: لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هاني: اذا والله تكثر البارقة حول دارك.

فقال ابن زياد: أباالبارقه تخوفني وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه، فقال: ادنوه مني فلم يزل يضرب وجهه بالقضيب حتي كسر أنفه و سيل الدماء علي ثيابه، و ضرب هاني يده علي قائم سيف شرطي و جاذبه الرجل و يمنعه، فقال ابن زياد: قد حل لنا قتلك فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه الباب، و بلغ


الخبر مسلم بن عقيل، فأمر أن ينادي في الناس فملا بهم الدور، و قال لمناديه ناديا منصور.

فعقد مسلم لرؤوس الارباع علي القبائل كندة و مذحج و أسد و تيم و همدان فتداعي الناس و اجتمعوا فامتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتي المساء و ضيق بعبيد الله أمره، و ليس في القصر معه الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون اليهم و هم يرمونه بالحجارة.

دعا ابن زياد بكثير ابن شهاب و محمد بن الأشعث و شبث بن ربعي و جماعة من رؤساء القبائل، و أمرهم أن يسيروا في الكوفة و يخذلوا الناس عن مسلم ابن عقيل، و يعلموهم بوصول الجند من الشام، و أن الأمير قد أعطي الله عهدا لئن تممتم علي حربه، و لم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء و يأخذ البري ء بالسقيم، و الشاهد بالغائب، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها و أخاها و زوجها و تقول: انصرف الناس يكفونك و يجي ء الرجل الي ابنه و أخيه و يقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر فيذهب به فينصرف.

فما زالوا يتفرقون حتي أمسي ابن عقيل و صلي المغرب و ما معه من أصحابه الا ثلاثون رجلا فلما رأي ذلك خرج متوجها نحو باب كندة، فلما بلغ الباب معه منهم عشرة فخرج من الباب رفاذا ليس معه انسان و لا يجد أحدا يدله علي الطريق فمضي علي وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب فمشي علي باب امرأة يقال لها: طوعة و هي علي باب دارها ينتظر ولدها، فسلم عليه، و قال: يا امة الله اسقيني ماء فسقته و جلس فقالت: يا عبدالله فاذهب الي أهلك؟


فقال: يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل هل لك في أجر و معروف و لعلي اكافيك بعد اليوم فقالت: و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و عزوني و أخرجوني قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم قالت: ادخل فدخل دارا في بيتها غير الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش، فجاء ابنها فرآها تكثر الدخول الي البيت، و الخروج منه فسألها عن ذلك فقالت يا بني أله عن هذا قال: والله لتخبريني.

فأخذت عليه الايمان، أن لا يخبر أحدا فحلف، فأخبرته و كانت هذه المرأة أم ولد للأشعث بن قيس، فاضطجع ابنها و سكت و أصبح فغدا الي عبدالرحمان بن محمد بن الأشعث، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل، عند أمه،فأقبل عبدالرحمن حتي أتي أباه و هو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره، قال: قم فأتني به الساعة فقام و بعث معه عبيدالله بن العباس السلمي في سبعين رجلا حتي أتوا الدار التي فيها مسلم.

فلما سمع وقع الحوافبر و أصوات الرجال علم أنه قد أتي العدو فخرج اليهم بسيفه، و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم، يضربهم بسيفه، حتي أخرجهم من الدار، واختلف هو و بكر بن حمران الاحمري فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا، و أسرع في السفلي و ضربه مسلم علي رأسه ضربة منكرة و ثني بأخري علي حبل العاتق، و خرج عليهم مصلتا سيفه فقال له محمد بن الاشعث: لك الامان لا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول:



أقست لا اقتل الا حرا

اني رأيت الموت شيئا نكرا



كل أمرء يوما ملاق شرا

أخاف أن اكذب أو اغرا



فقال له محمد بن الأشعث: انك لا تكذب و لا تغر، فلا تجزع ان القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك فقال مسلم: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فأتي


ببغلة فركبها و اجتمعوا حوله فانتزعوا سيفه فكانه آيس هناك من نفسه، فدمعت عيناه و قال: هذا أول الغدرو و أقبل علي محمد بن الأشعث و قال: اني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من هناك رجلا علي لساني أن يبلغ حسينا، فاني لأراه الا خرج اليكم اليوم أو هو خارج غدا، و يقول:

ان ابن عقيل بعثني اليك، و هو أسير في أيدي القوم، ما أري أن يمسي حتي يقتل و هو يقول: ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك يا ابن عمي و لا تغتر بأهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي يتمني فراقهم بالموت أو القتل ان أهل الكوفة كذبوك و ليس لكذوب رأي، فقال ابن الأشعث: لأفعلن و لأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك و أقبل ابن الأشعث بابن عقيل الي باب القصر، و دخل علي عبيدالله و ما كان من أمانه فقال ابن زياد: ما أنت و الأمان؟ كأنا أرسلناك لتؤمنه وانما أرسلناك لتأتينا به فسكت ابن الأشعث و خرج رسول ابن زياد فأمر بادخال مسلم.

فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة فقال الحرسي: ألا تسلم علي الامير؟ قال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامي عليه، فقال ابن زياد: لعمري لتقتلن قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الاسلام فقال له مسلم: أنت أحق من أحدث في الاسلام و أنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و قبح السيرة و لؤم الغلبة، و أخذ ابن زياد يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر و اضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده.

فقال مسلم: لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه، فدعي بكر بن حمران الاحمري، فقال له: اصعد فكن أنت الذي يضرب عنقه، و جعل مسلم يكبر الله و يستغفره و يصلي علي النبي و آله و يقول: اللهم أحكم بيننا و بين قوم غرونا و خذلونا، و ضرب عنقه و أتبع جسده رأسه و أمر بهاني بن عروة فأخرج الي السوق و ضرب عنقه و هو يقول الي الله


المعاد اللهم الي رحمتك و رضوانك و في قتلها يقول عبدالله بن الزبير الأسدي:



و ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من جدار قتيل



- في ابيات -

بعث ابن زياد برأسهما الي يزيد بن معاوية، و كان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية و قيل يوم عرفة سنة ستين [2] .

3- قال الفتال: كتب عبدالله بن مسلم و عمارة بن عقبه، و عمر بن سعد الي يزيد بن معاوية، أما بعد فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة، فتابعه شيعة الحسين بن علي عليهماالسلام، فان يكن لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، فلما وصلت الكتب الي يزيد دعا سرجون مولي معاوية، فقال له ما رايك؟ ان حسينا قد وجه الي الكوفة مسلم بن عقيل يبيع له و قد بلغني ان النعمان ضعيف فمن تري ان استعمل علي الكوفة و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد.

فقال سرجون أرايت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه قال نعم، قال فاخرج سرجون عهد عبيدالله علي الكوفة، و قال هذا رأي معوية مات و قد أمر بهذا الكتاب، فضم المصرين الي عبيدالله فقال له يزيد أفعل ابعث بعهد ابن زياد اليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي، فكتب الي عبيدالله معه، أما بعد.

فانه كتب الي شيعتي من أهل الكوفة تخبرني أن ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشتق عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابي، هذا حتي تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة، حتي تثقفه أو تقتله أو تنفيه و السلام و سلم اليه عهده الكوفة.


فخرج مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيدالله بالبصرة فأوصل اليه العهد، و الكتاب، فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته و المسير الي الكوفة، من الغد ثم خرج من البصرة فاستخلف اخاه عثمان و أقبل الي الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك الأعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتي دخل الكوفة، و عليه عمامة سوداء و هو متلثم والناس قد بلغهم اقبال الحسين عليه السلام اليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيدالله أنه الحسين.

فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس الا سلموا عليه و قالوا مرحبا بابن رسول الله، قدمت خير مقدم فرأي من تباشيرهم بالحسين ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا: تاخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد، و سار حتي وافي القصر في الليل و معه جماعة قد التقوا به فدعا ابن زياد مولي له يقال له معقل فقال له خذ ثلث آلاف درهم، ثم اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه، فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلثة آلاف درهم و قل لهم استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم انك منهم.

فانك لو أعطيتهم اياها اطمأنوا اليك و وثقوا بك و لم يكتموا شيئا من أخبارهم، ثم أغد عليهم و رح حتي تعلم مستقر مسلم بن عقيل، و تدخل عليه، ففعل ذلك و جاء فطلب الاذن، فاذن له فاخذ مسلم بيعته و أمر أباثمامة الصائدي بقبض المال منه و أقبل ذلك الرجل يختلف اليهم، فهو أول داخل و آخر، خارج، حتي فهم ما احتاج اليه ابن زياد من أمرهم و كان يحبره بهم [3] فاجتمع لابن عقيل أربعة ألف رجل و ما زالوا يتوثبون حتي المساء فضاق بعبيد الله أمره و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر و ليس معه في القصر الا ثلثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته، حتي كادت الشمس أن يجب فكانت المرأة تأتي ابنتها و أخاها فتقول انصرف، الناس يكفونك و يجي ء


الرجل الي ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فيصرفه.

فما زالوا يتفرقون عن ابن عقيل حتي أمسي و صلي المغرب و ما معه الا ثلثون نفسا في المسجد، فلما رأي انه قد أمسي و ليس معه الا اولئك النفر خرج متوجها نحوا ابواب كندة فما بلغ الابواب، و معه عشرة ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان، فالتفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق، و لا يدله منزله و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو فمضي علي وجهه مترددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب.

فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للاشعث بن قيس، فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج معه الناس فانها قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقل لها يا امة الله اسقني ماء فسقته و جلس، و أدخلت الاناء ثم خرجت فقالت: يا عبدالله ألم تشرب، قال بلي قالت فاذهب الي أهلك فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت.

ثم قالت له في الثالثة سبحان الله قم عافاك الله الي أهلك فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي و لا أحله لك، فقام و قال يا امة الله مالي في هذا المصر منزل، و لا عشيرة فهل لك في أجر و معروف و لعلي مكافيك، قالت يا عبدالله و ما ذاك قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني، قالت أنت مسلم قال نعم قالت: أدخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه ففرشت له و عرضت له العشا فلم يتعش و لم يكن باسرع ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه.

فقال لها والله انه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه ان لك لشأنا قالت: يا بني اعرض عن هذا قال والله لتخبريني قالت: أقبل علي


شأنك، و لا تسألني عن شي ء، فألح عليها قالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس شيئا مما أخبرتك به، قال: نعم فأخذت عليه الايمان فحلف لها، فأخبرته فاضطجع و سكت، فلما أصبح فغدا الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، فأخبره بمكان مسلم ابن عقيل، عند أمه.

فأقبل عبدالرحمن حتي أتاه أباه فأخبره، و هو عند ابن زياد فساره، فعرف ابن زياد اسراره، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فاتني به الساعة، فقام، و بعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون ن يصاب فيهم مثل ابن عقيل، فبعث عبيدالله بن العباس السلمي، في سبعين رجلا من قيس حتي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رضي الله عنه، فلما وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد أتي فخرج اليهم يضربهم بسيفه، حتي أخرجهم من الدار.

ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري، فضرب فم مسلم، فقطع شفته العليا و أسرع في السفلي و نصلت ثناياه فضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة، و ثناه بأخري علي حبل العاتق، كادت تطلع علي جوفه، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة و قال له محمد بن الأشعث لك الامان لا تقتل نفسك و هو يقالتهم و يقول عند ذلك.



أقست لا أقتل الاحرا

اني رأيت الموت شيئا نكرا



و أخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا



كل امرء يوما ملاق شرا

أخاف ان كذب اواغرا



فقال محمد بن الاشعث انك لا تكذب و لا تغر و لا تخدع ان القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك و قد اثخن بالحجارة، و قد عجز عن القتال، فانبهر


و اسند ظهره الي جنب تلك الدار، فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الامان، فقال آمن أنا، فقال نعم فقال للقوم الذين معه لي الأمان، فقام القوم له، نعم الا عبيدالله ابن العباس السلمي، فانه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحي، فقال مسلم: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم و أتي ببغلة فحمل عليها و اجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه، فكأنه عند ذلك آيس من نفسه فدمعت عيناه.

ثم قال هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الأشعث أرجوا أن لا يكون عليك باس، فقال ما هو الا الرجاء أين أمانكم انا لله و انا اليه راجعون، و بكي، فقال له عبيدالله بن العباس السلمي: ان الذي يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك، فقال والله اني ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل ارثي، و ان كنت لم أخب لها طرفة عين، و لكني أبكي لأهلي المقبلين الي أبكي للحسين و آل الحسين صلوات الله عليهم.

ثم أقبل بابن عقيل الي باب القصر، فاستأذن، فاذن له فدخل علي عبيدالله فاخبره خبر ابن عقيل و ذكر ما كان من أمانه له، فقال له عبيدالله و ما أنت و الأمان كاننا أرسلناك لتؤمنه انما أرسلناك لتأتينا به، فسكت ابن الاشعث، و انتهي ابن عقيل الي باب القصر و قد اشتد به العطش، فقال: اسقوني من هذا الماء و تساند الي حايط و بعث عمرو بن حريث غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل و قدح فصب فيه ماء، فقال له اشرب فأخذ كلما شرب امتلاء القدح دما من فمه فلا يقدر أن يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشربه سقطت ثنيتاه في القدح.

فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم، شربته، و خرج رسول ابن زياد و أمر بادخاله، فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة، فقال له الحرس ألا تسلم علي الأمير فقال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه و ان كان لا يريد قتلي ليكثر سلامي عليه، فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن قال: كذلك، قال نعم قال: دعني أوصي الي


بعض قومي، قال افعل، فنظر الي جلساء ابن زياد فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال يا عمر بيني و بينك قرابة ولي اليك حاجة،و قد يجب عليك انجح حاجتي و هو سر فامتنع عمر أن يسمع منه.

فقال له عبيدالله لم تمنع أن تنظر في حاجة ابن عمك، قال فجلس حتي ينظر اليها ابن زياد، فقال: ان علي دينا استدنته مذوقت قدمت الكوفة سبعمائة درهم، فاقضها عني و اذا قتلت فاستوهب جثمي من ابن زياد فوارها وابعث الي الحسين من يرده فاني قد كنت أعلمته أن الناس ليسوا الا معه و لا أراه الا مقبلا فقال عمر لابن زياد: أتدري أيها الامير ما قال انه ذكر كذا و كذا قال ابن زياد لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن.

أما مالك فهو لك، و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت و أما جثته فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها و أما الحسين فهو ان لم يردنا لم نرده، اصعدوا به فوق القصر: واضربوا عنقه، ثم اتبعوا جسده اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران، فقال له اصعد فلتكن انت الذي تضرب عنقه، فصعد به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله، و يقول: اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا فاشرفوا به علي موضع الخراس اليوم فضربت عنقه و اتبع جسده رأسه [4] .

4- قال ابن شهرآشوب: فكتب يزيد علي يدي مسلم بن عمرو الباهلي الي عبيدالله بن زياد، و هو والي البصرة، و ولاه الكوفة مع البصرة و أن يطلب مسلم ابن عقيل، فيقتله أو ينفيه فالعجل العجل، فلما وصل المنشور الي ابن زياد قصد الي الكوفة و دخلها بغتة في الليل و هو متلثم فزعم من رآه أنه الحسين فكانوا يقولون


مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم، حتي نزل دار الامارة فانتقل مسلم من دار سالم الي دار هاني بن عروة في الليل و دخل أمانه و كان يبايعه الناس حتي بايعه خمسة و عشرون ألف رجل فعزم علي الخروج.

فقال هاني لا تعجل ثم ان عبيدالله أعطي مولاه، معقل ثلاث آلاف درهم، و قال له: اذهب حتي تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة، فأعلمه انك رجل من أهل حمص، جئت لهذا الامر و هذا مال تدفعه لتتقوي به، فلم يزل يتلطف و يسترشد حتي دل علي مسلم بن عوسجة الاسدي، و كان الذي يأخذ البيعة، فادخله علي مسلم، و قبض منه المال، و بايعه، و رجع معقل الي عبيدالله فأخبره و كان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيدالله بن زياد فمرض فنزل دار هاني بن عروة أياما.

ثم قال لمسلم: ان عبيدالله يعودني و اين مطاولة الحديث فاخرج اليه بسيفك فاقتله و علامتك أقول اسقوني ماء و نهاه هاني عن ذلك، فلما دخل عبيدالله علي شريك و سأله عن وجعه و طال سؤاله و رأي أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فاخذ يقول:



ما الانتظار لسلمي أن يحييها

كاس المنية بالتعجيل أسقوها



فتوهم ابن زياد و خرج فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبدالله بن يقطر فاذا فيه للحسين بن علي أما بعد فاني أخبرك انه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فاذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فان الناس معك و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوي فأمر ابن زياد بقتله و قال لمحمد بن الاشعث الكندي و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و أسماء بن خارجة الفزاري احضروا هاني بن عروة، فاحضروه باللطف فالتقت ابن زياد الي شريح القاضي و تمثل:




أريد حيوته و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



فقال هاني ما هذا أيها الأمير قال جئت بمسلم بن عقيل و ادخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في دور حولك و ظننت أن ذلك يخفي علي فأنكرهاني ابن عروة ذلك، فقال: علي بمعقل فلما جيئي به قال أتعرفه قال هاني ما دعوت مسلما و انما جائني بالجوار، فا قد عرفت أخرجه من جواري، قال لا والله لا مناص لك مني الا بعد أن تسلمه الي قال لا يكون ذلك أبدا.

فكلمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك، قال ليس عليك في دفعه عار انما تدفعه الي السلطان فقال هاني: بلي والله علي أعظم العار أن أسلم جاري و ضيفي و رسول ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و أنا حي صحيح الساعدين، كثير الأعوان، والله لو لم أكن الا واحدا لما سلمته أبدا، حتي أموت من دونه، فقال ابن زياد ان لم تحضره لأضربن عنقك، و ضرب قضيبا علي أنفه و جبهته، حتي هشمه و أمر بحبسه و بلغ ذلك مذحجا، فاقبلت الي القصر.

فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج اليهم و يعلمهم أنه حي سالم فخرج اليهم و صرفهم، و وصل الخبر مسلم بن عقيل في أربعة آلاف كانوا حواليه، فاجتمع اليه ثمانية آلاف ممن بايعوه فتحرز عبيداله و غلق الأبواب و سار مسلم حتي أحاط بالقصر، فبعث عبيدالله كثير بن شهاب الحارثي، و محمد بن الاشعث الكندي من باب الروميين براية الامان لمن جاءها من الناس، فرجع الرؤسا اليها فدخلوا القصر، فقال لهم عبيداله اشرفوا علي الناس فمنوا أهل الطاعة و خوفوا أهل المعصية.

فما زال الناس يتفرقون أمسي مسلم و ما معه الا ثلاثون نفسا، فلما صلي المغرب ما رأي أحدا فبقي في أزقة كندة متحيرا فمشي أتي الي باب امرأة يقال لها طوعة كانت أم ولد محمد بن الاشعث، فزوجها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا


و كان بلال خرج مع الناس و امة قائمة تنتظره، فقال لها مسلم يا أمة الله اسقيني فسقته، و جلس، فقالت له يا عبدالله اذهب الي أهلك فسكت ثم عادت فسكت فقالت: سبحان الله قم الي أهلك.

فقال مالي في المصر منزل، و لا عشيرة قالت فلعلك مسلم بن عقيل، فآوته فلما دخل بلال علي امه، وقف علي الحال، و نام فلما أصبح اذا مناد من دل علي مسلم فله ديته، و برئت الذمة من رجل وجدناه في داره، فجاء بلال الي عبدالرحمن ابن محمد بن الاشعث، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل، عنده، فأقبل عبدالرحمن و دنا من أبيه و ساره، فقال ابن زياد ما يقول ابنك فقال يقول ابن عقيل في دار من دورنا، فانفذ عبيدالله عمرو بن الحريث المخزومي و محمد بن الأشعث في سبعين رجلا أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم و هو يقول:



هو الموت فاصنع و يك ما أنت صانع

فانت بكأس الموت لا شك طارع



فصبر لأمر الله جل جلاله

فحكم قضا والله في الخلق ذايع



فقتل منهم أحدا و أربعين رجلا، فانفذ ابن زياد اللائمة الي ابن الاشعث فقال: أيها الأمير انك بعثتني الي أسد ضرغلام، و سيف حسام، في كف بطل همام من آل خير الأنام، قال ويحك ابن عقيل لك الامان و هو يقول لا حاجة لي في أمان الفجرة و هو يرتجز:



أقسمت لا أقتل الاحرا

و لو وجدت الموت كاسا مرا



أكره أن أخدع أو أغرا

كل أمير يوما يلاقي شرا



أضربكم و لا أخاف ضرا

ضرب غلام قط لم يفرا



فضربوه بالسهام و الأحجار حتي عيي و استند حائطا فقال مالكم ترموني بالأحجار كما ترمي الكفار و أنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ألا ترعون حق رسول الله في ذريته، فقال ابن الأشعث لا تقتل نفسك، و أنت في ذمتي قال:


أو سر و بي طاقة، لا والله لا يكون ذلك أبدا و حمل عليه فهرب منه فقال مسلم: اللهم ان العطش قد بلغ مني فحملوا عليه من كل جانب فضربه بكر بن حمران الأحمري علي شفته العليا، و ضربه مسلم في جوفه فقتله، و طعن من خلفه فسقط من فرسه فأسر.

فقال مسلم اسقوني شربة من ماء فأتاه غلام عمرو بن حريث بشربة زجاج و كانت تملي ء دما و سقط ثنيته، فأتي به الي ابن زياد فتجاوبا و كان ابن زياد يسب حسينا و عليا عليهماالسلام، فقال مسلم فاقض ما أنت قاض يا عدو الله فقال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر و اضربوا عنقه و كان مسلم يدعو الله و يقول:

اللهم احكم بيننا بين قوم غرونا و خذلونا فقتله و هو علي موضع الحذائين، ثم أمر بقتل هاني بن عروة في محلة يباع فيها الغنم ثم أمر بصلبهما منكوسا و أنشد أسدي:



فانت كنت ما تدرين ما الموت فانظري

الي هاني بالسوق و ابن عقيل



و انفذ رأسهما الي يزيد في صحبة هاني بن حيوة الوادعي فنصب الرأسين في درب من دمشق [5] .

5- قال ابن طاووس: فكتب يزيد الي عبيدالله بن زياد، و كان واليا علي البصرة بأنه قد ولاه الكوفة و ضمهااليه و عرفه أمر مسلم بن عقيل، و أمر الحسين عليه السلام و يشدد عليه في تحصيل مسلم و قتله رضوان الله عليه فتأهب عبيدالله للمسير الي الكوفة.

فلما أصبح أستناب عليهم أخاه عثمان بن زياد، و أسرع هو الي قصر الكوفة، فلما قار بها نزل حتي أمسي ثم دخلها ليلا فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام فباشروا


بقدومه و دنوا منه، فلما عرفوا أنه ابن زياد تفرقوا عنه، قد دخل قصر الأمارة و بات فيه الي الغداة، ثم خرج و صعد المنبر، و خطبهم و توعدهم علي معصية السلطان و وعدهم مع الطاعة بالاحسان، فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف علي نفسه من الاشتهار فخرج من دار المختار، و قصد دار هاني بن عروة، فآواه و كثر اختلاف الشيعة اليه و كان عبيدالله قد وضع المراصد عليه.

فلما علم انه في دار هاني دعا محمد بن الاشعث و أسماء بن خارجة، و عمرو ابن الحجاج، و قال ما يمنع هاني بن عروة من اتياننا، فقالوا ما ندري و قد قيل انه يشتكي، فقال قد بلغني ذلك و بلغني انه قد برأ و أنه يجلس علي باب داره و لو أعلم أنه شاك لعدته، فالقوه و مروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله، من اشراف العرب، فاتوه و وقفوا عليه عشية علي بابه، فقالوا ما يمنعك من لقاء الامير فانه قد ذكرك و قال لو أعلم انه شاك لعدته.

فقال لهم الشكوي تمنعني، فقالوا له قد بلغنه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك، و قد استبطاك، و الابطاء و الجفاء لا يتحمله السلطان من مثلك لأنك سيد في قومك، و نحن نقسم عليك، الا ما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلة فركبها حتي اذا دنا من القصر، كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن سماء بن خارجة يا ابن أخي اني والله لهذا الرجل الامير لخائف فما تري.

قال: والله يا عم ما أتخوف عليك شيئا و لا تجعل علي نفسك سبيلا، و لم يكن حسان يعلم في أي شي ء بعث اليه عبيدالله فجاء هاني و القوم معه حتي دخلوا جميعا علي عبيدالله، فلما رأي هانيا قال أتتك بخائن لك رجلاه، ثم التفت الي شريح القاضي و كان جالسا عنده و أشار الي هاني و انشد بيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي.



أريد حياته و يريد قتلي

عذيرك من خللك من مراد




فقال له هاني و ما ذاك أيها الأمير، فقال ايه يا هاني ما هذه الامور التي تربص في دورك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين. جئت بمسلم بن عقيل، و أدخلته في دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت ان ذلك يخفي علي، فقال ما فعلت، فقال ابن زياد بلي قد فعلت فقال ما فعلت أصلح الله الامير، قال ابن زياد: علي بمعقل مولاي، و كان معقل عينه أخبارهم و قد عرف كثيرا من اسرارهم فجاء معقل حتي وقف بين يديه.

فلما رآه هاني عرف أنه كان عينا عليه فقال: أصلح الله الامير والله ما بعثت الي مسلم بن عقيل و لا دعوته، و لكن جائني مستجيرا فأجرته، فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام فضيفته، فأما اذ قد علمت فخل سبيلي حتي ارجع اليه و آمره بالخروج من داري، الي حيث شاء، من الأرض لأخرج بذلك من ذمامه و جواره، فقال له ابن زياد لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به، فقال لا والله لا أجيئك بضيفي حتي تقتله قال والله لتأتيني به.

قال لا والله لا آتيك به، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي، فقال أصلح الله الأمير خلني و اياه حتي اكلمه، فقام فخلي به ناحية و هما بحيث يراهما ابن زياد و يسمع كلامها اذا رفعا أصواتهما فقال له مسلم يا هاني أنشدك الله أن لا تقتل نفسك، و لا تدخل البلاء علي عشيرتك، فوالله اني لأنفس بك علي القتل ان هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضارئيه، فادفعه اليه، فانه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة و انما تدفعه الي السلطان.

فقال هاني: والله ان علي بذلك الخزي و العار أنا أدفع جاري و ضيفي و رسول ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و أنا صحيح الساعدين كثير الاعوان والله لو لم أكن الا واحد اليس لي ناصر لم أدفعه حتي اموت دونه، فأخذ يناشده و هو يقول والله لا ادفعه أبدا اليه، فسمع ابن زياد ذلك، فقال ابن زياد أدنوه مني فأدني منه فقال:


والله ليأتيني به أولا ضربن عنقك، فقال هاني اذن و الله تكثر البارقة حول دارك.

فقال ابن زياد و الهفاه عليك أباالبارقة تخوفني و هاني يظن أن عشيرته يسمعونه ثم قال أدنوه مني فأدني منه فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتي انكسر أنفه و سيل الدماء علي ثيابه، و نثر لحم خده و جبينه علي لحيته، فانكسر القضيب فضرب هاني بيده الي قائم سيف شرطي، فجاذبه ذلك الرجل فصاح ابن زياد خذوه فجردوه حتي القوه في بيت من بيوت الدار و اغلقوا عليه بابه.

فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام اسماء بنت خارجة الي عبيدالله ابن زياد و قيل ان القائم حسان بن اسماء، فقال أرسل غدر، سائر القوم أيها الامير أمرتنا أن نجيئك بالرجل، حتي اذا جئناك به هشمت وجهه و سيلت دمائه علي لحيته و زعمت انك تقتله فغضب ابن زياد و قال و أنت هاهنا، ثم أمر به فضرب حتي ترك و قيد و حبس في ناحية من القصر، فقال: انا لله و انا اليه راجعون الي نفسي أنعاك يا هاني.

قال الراوي بلغ، عمرو بن الحجاج أن هانيا قد قتل، و كانت رويحة بنت عمر و هذا تحت هاني بن عروة، فاقبل عمرو في مذحج، كافة حتي أحاطه بالقصر، و نادي عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها، لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة، و قد بلغنا ان صاحبنا هانيا قد قتل فعلم عبيدالله باجتماعهم، و كلامهم فأمر شريحا القاضي ان يدخل علي هاني فيشاهده و خبر قومه بسلامته من القتل ففعل ذلك و أخبرهم فرضوا بقوله و انصرفوا، قال و بلغ الخبر الي مسلم بن عقيل فخرج بمن بايعه الي حرب عبيدالله بن زياد.

فتحصن منه بقصر دار الامارة و اقتتل أصحابه و أصحاب مسلم و جعل عبيدالله و الذين معه في القصر يتشرفون منه و يحذرون، أصحاب مسلم و


يتوعدونهم باجناد الشام، فلم يزالوا كذلك حتي جاء الليل فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه، و يقول بعضهم لبعض ما نصنع بتعجيل الفتنة و ينبغي أن نقعد في منازلنا و ندع هؤلاء القوم حتي يصلح الله ذات بينهم فلم يبق معه سوي عشرة أنفس، فدخل مسلم المسجد ليصلي المغرب فتفرق العشرة عنه.

فلما رأي ذلك خرج وحيدا في دروب الكوفة حتي وقف علي باب امرأة يقال لها طوعة، فطلب منها ماء فسقته ثم استجارها فأجارته فعلم به ولدها، فوشي الخبر بطريقه الي ابن زياد، فاحضر محمد بن الأشعث و ضم اليه جماعة و أنفذه لا حضار مسلم، فلما بلغوا دار المرئة و سمع مسلم وقع حوافر الخيل لبس درعه و ركب فرسه و جعل يحارب أصحاب عبيدالله، حتي قتل منهم جماعة، فنادي اليه محمد ابن الأشعث و قال يا مسلم لك الأمان فقال مسلم: و أي أمان للغدرة الفجرة، ثم أقبل يقاتلهم و يرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن:



أقسمت لا أقتل الاحرا

و ان شربت الموت شيئا نكرا



اكره أن أخدع أوا غرا

أو اخلط البارد سخنا مرا



كل امري ء يوما يلاقي شرا

أضربكم و لا أخاف ضرا



فنادوا اليه لا يكذب و لا يغر فلم يلتفت الي ذلك، و تكاثروا عليه بعد أن اثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر الي الارض، فأخذ أسيرا فلما ادخل علي عبيدالله لم يسلم عليه، فقال الحرس سلم علي الامير، فقال له اسكت ويحك والله ما هو لي بامير، فقال ابن زياد لا عليك سلمت أم لم تسلم فانك مقتول، فقال له مسلم ان قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني، و بعد فانك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة، و خبث السريره، ولوم الغبلة، لاحد أولي بها منك.

فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت علي امامك و شققت عصا المسلمين و القحت الفتنة، فقال مسلم كذبت يابن زياد انما شق عصا المسلمين معاوية و ابنه


يزيد، و أما التفنة، فانما ألحقها أنت و أبوك زياد بن عبيد، عبد بني علاج من ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة علي يدي شربريته، فقال له ابن زياد منتك نفسك امر احال الله دونه، و جعله لأهله فقال له مسلم و من يا ابن مرجانة، فقال أهله يزيد بن معاوية فقال مسلم الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا و بينكم فقال له ابن زياد اتظن ان لك في الأمر شيئا.

فقال له مسلم و الله ما هو الظن و لكنه اليقين، فقال ابن زياد فأخبرني يا مسلم بماذا أتيت هذا البلد و أمرهم ملتئم فشتت أمرهم بينهم و فرقت كلمتهم، فقال مسلم ما لهذا أتيت و لكنكم أظهرتم المنكر و دفنتم المعروف، و تأمرتم علي الناس بغير رضي منهم و حملتموهم علي غير ما أمركم الله به و عملتم فيهم بأعمال كسري و قيصر فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف و ننهي عن المنكر، و ندعوهم الي حكم الكتاب و السنة، و كنا أهل ذلك فجعل ابن زياد يشتمه و يشتم عليا والحسن والحسين عليهم السلام.

فقال له مسلم: أنت و أبوك أحق بالشتيمة، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به الي أعلي القصر فيقتله، فصعد به و هو يسبح لله تعالي و يستغفره و يصلي علي النبي صلي الله عليه و آله فضرب عنقه و نزل مذعورا، فقال له ابن زياد ما شأنك فقال: أيها الامير رأيت ساعة قتله رجلا أسود سي ء الوجه حذائي عاضا علي اصبعه أو قال علي شفته ففزعت منه فزعا لم أفزعه قط.

فقال ابن زياد لعنه الله لعلك دهشت، ثم أمر بهاني بن عروة، فأخرج ليقتل فجعل يقول و امذ حجاه، و أين مني مذحج، وا عشيرتاه و اين مني عشيرتي، فقيل له مد عنقك فقال لهم: والله ما أنا بها سخي و ما كنت لا عينكم علي نفسي فضربه غلام لعبيدالله بن زياد، يقال له رشيد فقتله و في قتل مسلم و هاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي و يقال انها للفرزدق و قال بعضهم انها لسليمان الحنفي:




فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل



أصابهما فرخ البغي فأصبها

أحاديث من يسري بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل



فتي كان أحيي من فتاة حيية

و أقطع من ذي شفرتين صقيل



أيركب اسماء الهماليج آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



تطوف حفا فيه مراد و كلهم

علي رقبة من سائل و مسول



فان أنتم تثأروا بأخيكم

تكونوا بغايا أرغمت ببعول



قال الراوي و كتب عبيدالله بن زياد بخبر مسلم و هاني الي يزيد بن معاوية، فاعاد الجواب اليه يشكره فيه علي فعاله، و سطوته و يعرفه أن قد بلغه توجه الحسين عليه السلام الي جهته و يأمره عند ذلك بالمؤاخذة و الانتقام و الحبس علي الظنون و الأوهام [6] .

6- قال أبوحنيفة الدينوري: و قد كان الناس بالكوفة يتوقعون الحسين بن علي عليهماالسلام، فكان لا يمر ابن زياد بجماعة الا ظنوا أنه الحسين فيقومون له و يدعون و يقولون: مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم، فنظر ابن زياد من تباشير الحسين الي ماسائه، و أقبل حتي دخل المسجد الاعظم و نودي في الناس، فاجتمعوا و صعد المنبر، فحمدالله و أثني عليه ثم قال:

أنا لمطيعكم كالوالد الشفيق، و لمخالفكم كالسم النقيع، فلا يبقين أحد منكم الا علي نفسه، ثم نزل، فأتي القصر، فنزله، و ارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام، و بلغ مسلم بن عقيل قدوم عبيدالله بن زياد و انصراف النعمان، و ما كان من خطبة


ابن زياد و وعيده، فخاف علي نفسه.

فخرج من الدار التي كان فيها بعد عتمة حتي أتي دار هاني بن ورقة المذحجي، و كان من أشراف أهل الكوفة، فدخل داره الخارجة، فأرسل اليه و كان في دار نسائه، يسأله الخروج اليه، فخرج اليه. و قام مسلم، فسلم عليه، و قال: اني أتيتك لتجيرني و تضيفني. فقال له هاني ء: لقد كلفتني شططا بهذا الامر، و لو لا دخولك منزلي لا حببت أن تنصرف عني، غير أنه قد لزمني ذمام لذلك. فادخله دار نسائه، و أفرد له ناحية منها. و جعلت الشيعة تختلف اليه في دار هاني.

كان هاني بن عروة مواصلا لشريك بن الاعور البصري الذي قام مع ابن زياد، و كان ذا شرف بالبصرة و خطر، فانطلق هاني، اليه حتي أتي به منزله، و أنزله مع مسلم بن عقيل في الحجرة التي كان فيها، و كان شريك من كبار الشيعة بالبصرة، فكان يحث هانئا علي القيام بأمر مسلم، و جعل مسلم يبايع من أتاه من أهل الكوفة، و يأخذ عليهم العهود و المواثيق المؤكدة بالوفاء، و مرض شريك بن الاعور في منزل هاني بن عروة مرضا شديدا.

بلغ ذلك عبيدالله بن زياد، فأرسل اليه يعلمه أنه يأتيه عائدا، فقال شريك لمسلم بن عقيل: انما غايتك و غاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، و قد أمكنك الله منه، هو صار الي ليعودني، فقم، فادخل الخزانة حتي اذا اطمأن عندي، فاخرج اليه فقاتله، ثم صر الي قصر الامارة، فاجلس فيه، فانه لا ينازعك فيه أحد من الناس، و ان رزقني الله العافية صرت الي البصرة، فكفيتك أمرها، و بايع لك أهلها.

فقال هاني بن عروة: ما أحب أن يقتل في داري ابن زياد: فقال له شريك: و لم؟ فوالله ان قتله لقربان الي الله، ثم قال شريك لمسلم: لا تقصر في ذلك فبينماهم علي ذلك اذ قيل لهم: الأمير بالباب، فدخل مسلم بن عقيل الخزانة، و دخل عبيد


الله بن زياد علي شريك، فسلم عليه، و قال: ما الذي تجد و تشكو؟ فلما طال سؤاله اياه استبطأ شريك خروج مسلم، و جعل يقول، و يسمع مسلما:



ما تنظرون بسلمي عند فرصتها

فقد و في ودها،و استوسق الصرم



جعل يردد ذلك: فقال ابن زياد لهاني: أيهجر؟ - يعني يهذي - قال هاني: نعم، أصل الله الأمير، لم يزل هكذا منذ أصبح، ثم قام عبيدالله و خرج، فخرج مسلم بن عقيل من الخزانة، فقال شريك: ما الذي منعك منه الا الجبن و الفشل؟ قال مسلم: منعني منه خلتان: احداهما كراهية هاني ء لقتله في منزله، و الاخري قول رسول الله صلي الله عليه و آله: ان الايمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن فقال شريك: أما والله لو قتله لاستقام لك أمرك، و استوسق لك سلطانك.

لم يعش شريك بعد ذلك الا أياما، حتي توفي، و شيع ابن زياد جنازته، و تقدم فصلي عليه و لم ينزل مسلم بن عقيل يأخذ البيعة من أهل الكوفة حتي بايعه منهم ثمانية عشر ألف في ستر و رفق، و خفي علي عبيدالله بن زياد موضع مسلم بن عقيل، فقال لمولي له من أهل الشام يسمي معقلا و ناوله ثلاثة آلاف درهم في كيس، و قال: خذ هذا المال، و انطلق، فالتمس مسلم بن عقيل و تأت له بغاية التأني.

فانطلق الرجل حتي دخل المسجد الأعظم، و جعل لا يدري كيف يتأتي الامر، ثم انه نظر الي رجل يكثر الصلاة الي سارية من سواري المسجد فقال في نفسه: ان هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة، و أحسب هذه منهم، فجلس الرجل حتي اذا انتقل من صلاته قام فدنا منه، و جلس فقال، جعلت فداك، اني رجل من أهل الشام مولي لذي الكلاع، وقد أنعم الله علي بحب أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله، وحب من أحبهم، و معي هذه الثلاثة آلاف درهم.

أحب ايصالها الي رجل منهم، بلغني أنه قدم هذا المصر داعية للحسين بن


علي عليهماالسلام، فهل تدلني عليه لأوصل هذا المال اليه؟ ليستعين به علي بعض أموره، و يضعه حيث أحب من شيعته. قال له الرجل: و كيف قصدتني بالسؤال عن ذلك دون غيري ممن هو في المسجد؟

قال: لاني رأيت عليك سيما الخير، فرجوت أن تكون ممن يتولي أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله

قال له الرجل: ويحك، قد وقعت علي بعينك، أنا رجل من اخوانك و اسمي مسلم بن عوسجة، و قد سررت بك، و ساءني ما كان من حسي قبلك، فاني رجل من شيعة أهل هذا البيت، خوفا من هذا الطاغية ابن زياد، فأعطني ذمة الله و عهده أن تكتم هذا عن جميع الناس. فأعطاه من ذلك ما أراد فقال له مسلم بن عوسجة: انصرف يومك هذا، فان كان غد فائتني في منزلي حتي انطلق معك الي صاحبنا - يعني مسلم بن عقيل - فأوصلك اليه.

فمضي الشامي، فبات ليلة، فلما أصبح غدا الي مسلم بن عوسجة في منزله، فانطلق به حتي أدخله الي مسلم بن عقيل فأخبره بأمره، و دفع اليه الشامي ذلك المال، و بايعه. فكان الشامي يغدوا الي مسلم بن عقيل، فلا يحجب عنه فيكون نهاره كله عنده، فيتعرف جميع أخبارهم، فاذا مسي و أظلم عليه الليل، دخل علي عبيدالله بن زياد، فأخبره بجميع قصصهم و ما قالوا و فعلوا في ذلك، و أعلمه نزول مسلم في دار هاني بن عروة.

ثم ان محمد بن الاشعث و أسما، بن خارجة دخلا علي ابن زياد مسلمين فقال لهما: ما فعل هاني بن عروة؟ فقالا أيها الامير، انه عليل منذ أيام، فقال ابن زياد و كيف؟ و قد بلغني أنه يجلس علي باب داره عامة نهاره، فما يمنعه من اتياننا، و ما يجب عليه من حق التسليم؟ قالا سنعلمه ذلك ونخبره باستطاعك فخرجا من عنده، و أقبلا حتي دخلا علي هاني بن عروة.


فأخبراه به ما قال لهما ابن زياد، و ما قالا له، ثم قالا له: أقسمنا عليك الا قمت معنا اليه الساعة لتسل سخيمة قلبه. فدعا ببغلته، فركبها، و مضي معهما، حتي اذا دنا من قصر الامارة خبثت نفسه، فقال لهما: ان قلبي قد أوجس من هذا الرجل خيفة قالا: و لم تحدث نفسك بالخوف و أنت بري ء الساحة فمضي معهما حتي دخلوا علي ابن زياد، فأنشأ ابن زياد يقول متمثلا:



أريد حياتي و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



قال هاني: و ما ذاك أيها الامير؟ قال ابن زياد: و ما يكون أعظم من مجيئك بمسلم بن عقيل، و ادخالك اياه منزلك، و جمعك له الرجال ليبايعوه؟ فقال هاني: ما فعلت و ما أعرف من هذا شيئا فدعا ابن زياد بالشامي و قال: يا غلام ادع لي معقلا فدخل عليهم.

فقال ابن زياد لهاني بن عروة: أتعرف هذا؟ فلما رآه علم أنه انما كان عينا عليهم، فقال هاني: أصدقك والله أيها الامير اني والله ما دعوت مسلم بن عقيل، و ما شعرت به، ثم قص عليه قصته لي وجهها، ثم قال: فأما الآن فأنا مخرجه من داري، لينطلق حيث يشاء، و أعطيك عهدا وثيقا أن أرجع اليك، قال ابن زياد: لا والله لا تفارقني حتي تأتيني به، فقال هاني: أو يجمل بي أن أسلم ضيفي و جاري للقتل؟ والله لا أفعل ذلك أبدا.

فاعترضه ابن زياد بالخيزرانة فضرب وجهه و هشم أنفه و كسر حاجبه، و أمر به فأدخل بيتا. و بلغ مذحجا أن ابن زياد قد قتل هانئا فاجتمعوا بباب القصر، و صاحوا، فقال ابن زياد لشريح القاضي - و كان عنده - ادخل الي صاحبهم، فانظر اليه ثم اخرج اليهم، فأعلمهم أنه حتي. ففعل، فقال لهم سيدهم عمرو بن الحجاج: أما اذا كان صاحبكم حيا فما يعجلكم الفتنة؟ انصرفوا. فانصرفوا.

فلما علم ابن زياد أنهم قد انصرفوا أمر بهاني فأتي به السوق فضربت عنقه


هناك. و لما بلغ مسلم بن عقيل قتل هاني بن عروة نادي فيمن كان بايعه فاجتمعوا فعقد لعبد الرحمن بن كريز الكندي، علي كندة و ربيعة و عقد لمسلم بن عوسجة علي مذحج و أسد، و عقد لأبي ثمامة الصيداوي علي تميم، و همدان، و عقد للعباس بن جعدة بن هبيرة علي قريش، و الانصار فتقدموا جميعا حتي أحاطوا بالقصر و اتبعهم هو في بقية الناس.

تحصن عبيدالله بن زياد في القصر مع من حضر مجلسه في ذلك اليوم من أشراف أهل الكوفة؟ و الاعوان و الشرط، و كانوا مقدار مائتي رجل، فقاموا علي سور القصر يرمون القوم بالمدر، و النشاب و يمنعونهم من الدنو من القصر فلم يزالوا بذلك حتي أمسوا.

قال عبيدالله بن زياد لمن كان عنده من أشراف أهل الكوفة: ليشرف كل رجل منكم في ناحية من السور فخوفوا القوم. فأشرف كثير بن شهاب و محمد بن الاشعث و القعقاع بن شور و شبث ابن ربعي و حجار بن أبجر وشمر بن ذي الجوشن فتنادوا: يا أهل الكوفة اتقوا الله و لا تستعجلوا الفتنة و لا تشقوا عصا هذه الامة و لا توردوا علي أنفسكم خيول الشام فقد ذقتموهم و جربتم شوكتهم فلما سمع أصحاب مسلم مقالتهم فتروا ببعض الفتور.

كان الرجل من أهل الكوفة يأتي ابنه و أخاه، و ابن عمه، فيقول: انصرف فان الناس يكفونك و تجي ء المرأة الي ابنها و زوجها و أخيها فتتعلق به حتي يرجع فصلي مسلم العشاء في المسجد و ما معه الازهاء ثلاثين رجلا.

فلما رأي ذلك مضي منصرفا ماشيا و مشوا معه فأخذ نحو كندة، فلما مضي قليلا التفت فلم ير منهم أحدا و لم يصب انسانا يدله علي الطريق، فمضي هائما علي وجهه في ظلمة الليل حتي دخل علي كندة فاذا امرأة قائمة علي باب دارها تنتظر ابنها - و كانت ممن خف مع مسلم - فآوته و أدخلته بيتها و جاء ابنها فقال: من هذا


في الدار؟ فأعلمته و أمرته بالكتمان.

ثم ان ابن زياد لما فقد الاصوات ظن أن القوم دخلوا المسجد فقال: انظروا هل ترون في المسجد أحدا؟ - و كان المسجد مع القصر - فنظروا فلم يروا أحدا و جعلوا يشعلون أطناب القصب، ثم يقذفون بها في رحبة المسجد ليضي ء لهم فتبينوا فلم يروا أحدا، فقال ابن زياد: ان القوم قد خذلوا و أسلموا مسلما و انصرفوا. فخرج فيمن كان معه و جلس في المسجد، و وضعت الشموع و القناديل و أمر مناديا فنادي بالكوفة ألا برئت الذمة من رجل من العرفاء والشرط و الحرس لم يحضر المسجد.

فاجتمع الناس ثم قال: يا حصين بن نمير - و كان علي الشرطة - ثكلت امك ان ضاع باب سكة من سكك الكوفة، فاذا أصبحت فاستقر الدور، دارا، دارا، حتي تقع عليه، و صلي ابن زياد العشاء في المسجد، ثم دخل القصر، فلما أصبح جلس للناس، فدخلوا عليه، و دخل في أوائلهم محمد بن الاشعث، فأقعده معه علي سريره، و أقبل ابن تلك المرأة التي مسلم في بيتها الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، و هو حينئذ غلام حين راهق - فأخبره بمكان مسلم عنده.

فأقبل عبدالرحمن الي أبيه محمد بن الاشعث، و هو جالس مع ابن زياد، فأسر اليه الخبر، فقال ابن زياد: ماسار به ابنك؟ قال أخبرني أن مسلم بن عقيل في بعض دورنا فقال: انطلق، فأتني به الساعة، و قال لعبيد بن حريث: ابعث مائة رجل من قريش و كره أن يبعث اليه غير قريش خوفا من العصبية أن تقع، فأقبلوا حي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل، ففتحوها، فقاتلهم، فرمي، فكسرفوه، و أخذ، فأتي ببغلة فركبها، فصاروا به الي ابن زياد.

فلما ادخل عليه،و قد اكتنفه الجلاوزة قالوا له: سلم علي الامير قال: ان كان الامير يريد قتلي، فما انتفع بسلام عليه، و ان كام لم يرد فسيكثر عليه سلامي. قال


ابن زياد: كأنك ترجو البقاء فقال له مسلم: فان كنت مزمعا علي قتلي، فدعني أوص الي بعض من هاهنا من قومي، قال له: أوص بما شئت. فنظر الي عمر بن سعد ابن أبي وقاص، فقال له: اخل معي في طرف هذا البيت، حتي أوصي اليك، فليس في القوم أقرب الي و لا أولي بي منك.

فتنحي معه ناحية، فقال له: أتقبل وصيتي؟ قال: نعم، قال مسلم، ان علي هاهنا دينا، مقدار ألف درهم، فاقض عني، و اذا أنا قتلت فاستوهب من ابن زياد جثتي لئلا يمثل بها، و ابعث الي الحسين بن علي رسولا قاصدا من قبلك، يعلمه حالي و ما صرت اليه من غدر هؤلاء الذين يزعمون أنهم شيعته، و أخبره بما كان من نكثهم بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل، لينصرف الي حرم الله، فيقيم به، و لا يغتر بأهل الكوفة.

قد كان مسلم كتب الي الحسين أن يقدم و لا يلبث، فقال له عمر بن سعد: لك علي ذلك كله، و أنابه زعيم، فانصرف الي ابن زياد، فأخبره بكل ما أوصي به اليه مسلم، فقال له ابن زياد: قد أسأت في افشائك ما أسره اليك، و قد قتل انه لا يخونك الا الأمين و ربما ائتمنك الخائن.

أمر ابن زياد بمسلم فرقي به الي ظهر القصر، فاشرف به علي الناس، و هم علي باب القصر مما يلي الرحبة، حتي اذا رأوه ضربت عنقه هناك، فسقط رأسه الي الرحبة، ثم اتبع الرأس بالجسد و كان الذي تولي ضرب عنقه أحمر بن بكير. و في ذلك يقول عبدالرحمن بن الزبير الاسدي:



فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشتم السيف أنفه

و آخر، يهوي من طمار، قتيل



أصابهما ريب الزمان، فأصبحا

أحاديث من يسعي بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل




ثم بعث عبيدالله برؤسهما الي يزيد و كتب اليه بالنبأ فيهما. فكتب اليه يزيد: لم نعد الظن بك، و قد فعلت فعل الحازم الجليد، و قد سألت رسوليك عن الامر، ففرشاه لي، و هما كما ذكرت في النصح، و فضل الرأي، فاستوص بهما، و قد بلغني أن الحسين بن علي قد فصل من مكة متوجها الي ما قبلك، فادرك العيون عليه، وضع الارصاد علي الطريق، و قم أفضل القيام، غير ألا تقاتل الا من قاتلك.

و اكتب الي بالخبر في كل يوم، و كان أنفذ الرأسين اليه مع هاني بن أبي حية الهمداني، والزبير بن الاروح التميمي، و كان قتل مسلم بن عقيل يوم الثلاثاء لثلاث خلون من ذي الحجة سنة ستين، و هي السنة التي مات فيها معاوية [7] .

7- قال اليعقوبي: و قدم عبيدالله بن زياد الكوفة و بها مسلم بن عقيل، قد نزل علي هاني بن عروة، و هاني شديد العلة و كان صديقا لابن زياد، فلما قدم ابن زياد الكوفة أخبر بعلة هاني، فأتاه ليعوده، فقال هاني لمسلم بن عقيل و أصحابه و هم جماعة اذا جلس ابن زياد عندي و تمكن فاني سأقول اسقوني فاخرجوا فاقتلوه فأدخلهم البيت و جلس في الرواق و أتاه عبيدالله بن زياد يعوده.

فلما تمكن قال هاني بن عروة: اسقوني فلم يخرجوا فقال: اسقوني ما يؤخركم، ثم قال: اسقوني و لو كانت فيه نفسي، ففهم ابن زياد، فقام، فخرج من عنده، و وجه بالشرط يطلبون مسلما، و خرج و أصحابه و هو لا يشك في وفاء القوم و صحة نياتهم، فقاتل عبيدالله فأخذوه فقتله عيبدالله و جر برجله في السوق، و قتل هاني بن عروة لنزول مسلم منزله و اعانته اياه [8] .

8- قال أبوالفرج: قال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، فحدثني المصعب بن زهير، عن أبي عثمان: أن زيادا أقبل من البصرة و معه مسلم بن عمرو الباهلي، و


المنذر بن عمرو بن الجارود، و شريك بن الاعور، و حشمه و أهله حتي دخلوا الكوفة و عليه عمامة سوداء، و هو متلثم و الناس ينتظرون قدوم الحسين عليهم، فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس، الا سلموا عليه و قالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله، قدمت خير مقدم، و رأي من الناس من تباشيرهم بالحسين ما ساءه، فأقبل حتي دخل القصر [9] .

9- عنه قال عمر، عن أبي مخنف، عن المعلي بن كلبي، عن أبي الوداك، قال: لما نزل ابن زياد القصر نودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع اليه الناس فخرج الينا فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد: فان أميرالمؤمنين - أصلحه الله - و لاني مصركم و ثغركم و فيئكم، و أمرني بانصاف مظلومكم، و اعطاء محرومكم، و بالاحسان الي سامعكم و مطيعكم و بالشدة علي مريبكم، فأنا لمطيعكم كالوالد البر الشفيق، و سيفي و سوطي علي من ترك أمري و خالف عهدي فليبق امرؤ علي نفسه، الصدق ينبي ء عنك لا الوعيد.

ثم نزل و سمع مسلم بن عقيل بمجي ء عبيدالله بن زياد، و مقالته، فأقبل حتي.أتي دار هاني بن عروة المرادي فدخل في بابه، فأرسل اليه ان أخرج الي فقال: اني أتيتك لتجيرني، و تضيفني و قال له: رحمك الله لقد كلفتني شططا لو لا دخلوك داري، و ثقتك بي لأحببت لشأنك أن تنصرف عني غير أني أخذني من ذلك زمام أدخل فدخل داره، فأقبلت الشيعة تختلف اليه في دار هاني بن عروة.

و جاء شريك بن الاعور حتي نزل علي هاني في داره و كان شيعيا و دعا ابن زياد مولي له يقال له معقل فقال له: خذ هذه الثلاثة آلاف درهم، ثم التمس لنا مسلم بن عقيل، و اطلب شيعته و أعطهم الثلاثة آلاف درهم، و قل لهم: استعينوا


بهذه علي حرب عدوكم و أعلمهم بأنك منهم ففعل ذلك و جاء حتي لقي مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الاعظم، و سمع الناس يقولون: هذا يبايع للحسين بن علي، و كان يصلي فلما قضي صلاته جلس اليه.

فقال له: يا عبدالله اني امرؤ من أهل الشام مولي لذي الكلاع، أنعم الله علي بحب أهل البيت و حب من أحبهم و هذه ثلاثة آلاف درهم معي، أردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، و كنت أحب لقائه لأعرف مكانه فسمعت نفرا من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأمر أهل هذا البيت و اني أتيتك لتقبض مني هذا المال و تدلني علي صاحبي فأبايعه.

فقال له: أحمد الله علي لقائك، فقد سرني حبك اياهم و بنصرة الله اياك حق أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله، و لقد ساءني معرفة الناس اياي بهذا الامر قبل أن يتم مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح و أخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به، ثم قال له: اختلف الي أياما في منزلي، فأنا اطلب لك الاذن علي صاحبك و أخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك اليه.

مرض شريك بن الأعور و كان كريما علي ابن زياد و كان شديد التشيع، فارسل اليه عبيدالله اني رائح اليك العشية، فقال شريك لمسلم: ان هذا الفاجر عائدي العشية فاذا جلس فاقتله، ثم اقعد في القصر، و ليس أحد يحول بينك و بينه، فان أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت الي البصرة، و كفيتك أمرها، فلما كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الاعور.

فقال لمسلم: لا يفوتنك الرجل اذا جلس فقام اليه هاني فقال: اني لا أحب أن يقتل في داري، كأنه استقبح ذلك فجاءه عبيدالله بن زياد، فدخل و جلس و


سأل شريكا: ما الذي تجد و متي اشتكيت؟ فلما طال سؤاله اياه و رأي ان أحدا لا يخرج خشي أن يفوته فأقبل يقول:



ما الانتظار بسلمي أن تحيوها

حيوا سليمي و حيوا من يحييها



كأس المنية بالتعجيل فاسقوها

لله أبوك اسقنيها و ان كانت فيها نفسي، قال ذلك مرتين أو ثلاثة، فقال عبيدالله - و هو لا يفطن -: ما شأنه اترونه يهجر؟ فقال له هاني: نعم - أصلحك الله - ما زال هكذا قبل غيابت الشمس الي ساعتك هذه، ثم قام و انصرف، فخرج مسلم فقال له شريك، ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان.



أما احداهما فكراهية هاني أن يقتل في داره و أما الاخري فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله: ان الايمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن فقال له شريك: أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا، قال: فأقبل ذلك الرجل الذي وجهه عبيدالله بالمال، يختلف اليهم فهو أول داخل و آخر خارج يسمع أخبارهم و يعلم أسرارهم و ينطلق بها حتي يقرها في اذن ابن زياد [10] .

10- عنه قال: قال المدائني عن أبي مخنف عن عبدالملك بن نوفل بن مساحق، عن عثمان بن أبي زرعة، قال: فقال ابن زياد يوما: ما يمنع هانئا منا؟ فلقيه ابن الاشعث و اسماء بن خارجة، فقالا له: ما يمنعك من اتيان الامير، و قد ذكرك؟ قال: فأتاه فقال ابن زياد - لعنه الله -شعرا:



اريد حياته و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



يا هاني أسلمت علي ابن عقيل؟ قال:. ما فعلت فدعا معقلا، فقال: أتعرف هذا؟ قال. نعم، و أصدقك ما علمت به حتي رأيته في داري، و أنا أطلب اليه ان


يتحول قال. لا تفارقني حتي تأتيني به فأغلظ له فضرب وجهه بالقضيب و حبسه [11] .

11- عنه: قال عمر بن سعد، عن أبي مخنف قال: حدثني الحجاج بن علي الهمداني، قال: لما ضرب عبيدالله هانئا و حبسه خثشي أن يثب الناس به، فصعد المنبر و معه أناس من أشراف الناس و شرطه و حشمه، فحمد الله و اثني عليه، ثم قال: أيها الناس: اعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم، و لا تفرقوا فتختلفوا، تهلكوا و تزلوا و تخافوا و تخرجوا، فان أخاك من صدقك و قد اعذر من انذر، فذهب لينزل فما نزل دخلت النظارة المسجد، من قبل التمارين، يشتدون و يقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيدالله القصر و أغلق بابه [12] .

12- عنه قال أبومخنف: فحدثني يوسف بن يزيد، عن عبيدالله بن حازم البكري، قال: أنا والله رسول ابن عقيل الي القصر في أثر هاني لانظر ما صار اليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر فأمرني أن أنادي في أصحابي، و قد ملأ الدور منهم حواليه،فقال: ناديا منصور أمت فخرجت فناديت فتبادر أهل الكوفة فاجتمعوا اليه فعقد لعبد الرحمان بن عزيز الكندي، علي ربيعة و قال له: سر أمامي و قدمه في الخيل و عقد لمسلم بن عوسجة علي مذحج، و أسد و قال له: انزل فأنت علي الرجالة و عقد لابي ثمامة الصائدي علي تميم و همدان، و عقد للعباس بن جعدة الجدلي علي أهل المدينة.

ثم أقبل نحو القصر، فلما بلغ عبيدالله اقباله تحرز في القصر، و غلق الابواب و أقبل مسلم حتي احاطه بالقصر، فوالله ما لبثنا الا قليلا حتي امتلأ المسجد من الناس و السوقة ما زالوا يتوثبون حتي المساء، فضاق بعبيد الله أمره و دعا بعبيد الله بن


كثير بن شهاب الحارثي و أمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيخذل الناس عن ابن عقيل، و يخوفهم الحرب و عقوبة السلطان فأقبل أهل الكوفة يفترون علي ابن زياد و أبيه [13] .

13- عنه قال أبومخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن عبدالله بن حازم الكبري، قال: أشرف علينا الاشراف و كان أول من تكلم كثير بن شهاب، فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا انتشروا و لا تعرضوا أنفسكم للقتل، فهذه جنود أميرالمؤمنين يزيد أقبلت و قد أعطي الله الامير عهدا لئن أقمتم علي حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرق مقاتليكم في مغازي الشام علي غير طمع و يأخذ البري ء بالسقيم، و الشاهد بالغائب، حتي لا يبقي فيكم بقية من أهل المعصية الا أذاقها و بال ما جنت. تكلم الاشراف بنحو من كلام كثير، فلما سمع الناس مقاتلهم تفرقوا [14] .

14- عنه قال أبومخنف: حدثني المجالد بن سعيد: أن المرأة كانت تأتي ابنها و أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك و يجي ء الرجل الي ابنه و أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر؟ انصرف فما زالوا يتفرقون و ينصرفون حتي امسي ابن عقيل، و ما معه الا ثلاثون نفسا حتي صليت المغرب فخرج متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الابواب الا و معه منها عشرة، ثم خرج من الباب فاذا ليس معه منهم انسان.

فمضي متلددا في أزقة الكوفة، لا يدري أين يذهب حتي خرج الي دور بني بجيلة من كندة فمضي حتي أتي باب امرأة يقال لها طوعة، أم ولد كانت للأشعث و أعتقها فتزوج بها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و


امه قائمة تنتظر فسلم عليها ابن عقيل فردت السلام، فقال لها: اسقيني ماء فدخلت فأخرجت اليه فشرب ثم ادخلت الاناء و خرجت و هو جالس في مكانه فقالت: ألم تشرب؟

قال: بلي قالت: فاذهب الي أهلك فسكت فأعادت عليه ثلاثا ثم قالت: سبحان الله يا عبدالله قم الي أهلك - عافاك الله - فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي، و لا أحله لك، ثم قال فقال: يا امة الله والله مالي في هذا المصر من أهل فهل لك في معروف و أجر لعلي اكافئك به بعد اليوم، قالت: يا عبدالله و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غرورني و خذلوني.

قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم قالت: ادخل فأدخلته بيتا في دارها و فرشت له و عرضت عليه العشاء و جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت فسألها، فقالت: يا بني أله عن هذا قال: والله لتخبريني و ألح عليها فقالت: يا بني لا تخبر به أحدا من الناس و أخذت عليه الأيمان، فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت.

فلما طال علي ابن زياد و لم يسمع أصوات أصحاب ابن عقيل قال لاصحابه: اشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون و أدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالجبال و تدلي و تلهب فيها النار، حتي فعل ذلك بالاظلة التي في المسجد كلها فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة و خرج و نادي في الناس: برئت الذمة من رجل صلي العتمة الا في المسجد.

فاجتمع الناس في ساعة فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد: فان ابن عقيل السفيه الجاهل، قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجد في داره، و من جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا، يا حصين بن تميم، ثكلتك امك ان ضاع شي ء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به وقد سلطتك علي دور أهل الكوفة،


فابعث مراصدة علي أفواد السكك و أصبح غدا فاستبرء الدور حتي تأتي بهذا الرجل.

ثم نزل، فلما أصبح أذن الناس فدخلوا عليه، و أقبل محمد بن الاشعث، فقال: مرحبا بمن لا يتهم و لا يستغش واقعده الي جنبه، و أصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث، فأخبره بمكان ابن عقيل، عند أمه فأقبل عبدالرحمن حتي أتي الي أبيه و هو جالس فساره فقال له ابن زياد. ما قال لك؟ قال: أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه، ثم قال: قم فأتني به الساعة [15] .

15- عنه قال أبومخنف: فحدثني قدامة بن سعد بن زائده الثقفي، ان ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس عليهم عمرو بن عبيدالله ابن العباس السلمي، حتي أتو الدار التي فيها ابن عقيل، فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال، عرف أنه قد أتي فخرج اليهم بسيفه فاقتحموا عليه الدار، فشد عليهم كذلك، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح و ظهروا فوقه.

فأخذوا يرمونه بالحجارة، و يلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح، فلما رأي قال: أكلما أري من الاجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس أخرجي الي الموت الذي ليس منه محيص فخرج - رضوان الله عليه - مصلتا سيفه الي السكة فقاتلهم، فأقبل عليه محمد بن الاشعث، فقال: يا فتي لك الامان لا تقتل نفسك. فأقبل يقاتلهم و هو يقول:



اقسمت لا أقتل الا حرا

و ان رأيت الموت شيئا نكرا



أخاف ان أكذب أو اغرا

أو يخلط البارد سخنا مرا






رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امري ء يوما ملاق شرا



قال له محمد بن الاشعث: انك لا تكذب و لا تغر، ان القوم ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك، و قد اثخن بالجراح و عجز عن القتال، فانبهر و اسند ظهره الي دار بجنب تلك الدار، فدنا منه محمد بن الاشعث فقال له: لك الأمان، فقال له مسلم. آمن أنا؟ قال: نعم أنت آمن، فقال القوم جميعا. نعم غير عبيدالله بن العباس السلمي لأنه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل، و تنحي.

فقال ابن عقيل: اني والله لو لا أمانكم ما وضعت يدي في أيديكم، و اتي ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا عليه فنزعوا سيفه من عنقه، فكأنه أيس من نفسه، فدمعت عينه و علم أن القوم قاتلوه و قال: هذا أول الغدر.

فقال له محمد بن الاشعث: أرجو ألا يكون عليك بأس، فقال: ما هو الا الرجاء فأين أمانكم «انا لله و انا اليه راجعون» و بكي، فقال له عبيدالله بن العباس السلمي، ان مثلك و من يطلب مثل الذي طلبت اذا نزل به، مثل الذي نزل بك، لم يبك قال: اني والله ما أبكي لنفسي و لا لها من القتل أرثي، و ان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، و لكني أبكي لاهلي المقبلين الي أبكي للحسين و آل الحسين ثم أقبل علي ابن الاشعث فقال: اني والله أظنك ستعجز عن أماني، و سأله أن يبعث رسولا الي الحسين بن علي يعلمه الخبر و يسأله الرجوع، فقال له ابن الاشعث: والله لافعلن [16] .

16- عنه قال أبومخنف: فحدثني قدامة بن سعد، أن مسلم بن عقيل حين انتهي به الي القصر، رأي قلة مبردة موضوعة علي الباب، فقال اسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمر و أبوقتيبة بن مسلم الباهلي، أتراها ما أبردها؟ فوالله


لا تذوق منها قطرة واحدة حتي تذوق الحميم، في نار جهنم، فقال له مسلم بن عقيل: ويلك و لامك الثكل، ما أجفاك و أفظك و أقسي قلبك أنت يا ابن باهلة أولي بالحميم، و الخلود في نار جهنم، ثم جلس و تساند الي الحائط [17] .

17- قال أبومخنف: فحدثني أبوقدامة بن سعد، أن عمرو بن حريث، بعث غلاما له يدعي سليما فأتاه بماء في قلة فسقاه، قال: وحدثني مدرك بن عمارة: أن عمارة بن عقبة بعث غلاما يدعي نسيما، فأتاه بماء في قلة عليها منديل و قدح، معه فصب فيه الماء، ثم سقاه فأخذه كلما شرب امتلأ القدح دما فأخذ لا يشرب من كثرة الدم، فلما ملأ القدح ثانية ذهب يشرب فسقطت ثنيتاه في القدح.

فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته، قال: ثم ادخل علي عبيدالله بن زياد - لعنه الله - فلم يسلم عليه فقال له الحرس ألا تسلم علي الامير؟ فقال: ان كان الأمير يريد قتلي، فما سلامي عليه؟ و ان كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه، فقال له عبيدالله - لعنه الله - لتقلتن. قال أكذلك؟ قال: نعم، قال: دعني اذا أوصي الي بعض القوم، قال: أوص الي من أحببت، فنظر ابن عقيل الي القوم و هم جلساء ابن زياد، و فيهم عمر بن سعد، فقال يا عمر ان بيني و بينك قرابة دون هؤلاء ولي اليك حاجة و قد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي و هي سر.

فأبي أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيدالله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه و جلس حيث ينظر اليهما ابن زياد - لعنه الله - فقال له ابن عقيل ان علي بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها تقضيه عني حتي يأتيك من غلتي بالمدينة، و جثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، و ابعث الي الحسين من يرده. فقال


عمر لابن زياد. أتدري ما قال؟ قال. اكتم ما قال لك.

قال أتدري ما قال لي؟ قال: هات فانه لا يخون الأمين، و لا يؤتمن الخائن، قال: كذا و كذا قال: أما مالك فهو لك، و لسنا نمنعك منه، فاصنع فيه ما أحببت، و أما حسين فانه ان لم يردنا لم نرده و ان أرادنا لم نكف عنه، و أما جثته فانا لا نشفعك فيها فانه ليس لذلك منا بأهل و قد خالفنا و حرص علي هلاكنا، ثم قال ابن زياد لمسلم: قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الاسلام.

قال: اما انك أحق من أحدث في الاسلام ما ليس فيه أما انك لم تدع سوء القتلة،و قبح المثلة، و خبث السيرة، و لؤم الغيلة لمن هو أحق به منك، ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه، ثم قال: ادعوا الذي ضربه ابن عقيل علي رأسه، و عاتقه بالسيف فجاءه فقال: اصعد و كن أنت الذي تضرب عنقه، و هو بكير بن حمران الاحمري - لعنه الله - فصعدوا به و هو يستغفر الله و يصلي علي النبي محمد صلي الله عليه و آله و علي أنبيائه و رسله و ملائكته و هو يقول:

اللهم احكم بينا و بين قوم غرونا و كادونا و خذلونا، ثم أشرفوا به علي موضع الحذائين فضرب عنقه، ثم اتبع رأسه جسده - صلي الله عليه و رحمه - و قال المدائني، عن أبي مخنف، عن يوسف بن يزيد، قال: فقال عبدالله بن الزبير الأسدي:



اذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشتم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل



أصابهما أمر الامير فأصبحا

أحاديث من يسعي بكل سبيل



أيركب أسماء الهماليج آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول



تطيف حواليه مراد و كلهم

علي رقبة من سائل و مسول






فان أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل [18] .



18- قال ابن قتيبة: قال: فبعث الحسين بن علي مسلم بن عقيل الي الكوفة يبايعهم له، و كان علي الكوفة النعمان بن بشير، فقال النعمان لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله أحب لنا من ابن بجدل. قال: فبلغ ذلك يزيد، فأراد أن يعزله، فقال لاهل الشام: أشيروا علي، من أستعمل علي الكوفة؟ فقالوا: أترضي برأي معاوية؟ قال: نعم، قالوا: فان الصك بامرة عبيدالله بن زياد علي العراقين قد كتبه في الديوان، قال فاستعمله علي الكوفة، فقدم الكوفة قبل أن يقدم الحسين.

بايع لمسلم بن عقيل أكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة، فنهضوا معه يريدون عبيدالله بن زياد، فجعلوا كلما أشرفوا علي زقاق، انسل عنه منهم ناس، حتي بقي مسلم في شرذمة قليلة، قال: فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت، فلما رأي ذلك دخل دار هاني بن عروة المرادي، و كان له فيهم رأي، فقال له هاني ابن عروة: ان لي من ابن زياد مكانا، و سوف أتمارض له، فاذا جاء يعودني، فاضرب عنقه، قال: فقيل لابن زياد: ان هاني بن عروة شاك يقي ء الدم، قال: و شرب المغرة، فجعل يقيئها.

قال: فجاء ابن زياد يعوده، و قال له هاني: اذا قلت لكم اسقوني، فاخرج اليه فاضرب عنقه، فقال اسقوني فابطئوا عليه، فقال: ويحكم اسقوني، و لو كان فيه ذهاب نفسي، قال: فخرج عبيدالله بن زياد و لم يصنع الاخر شيئا، و كان من أشجع الناس، و لكنه أخذته كبوة، فقيل لابن زياد: والله ان في البيت رجلا متسلحا. فأرسل ابن زياد الي هاني فدعاه. فقال: اني شاك لا أستطيع النهوض.

فقال: ائتوني به و ان كان شاكيا، قال: فاخرج له دابة، فركب و معه عصاه و


كان أعرج، فجعل يسير قليلا و يقف، و يقول: مالي أذهب الي ابن زياد؟ فما زال ذلك دأبه حتي دخل عليه، فقال له عبيدالله بن زياد: يا هاني ء أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟ قال: بلي، قال: و يدي؟ بلي، فقال يا هاني ء: قد كانت لكم عندي يد بيضاء، و قد أمنتك علي نفسك و مالك.

فتناول العصا التي كانت بيد هاني ء، فضرب بها وجهه، حتي كسرها، ثم قدمه فضرب عنقه، قال: و أرسل جماعة الي مسلم بن عقيل، فخرج عليهم بسيفه، فما زال يقاتلهم حتي أخرج و أسر، فلما أسر بعث الرجال، فقال: اسقوني ماء. قال: و معه رجل من بني أبي معيط، و رجل من بني سليم يقال له: شهر بن حوشب، فقال له شهر بن حوشب: لا أسقيك الا من البئر. فقال المعيطي: والله لا تسقيه الا من الفرات.

قال: فأمر غلاما له، فأتاه بابريق من ماء، و قدح قوارير و منديل، قال: فسقاه فتمضمض مسلم، فما زال يمسح الدم، و لا يسيغ شيئا منه حتي قال: أخروه عني، قال: فلما أصبح دعا به عبيدالله بن زياد، و هو قصير، فقدمه ليضرب عنقه، فقال: دعني حتي أوصي، فقال: أوص فنظر مسلم في وجوه الناس فقال لعمر بن سعد: ما أري هاهنا من قريش غيرك، فادن مني حتي أكلمك، فدنا منه.

فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ ان الحسين و من معه و هم تسعون بين رجل، و امرأة في الطريق فارددهم و اكتب اليهم بما أصابني. قال: فضرب عنقه،و ألقاه عمر لعبيد الله و قال: أتدري ما قال؟ فقال عبيدالله اكتم علي ابن عمك. فقال عمر: هو أعظم من ذلك، فقال ابن زياد: فأي شي ء هو؟ قال: أخبرني أن الحسين و من معه قد أقبل، و هم تسعون انسانا بين رجل و امرأة، فقال:


أما والله اذ دللت عليه لا يقاتلهم أحد غيرك [19] .

19- قال ابن عبد ربه: و قد كان بعث الحسين بن علي مسلم بن عقيل بن أبي طالب الي أهل الكوفة، ليأخذ بيعتهم، و كان علي الكوفة حين مات [20] معاوية، فقال: يا أهل الكوفة، ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله أحب الينا من ابن بنت بجدل، قال: فبلغ ذلك يزيد فقال: يا أهل الشام، أشيروا علي، من أستعمل الكوفة؟ فقالوا: ترضي من رضي به معاوية؟ قال: نعم، قيل له: فان الصك بامارة عبيدالله بن زياد علي العراقين، قد كتب في الديوان، فاستعمله علي الكوفة. فقدمها قبل أن يقدم حسين.

بايع مسلم بن عقيل أكثر من ثلاثين ألفا من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة، و خرجوا معه يريدون عبيدالله بن زياد، فجعلوا كلما انتهوا الي زقاق انسل منهم ناس، حتي بقي في شرذمة قليلة. قال: فجعل الناس يرمونه بالآجر، من فوق البيوت، فلما رأي ذلك دخل دار هاني بن عروة المرادي، و كان له شرف و رأي، فقال له هاني: ان لي من ابن زياد مكانا، و اني سوف أتمارض، فاذا جاء يعودني فاضرب عنقه، قال فبلغ ابن زياد أن هاني بن عروة مريض يقي ء الدم، و كان شرب المغرب فجعل يقيؤها.

فجاءه ابن زياد يعوده. و قال هاني: اذا قلت لكم: اسقوني، فاخرج اليه فاضرب عنقه، يقولها لمسلم بن عقيل، فلما دخل ابن زياد و جلس، قال هاني: اسقوني، فتثبطوا عليه، فقال: ويحكم! اسقوني و لو كان فيه نفسي. قال: فخرج ابن زياد و لم يصنع الآخر شيئا، قال: و كان أشجع الناس، و لكن أخذ بقلبه، و قيل لابن


زياد ما أراده هاني ء، فأرسل اليه. فقال: اني شاك لا أتسطيع، فقال: ائتوني به و ان كان شاكيا. فأسرجت له دابة، فركب و معه عصا، و كان أعرج.

فجعل يسير قليلا قليلا، ثم يقف و يقول: ما أذهب. الي ابن زياد، حتي دخل علي ابن زياد، فقال له: يا هاني، أما كانت يد زياد عندك بيضاء؟ قال: بلي، قال: و يدي؟ قال: بلي، ثم قال له هاني: قد كانت لك عندي و لأبيك، و قد أمنتك في نفسي و مالي. قال: اخرج، فخرج فتناول العصاء من يده و ضرب بها وجهه حتي كسرها، ثم قدمه فضرب عنقه، و أرسل الي مسلم بن عقيل، فخرج اليهم بسيفه، فما زال يقاتلهم حتي أثخنوه بالجراح، فأسروه، و أتي به ابن زياد، فقدمهم ليضرب عنقه.

فقال له: دعني حتي أوصي، فقال له: أوص، فنظر في وجوه الناس، فقال لعمر بن سعد: ما أري قرشيا هنا غيرك، فادن مني حتي أكملك. فدنا منه، فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما كانت قريش؟ ان حسينا و من معه، و هم تسعون انسانا ما بين رجل و امرأة، في الطريق، فارددهم و اكتب لهم ما أصابني، ثم ضرب عنقه.

فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي؟ قال: اكتم علي ابن عمك. قال: هو أعظم من ذلك. قال: و ما هو؟ قال: قال لي: ان حسينا أقبل، و هم تسعون انسانا ما بين رجل و امراة، فارددهم و اكتب اليه بما أصابني فقال له ابن زياد: أما والله اذ دللت عليه لا يقاتله أحد غيرك، قال: فبعث معه جيشا، و قد جاء حسينا الخبر و هم بشراف [21] .

20- قال المسعودي: اتصل الخبر بيزيد، فكتب الي عبيدالله بن زياد،


بتولية الكوفة، فخرج من البصرة مسرعا حتي قدم الكوفة علي الظهر، فدخلها في أهله و حشمه و عليه عمامة سوداء، قد تلثم بها، و هو راكب بغلة و الناس يتوقعون قدوم الحسين، فجعل ابن زياد يسلم علي الناس فيقولون: و عليك السلام يا ابن رسول الله! قدمت خير مقدم، حتي انتهي الي القصر و فيه النعمان بن بشير، فتحصن فيه.

ثم أشرف عليه، فقال: يا ابن رسول الله مالي ولك؟ و ما حملك علي قصد بلدي من بين البلدان؟ فقال ابن زياد: لقد طال نومك يا نعيم، و حسر اللثام عن فيه فعرفه، ففتح له، و تنادي الناس، ابن مرجانة، و حصبوه بالحصباء، ففاتهم و دخل القصر، و لما اتصل خبر ابن زياد به مسلم، حتي علم بموضعه، فوجه محمد بن الأشعث بن قيس الي هاني ء، فجائه فسأله عن مسلم، فأنكره، فأغلظ له ابن زياد القول:

فقال هاني: ان لزياد أبيك عندي بلاء حسنا، و أنا أحب مكافأته به، فهل لك في خير؟ قال ابن زياد: و ما هو؟ قال: تشخص الي أهل الشام أنت و أهل بيتك سالمين بأموالكم، فانه قد جاء حق من هو أحق من حقك و حق صاحبك، فقال ابن زياد: أدنوه مني، فأدنوه منه، فضرب وجهه بقضيب كان في يده حتي كسر أنفه و شق حاجبه، و نشر لحم و جنته، و كسر القضيب علي وجهه و رأسه.

و ضرب هاني ء بيده الي قائم سيف شرطي من تلك الشرط، فجاذبه الرجل، و منعه السيف، و صاح أصحاب هاني بالباب:قتل صاحبنا، فخافهم ابن زياد، و أمر بحبسه في بيت الي جانب مجلسه، و أخرج اليهم ابن زياد شريحا القاضي فشهد عندهم أنه حي لم يقتل، فانصرفوا، و لما بلغ مسلما ما فعل ابن زياد بهاني، أمر مناديا فنادي: يا منصور و كانت شعارهم، فتنادي أهل الكوفة بها، فاجتمع اليه في وقت واحد ثمانية عشر ألف رجل.


فسار ابن زياد، فتحصن منه، فحصروه في القصر، فلم يمس مسلم و معه غير مائة رجل، فلما نظر الي الناس يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندة، فما بلغ الباب الا معه منهم ثلاثة، ثم خرج من الباب فاذا ليس معه منهم أحد، فبقي حائرا لا يدري أين يذهب، ولا يجد أحدا يدله علي الطريق، فنزل عن فرسه و مشي متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يتوجه،حتي انتهي الي باب مولاة للأشعث بن قيس، فاستسقاها ماء فسقته، ثم سألته عن حاله، فأعلمها بقضيته، فرقت له و آوته، و جاء ابنها فعلم بموضعه.

فلما أصبح غدا الي محمد بن الاشعث، فأعلمه، فمضي ابن الاشعث الي ابن زياد فأعلمه، فقال: انطلق فأتني به، و وجه معه عبدالله بن العباس السلمي في سبعين رجلا فافتحموا علي مسلم الدار، فثار عليهم بسيفه، و شد عليهم فأخرجهم من الدار، ثم حملوا عليه الثانية، فشد عليهم و أخرجهم أيضا، فلما رأوا ذلك علوا ظهر البيوت فرموه بالحجارة، و جعلوا يلهبون النار بأطراف القصب ثم يلقون ها عليه من فوق البيوت.

فلما رأي ذلك قال: أكل ما أري من الأجلاب لقتل مسلم بن عقيل؟ يا نفس أخرجي الي الموت الذي ليس عنه محيص، فخرج اليهم مصلتا سيفه الي السكة، فقاتلهم، و اختلف هو و بكير بن حمران الاحمري، ضربتين: فضرب بكير فم مسلم فقطع السيف شفته العلياء، و شرع في السفلي، و ضربه مسلم ضربة مسلم ضربة منكرة في رأسه ثم ضربة أخري علي حبل العاتق فكاد يصل الي جوفه، و هو يرتجز و يقول:



أقسم لا أقتل الا حرا

و ان رأيت الموت شيئا



كل امري ء يوما ملاق شرا

أخاف أن أكذب أو أغرا



فلما رأوا ذلك منه تقدم اليه محمد بن الاشعث، فقال له: فانك لا تكذب و لا تغر، و أعطاه الأمان، فأمنكم من نفسه، و حملوه علي بغلة و أتوا به ابن زياد، و قد


سلبه ابن الاشعث حين أعطاه الامان سيفه و سلاحه، و في ذلك يقول بعض الشعراء في كلمة يهجو فيها ابن الاشعث:



و تركت عمك أن تقاتل

فشلا، و لو لا أنت كان منيعا



و قتلت وافد آل بيت محمد

و سلبت أسيافا له و دروعا



فلما صار مسلم الي باب القصر، نظر الي قلة مبردة، فاستسقاهم منها، فمنهم مسلم بن عمرو الباهلي - و هو أبوقتيبة بن مسلم - أن يسقوه، فوجه عمرو بن حريث، فأتاه بماء في قدح، فلما رفعه الي فيه امتلا القدح دما، فصبه و ملأه له الثانية فلما رفعه الي فيه سقطت ثناياه فيه و امتلأ دما.

فقال: الحمد لله، لو كان من الرزق المقسوم لشربته، ثم أدخل الي ابن زياد، فلما انقضي كلامه و مسلم يغلظ في الجواب أمر به فأصعد الي أعلي القصر.

ثم دعا الاحمري الذي ضربه مسلم فقال: كن أنت الذي تضرب عنقه لتأخذ بثارك من ضربته، فأصعدوه الي أعلي القصر، فضرب بكير الاحمري عنقه، فأهوي رأسه الي الارض، ثم اتبعوا رأسه جسده، ثم أمر بهاني بن عروة فأخرج الي السوق فضرب عنقه صبرا، و هو يصيح: يا آل مراد، و هو شيخها و زعيمها، و هو يومئذ يركب في أربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل، و اذا اجابتها أحلافها من كندة و غيرها كان في ثلاثين ألف دارع، فلم يجد زعيمهم منهم أحدا فشلا و خذلانا، فقال الشاعر و هو يرثي هاني بن عروة و مسلم بن عقيل و يذكر ما نالهما:



اذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشتم السيف وجهه

و آخر يهوي في طمار قتيل



أصابهما أمر الامير فأصبحا

أحاديث من يسعي بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل



أيترك أسماء المهايج آمنا

و قد طلبته مذحج بذحول






فتي هو أحيي من فتاة حيية

و أقطع من ذي شفرتين صقيل



ثم دعا ابن زياد ببكير بن حمران الذي ضرب عنق مسلم فقال: أقتلته؟ قال: نعم، قال: فما كان يقول و أنتم تصعدون به لقتلوه؟ قال: كان يكبر و يسبح الله و يهلل و يستغفر الله، فلما أدنيناه لنضرب عنقه قال: اللهم أحكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا ثم خذلونا و قتلونا، فقلت: الحمد لله الذي أقادني منك، و ضربته ضربة لم تعمل شيئا، فقال لي: أو ما يكفيك و في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد، قال ابن زياد: أو فخرا عند الموت؟ قال: و ضربته الثانية فقتلته.

ثم أتبعنا رأسه جسده. و كان ظهور مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة ستين، و هو اليوم الذي ارتحل فيه الحسين من مكة الي ابن زياد بجثة مسلم فصلبت، و حمل رأسه الي دمشق، و هذا أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم، و أول رأس حمل من رؤسهم الي دمشق [22] .

21- قال الطبري: حدثني زكريا بن يحيي الضرير، قال: حدثنا أحمد بن جناب المصيصي - و يكني أباالوليد - قال: حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبدالله القسري، قال: حدثنا عمار الدهني، قال: قلت لابي جعفر: حدثني بمقتل السحين حتي كأني حضرته، قال: مات معاوية و الوليد بن عتبة بن أبي سفيان علي المدينة، فأرسل الي الحسين بن علي ليأخذ بيعته، فقال له: أخرني و ارفق، فأخره، فخرج الي مكة، فأتاه أهل الكوفة و رسلهم: انا قد حبسنا أنفسنا عليك، و لسنا نحضر الجمعة مع الوالي، فاقدم علينا و كان النعمان بن بشير الانصاري علي الكوفة.

قال: فبعث الحسين الي مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه، فقال له: سر


الي الكوفة فانظر ما كتبوا به الي، فان كان حقا خرجنا اليهم، فخرج مسلم حتي أتي المدينة، فأخذ منها دليلين، فمرا به في البرية، فأصابهم عطش، فمات أحد الدليلين، و كتب مسلم الي الحسين يستعفيه، فكتب اليه الحسين: أن امض الي الكوفة، فخرج حتي قدمها، و نزل علي رجل من أهلها يقال له ابن عوسجة.

قال: فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دبوا اليه فبايعه منهم اثناعشر ألفا، قال: فقام رجل ممن يهوي يزيد بن معاوية الي النعمان بن بشير، فقال له: انك ضعيف أو متضعف، قد فسد البلاد! فقال له النعمان: أن أكون ضعيفا و أنا في طاعة الله أحب الي من أن أكون قويا في معصية الله، و ما كنت لامتك سترا ستره الله، فكتب بقول النعمان الي يزيد، فدعا مولي له يقال له: سرجون - و كان يستشيره - فأخبره الخبر.

فقال له: أكنت قابلا من معاويه لو كان حيا؟ قال: نعم، قال: فاقبل مني، فانه ليس للكوفة الا عبيدالله ابن زياد، فولها اياه - و كان يزيد عليه ساخطا، و كان هم بعزله عن البصرة - فكتب اليه برضائه، و أنه قد ولاه الكوفة مع البصرة، و كتب اليه أن يطلب مسلم بن عقيل، فيقتله ان وجده. قال: فأقبل عبيدالله في وجوه أهل البصرة حتي قدم الكوفة، متلثما، و لا يمر علي مجلس من مجالسهم فيسلم الا قالوا: عليك السلام يابن بنت رسول الله - و هم يظنون أنه الحسين بن علي عليه السلام حتي نزل القصر.

فدعا مولي له فأعطاه ثلاثة آلاف، و قال له: اذهب حتي تسأل عن الرجل الذي يبايع له أهل الكوفة، فأعلمه انك رجل من أهل حمص جئت لذا الامر، و هذا مال تدفعه اليه ليقوي، فلم يزل يتلطف و يرفق به حتي دل علي شيخ من أهل الكوفة يلي البيعة، فلقيه فأخبره، فقال له الشيخ: لقد سرني لقاؤك اياي، و قد ساءني، فأما ما سرني من ذلك فما هداك الله له، و أما ما ساءني فان أمرنا لم يستحكم بعد، فأدخله اليه، فأخذ منه المال و بايعه، و رجع الي عبيدالله فأخبره.


فتحول مسلم حين قدم عبيدالله بن زياد من الدار التي كان فيها الي منزل هاني بن عروة المرادي، و كتب مسلم بن عقيل الي الحسين بن علي عليه السلام يخبره ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة، و يأمره بالقدوم، و قال عبيدالله لوجوه أهل الكوفة: مالي أري هاني بن عروة لم يأتني فيمن أتاني! قال: فخرج اليه محمد بن الأشعث في ناس من قومه و هو علي باب داره، فقالوا: ان الامير قد ذكرك و استبطأك، فانطلق اليه، فلم يزالوا به حتي ركب معهم و سار حتي دخل علي عبيدالله و عنده شريح القاضي.

فلما نظر اليه قال لشريح: «أتتك بحائن رجلاه» فلما سلم عليه قال: يا هاني أين مسلم؟ قال: ما أدري: فأمر عبيدالله مولاه صالحب الدراهم فخرج اليه، فلما رآه قطع به، فقال: أصلح الله الامير! والله ما دعوته الي منزلي و لكنه جاء فطرح نفسه علي، قال: ائتني به. قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه، قال: أدنوه الي، فأدني فضربه علي حاجبه فشجه، قال: و أهوي هاني الي سيف شرطي ليسله فدفع عن ذلك و قال: قد أحل الله دمك، فأمر به فحبس في جانب القصر [23] .

22- الطبري باسناده عن عمار الدهني، عن أبي جعفر، قال: فبينا هو كذلك اذ خرج الخبر الي مذحج، فاذا علي باب القصر جلبة سمعها عبيدالله، فقال: ما هذا؟ فقالوا: مذحج، فقال لشريح: اخرج اليهم فأعلمهم أني انما حبسته لأسائله، و بعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول، فمر بهاني بن عروة، فقال له هاني: اتق الله يا شريح، فانه قاتلي فخرج شري حتي قام علي باب القصر، فقال: لا بأس عليه، انما حبسه الامير ليسائله.

فقالوا: صدق، ليس علي صاحبكم بأس، فتفرقوا، فأتي مسلما الخبر، فنادي


شعاره، فاجتمع اليه أربعة آلاف من أهل الكوفة، فقدم مقدمته، و عبي ميمنته و ميسرته، و سار في القلب الي عبيدالله، و بعث عبيدالله الي وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر، فلما سار اليه مسلم فانتهي الي باب القصر، اشرفوا علي عشائرهم فجعلوا يكلمونهم و يردونهم، فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتي أمسي في خمسائة.

فلما اختلط الظلام ذهب اولئك أيضا، فلما رأي مسلم انه قد بقي وحده يتردد في الطريق أتا بابا فنزل عليه، فخرجت اليه امرأة، فقال لها: اسقيني، فسقته، ثم دخلت فمكثت ما شاء الله، ثم خرجت، فاذا هو علي الباب، قالت يا عبدالله ان مجلسك مجلس ريبة، فقم، قال: اني أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوي؟ قالت: نعم، ادخل، و كان ابنها مولي لمحمد بن الأشعث.

فلما علم به الغلام انطلق الي محمد فأخبره، فانطلق محمد الي عبيدالله فأخبره، فبعث عبيدالله عمرو بن حريث المخزومي - و كان صاب شرطه - اليه، و معه عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث، فلم يعلم مسلم حتي أحيط بالدار، فلما رأي ذلك مسلم خرج اليهم بسيفه فقالتهم، فأعطاه عبدالرحمن الامان، فأمكن من يده فجاء به الي عبيدالله، فأمر به فأصعد الي أعلي القصر، فضربت عنقه و ألقي جثته الي الناس، و أمر بهاني ء فسحب الي الكناسة، فصلب هنالك [24] .

23- عنه في حديث أبي مخنف: ثم أقبل مسلم حتي دخل الكوفة، فنزل دار المختار ابن أبي عبيد - و هي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب - و أقبلت الشيعة اليه، فلما اجتمعت اليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين، فأخذوا يبكون، فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد، فاني لا


أخبرك عن الناس، و لا أعلم ما في أنفسهم، و ما أغرك منهم، والله لأحدثنك عما أنا موطن نفسي عليه، والله لاجيبنكم اذا دعوتم، و لا قاتلن معكم عدوكم و لأضربن بسيفي دونكم حتي ألقي الله، لا اريد بذلك الا ما عند الله.

فقام حبيب مظاهر الفقعسي، فقال رحمك الله! قد قضيت ما في نفسك، بواجز من قولك، ثم قال: و أنا والله الذدي لا اله الا هو علي ما مثل ما هذا عليه، ثم قال الحنفي مثل ذلك، فقال الحجاج بن علي، فقلت لمحمد بن بشر: فهل كان منك أنت قول؟ فقال: ان كنت لأحب أن يعز الله أصحابي بالظفر، و ما كنت لأحب أن أقتل، و كرهت أن أكذب، و اختلفت الشيعة اليه حتي علم مكانه، فبلغ ذلك النعمان بن بشير [25] .

24- عنه قال أبومخنف: حدثني نمير بن وعلة، عن أبي الوداك قال: خرج الينا النعمان بن بشير، فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا الي الفتنة و الفرقة، فان فيهما يهلك الرجال و يسفك الدماء و تغصب الاموال - و كان حليما ناسكا يحب العافية - قال: اني لم أقاتل من لم يقاتلني، و لا أثب علي من لا يثب علي، و لا أشاتمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة.

لكنكم ان أبديتم صفحتكم لي، و نكثتم ببيعتكم و خالفتم امامكم، فوالله الذي لا اله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر، أما اني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر أن يرديه الباطل، قال: فقام اليه عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني امية، فقال: انه لا يصلح ما تري الا الغشم، ان هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين.


فقال: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب الي من أن أكون الاعزين في معصية الله ثم نزل، و خرج عبدالله بن مسلم و كتب الي يزيد بن معاوية: أما بعد فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي، فان كان لك بالكوفة حاجة، فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف، فكان أول من كتب اليه، ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثم كتب اليه عمر بن سعد ابن أبي وقاص، بمثل ذلك [26] .

25- عنه قال هشام: قال عوانة: فلما اجتمعت الكتب، عند يزيد ليس بين كتبهم الا يومان، دعا يزيد بن معاوية سرجون مولي معاوية، فقال: ما رأيك؟ فان حسينا قد توجه نحو الكوفة و مسلم بن عقيل بالكوفة يبايع الحسين و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيي ء- و أقرأه كتبهم - فما تري من أستعمل علي الكوفة؟ و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد، فقال سرجون: أرأيت معاوية لو نشرلك أكنت آخذا برأيه؟ قال: نعم.

فأخرج عهد عبيدالله علي الكوفة فقال: هذا رأي معاوية و مات و قد أمر بهذا الكتاب، فأخذ برأيه و ضم المصرين الي عبيدالله، و بعث اليه بعهده علي الكوفة، ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي - و كان عنده - فبعثه الي عبيدالله بعهده البصرة و كتب اليه معه: أما بعد فانه كتب الي شيعتي من أهل الكوفة، يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشق عصا المسلمين، فسرحين تقرأ كتابي هذا حتي تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام.


فأقبل مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيدالله بالبصرة، فأمر عبيدالله بالجهاز و التهيؤ و المسير الي الكوفة من الغد، و قد كان حسين كتب الي أهل البصرة كتابا [27] .

26- عنه قال هشام: قال أبومخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن أبي عثمان النهدي قال: كتب حسين مع مولي لهم يقال له: سليمان و كتب نسخة الي رؤس الاخماس بالبصرة و الي الاشراف، فكتب الي مالك بن، مسع البكري و الي الاحنف بن قيس، و الي المنذر بن الجارود و الي مسعود بن عمرو و الي قيس بن الهيثم، و الي عمرو بن عبيدالله بن معمر، فجاءت منه نسخة واحدة الي جميع أشرافها.

أما بعد فان الله اصطفي محمدا صلي الله عليه و آله علي خلقه، و أكرمه بنبوته، و اختاره لرسالته، ثم قبضه الله اليه، و قد نصح لعباده و بلغ ما أرسل به صلي الله عليه و آله، و كنا أهله و أولياءه، و أوصياءه ورثته و أحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا و كرهنا الفرقة، و أحببنا العافية، و نحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه، و قد أحسنوا و أصلحوا و تحروا الحق، فرحمهم الله و غفر لنا و لهم.

قد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب، و أنا أدعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله، فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت، و ان تسمعوا قولي و تطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، و السلام عليكم و رحمة الله.

فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس كتمه، غير المنذر بن الجارود، فانه خشي بزعمه أن يكون دسيسا من قبل عبيدالله، فجاءه بالرسول من العشية


التي يريد صبيحتها أن يسبق الي الكوفة، و أقرأ كتابه، فقدم الرسول فضرب عنقه، و صعد عبيدالله منبر البصرة فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد، فوالله ما تقرن بي الصعبة، و لا يقعقع لي بالشنان، و اني لنكل لمن عاداني،و سم لمن حاربني، أنصف القارة من راماها.

يا أهل البصرة، ان أميرالمؤمنين و لاني الكوفة، و أنا غاد اليها الغداة، و قد استخلف عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، و اياكم و الخلاف و الارجاف، فوالذي لا اله غيره، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لاقتلنه و عريفه و وليه، و لآخذن الأدني بالأقصي حتي تستمعوا لي، و لا يكون فيكم مخالف و لا مشتاق، أنا ابن زياد، أشبهته من بين من وطي ء الحصي و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم.

ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان بن زياد، و أقبل الي الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي، و شريك بن الأعور الحارثي، و حشمه و أهل بيته، حتي دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء، و هو متلثم و الناس قد بلغهم اقبال حسين اليهم، فهم ينتظرون قدومه،فظنوا حين قدم عبيدالله أنه الحسين، فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس الا سلموا عليه، و قالوا: مرحبا بك يابن رسول الله! قدمت خير مقدم.

فرأي من تباشيرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه، فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا: تأخروا، هذا الامير، عبيدالله بن زياد، فأخذ حين أقبل علي الظهر، و انما معه بضعة عشر رجلا، فلما دخل القصر و علم الناس أنه عبيدالله بن زياد، دخلهم من ذلك كآبة و حزن شديد، وغاظ عبيدالله ما سمع منهم، و قال: ألا أري هؤلاء كما أري [28] .

27- عنه قال هشام:قال أبومخنف: فحدثني المعلي بن كليب، عن أبي وداك قال: لما نزل القصر ندي: الصلاة جامعة، قال: فاجتمع الناس، فخرج الينا فحمد


الله و أثني عليه، ثم قال: أما بعد، فان أميرالمؤمنين أصلحه الله و لأني مصركم، و أمرني بانصاف مظلومكم، و اعطاء محرومكم، و بالاحسان الي سامعكم و مطيعكم و بالشدة علي مريبكم و عاصيكم و أنا متبع فيكم أمره و منفذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم و مطيعكم كالوالد البر، و سوطي و سيفي علي من ترك أمري، و خالف عهدي فليبق امرؤ علي نفسه. الصدق ينبي ء عنك لا الوعيد.

ثم نزل، فأخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا، فقال: اكتبوا الي الغرباء، و من فيكم من طلبة أميرالمؤمنين، و من فيكم من الحرورية، و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق، فمن كتبهم لنا فبري ء، و من لم يكتب لنا أحدا، فيضمن لنا ما في عرافته ألا يخالفنا منهم مخالف، و لا يبغي علينا منهم باغ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا ماله و سفك دمه.

و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه الينا صلب علي باب داره، و ألقيت تلك العرافة من العطاء و سير الي موضع بعمان الزارة [29] .

28- عنه قال: و أما عيسي بن يزيد الكناني فانه قال: فيما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم، عن علي بن صالح، عنه قال: لما جاء كتاب يزيد الي عبيدالله ابن زياد، انتخب من أهل البصرة خمسمائة، فيهم عبدالله بن الحارث بن نوفل، و شريك بن الاعور، و كان شيعة لعلي فكان أول من سقط بالناس شريك، فيقال: انا تساقط غمرة و معه ناس، ثم سقط عبدالله بن الحارث و سقط معه ناس، و رجو أن يلوي عليه عبيدالله و يسبقه الحسين الي الكوفة.

فجعل لا يتلفت الي من سقط و يمضي حتي ورد القادسية، و سقط مهران مولاه، فقال: أيا مهران، علي هذه الحال، ان أمسكت عنك حتي تنظر الي القصد


فلك مائة ألف، قال: لا والله ما استطيع فنزل عبيدالله فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن، ثم اعتجر بمعجرة يمانية، فركب بغلته، ثم انحدر راجلا وحده، فعل يمر بالمحارس، فكلما نظروا اليه لم يشكوا انه الحسين. فيقولون: مرحبا بك يابن رسول الله! و جعل لا يكلمهم و خرج اليه الناس من دورهم و بيوتهم.

سمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه و علي خاصته، و انتهي اليه عبيدالله، و هو لا يشك أنه الحسين، و معه الخلق يضجون، فكلمه النعمان، فقال: أنشدك الله الا تتحيت عني! ما أنا بمسلم اليك أمانتي و مالي في قتلك من أرب، فجعل لا يكلمه. ثم انه دنا و تدلي الآخرين بين شرفتين، فجعل يكلمه فقال: افتح لا فتحت، فقد طال ليلك، فسمعها انسان خلفه، فتكفي الي القوم.

فقال: أي قوم: ابن مرجانة، و الذي لا اله غيره! فقالوا: ويحك! انما هو الحسين، ففتح له النعمان، فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس، فانفضوا، و أصبح فجلس علي المنبر، فقال: أيها الناس، اني لا علم أنه قد سار معي، و أظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين حين، ظن أن الحسين قد دخل البلد و غلب عليه، والله ما عرفت منكم أحدا، ثم نزل، و أخبر أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة، و انه بناحية الكوفة، فدعا مولي لبني تميم، فأعطاه مالا و قال:

انتحل هذا الامر، وأعنهم بالمال، و القصد لهاني ء و مسلم، و أنزل عليه، فجاء هانئا فأخبره أنه شيعة، و ان معه مالا. و قدم شريك بن الاعور شاكيا فقال لهاني ء هانئا فأخبره أنه شيعة، و ان معه مالا. و قدم شريك بن الاعور شاكيا فقال لهاني ء: مر مسلما يكن عندي، فان عبيدالله يعودني، و قال شريك لمسلم: أرأيتك ان أمكنتك من عبيدالله أضاربه أنت السيف؟ قال: نعم والله. و جاء عبيدالله شريكا يعوده في منزل هاني ء - و قد قال شريك لمسلم: اذا سمعتني أقول: اسقوني ماء فاخرج عليه فاضربه.

جلس عبيدالله علي فراش شريك و قام علي رأسه مهران، فقال: اسقوني


ماء، فخرجت جارية بقدح، فرأت مسلما، فزالت، فقال شريك: اسقوني ماء ثم قال الثالثة: ويلكم تحموني الماء! اسقونيه و لو كانت فيه نفسي ففطن مهران فغمز عبيدالله، فوثب، فقال شريك: أيها الامير، اني اريد أن أوصي اليك، قال: أعود اليك، فجعل مهران يطرد به، و قال: أراد والله قتلك، قال: و كيف مع اكرامي شريكا و في بيت هاني ء و يد أبي عنده يد!

فرجع فأرسل الي أسماء بن خارجة و محمد بن الأشعث، فقال: ائتياني بهاني ء فقالا له: انه لا يأتي الا بالأمان، قال: و ما له و للأمان! و هل أحدث حدثا! انطلقا فان لم يأت الا بأمان فآمناه، فأتياه فدعواه، فقال: انه ان أخذني قتلني، فلم يزالا به حتي جاءا به و عبيدالله يخطب يوم الجمعة، فجلس في المسجد، و قد رجل هاني ء غدير تيه، فلما صلي عبيدالله، قال: يا هاني ء، فتبعه، و دخل مسلم.

فقال عبيدالله: يا هاني ء، أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة الا قتله غير أبيك و غير حجر، و كان من حجر ما قد علمت، ثم لم يزل يحسن صحبتك، ثم كتب الي أمير الكوفة: ان حاجتي قبلك هاني؟ قال: نعم، قال: فكان جزائي أن خبأت في بيتك رجلا ليقتلني! قال: ما فعلت، فأخرج التميمي والذي كان عينا عليهم، فلما رآه هاني ء علم أن قد أخبره الخبر.

فقال: أيها الامير، قد كان الذي بلغك، و لن أضيع يدك عني، فأنت آمن و أهلك، فسر حيث شئت، فكبا عبيدالله عندها، و مهران قائم علي رأسه في يده معكزة، فقال: و اذلاه! هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك! فقال: خذه، فطرح المعكزة، و أخذ بضفيرتي هاني ء، ثم أقنع بوجهه، ثم أخذ عبيدالله المعكزة فضرب بها وجه هاني ء، و ندر الزج، فارتز في الجدار.

ثم ضرب وجهه حتي كسر أنفه و جبينه، و سمع الناس الهيعة، و بلغ الخبر مذحج، فأقبلوا، فأطافوا بالدار، و أمر عبيدالله بهاني ء فأبقي في بيت، و صيح


المذحجيون و أمر عبيدالله مهران أن يدخل عليه شريحا، فخرج، فأدخله عليه، و دخلت الشرط معه، فقال: يا شريح، قد تري ما يصنع بي! قال: أراك حيا، قال: و حي أنا مع ما تري! أخبر قومي أنهم ان انصرفوا قتلني!

فخرج الي عبيدالله فقال: قد رأيته حيا، و رأيت أثرا سيئا! قال: و تنكر أن يعاقب الوالي رعيته! خرج الي هؤلاء فأخبرهم فخرج، و أمر عبيدالله الرجل فخرج معه، فقال لهم شريح، ما هذه الرعة السيئة! الرجل حي، و قد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه، فانصرفوا و لا تحلوا بأنفسكم و لا بصاحبكم. فانصرفوا [30] .

29- عنه ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن المعلي بن كليب، عن أبي الوداك، قال: نزل شريك بن الاعور، علي هاني بن عروة المرادي، و كان شريك شيعيا، و قد شهد صفين مع عمار و سمع مسلم بن عقيل بمجي ء عبيدالله و مقالته التي قالها، و ما أخذ به العرفاء و الناس فخرج من دار المختار - قد علم به - حتي انتهي الي دار هاني بن عروة المرادي، فدخل بابه، و أرسل اليه أن أخرج، فخرج اليه هاني ء، فكره هاني ء مكانه حين رآه.

فقال له مسلم: أتيتك لتجيرني و تضيفني، فقال: رحمك الله! لقد كلفتني شططا، و لو لا دخولك داري، و ثقتك لأحببت و لسألتك أن تخرج عني، غير أنه يأخذني من ذلك زمام، و ليس مردود مثلي علي مثلك، عن جهل، ادخل. فآواه، و أخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني بن عروة، و دعا ابن زياد مولي له يقال له معقل، فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل، و اطلب لنا أصحابه.

ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف، فقل لهم: استعينوا بها علي حرب عدوكم، و أعلمهم أنك منهم، فانك لو قد أعطيتها اياهم اطمأنوا اليك، و وثقوا بك، و لم


يكتموك شيئا من أخبارهم، ثم اغد عليهم و رح، ففعل ذلك فجاء حتي أتي الي مسلم بن عوسجة الاسدي من بني سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم، و هو يصلي، و سمع الناس يقولون ان هذا يبايع للحسين، فجاء فجلس حتي فرغ من صلاته.

ثم قال: يا عبدالله اني امرؤ من أهل الشام، مولي لذي الكلاع، أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت، و حب من أحبهم، فهذا ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني انه قدم الكوفة، يبايع لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، و كنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه و لا يعرف مكانه، فاني لجالس آنفا في المسجد، اذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، و اني أتيتك لتقبض هذا المال و تدخلني علي صاحبك فأبايعه،و ان شئت اخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال: أحمدالله علي لقائك اياي، فقد سرني ذلك لتنال ما تحب، و لينصر الله بك أهل بيت نبيه، و لقد ساءني معرفتك اياي بهذا الامر من قبل أن ينمي مخافة هذا الطاغية و سطوته. فأخذ بيعته قبل أن يبرح، و أخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به، ثم قال له: اختلف الي أياما في منزلي، فأنا طالب لك الاذن علي صاحبك. فأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الاذن.

فمرض هاني بن عروة، فجاء عبيدالله عائدا له، فقال له عمارة بن عبيد السلولي: انما جماعتنا و كيدنا قتل هذا الطاغية، فقد أمكنك الله منه، فاقتله، قال هاني: ما أحب أن يقتل في داري، فخرج فما مكث الا جمعة حتي مرض شريك بن الاعور - و كان كريما علي ابن زياد و علي غير من الامراء، و كان شديد التشيع - فأرسل اليه عبيدالله: اني رائح اليك العشية.

فقال لمسلم: ان هذا الفاجر عائدي العشية، فاذا جلس، فاخرج اليه فاقتله، ثم اقعد في القصر، ليس أحد يحول بينك و بينه، فان برئت من وجعي هذا ايامي


هذه سرت الي البصرة و كفتيك أمرها، فلما كان من العشي أقبل عبيدالله لعيادة شريك، فقام مسلم بن عقيل ليدخل، و قال له شريك: لا يفوتنك اذا جلس، فقام هاني بن عروة اليه فقال: اني لا أحب أن يقتل في داري - كأنه استقبح ذلك - فجاء عبيدالله بن زياد فدخل فجلس، فسأل شريكا عن وجعه، و قال: ما الذي تجد، و متي أشكيت؟ فلما طال سؤاله اياه، و رأي أن الآخر لا يخرج، خشي أن يفوته، فأخذ يقول: ما تنتظرون بسلمي أن تحيوها.

اسقنيها و ان كانت فيها نفسي، فقال ذلك مرتين أو ثلاثا، فقال عبيدالله، و لا يفطن ما شأنه: أترونه يهجر؟ فقال هل هاني: نعم أصلحك الله! ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتي ساعته هذه، ثم انه قام فانصرف، فخرج مسلم، فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان: أما احداهما فكراهة هاني أن يقتل في داره، و أما الاخري فحديث حدثه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله: «ان الايمان قيد الفتك» و لا يفتك مؤمن.

فقال هاني: أما والله لو قتلته فاسقا فاجرا كافرا غادرا، و لكن كرهت أن يقتل في داري، ولبث شريك بن الأعور بعد ذلك ثلاثا، ثم مات، فخرج ابن زياد، فصلي عليه، و بلغ عبيدالله بعد ما قتل مسلما و هانئا أن ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه انما كان يحرض مسلما، و يأمره بالخروج اليك ليقتلك، فقال عبيدالله: والله لا اصلي علي جنازة رجل من أهل العراق أبدا، و والله لو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا.

ثم ان معقلا مولي ابن زياد الذي دسه بالمال، الي ابن عقيل و أصحابه، اختلف الي مسلم بن عوسجة، أياما ليدخله علي ابن عقيل، فأقبل به حتي أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور، فأخبره خبره كله، فأخذ ابن عقيل بيعته، و أمر


أبا ثمامة الصائدي، فقبض ماله الذي جاء به - و هو الذي كان يقبض أموالهم، وما يعين به بعضهم بعضا، يشتري لهم السلاح، و كان به بصيرا، و كان به بصيرا، و كان من فرسان العرب و وجوه الشيعة.

أقبل ذلك الرجل يختلف اليهم، فهو أول داخل و آخر خارج، يسمع أخبارهم، و يعلم أسرارهم ثم ينطلق بها حتي يقرها في أذن ابن زياد، قال: و كان هاني ء يغدو و يروح الي عبيدالله، فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف و تمارض فجعل لا يخرج، فقال ابن زياد لجلسائه: مالي لا أري هانئا! فقالوا: هو شاك، فقال: لو علمت بمرضه لعدته [31] .

30- عنه قال أبومخنف: فحدثني المجالد بن سعيد، قال: دعا عبيدالله محمد ابن الاشعث و أسماء بنت خارجة قال أبومخنف: حدثني الحسن بن عقبة المرادي أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي، قال أبومخنف: و حدثني نمير بن وعلة، عن أبي الوداك، قال: كانت روعة أخت عمرو بن الحجاج تحت هاني بن عروة، و هي أم يحيي بن هاني، فقال لهم: ما يمنع هاني بن عروة من اتياننا؟ قالوا: ما ندري أصلحك الله! و انه ليتشكي.

قال: قد بلغني أنه قد برأ، و هو يجلس علي باب داره، فالقوه، فمروه الا يدع ما عليه في ذلك من الحق، فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله، من أشراف العرب، فأتوه حتي وقفوا عليه عشية و هو جالس علي بابه، فقالوا: ما يمنعك من لقاء الامير، فانه قد ذكرك، و قد قال: لو أعلم أنه شاك لعدته؟

فقال لهم: اشكوي تمنعني، فقالوا له: يبلغه أنك تجلس كل عشية علي باب


دارك، و قد استبطأك، و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان، أقسمنا عليك، لما ركبت معنا! فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلة فركبها حتي اذا دنا من القصر، كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بنت خارجة، يابن أخي، اني والله لهذا الرجل لخائف، فما تري؟

قال: أي عم، والله ما أتخوف عليك شيئا، و لم تجعل علي نفسك سبيلا و أنت بري ء؟ و زعموا أن أسماء لم يعلم أي شي ء بعث اليه عبيدالله، فأما محمد فقد علم به فدخل القوم علي ابن زياد، و دخل معهم، فلما طلع قال عبيدالله: أتتك بحائن رجلاه! و قد عرس عبيدالله اذ ذاك بأم نافع ابنة عمارة بن عقبة، فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه، فقال:



اريد حبائه و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد



قد كان له أول ما قدم مكرما ملطفا، فقال له هاني، و ما ذاك أيها الامير؟ قال: ايه يا هاني بن عروة! ما هذه الامور التي تربص في دورك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل، فأدخلته دارك، و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك، و ظنت أن ذلك يخفي علي لك! قال: ما فعلت، و ما مسلم عندي، قال: بلي قد فعلت: قال: ما فعلت، قال: بلي.

فلما كثر ذلك بينهما، وأبي هاني الا مجاحدته و مناكرته، دعا ابن ياد معقلا ذلك العين، فجاء حتي وقف بين يديه، فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، و علم هاني عند ذلك أنه كان عينا عليهم، و أنه قد أتاه بأخبارهم. فسقط في خلده ساعة، ثم ان نفسه راجعته، فقال له: اسمع مني و صدق مقالتي.

فوالله لا اكذبك، والله الذي لا اله غير ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من أمره، حتي رأيته جالسا علي بابي، فسألني النزول علي، فاستحييت من


رده، و دخلني من ذلك ذمام فادخلته داري و ضفته و آويته، و قد كان من أمره الذي بلغك، فان شئت أعطيت الآن موثقا مغلظا ما تطمئن اليه ألا أبغيك سوءا، و ان شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك، و انطلق اليه فآمره أن يخرج من داري الي حيث شاء من الارض، فأخرج من ذمامه و جواره.

فقال: لا والله لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به، فقال: لا والله لا أجيئك أبدا أنا أجيئك بضيفي تقتله! قال: والله لتأتيني به، قال: والله لا آتيك به، فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي - و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره - فقال: أصلح الله الامير! خلني و اياه حتي اكلمه، لما رأي لجاجته و تأبيه علي ابن زياد أن يدفع اليه مسلما، فقال لهاني: قم الي هاهنا حتي اكلمك.

فقام فخلا به نايحة من ابن زياد، و هما منه علي ذلك قريب حيث يراهما، اذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان،و اذا خفضا خفي عليه ما يقولان، فقال له مسلم: يا هاني، اني أنشدك الله أن تقتل نفسك، و تدخل البلاء علي قومك و عشيرتك! فوالله اني لا نفسك بك عن القتل، و هو يري أن عشيرته ستحرك في شأنه ان هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه اليه فانه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة، انما تدفعه الي السلطان.

قال: بلي، والله ان علي في ذلك للخزي و العار، أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أري، شديد الساعد، كثير الاعوان! والله لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه، فأخذ يناشده و هو يقول: والله لا أدفعه اليه أبدا، فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه مني، فأدنوه منه، فقال: والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك، قال اذا تكثر البارقة حول دارك، فقال: والهفا عليك! أباالبارقة تخوفني! و هو يظن عشيرته سيمنعونه.


فقال ابن زياد: أدنوه مني، فأدني فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتي كسر أنفه، و سيل الدماء علي ثيابه، و نثر لحم خديه و جبينه علي لحيته، حتي كسر القضيب، و ضرب هاني بيده الي قائم سيف شرطي من تلك الرجال، و جابذه الرجل و منع، فقال عبيدالله: أحروري سائر اليوم! أحللت بنفسك، قد حل لنا قتلك، و خذوه فألقوه في بيت من بيوت الدار، و أغلقوا عليه بابه، و اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به.

فقام اليه أسماء بن خارجة فقال: أرسل غدر سائر اليوم! أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتي اذا جئناك به و أدخلناه عليك هشمت وجهه، و سيلت دمه علي لحيته، و زعمت انك تقتله! فقال له عبيدالله: و انك لهاهنا! فأمر به فلهز و تعتع به، ثم ترك فحبس. و أما محمد بن الاشعث فقال: قد رضينا بما رأي الامير، لنا كان أم علينا،انما الامير مؤدب.

و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل، فأقبل في مذحج حتي أحاط بالقصر، و معه جمع عظيم، ثم نادي: أنا عمرو بن الحجاج، هذه فرسان مذحج وجوهها، لم نخلع طاعة، و لم نفارق جماعة، و قد بلغهم أن صاحبهم يقتل، فأعظموا ذلك! فقيل لعبيد الله: هذه مذحج بالباب، فقال لشريح القاضي: ادخل علي صاحبكم، فانظر اليه، ثم اخرج فأعلمهم انه حي لم يقتل، و انك قد رأيته، فدخل اليه شريح فنظر اليه [32] .

31- عنه قال أبومخنف: فحدثني الصقعب بن زهير، عن عبدالرحمن بن شريح، قال: سمعته يحدث اسماعيل بن طلحة، قال: دخلت علي هاني، فلما رآني قال:


يا لله يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين! و أين أهل المصر! تفاقدوا! يخلوني، و عدوهم و اين عدوهم! و الدماء تسيل علي لحيته، اذا سمع الرجة علي باب القصر، و خرجت و اتبعني.

فقال: يا شريح، اني لاظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، ان دخل علي عشرة نفر أنقذوني، قال فخرجت اليهم و معي حميد بن بكير الأحمري - أرسله معي ابن زياد، و كان من شرطه من يقوم علي رأسه - و أيم الله لو لا مكانه معي لكنت أبلغت أصحابه ما أرني به، فلما خرجت اليهم قلت: ان الامير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول اليه، فأتيته فنظرت اليه، فأمرني أن ألقاكم، و أن أعلمكم أنه حي، و ان الذي بلغكم من قتله كان باطلا. فقال عمرو و أصحابه: فأما اذ لم يقتل فالحمدالله، ثم انصرفوا [33] .

32- عنه قال أبومخنف: حدثني الحجاج بن علي، عن محمد بن بشير الهمداني، قال: لما ضرب عبيدالله هانئا و حبسه، خشي أن يثب الناس به، فخرج فصعد المنبر، و معه أشراف الناس، و شرطه و حشمه، فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فاعتصموا بطاعة الله، و طاعة أئمتكم ولا تختلفوا و لا تفرقوا فتهلكوا، و تذلوا و تقتلوا و تجفوا، و تحرموا، ان أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر.

قال: ثم ذهب لينزل، فما نزل عن المنبر حتي دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون و يقولون: قد جاء ابن عقيل! فدخل عبيدالله القصر مسرعا، و أغلق أبوابه [34] .


33- قال أبومخنف: حدثني يوسف بن يزيد، عن عبدالله بن حازم، قال: أنا والله رسول ابن عقيل الي القصر، لا نظر الي ما صار أمر هاني، قال: فلما ضرب و حبس ركبت فرسي و كنت أول أهل الدار دخل علي مسلم بن عقيل بالخبر، و اذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عثرتاه! يا ثكلاه! فدخلت علي مسلم بن عقيل بالخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله، و قد بايعه ثمانية عشر ألفا، و في الدور أربعة آلاف رجل.

فقال لي: يا منصور امت، فناديت امت، و تنادي أهل الكوفة فاجتمعوا اليه، فعقد مسلم لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي علي ربع كندة، و ربيعة، و قال: سر أمامي في الخيل، ثم عقد لمسلم بن عوسجة الاسدي علي ربع مذحج و أسد، و قال: أنزل في الرجال، فأنت عليهم؛ و عقد لابي ثمامة الصائدي علي ربع تميم و همدان، و عقد لعباس بن جعدة الجدلي علي ربع المدينة، ثم أقبل نحو القصر،فلما بلغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر، و غلق الأبواب [35] .

34-عنه قال أبومخنف: و حدثني يونس بن أبي اسحاق، عن عباس الجدلي قال: خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف، فما بلغنا القصر الا و نحن ثلثمائة، قال: و أقبل مسلم يسير في الناس من مراد حتي أحاط بالقصر، ثم ان الناس تداعوا الينا و اجتمعوا، فوالله ما لبثنا الا قليلا حتي امتلأ المسجد من الناس و السوق، و ما زالوا يثوبون حتي المساء، فضاق بعبيد الله ذرعه، وكان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر.

ليس معه الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و مواليه، و أقبل أشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي


دارالروميين، و جعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم، فينظرون اليهم فيتقون أن يرموهم بالحجارة، و أن يشتموهم و هم لا يفترون علي عبيدالله و علي أبيه.

دعا عبيدالله كثير بن شهاب ابن الحصين الحارثي، فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيسير بالكوفة، و يخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، و يحذرهم عقوبه السلطان، و أمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة، و حضرموت، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس، و قال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي،و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي، و شمر بن ذي الجوشن العامري، و حبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم، لقلة عدد من معه من الناس، و خرج كثير من شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل [36] .

35- عنه قال أبومخنف: فحدثني أبوجناب الكلبي، أن كثيرا ألفي رجلا من كلب، يقال له عبدالاعلي بن يزيد، قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان، فأخذه حتي أدخله علي ابن زياد، فأخبره خبره، فقال لابن زياد: انما أردتك؛ قال: و كنت وعدتني ذلك من نفسك؛ فأمر به فحبس، و خرج محمد بن الاشعث حتي وقف عند دور بني عمارة، و جاءه عمارة بن صلخب الازدي و هو يريد ابن عقيل، عليه سلاحه.

فأخذه فبعث به الي ابن زياد فحبسه، فبعث ابن عقيل الي محمد بن الاشعث من المسجد عبدالرحمن بن شريح الشبامي، فلما رأي محمد بن الاشعث كثرة من أتاه، أخذ يتنحي و يتأخر، و أرسل القعقاع بن شور الذهلي، الي محمد بن الاشعث، قد جلعت علي ابن عقيل من العرار، فتأخر عن موقفه، فأقبل حتي دخل علي ابن


زياد من قبل دار الروميين.

فلما اجتمع عند عبيدالله كثير بن شهاب، و محمد، و القعقاع، فيمن أطاعهم من قومهم، قال له كثير - و كانوا مناصحين لابن زياد: أصلح الله الامير! معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك، فاخرج بنا اليهم، فأبي عبيدالله، و عقد لشبث بن ربعي لواءا، فأخرجه، و أقام الناس مع ابن عقيل يكبرون و يثوبون حتي المساء، و أمرهم شديد، فبعث عبيدالله الي الاشراف فجمعهم اليه، ثم قال: أشرفوا علي الناس، فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة، و أعلموهم وصول الجنود من الشام اليهم [37] .

36-عنه قال أبومخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد، عن عبدالله بن حازم الكثيري، من الأزد، من بني كثير، قال: أشرف علينا الاشراف، فتكلم كثير بن شهاب أول الناس، حتي كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس، الحقوا بأهاليكم، و لا تعجلوا الشر، و لا تعرضوا أنفسكم للقتل، فان هذه جنود أميرالمؤمنين يزيد قد أقبلت.

قد أعطي الله الامير عهدا: لئن أتممتم علي حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء، و يفرق مقاتلكم في مغازي أهل الشام علي غير طمع، و أن يأخذ البري ء، بالسقيم، و الشاهد بالغائب، حتي لا يبقي له فيكم بقية من أهل المعصية، الا أذاقها و بال ما جرت أيديها، و تلكم الأشراف بنحو من كلام هذا، فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون، و أخذوا ينصرفون [38] .

37- عنه قال أبومخنف: فحدثني المجالد بن سعيد، أن المرأة كانت تأتي ابنها


أو أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، و يجي ء الرجل الي ابنه أو أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب و الشر! انصرف، فيذهب به: فما زالوا يتفرقون و يتصدعون حتي أمسي ابن عقيل و ما معه ثلاثون نفسا في المسجد، حتي صليت المغرب، فما صلي مع ابن عقيل الا ثلاثون نفسا.

فلما رأي أنه قد أمسي و ليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، و بلغ الأبواب و معه منهم عشرة، ثم خرج من الباب و اذا ليس معه انسان، و التفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله علي الطريق، و لا يدله علي منزل و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو، فمضي علي وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب! حتي خرج الي دور بني جبلة من كندة.

فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها طوعة، أم ولد كانت للأشعث بن قيس، فأعتقها، فتزوحها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا، و كان بلال قد خرج مع الناس و أمه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل، فردت عليه، فقال لها: يا امة الله، اسقيني ماء، فدخلت فسقته، فجلس و أدخلت الاناء، ثم خرجت فقالت: يا عبدالله ألم تشرب! قال: بلي، قالت فاذهب الي أهلك؛ فسكت؛ ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت.

ثم قالت له: في الله، سبحان الله يا عبدالله! فمر الي أهلك عافاك الله فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي، و لا أحله لك، فقام فقال: يا أمة الله، مالي في هذا المصر منزل و لا عشيرة، فهل لك الي أجر و معروف، و لعلي مكافئك به بعد اليوم! فقالت: يا عبدالله، و ما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم و غروني؛ قالت: أنت مسلم! قال: نعم.

قالت: ادخل، فأدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه، و فرشت له، و عرضت عليه العشاء فلم يتعش، و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها


تكثر الدخول في البيت، و الخروج منه، فقال: والله انه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه! ان لك لشأنا، قالت: يا بني، اله عن هذا، قال لها: والله لتخبرني؛ قالت: أقبل علي شأنك ولا تسألني عن شي ء، فألح عليها.

فقالت يا بني، لا تحدثن أحدا من الناس بما أخبرك به؛ و أخذت عليه الايمان فحلف لها، فأخبرته، فاضطجع و سكت، و زعموا انه قد كان شريدا من الناس. و قال بعضهم: كان يشرب مع أصحاب له، و لما طال علي ابن زياد، و أخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا، كما كان يسمعه قبل ذلك قال لاصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا! فأشرفوا فلم يروا أحدا.

قال: فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم، ففرعوا بحابح المسجد، و جعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم، ثم ينظرون، هل في الضلال أحد؟ و كانت أحيانا تضي ء لهم، و أحيانا لا تضي ء لهم كما يريدون، فدلوا القناديل و أنصاف الطنان تشد بالحبال، ثم تجعل فيها النيران، ثم تدلي حتي تنتهي الي الأرض، ففعلوا ذلك في أقصي الظلال و أدناها و أوسطها حتي فعلوا ذلك بالظلة التي فيها المنبر.

فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد، ففتح باب السدة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر، و خرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة، و أمر عمرو ابن نافع فنادي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء أو المناكب أو المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد، فلم يكن له الا ساعة حتي امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة.

فقال الحصين بن تميم: ان شئت صليت بالناس، أو يصلي بهم غيرك، و دخلت أنت فصليت في القصر، فاني لا آمن أن يغتا لك بعض أعدائك! فقال: مر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون، و در فيهم فاني لست بداخل اذا فصلي بالناس، ثم قام فحمد الله و أثني عليه ثم قال: أما بعد.


فان ابن عقيل السفيه الجاهل، قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، و من جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، و الزموا طاعتكم و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا، يا حصين ابن تميم، ثكلتك أمك ان صاح باب سكة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة.

فابعث مراصدة علي أفواه السكك، و أصبح غدا و استبر الدور و جس خلالها حتي تأتيني بهذا الرجل، و كان الحصين علي شرطه، و هو من بني تميم، ثم نزل ابن زياد فدخل و قد عقد لعمرو بن حريث راية و أمره علي الناس، فلما أصبح جلس مجلسه، و أذن للناس فدخلوا عليه، و أقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحبا به من لا يستغش و لا يتهم! ثم أقعده الي جنبيه.

و أصبح ابن تلك العجوز و هو بلال بن أسيد الذي آوت أمه ابن عقيل، فغذا الي عبدالرحمن بن محمد ابن الأشعث، فأخبره بمكان ابن عقيل، عند امه، قال: فأقبل عبدالرحمن، حتي أتي أباه و هو عند ابن زياد، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخس بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة [39] .

38- عنه قال أبومخنف: فحدثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي، أن ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل بعث الي عمرو بن حريث، و هو في المسجد خليفته علي الناس، أن أبعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس، و انما كره أن يبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل، فبعث معه عمرو بن عبيدالله بن عباس السلمي في ستين، أو


سبعين من قيس، حتي أتوا الدار التي فيها ابن عقيل.

فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال عرف أنه قد أتي، فخرج اليهم بسيفه، و اقتحوا عليه الدار، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عادوا اليه، فشد عليهم كذلك، فاختلف هو و بكير بن حمران الأحمري، ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، و أشرع السيف في السفلي، و نصلت لها ثنيتاه فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة، و ثني بأخري علي حبل العانق كادت تطلع علي جوفه.

فلما رأو ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت، فأخذوا يومونه بالحجارة، و يلهبون النار في أطنان القصب، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة، فقالتهم، فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال: يافتي، لك الامان، لا تقتل نفسك، فأقبل يقاتلهم، و هو يقول:



أقسمت لا أقتل الا حرا

و ابن رأيت الموت شيئا نكرا



كل امري ء يوما ملاق شرا

و يخلط البارد سخنا مرا



رد شعاع الشمس فاستقرا

أخاف أن أكذب أو أغرا



فقال له محمد بن الأشعث: انك لا تكذب و لا تخدع و لا تغر، ان القوم بنو عمك، و ليسوا بقاتليك و لا ضاربيك، و قد أثخن بالحجارة، و عجز عن القتال، و انبهر، فأسند ظهره الي جنب تلك الدار، فدنا محمد ابن الأشعث، فقال: لك الامان، فقال: آمن أنا؟ قال: نعم، و قال القوم: أنت آمن؛ غير عمرو بن عبيدالله بن العباس السلمي فانه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل، و تنحي.

قال ابن عقيل: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. و أتي ببغلة فحمل عليها، و اجتمعوا حوله، و انتزعوا سيفه من عنقه، فكأنه عند ذلك أيس من نفسه، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا أول الغدر، قال محمد بن الأشعث: أرجو ألا


يكون عليك بأس، قال: ما هو الا الرجاء؛ أين أمانكم! انا لله و انا اليه راجعون! و بكي.

فقال له عمرو بن عبيدالله بن عباس: ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك، قال: اني والله ما لنفسي أبكي، و لا لها من القتل أرثي، و ان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، و لكن أبكي لأهلي المقبلين الي، أبكي الحسين و آل حسين!

ثم أقبل علي محمد بن الاشعث فقال: يا عبدالله، اني أراك والله ستعجز عن أماني، فهل عندك خير! تستطيع أن تبعث من عندك رجلا علي لساني يبلغ حسينا، فاني لا أراه الا قد خرج اليكم اليوم مقبلا، أو هو يخرج غدا و أهل بيته، و ان ما تري من جزعي لذلك.

فيقول: ان ابن عقيل بعثني اليك و هو في أيدي القوم أسير لا يري أن تمشي حتي تقتل و هو يقول: ارجع بأهل بيتك و لايغرك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو قاتل ان أهل الكوفة قد كذبوك و كذبوني و ليس لمكذب رأي فقال ابن الاشعث: والله لأفعلن و لا علمن ابن زياد أني قد أمنتك [40] .

39- عنه قال أبومخنف: فحدثني جعفر بن حذيفة الطائي - و قد عرف سعيد ابن شيبان الحديث - قال: دعا محمد بن الأشعث اياس بن العثل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة و كان لمحمد زوارا فقال له: هذا زادك و جهازك و متعة لعيالك، فقال: من أين لي براحلة فان راحلتي قد أنضيتها؟ قال: هذه راحلة فاركبها برحلها. ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر و بلغه الرسالة.


فقال له حسين: كل ما حم نازل، و عند الله نحتسب أنفسنا، و فساد أمتنا. و قد كان مسلم بن عقيل حيث تحول الي دار هاني بن عروة و بايعه ثمانية عشر ألفا قدم كتاب الي حسين مع عابس بن أبي شبيب الشاكري: أما بعد، فان الرائد لا يكذب أهله و قد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي، فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي و لا هوي و السلام.

أقبل محمد بن الأشعث بابن عقيل الي باب القصر، فاستأذن فأذن له فأخبر عبيدالله خبر ابن عقيل، و ضرب بكير اياه، فقال: بعدا له! فأخبره محمد بن الاشعث بما كان منه و ما كان من أمانه اياه، فقال عبيدالله: ما أنت و الأمان! كأنا أرسلناك لتأتينا به فسكت، و انتهي ابن عقيل الي باب القصر، و هو عطشان و علي باب القصر ناس جلوس، ينتظرون الاذن منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، و عمرو بن حريث و مسلم بن عمرو و كثير بن شهاب [41] .

40-عنه قال أبومخنف: فحدثني قدامة بن سعد أن مسلم بن عقيل حين انتهي الي باب القصر فاذا قلة باردة موضوعة علي باردة موضوعه علي الباب، فقال ابن عقيل اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها! لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم! قال له ابن عقيل: ويحك! من أنت قال: أنا ابن من عرف الحق اذا أنكرته و نصح لامامه اذ غششته و سمع و أطاع اذ عصيته و خالفت أنا مسلم بن عمرو الباهلي، فقال ابن عقيل: لأمك الثكل! ما أجفاك و ما أفظك و أقسمي قلبك و أغلظك! أنت يابن باهلة أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني ثم جلس متساندا الي حائط [42] .

41- عنه قال أبومخنف: فحدثني قدامة بن سعد، عن عمرو بن حريث بعث


غلاما يدعي سليمان فجاءه بماء قلة فسقاه [43] .

42- عنه قال أبومخنف: حدثني سعيد بن مدرك بن عمارة، أن عمارة بن عقبة بعث غلاما له يدعي قيسا فجاءه بقلة عليها منديل و معه قدح، فصب فيه ماء ثم سقاه فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما، فلما ملأ القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب فسقت ثنيتاه فيه، فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته و أدخل مسلم علي ابن زياد فلم يسلم عليه بالامرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الامير؟

فقال له: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان لا يريد قتلي فلعمري، ليكثرن سلامي عليه، فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن قال: كذلك، قال: نعم قال: فدعني أوصي الي بعض قومي فنظر الي جلساء عبيدالله و فيهم عمر بن سعد، فقال: يا عمر ان بيني و بينك قرابة، ولي اليك حاجة، و قد يجب علي عليك نجح حاجتي، و هو سر فأبي أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيدالله: لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه فجلس حيث ينظر اليه ابن زياد.

فقال له: ان علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم، فاقضها عني و انظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد، فوارها و ابعث الي حسين من يرده، فاني قد كتبت اليه أعلمه ان الناس معه و لا أراه الا مقبلا فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي، انه ذكر كذا و كذا. قال له ابن زياد: انه لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن.

أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك، أن تصنع فيه ما أحببت و أما حسين فانه ان لم يردنا لم نرده و ان أرادنا لم نكف عنه و أما جثته فانا لن نشفعك فيها انه ليس بأهل


منا لذلك، قد جاهدنا و خالفنا و جهد علي هلاكنا و زعموا أنه قال: أما جثته فانا لا نبالي اذ قتلا ما صنع بها.

ثم ان ابن زياد قال: ايه يابن عقيل أتيت الناس و أمرهم جميع، و كلمتهم واحدة لتشتتهم و تفرق كلمتهم، و تحمل بعضهم علي بعض قال: كلا لست أتيت و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دمائهم و عمل فيهم أعمال كسري، و قيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل، و ندعو الي حكم الكتاب قال: و ما أنت و ذاك يا فاسق! أو لم تكن تعمل بذاك فيهم اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر.

قال: أنا أشرب الخمر! و الله ان الله ليعلم أنك غير صادق و أنك قلت بغير علم، و أني لست كما ذكرت، و ان أحق بشرب الخمر مني و أولي بها من بلغ في دماء المسلمين و لغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها و يقتل النفس بغير النفس و يسفك الدم الحرام، و يقتل علي الغضب و العداوة و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.

فقال له ابن زياد: يا فاسق ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه و لم يرك أهله، قال: فمن أهله يابن زياد؟ قال: أميرالمؤمنين يزيد، فقال: الحمد لله علي كل حال رضينا بالله حكما بيننا و بينكم، قال كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا قال: والله ما هو بالظن و لكنه اليقين، قال: قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام.

قال: أما انك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن فيه، أما انك لا تدع سوء القتلة و المثلة و خبث السيرة، و لؤم الغلبة و لا أحد من الناس أحق بها منك، و أقبل ابن سمية يشتمه و يشتم حسينا و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه و زعم أهل العلم أن عبيدالله أمر له بماء فسقي بخزفة ثم قال له: انه لم يمنعنا أن نسقيك فيها الا كراهة أن تحرم بالشرب فيها، ثم نقتلك و لذلك سقيناك في هذا.

ثم قال: اصنعت به فوق القصر، فاضربوا عنقه، ثم أتبعوا جسده رأسه،


فقال: يابن الاشعث أما والله لو لا أنك امنتي ما استسلمت، قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك، ثم قال: يابن زياد أما والله لو كانت بيني و بينك قرابة ما قتلتني، ثم قال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف، و عاتقه؟ فدعي فقال اصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به، و هو يكبر و يستغفر و يصلي علي ملائكه الله و رسله، و هو يقول: أللهم أحكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و أذلونا و أشرف به علي موضع الجزارين اليوم فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه [44] .

43- عنه قال أبومخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة، قال: نزل الاحمري بكير بن حمران الذي قتل مسلما، فقال له ابن زياد: قتلته؟ قال: نعم قال: فما كان يقول و أنتم تصعدون به؟ قال: كان يكبر و يسبح و يستغفر فلما أدنيته لأقتله قال: أللهم أحكم بيننا و بين قوم كذبونا و غرونا و خذلونا و قتلونا، فقلت له: ادن مني الحمد لله الذي أقادني منك فضربته لم تغن شيئا، فقال أما تري في خدش تخد شنيه وفاء من دمك أيها العبد، فقال ابن زياد: أو فخر عند الموت قال: ثم ضربته الثانية فقتلته.

قال: و قام محمد بن الاشعث الي عبيدالله بن زياد، فكلمه في هاني بن عروة و قال: انك قد عرفت منزلة هاني بن عروة في المصر و بيته في العشيرة، و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه اليك فأنشدك الله لما وهبته لي فاني أكره عداوة قومه هم أعز أهل المصر و عدد أهل اليمن! قال: فوعده أن يفعل فلما كان من مر مسلم بن عقيل ما كان بدا له فيه، و أبي أن يفي له بما قال.

قال: فأمر بهاني بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل، فقال أخرجوه الي السوق فأضربوا عنقه، قال: فأخرج بهاني حتي انتهي الي مكان من السوق كان


يباع فيه الغنم، و هو مكتوف فجعل يقول: و امذجحاه، و لا مذجح لي اليوم، وامذ حجاه و أين مني مذحج، فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال: أما من عصاه أو سكين أو حجر أو عظم يحاجش به رجل عن نفسه، قال: و وثبوا اليه فشدوه و ثاقاثم قيل له: أمدد عنقك فقال: ما أنابها مجد سخي و ما أنا بمعينكم علي نفسي.

قال: فضربه مولي لعبيد الله بن زياد - تركي يقال له رشيد - بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا، فقال هاني:الي الله المعاد اللهم الي رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخري فقتله.

قال: فبصر به عبدالرحمن بن الحصين المرادي بخازر و هو مع عبيدالله بن زياد، فقال الناس: هذا قاتل هاني بن عروة فقال ابن الحصين: قتلني الله ان لم أقتله أو أقتل دونه! فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله، ثم ان عبيدالله بن زياد لما قتل مسلم ابن عقيل و هاني بن عروة دعا بعبد الا علي الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فأتي به فقال له: أخبرني بأمرك، فقال: أصلحك الله خرجت لا نظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب.

فقال له: فعليك و عليك من الايمان المغلظه ان كان أخرجك الا ما زعمت! فأبي أن يحلف، فقال عبيدالله: انطلقوا بهذا الي جبانة السبيع فاضربوا عنقه بها، قال: فانطلق به فضربت عنقه، قال: و أخرج عمارة بن صلخب الأزدي - و كان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره فأتي به أيضا عبيدالله، فقال له: ممن أنت قال: من الازد قال: انطلقوا به الي قومه فضربت عنقه فيهم، فقال عبدالله بن الزبير الاسدي في قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة المرادي - و يقال - قاله الفرزدق:



و ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ان عقيل






الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل



أصابهما أمر الامير فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح د قد سال كل مسيل



فتي هو أحيا من فتاه حيية

و اقطع من ذي شفرتين صقيل



أيركب أسماء الهماليج آمنا

و قد طلبه مذحج بذحول!



تطيف حواليه مراد و كلهم

علي رقبة من سائل و مسول



فان أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا أرضيت بقليل [45] .



44- عنه قال أبومخنف: عن أبي جناب، يحيي بن أبي حية الكلبي، قال: ثم ان عبيدالله بن زياد، لما قتل مسلما و هانئا، بعث برؤسهما مع هاني بن أبي حية الوادعي، و الزبير بن الاروح التميمي، الي يزيد بن معاوية، و أمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب الي يزيد بن معاوية بما كان من مسلم و هاني، فكتب اليه كتابا أطال فيه، و كان أول من أطال في الكتب، فلما نظر فيه عبيدالله بن زياد كرهه، و قال: ما هذا التطويل و هذه الفضول؟ اكتب: أما بعد.

فالحمدلله الذي أخذ لاميرالمؤمنين بحقه، و كفاه مؤنة عدوه، أخبر أميرالمؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ الي دار هاني بن عروة المرادي، و أني جعلت عليهما العيون، و دسست اليهما الرجال، و كدتهما حتي استخرجتهما، و أمكن الله منهما، فقدمتها فضربت أعناقهما، و قد بعثت اليك برؤسهما مع هاني بن أبي حية الهمداني، و الزبير بن الاروح التميمي، و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة، فليسألهما أميرالمؤمنين عما أحب من أمر، فان عندهما علما و صدقا، و فهما و ورعا، و السلام.


فكتب اليه يزيد: أما بعد، فانك لم تعدان كنت كما أحب، عملت عمل الحزم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت و كفيت، و صدقت ظني بك و رأيي فيك، و قد دعوت رسوليك فسألتهما، و ناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيرا، و انه قد بلغني ان الحسين بن علي قد توجه نحو العراق، فضع المناظر و المسالح و احترس علي الظن، و خذ علي التهمة، غير ألا تقتل الا من قالتك، واكتب الي في كل ما يحدث من الخير، و السلام عليك و رحمة الله [46] .

45- عنه قال أبومخنف: حدثني الصعقب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة، قال: كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة ستين - و يقال يوم الاربعاء لسبع مضين من سنة ستين من يوم عرفة بعد، مخرج الحسين من مكة يوم الاحد، ليلتين بقيتا من رجب سنة ستين، و دخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بمكة شعبان و شهر رمضان، و شوالا و ذاالقعدة، ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه ملسم بن عقيل [47] .

46-ذكر هارون بن مسلم، عن علي بن صالح، عن عيسي بن يزيد، أن المختار بن أبي عبيد، و عبدالله بن الحارث بن نوفل، كانا خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء، و خرج عبدالله براية حمراء، و عليه ثياب حمر، و جاء المختار برايته فركزها علي باب عمرو بن حريث، و قال: انما خرجت لأمنع عمرا، و ان ابن الاشعث و القعقاع بن شور و شبث بن ربعي قاتلوا مسلما، و أصحابه عشية سار مسلم الي قصر ابن زياد قتالا شديدا، و أن شبثا جعل يقول: انتظروا بهم الليل يتفرقوا: فقال له القعقاع: انك قد سددت علي الناس وجه مصيرهم، فاخرج لهم


ينسربوا، و ان عبيدالله أمر أن يطلب المختار و عبدالله بن الحارث، و جعل فيهما جعلا، فأتي بهما فحبسا [48] .


پاورقي

[1] الارشاد: 200-187.

[2] اعلام الوري: 226-222.

[3] کذا في الاصل.

[4] روضة الواعظين: 152-148.

[5] المناقب: 212-210/2.

[6] اللهوف: 26-19.

[7] الاخبار الطوال: 242-233.

[8] تاريخ اليعقوبي: 230/2.

[9] مقاتل الطالبيين: 63.

[10] مقاتل الطالبين: 63.

[11] مقاتل الطالبين: 65.

[12] مقاتل الطالبين: 66.

[13] مقاتل الطالبين: 66.

[14] مقاتل الطالبيين: 67.

[15] مقاتل الطالبين: 67.

[16] مقاتل الطالبيين: 69.

[17] مقاتل الطالبين: 70.

[18] مقاتل الطالبيين: 70.

[19] الامامة و السياسة: 4.

[20] کذا في الاصل: و سقط منه النعمان بن بشير.

[21] العقد الفريد: 377/4.

[22] مروج الذهب: 70-66/3.

[23] تاريخ الطبري: 347/5.

[24] تاريخ الطبري: 349/5.

[25] تاريخ الطبري: 355/5.

[26] تاريخ الطبري: 355/5.

[27] تاريخ الطبري: 356/5.

[28] تاريخ الطبري: 357/5.

[29] تاريخ الطبري: 358/5.

[30] تاريخ الطبري: 359/5.

[31] تاريخ الطبري: 361/5.

[32] تاريخ الطبري: 364/5.

[33] تاريخ الطبري: 367/5.

[34] تاريخ الطبري: 367/5.

[35] تاريخ الطبري: 368/5.

[36] تاريخ الطبري: 369/5.

[37] تاريخ الطبري: 369/5.

[38] تاريخ الطبري: 370/5.

[39] تاريخ الطبري: 371/5.

[40] تاريخ الطبري: 373/5.

[41] تاريخ الطبري: 375/5.

[42] تاريخ الطبري: 375/5.

[43] تاريخ الطبري: 376/5.

[44] تاريخ الطبري: 376/5.

[45] تاريخ الطبري: 378/5.

[46] تاريخ الطبري: 380/5.

[47] تاريخ الطبري 380/5.

[48] تاريخ الطبري: 381/5.