بازگشت

امتناعه عن البيعة


1- الشيخ الفقيه أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن عمر البغدادي الحافظ رحمه الله، قال: حدثنا أبوسعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه، قال: حدثنا ابراهيم بن عبيدالله بن موسي بن يونس بن أبي اسحق السبيعي قاضي بلخ، قال حدثتني مريسة بنت موسي بن يونس بن أبي اسحق و كانت عمتي قالت حدثتني صفية بنت يونس بن


أبي اسحق الهمدانية و كانت عمتي.

قالت حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبدالله التغلبي، عن خالها عبدالله بن منصور، و كان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي عليه السلام، قال: سألت أباجعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: حدثني أبي عن أبيه قال: لما حضرت معاوية الوفات دعا ابنه يزيد لعنه الله، فأجلسه بين يديه.

فقال له: يا بني اني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، و وطدت لك البلاد، و جعلت الملك و ما فيه لك طعمة، و اني أخشي عليك من ثلثة نفر يخالفون عليك بجهدهم، و هم عبدالله بن عمر بن الخطاب، و عبدالله بن الزبير، و الحسين بن علي فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه، و لا تدعه، و أما عبدالله بن الزبير فقطعه ان ظفرت به اربا اربا، فانه يجثو لك كما يجثو الاسد لفريسته، و يواربك موارية الثعلب للكلب.

أما الحسين عليه السلام، فقد عرفت حظه من رسول الله صلي الله عليه و آله و هو من لحم رسول الله، و دمه و قد علمت لا محالة أهل العراق سيخرجونه اليهم، ثم يخذلونه و يضيعونه، فان ظفرت به فاعرف حقه، و منزلته من رسول الله صلي الله عليه و آله، و لا تؤاخذوه بفعله، و مع ذلك فان لنا به خلطة و رما و اياك لن تناله بسوء و يري منك مكروها قال فلما هلك معوية و تولي الأمر بعده يزيد بعث عامله علي مدينة رسول الله و هو عمه عتبة بن أبي سفيان.

فقدم المدينة و عليها مروان بن الحكم، و كان عامل معاوية فأقامه عتبة من مكانه و جلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان فلم يقدر عليه، و بعث عتبة الي الحسين بن علي، فقال: ان أميرالمؤمنين أمرك ان تبايع له، فقال الحسين عليه السلام: يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة و معدن الرسالة، و اعلام الحق الذين أودعه


الله عزوجل قلوبنا و أنطق به السنتنا فنطقت باذن الله عزوجل.

لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: ان الخلافة محرمة علي ولد أبي سفيان و كيف ابايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله هذا، فلما سمع عتبة ذلك دعاالكاتب و كتب بسم الله الرحمن الرحيم الي عبدالله يزيد أميرالمؤمنين من عتبة بن أبي سفيان، أما بعد فان الحسين بن علي ليس يري لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره والسلام.

فاما ورد الكتاب علي يزيد لعنه الله كتب الجواب الي عتبة، أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه و بين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها و ليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي عليه السلام، فبلغ ذلك الحسين فهم بالخروج من أرض الحجاز الي أرض العراق، فلما أقبل الليل راح الي مسجد النبي صلي الله عليه و آله ليودع القبر، فلما وصل الي القبر سطع له نور من القبر، فعاد الي موضعه.

فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر فقام يصلي، فأطال فنعس و هو ساجد، فجاءه النبي صلي الله عليه و آله و هو في منامه فأخذ الحسين عليه السلام و ضمه الي صدره، و جعل يقبل عينيه و يقول: بأبي أنت و كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة يرجون شفاعتي ما لهم عند الله من خلاق يا بني، انك قادم علي أبيك و أمك و أخيك و هم مشتاقون اليك، و ان لك في الجنة درجات لا تنالها الا بالشهادة.

فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا، فأتي أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا وودعهم و حمل اخواته علي المحامل و ابنته و ابن أخيه القاسم بن الحسين بن علي عليهماالسلام، ثم صار في أحمد و عشرين رجلا من أصحابه و أهل بيته منهم أبوبكر بن علي، و محمد ابن علي، و عثمان بن علي، و العباس بن علي، و عبدالله بن مسلم بن عقيل، و علي


بن الحسين الاكبر، و علي بن الحسين الاصغر عليه السلام [1] .

2- قال المفيد: فلما مات معاوية و انقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسين عليه السلام، من الدعوة الي نفسه أظهر أمره بحسب الامكان و أبان عن حقه للجاهين به حالا بعد حال، الي أن اجتمع له في الظاهر الانصار، فدعي عليه السلام الي الجهاد، و شمر للقتال و توجه بولده و أهل بيته من حرم الله و حرم رسول الله صلي الله عليه و آله نحو العراق، للاستنصار بمن دعاه من شيعته علي الأعداء و قدم امامه ابن عمه مسلم بن عقيل رضي الله عنه و أرضاه للدعوة الي الله و البيعة له علي الجهاد.

فبايعه أهل الكوفة علي ذلك، و عاهدوه و ضمنوا له النصرة و النصيحة و وثقوا له في ذلك و عاقدوه، ثم لم تطل المدة بهم حتي نكثوا بيعته و خذلوه، و أسلموه، فقتل بينهم و لم يمنعوه و خرجوا الي حرب الحسين عليه السلام، فحاصروه و منعوا المسير الي بلاد الله و اضطروه الي حيث لا يجدنا صرا و لا مهربا منهم، و حالوا بينه و بين ماء الفرات حتي تمكنوا منه فقتلوه فمضي عليه السلام ظمأن مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما، قد نكثت بيعته و استحلت حرمته، و لم يوف له بعهده و لا رعيت فيه ذمة عقد، شهيدا علي ما مضي عليه أبوه و أخوه عليهم السلام [2] .

3- عنه عن الكلبي و المدائني، و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا: لما مات الحسن عليه السلام،تحركت الشيعة بالعراق، و كتبوا الي الحسين عليه السلام، في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم،و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدة فاذا مات معاوية نظر في ذلك، فلما مات معاوية و لذك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له و لا يرخص له في


التأخر عن ذلك.

فأنفذ الوليد الي الحسين عليه السلام في الليل، فاستدعاه، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعي جماعة من مواليه فأمرهم بحمل السلاح و قال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا اجيب اليه و هو غير مأمون، فكونوا معي، فاذا دخلت اليه فاجلسوا علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعا عني، فصار الحسين عليه السلام الي الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعي اليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام.

ثم قرأ عليه كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه له فقال الحسين عليه السلام: اني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي أبايعه جهرا فيعرف ذلك، فقال له الوليد انصرف علي اسم الله تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا، حتي تكثر القتلي بينكم و بينه احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك و قال أنت يابن الزرقاء تقتلني أم هو كذبت والله و اثمت و خرج يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله.

فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه ابدا، فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلك ديني، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و اني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا لما ان قال لا أبايع، والله اني لأظن ان امرء يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة، فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا و هو غير الحامد له علي رأيه.

فاقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة و هي ليلة السبت لثلث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد و


امتناعه عليهم و خرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها الي مكة، فلما اصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني امية في ثمانين راكبا فطلبوه و لم يدركوه فرجعوا فلما كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال الي الحسين عليه السلام، ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين عليه السلام: اصبحوا ثم ترون و نري، فكفوا تلك الليلة عنه و لم يلحوا عليه [3] .

4- قال الطبرسي: ذكر الثقات من أصحاب السير، أنه لما مات الحسين بن علي عليهماالسلام، تحركت الشيعة بالعراق، و كتبوا الي الحسين عليه السلام في خلع معاوية، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه و بين معاوية، فلما مات معاوية و ذلك في النصف من رجب سنة ستين، كتب يزيد بن معاوية الي الوليد بن عتبة، و الي المدينة أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له، فانفذ الوليد الي الحسين عليه السلام، فاستدعاه فعرف الحسين ما أراد، فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح و قال:

اجلسوا علي الباب فاذا سمعتم صوتي قد علا، فادخلوا عليه و لا تخافوا علي، و صار عليه السلام الي الوليد، فنعي الوليد اليه معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام، ثم قرأ عليه كتاب يزيد بن معاوية، فقال الحسين عليه السلام: اني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي أبايعه جهرا، فقال الوليد: أجل، فقال الحسين عليه السلام: فنصبح و نري في ذلك، فقال الوليد: انصرف علي اسم الله تعالي.

فقال مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا تقدر منه علي مثلها أبدا، حتي يكثر القتلي بينكم و بينه، فلا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام و قال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو؟ كذبت والله و أثمت فخرج، فقال مروان للوليد: عصيتني، فقال: ويح غيرك يا


مروان والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و أني قتلت حسينا ان قال: لا ابايع.

والله اني لا ظن ان امرئا يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالي يوم القيامة، فقال مروان: ان كان هذا رأيك فقد أصبت، و أقام الحسين تلك الليلة في منزله و اشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد، و ظهر امتناعه عليه و خرج ابن الزبير من ليلته متوجها الي مكة و سرح الوليد في اثره الرجال، فطلبوا فلم يدركوه، فلما كان آخر النهار بعث الي الحسين عليه السلام ليبايع فقال عليه السلام: اصبحوا و ترن و نري فكفوا تلك الليلة عنه [4] .

5- قال الفتال النيسابوري: روي انه لما مات الحسن تحركت الشيعة بالعراق و كتبت الي الحسين في خلع معاوية و البيعة له، فامتنع عليهم، و ذكر أن بينه و بين مات معاوية، و ذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الي الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة و لا يرخص له في التاخر عن ذلك.

فأنفذ الوليد الي الحسين عليه السلام في الليل، فاستدعاه فعرف الحسين الذي ما أراد فدعا جماعة من مواليه، و أمرهم بحمل السلاح و قال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و لست آمنا ان يكلفني أمر الا أجيبه اليه و هو غير مأمون فكونوا فاذا دخلت اليه فاجلسوا علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا، فادخلوا عليه لتمنعوه مني، فصار الحسين عليه السلام الي الوليد، فوحد عنده مروان بن الحكم فنعي الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثم قرأ عليه كتاب يزيد و ما أمر به في أخذ البيعة منه له.


فقال له الحسين اني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال الوليد أجل فقال الحسين فنصبح و تري رأيك في ذلك، فقال له الوليد انصرف علي اسم الله حتي تاتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان و الله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا تقدر منه علي مثلها ابدا حتي يكثر القتل بينكم و بينه احبس الرجل، فلا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام قال: أنت يابن الزرقاء تقتلني أو هو كذبت و أثمت، و خرج و مشي مع مواليه حتي أتي منزله، فأقام عليه السلام في منزله تلك الليلة و هي ليلة السبت لثلث بقين من رجب سنة ستين و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد، و امتناعه عليهم، و خرج ابن الزبير من ليلته من المدينة متوجها الي مكة.

فلما أصبح الوليد سرح في أثر ابن الزبير الرجال، فبعث راكبا من موالي بني أمية ثفي ثمانين ركبا فطلبوه و لم يدركوه، و رجعوا فلما كان آخر النهار من يوم السبت بعث الرجال الي الحسين عليه السلام، ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معوية فقال لهم الحسين أصبحوا ثم ترون و نري فكفوا الليلة و لم يلحوا عليه [5] .

6- قال ابن شهرآشوب: فلما مات معاوية كتب يزيد الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بالمدينة يأخذ البيعة من الحسين و عبدالله بن عمر، و عبدالله بن الزبير و عبدالرحمان بن أبي بكر أخذا ضيقا ليست فيه رخصة، فمن تأبي عليك منهم فاضرب عنقه و ابعث الي برأسه فاحضر الوليد مروان و شاوره في ذلك، فقال الرأي أن تحضرهم و تأخذ منهم البيعة، قبل أن يعلموا فوجه في طلبهم و كانوا عند التربة، فقال عبدالرحمن و عبدالله ندخل دورنا و نغلق أبوابنا قال ابن الزبير و


الله ما أبايع يزيد أبدا.

قال الحسين بن علي عليهماالسلام أنا لا بدلي من الدخول علي الوليد و أنظر ما يقول: ثم قال لمن حوله من أهل بيته اذا أنا دخلت علي الوليد و خاطبته و خاطبني و ناظرته و ناظرني كونوا علي الباب، فاذا سمعتم الصيحة قد علت و الاصوات قد ارتفعت، فاهجموا الي الدار و لا تقتلوا أحدا و لا تثيروا الي الفتنة فلما دخل عليه، و قرءالكتاب، قال ما كنت أبايع ليزيد، فقال مروان: بايع لأميرالمؤمنين.

فقال الحسين كذبت ويلك علي المؤمنين من أمره عليهم فقام مروان و جرد سيفه و قال مر سيفاك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار و دمه في عنقي، و ارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلا من أهل بيته و قد انتضوا خناجرهم، فخرج الحسين عليه السلام معهم و وصل الخبر الي يزيد فعزل الوليد و ولاها مروان [6] .

7- قال ابن طاووس: فلما توفي معاوية بن أبي سفيان، و ذلك في رجب سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد الي الوليد بن عتبة، و كان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة علي أهلها عامة و خاصة علي الحسين عليه السلام، و يقول له: ان أبي عليك فاضرب عنقه و ابعث الي برأسه، فاحضر الوليد المروان، و استشاره في أمر الحسين عليه السلام، فقال انه لا يقبل و لو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا.

ثم بعث الي الحسين عليه السلام، فجائه في ثلاثين رجلا من أهل بيته و مواليه، فنعي الوليد اليه موت معاوية، و عرض عليه البيعة ليزيد، فقال: أيها الأمير ان البيعة لا تكون سرا و لكن اذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره و متي لم يبايع فاضرب عنقه، فغضب الحسين عليه السلام ثم قال ويل لك


يابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و الله و لؤمت.

ثم أقبل علي الوليد، فقال: أيها الأمير انا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و بنا فتح الله و بنا ختم الله و يزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع بمثله، و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون، أينا أحق بالخلافة و البيعة.

ثم خرج عليه السلام، فقال مروان للوليد عصيتني فقال: ويحك انك اشرت الي بذهاب ديني و دنياي، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها، لي و انني قتلت حسينا والله ما أظن أحدا يلقي الله بدم الحسين عليه السلام الا و هو خفيف الميزان لا ينظر الله اليه و لا يزكيه و له عذاب أليم قال و أصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان فقال له يا أباعبدالله اني لك ناصح فاطعني ترشد.

فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك قل حتي أسمع فقال للحسين اني آمرك ببيعة يزيد ابن معاوية، فانه خير لك في دينك و دنياك، فقال الحسين عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون و علي الاسلام السلام، اذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان و طال الحديث بينه و بين مروان حتي انصرف مروان و هو غضبان [7] .

8- عنه حدثني جماعة باسنادهم الي عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في اخر الكتاب الشافي في النسب باسناده الي جده محمد ابن عمر، قال سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل، قال لما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدنية، دخلت عليه فوجدته خاليا، فقلت له جعلت فداك يا أباعبدالله حدثني أخوك أبومحمد الحسن، عن أبيه عليهماالسلام ثم سبقتني الدمعة و علا


شهيقي فضمني اليه و قال:

حدثك أني مقتول فقلت: حوشيت [8] يابن رسول الله فقال سألتك بحق أبيك بقتلي أخبرك، فقتل نعم، فلولا ناولت و بايعت فقال: حدثني أبي أن رسول الله صلي الله عليه و آله أخبره بقتله، و قتلي، و أن تربتي تكون بقرب تربته، فتظن انك علمت ما لم أعلمه و أني لا أعطي الدنية من نفسي أبدا، و لتلقين فاطمة أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته و لا يدخل الجنة أحد أذاها في ذريتها [9] .

9- قال الطبري: في حوادث سنه 60: و في هذه السنة بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد أبيه، للنصف من رجب في قول بعضهم و في قول بعض: لثمان بقين منه علي ما ذكرنا من وفاة والده معاوية، فأقر عبيدالله بن زياد علي البصرة و النعمان ابن بشير علي الكوفة.

قال هشام بن محمد، عن أبي مخنف ولي يزيد في هلال رجب سنة ستين و أمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و أمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري و أمير البصرة عبيدالله بن زياد و أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، و لم يكن ليزيد همة حين ولي الا بيعة النفر الذين أبوا علي معاوية الاجابة الي بيعة يزيد حين دعا الناس الي بيعته و أنه ولي عهده بعد و الفراغ من أمرهم فكتب الي الوليد:

بسم الله الرحمن الرحيم: من يزيد أميرالمؤمنين الي الوليد بن عتبة أما بعد، فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له فعاش بقدر و مات بأجل فرحمه الله فقد عاش محمودا و مات برا تقيا والسلام.

أما بعد فخذ حسينا و عبدالله بن عمر و عبدالله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام، فلما أتاه نعي معاوية فزع به كبر


عليه، فبعث الي مروان بن الحكم فدعاه اليه - و كان الوليد يوم قدر المدينة قدمها مروان متكارها فلما رأي ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه فبلغ ذلك مروان فجلس عنه و صرمه فلم يزل كذلك حتي جاء نعي، معاوية الي الوليد، فلما عظم علي الوليد هلاك معاوية و ما امر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة فزع عند ذلك الي مروان و دعاه.

فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع و ترحم عليه و استشاره الوليد في الامر و قال: كيف تري أن نصنع؟ قال: فاني أري أن تبعث الساعة الي هؤلاءالنفر فتدعوهم الي البيعة والدخول في الطاعة، فان فعلوا قبلت منهم، و كففت عنهم و ان أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فانهم ان علموا بموت معاوية، و ثب كل امري ء منهم في جانب و أظهر الخلاف و المنابذة و دعا الي نفسه لا أدري.

أما ابن عمر فاني لا اراه يري القتال و لا يحب أنه يولي علي الناس، الا أن يدفع اليه هذا الامر عنوا، فأرسل عبدالله بن عمر بن عثمان - و هو اذ ذاك غلام حدث اليهما يدعوهما فوجدهما في المسجد و هما جالسان فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس و لا يأتيانه في مثلها فقال: أجيبا الأمير يدعوكما، فقال له: انصرف الآن نأتيه، ثم أقبل أحدهما، علي الآخر، فقال عبدالله بن الزبير للحسين: ظن فيما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها:

فقال حسين قد ظننت أري طاغيتهم قد هلك، فبعث الينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال: و أنا ما أظن غيره قال: فما تريد أن تصنع؟ قال: أجمع فتياني الساعة ثم أمشي اليه فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه قال: فاني أخافه عليك اذا دخلت قال: لا آتيه الا و أنا علي الامتناع قادر، فقام فجمع اليه مواليه و أهل بيته، ثم أقبل يمشي حتي انتهي الي باب الوليد و قال


لأصحابه: اني داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم، و الا فلا تبرحوا حتي أخرج اليكم.

فدخل فسلم عليه بالامرة و مروان جالس عنده، فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية: الصلة خير من القطيعة أصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشي ء و جاء حتي جلس، فأقرأه الوليد الكتاب و نعي له معاوية و دعاه الي البيعة، فقال حسين: انا لله و انا اليه راجعون! و رحم الله معاوية و عظم لك الأجر! أما ما سألتني من البيعة فان مثلي لا يعطي بيعته سرا و لا أراك تجتزي بها مني سرا دون أن نظهرها علي رؤس الناس علانية.

قال: أجل، قال: فاذا خرجت الي الناس فدعوتهم الي البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال له الوليد - و كان يحب العافية: فانصرف علي اسم الله حتي تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه احسب الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين فقال: يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو! كذبت و الله و أثمت.

ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتي أتي منزله، فقال مروان للوليد عصيتني لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا قال الوليد: و بخ غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و أني قتلت حسينا سبحان الله! أقتل حسينا أن قال: لا أبايع؟! والله اني لا أظن أمرأ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة: فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا


الحامد له و هو غيرالحامد له علي رأيه [10] .

10- قال خليفة بن خياط: فحدثني وهب بن جرير، قال: حدثني أبي عن محمد قال: حدثني رزيق مولي معاوية قال: لما هلك معاوية بعثني يزيد بن معاوية الي الوليد بن عتبة و هو أمير المدينة، و كتب اليه بموت معاوية و أن يبعث الي هؤلاء الرهط، فيأمرهم بالبيعة له، قال: فقدمت المدينة ليلا فقلت للحاجب: استأذن لي، فقال: قد دخل و لا سبيل اليه، فقلت: اني جئته بأمر، فدخل فأخبره، فأذن له و هو علي سريره.

فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية و استخلافه، جزع لموت معاوية جزعا شديدا، فجعل يقوم علي رجليه و يرمي بنفسه علي فراشه، ثم بعث الي مروان فجاء و عليه قميص أبيض و ملاءة موردة فنعي له معاوية و أخبره أن يزيد كتب اليه أن يبعث الي هؤلاء الرهط، فيدعوهم الي البيعة ليزيد، قال: فترحم مروان علي معاوية و دعا له بخير و قال: ابعث الي هؤلاء الرهط الساعة، فادعهم الي البيعة فان بايعوا و الا فاضرب أعناقهم، قال: سبحان الله أقتل الحسين بن علي و ابن الزبير؟ قال: هو ما أقول لك [11] .

11-عنه حدثني وهب قال: حدثني جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخنا من أهل المدينة، مالا أحصي يحدثون أن معاوية توفي و في المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فأتاه موته. فبعث الي مروان بن الحكم، و ناس من بني أمية، فأعلمهم الذي أتاه، فقال مروان: ابعث الساعة الي الحسين و ابن الزبير فان بايعا و الا فاضرب أعناقهما، و قد هلك عبدالرحمن بن أبي بكر قبل ذلك.

فأتاه ابن الزبير فنعي له معاوية و ترحم عليه و جزاه خيرا فقال له: بايع،


قال: ما هذه ساعة مبايعة و لا مثلي يبايعك هاهنا، فترقي المنبر فأبايعك و يبايعك الناس علانية غير سر، فوثب مروان فقال: اضرب عنقه فانه صاحب فتنة و شر فقال: انك لهتاك يابن الزرقاء، و استبا، فقال الوليد: أخرجوهما عني و كان رجلا رفيقا سريا كريما، فأخرجا عنه فجاء الحسين بن علي علي تلك الحال فلم يكلم في شي ء حتي رجعا جميعا و رجع مروان الي الوليد.

فقال: والله لا تراه بعد مقامك الا حيث يسوؤك، فأرسل العيون في أثره. فلم يزد حين دخل منزله علي أن دعا بوضوء و صف بين قدميه، فلم يزل يصلي، و أمر حمزة ابنه أن يقدم راحلته الي الحليفة علي بريد من المدينة، مما يلي الفرع - و كان له بالحليفة مال عظيم، فلم يزل صافا بين قدميه، فلما كان من آخر الليل و تراجعت عنه العيون جلس علي دابته فركبها حتي انتهي الي الحليفة، فجلس علي راحلته، ثم توجه الي مكة و خرح الحسين من ليلته فالتقيا بمكة، فقال له ابن الزبير: ما يمنعك من شيعتك و شيعة أبيك؟ فوالله لو أن لي مثلهم لذهبت اليهم [12] .

12- قال الدينوري: مات معاوية و علي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و علي مكة يحيي بن حكيم بن صفوان بن أميه، و علي الكوفة النعمان بن بشير الانصاري، و علي البصرة عبيدالله بن زياد. فلم تكن ليزيد همة الا بيعة هؤلاء الأربعة نفر، فكتب الي الوليد بن عتبة يأمره أن يأخذهم بالبيعة أخذا شديدا لا رخصة فيه، فلما ورد ذلك علي الوليد قطع به و خاف الفتنة، فبعث الي مروان،و كان الذي بينهما متباعدا، فأتاه فأقرأه الوليد الكتاب و استشاره.

فقال له مروان: أما عبدالله بن عمر، و عبدالرحمن بن أبي بكر فلا تخافن ناحيتهما، فليسا بطالبين شيئا من هذا الامر، و لكن عليك بالحسين بن علي و


عبدالله بن الزبير، فابعث اليهما الساعة، فان بايعا و الا فاضرب أعناقهما قبل أن يعلن الخبر، فيثب كل واحد منهما ناحية، و يظهر الخلاف، فقال الوليد لعبدالله بن عمرو بن عثمان، و كان حاضرا - و هو حينئذ غلام حين راهق انطلق يا بني الي الحسين بن علي و عبدالله بن الزبير، فادعهما فانطلق الغلام حتي أتي المسجد، فاذا هو بهما جالسين.

فقال: أجيبا الأمير، فقالا للغلام: انطلق، فانا صائران اليه علي اثرك، فانطلق الغلام، فقال ابن الزبير للحسين رضي الله عنه: فيم تراه بعث الينا في هذه الساعة؟ فقال الحسين: أحسب معاوية قد مات، فبعث الينا للبيعة، قال ابن الزبير: ما أظن غيره. و انصرفا الي منازلهما، فأما الحسين فجمع نفرا من مواليه و غلمانه، ثم مشي نحو دارالامارة، و أمر فتيانه أن يجلسوا بالباب، فان سمعوا صوته اقتحموا الدار.

دخل الحسين علي الوليد، و عنده مروان، فجلس الي جانب الوليد، فأقرأه الوليد الكتاب، فقال الحسين: ان مثلي لا يعطي بيعته سرا، و انا طوع يديك، فاذا جمعت الناس لذلك حضرت، و كنت واحدا منهم، و كان الوليد رجلا يحب العافية فقال للحسين: فانصرف اذن حتي تأتينا مع الناس، فانصرف.

فقال مروان للوليد: عصيتني والله لا يمكنك من مثله أبدا، قال الوليد: ويحك؟ أتشير علي بقتل الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و عليهماالسلام؟ والله ان الذي يحاسب بدم الحسين يوم القيامة لخفيف الميزان عند الله [13] .

13- قال سبط ابن الجوزي: قال علماء السير: أقام الحسين بعد وفاة أخيه الحسن يحج في كل عام من المدينة الي مكة ماشيا الي أن توفي معاوية، و قام يزيد في


سنة ستين، و كان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه: اني قد كفيتك الحل و الترحال، و وطأت لك البلاد، و الرجال و أخضعت لك أعناق العرب، و اني لا تخوف عليك أن ينازعك هذا الامر الذي أسست لك الا أربعه نفر من قريش، الحسين بن علي، و عبدالله بن الزبير، و عبدالله بن عمر و عبدالرحمن بن أبي بكر.

فأما ابن عمر فرجل قد وقذته العبادة و اذا لم يبق أحد غيره بايعك، و أما الحسين فان أهل العراق لن يدعوه حتي يخرجوه، فان خرج عليك، فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة، و حقا عظيما، و أما ابن أبي بكر فانه ليست له همة الا في النساء و اللهو فاذا رأي أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله، و أما الذي يجثم لك جثوم الاسد و يطرق اطراق الافعوان و يراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فان وثب عليك و امكنتك الفرصة منه فقطعه اربا اربا.

فلما مات معاوية، كان علي المدينة الوليد بن عتبة ابن أبي سفيان؛ و علي مكة عمرو بن سعيد بن العاص، و علي الكوفة النعمان بن بشير، و علي البصرة عبيدالله ابن زياد، فلم يكن ليزيد هم بعد موت أبيه الا بيعة النفر الذين سماهم أبوه، فكتب الي الوليد بن عتبة فأمره بأخذ البيعة عليهم، أخذا شديدا ليس فيه رخصة فلما وقف علي الكتاب، بعث الي مروان بن الحكم، فأحضره و أوقفه علي كتاب يزيد، و استشاره.

قال كيف تري أن أصنع بهؤلاء؟ قال: أري أن تبعث اليهم الساعة فتدعوهم الي البيعة و الدخول في الطاعة، فان لم يفعلوا و الا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، لأنهم ان علموا و ثب كل واحد منهم في جانب و أظهر الخلاف و المنابذة، و دعا الي نفسه الا ابن عمر فانه لا يري الولاية و القتال الا أن يدفع عن نفسه أو يدفع اليه هذا الامر عنوا، فارسل الوليد عمرو بن عثمان الي الحسين و الي عبدالله بن الزبير، فوجدهما في المسجد فقال أجيبا الامير فقالا انصرف فالآن


نأتيه.

ثم قال ابن الزبير للحسين: ظن فيما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي ليس له عادة بالجلوس فيها الا لامر، فقال الحسين أظن طاغيتهم قد هلك فبعث الينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد، قبل أن يفشو في الناس الخبر، قال ابن الزبير هو ذاك، فما تريد أن تصنع قال: أجمع فتياني و أذهب اليه فجمع أهله و فتيانه ثم قال اذا دعوتكم فاقتحموا، ثم دخل علي الوليد و مروان عنده، فاقرأه كتاب يزيد و دعاه الي البيعة.

فقال مثلي لا يبايع سرا بل علي رؤس الناس و هو أحب اليكم، و كان الوليد يحب العافية فقال انصرف في دعة الله، حتي تأتينا مع الناس، فقال له مروان: و الله لئن فارقك الساعة و لم يبايع لا قدرت عليه أبدا، حتي تكثر القتلي بينكما احبس الرجل عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين قائما و قال يا ابن الزرقاء هو يقتلني أو أنت كذبت و أثمت، ثم خرج فقال الوليد يا مروان والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و اني قتلت حسينا [14] .

14- قال الحافظ ابن عساكر: قالوا: لما حضر معاوية الهلاك دعا يزيد بن معاوية، فأوصاه بما أوصاه به، و قال له: انظر حسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، فانه أحب الناس الي الناس، فصل رحمه وارفق به يصل لك أمره، فان يك منه شي ء فاني أرجو أن يكفيكه الله به من قتل أباه، و خذل أخاه، و توفي معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستين و بايع الناس ليزيد.

فكتب يزيد مع عبدالله بن عمرو بن أويس العامري من بني عامر ابن لوي الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و هو علي المدينة: أن ادع الناس فبايعهم و ابدا يوجوه قريش، و ليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي بن أبي طالب، فان أمير


المؤمنين رحمه الله عهد الي في أمره الرفق به و استصلاحه، فبعث الوليد بن عتبة من ساعته نصف الليل الي الحسين بن علي، و عبدالله بن الزبير، فأخبرهما بوفاة معاوية و دعاهما الي البيعة ليزيد.

فقالا: مصبح فنظر ما يصنع الناس، و وثب الحسين فخرج و خرج معه ابن الزبير و هو يقول: هو يزيد الذي تعرف والله ما حدث له حزم و لا مروءة، و قد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين و أخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: ان هجنا بأبي عبدالله الا أسدا، فقال له مروان أو بعض جلسائه: اقتله.

قال الوليد: ان ذلك لدم مضنون في بني عبدمناف! فلما صار الوليد الي منزله قالت له امرأته أسماء بنت عبدالرحمان بن الحارث بن هشام: أسببت حسينا؟ قال: هو بدأ فسبني، قالت: و ان سبك حسين تسبه؟ و ان سب أباك تسب اباه؟ قال: لا [15] .

15- قال اليعقوبي: ملك يزيد بن معاوية، و أمه ميسون بنت بجدل الكلبي. في مستهل رجل سنة ستين، و كانت الشمس يومئذ في الثور درجة و عشرين دقيقة و القمر في العقرب... درجات و ثلاثين دقيقة و زحل في السرطان احدي عشرة درجة، و المشتري في الجدي تسع عشرة درجة، و المريخ في الجوزاء اثنتين و عشرين درجة و ثلاثين دقيقة، و الزهرة في الجوزاء ثماني درجات و خمسين دقيقة؛ و عطارد في الثور عشرين درجة و ثلاثين دقيقة.

فلما قدم دمشق كتب الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و هو عامل المدينة: اذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي و عبدالله بن الزبير فخذهما بالبيعة فان امتنعا فاضرب أعناقهما، و ابعث الي برؤوسهما، و خذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ


فيه الحكم، و في الحسين بن علي و عبدالله بن الزبير والسلام.

فورد الكتاب علي الوليد ليلا فوجه الي الحسين عليه السلام، و الي عبدالله بن الزبير، فأخبرهما الخبر، فقالا نصبح و نأتيك مع الناس، فقال له مروان انهما و الله ان خرجا لم تر هما فخذهما بأن يبايعا و الا فاضرب أعناقهما، فقال والله ما كنت لأقطع أرحامهما، فخرجا من عنده و تنحيا من تحت ليلتهما [16] .

16- قال ابن أبي الحديد: روي الزبير بن بكار، قال: كان سبب تعوذ ابن الزبير بالكعبة أنه كان يمشي بعد عتمة في بعض شوارع المدينة، اذ لقي عبدالله بن سعد بن أبي سرح متلثما لا يبدو منه الا عيناه، قال: فأخذت بيده و قلت: ابن أبي سرح! كيف كنت بعدي؟ و كيف تركت أميرالمؤمنين؟ يعني معاوية و قد كان ابن أبي سرح عنده بالشام فلم يكلمني، فقلت: مالك؟ أمات أميرالمؤمنين؟ فلم يكلمني، فتركته و قد أثبت معرفته.

ثم خرجت حتي لقيت الحسين بن علي عليهماالسلام، فأخبرته خبره، و قلت: ستأتيك رسل الوليد، و كان الامير علي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فانظر ما أنت صانع! و اعلم أن رواحلي في الدار معدة و الموعد بيني و بينك أن تغفل عنا عيونهم ثم فارقته فلم ألبث أن أتاني رسول الوليد فجئته فوجدت الحسين عنده و وجدت مروان بن الحكم فنعي الي معاوية فاسترجعت فأقبل علي و قال: هلم الي بيعة يزيد فقد كتب الينا يأمرنا أن نأخذها عليك.

فقلت: اني قد علمت أن في نفسه علي شيئا لتركي بيعته في حياة أبيه، و ان بايعت له علي هذه الحال توهم أني مكره علي البيعة فلم يقع منه ذلك بحيث أريد، و لكن أصبح و يجتمع الناس، و يكون ذلك علانية ان شاء الله، فنظر الوليد الي


مروان، فقال مروان: هو الذي قلت لك ان يخرج لم تره فأحببت أن ألقي بيني و بين مروان شر انتشاغل به، فقلت له: و ما أنت و ذاك يابن الزرقاء.

فقالي لي و قلت له حتي تواثبنا فتناضيت أنا و هو و قام الوليد فحضر بيننا فقال مروان: أتحجز بيننا بنفسك و تدع أن تأمر أعوانك فقال: قد أري ما تريد و لكن لا أتولي ذلك منه والله أبدا اذهب يابن الزبير حيث شئت، قال: فأخذت بيد الحسين و خرجنا من الباب حتي صرنا الي المسجد و أنا أقول:

و لا تحسبني يا مسافر شحمة

تعجلها من جانب القدر جائع

فلما دخل المسجد افترق هو و الحسين، و عمد كل واحد منهما الي مصلاه يصلي فيه و جعلت الرسل تختلف اليهما يسمع وقع أقدامهم في الحصباء حتي هدأ عنهما الحسن ثم انصرفا الي منازلهما [17] .

17- عنه قال: أوصي معاوية يزيد ابنه، لما عقد له الخلافة بعده، فقال: اني لا أخاف عليك الا ممن أوصيك بحفظ قرابته و رعاية حق رحمه من القلوب اليه مائلة، و الاهواء، نحوه جانحة، الأعين اليه طامحة، و هو الحسين بن علي فاقسم له كل ما أحب في أيامك، فأما من عداه فثلاثة، و هم عبدالله بن عمر رجل قد و قذته العبادة فليس يريد الدنيا الا أن تجيئه طائعة لا تراق فيها محجة دم، و عبدالرحمن بن أبي بكر رجل هقل لا يحمل ثقلا و لا يستطيع نهوضا: و ليس بذي همة ولا شرف و لا أعوان.

عبدالله ابن الزبير و هو الذئب الماكر و الثعلب الخاتر فوجه اليه جدك و عزمك و نكيرك و مكرك و اصرف اليه سطوتك و لا تثق اليه في حال، فانه


كالثعلب راغ بالختل عند الارهاق و الليث صال بالجرأة عند الاطلاق و أما ما بعد هؤلاء فاني قد وطأت لك الامم و ذللت لك أعناق المنابر، و كفيتك من قرب منك و من بعد عنك، فكن للناس كما كان أبوك لهم يكونوا لك ما كانوا لأبيك [18] .

18- قال ابن عبدربه: قال الهيثم بن عدي: لما حضرت معاوية الوفاة و يزيد غائب دعا به مسلم بن عقبة المري و الضحاك بن قيس الفهري، و قال لهما: أبلغا عني يزيد و قولا له: أنظر أهل الحجاز فهم عصابتك و عترتك فمن أتاك منهم فأكرمه و من قعد عنك فتعاهده، و انظر أهل العراق فان سألوك عزل عامل في كي يوم فاعزله عنهم فان عزل عامل واحد أهون عليك من سل مائة ألف سيف ثم لا تدري علام أنت عليه منهم.

انظر أهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار فان رابك من عدو ريب فارمهم به.

فان أظفرك الله فاردد أهل الشام الي بلادهم لا يقيموا في غير بلادهم فيتأدبوا بغير آدابهم لست أخاف عليك غير عبدالله بن الزبير و الحسين بن علي فأما عبدالله بن عمر، فرجل قد و قذه الورع و أما الحسين فأرجو أن يكفيه الله بمن قتل أباه و خذل أخاه [19] .

19- عنه عن علي بن عبدالعزيز قال: قرأ علي أبوعبيدالقاسم بن سلام، و أنا أسمع، فسألته: نروي عنك كما قري عليك قال: نعم. قال أبوعبيد: لما مات معاوية بن أبي سفيان و جاءت وفاته الي المدينة و عليها يومئذ الوليد بن عتبة، فأرسل الي الحسين بن علي، و عبدالله بن الزبير فدعاهما الي البيعة ليزيد، فقالا:


بالغد ان شاء الله علي رؤس الناس، و خرجا من عنده فدعا الحسين برواحله فركبها و توجه نحو مكة علي المنهج الاكبر [20] .


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 91.

[2] الارشاد: 181.

[3] الارشاد: 182.

[4] اعلام الوري: 220.

[5] روضة الواعظين: 146.

[6] المناقب: 207/2.

[7] اللهوف: 9.

[8] کذا في الاصل.

[9] اللهوف: 11.

[10] تاريخ الطبري: 338/5.

[11] تاريخ خليفة بن خياط: 281/1.

[12] تاريخ خليفة بن خياط: 282/1.

[13] الاخبار الطوال: 227.

[14] تذکرة الخواص: 235.

[15] ترجمة الامام الحسين: 199.

[16] تاريخ اليعقوبي: 228/2.

[17] شرح النهج: 115/20.

[18] شرح النهج: 133/20.

[19] العقد الفريد: 87/4.

[20] العقد الفريد: 376/4.