بازگشت

و من خطبة له في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر


اعتبروا ايها الناس! بما وعظ الله به اوليآءه من سوء ثنائه علي الاحبار اذ يقول: (لولا ينهاهم الربانيون و الاحبار عن قولهم الاثم) و قال: (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل - الي قوله - لبئس ما كانوا يفعلون) و انما عاب الله ذلك عليهم، لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين اظهرهم المنكر الفساد، فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة مما يحذرون، و الله يقول: (فلا تخشوا الناس واخشون) و قال: (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اوليآء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر) فبدأ الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بانها اذا اديت و اقيمت، استقامت الفرائض كلها هينها و صعبها.

و ذلك ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر دعآء الي الاسلام مع رد المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفي ء و الغنائم، و اخذ الصدقات من مواضعها، و وضعها في حقها.

ثم انتم ايتها العصابة! عصابة بالعلم مشهورة، و بالخير مذكورة و بالنصيحة معروفة و بالله في انفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، و يكرمكم الضعيف، و يؤثركم من لا فضل لكم عليه، و لا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج اذا امتنعت من طلابها، و تمشون في الطريق بهيئة الملوك و كرامة الاكابر اليس كل ذلك انما نلتموه بما يرجي عندكم من القيام بحق الله، و ان كنتم عن اكثر حقه تقصرون؟ فاستخففتم بحق الائمة، فاما حق الضعفآء فضيعتم، و اما حقكم بزعمكم فطلبتم. فلا مالا بذلتموه، و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها و لا عشيرة عاديتموها في ذات الله.

انتم تتمنون علي الله جنته و مجاورة رسله، و امانا من عذابه. لقد خشيت عليكم ايها المتمنون علي الله! ان تحل بكم نقمة من نقماته، لانكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها، و من يعرف بالله لا تكرمون، و انتم بالله في عباده تكرمون، و قد ترون عهود الله منقوضة فلا نفزعون، و انتم لبعض ذمم ابائكم تفزعون و ذمة رسول الله محقورة، و العمي و البكم و الزمن في المدائن مهملة لا ترحمون و لا في منزلتكم تعملون و لا من عمل فيها تعنون و بالادهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون.

كل ذلك مما امركم الله من النهي و التناهي و انتم عنه غافلون، و انتم اعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلمآء، لو كنتم تسعون [1] ذلك بان مجاري الامور و الاحكام علي ايدي العلمآء بالله، الامنآء علي حلاله و حرامه، فانتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق، و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، ولو صبرتم علي الاذي و تحملتم المؤونة في ذات الله، كانت امور الله عليكم ترد و عنكم تصدر، و اليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم امور الله في ايديهم، يعملون بالشبهات، و يسيرون في الشهوات سلطهم علي ذلك فراركم من الموت، و اعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفآء في ايديهم، فمن بين مستعبد مقهور و بين مستضعف علي معيشة مغلوب، يتقلبون في الملك بارآئهم و يستشعرون الخزي باهوآئهم، اقتدآء بالاشرار و جرأة علي الجبار، في كل بلد منهم علي منبره خطيب يصقع فالارض لهم شاغرة و ايديهم فيها مبسوطة و الناس لهم خول لا يدفعون يد لامس.

فمن بين جبار عنيد و ذي سطوة علي الضعفة شديد مطاع لا يعرف المبدي ء المعيد.

فيا عجبا و مالي لا [2] اعجب! و الارض من غاش غشوم و متصدق ظلوم و عامل علي المؤمنين بهم غير رحيم فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا و القاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللهم انك تعلم انه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان و لا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك و نظهر الاصلاح في بلادك، و يأمن المظلومون من عبادك، و يعمل بفرآئضك و سننك و احكامك، فانكم الا تنصرونا [3] و تنصفونا قوي الظلمة عليكم، و عملوا في اطفآء نور نبيكم، و حسبنا الله، و عليه توكلنا، و اليه انبنا (و اليه المصير) [4] .


پاورقي

[1] تشعرون «نسخة».

[2] و ما لي اعجب «نسخة».

[3] فان لم تنصرونا «نسخة».

[4] تحف العقول: ص 237.