بازگشت

الولادة المباركة


هناك في عمق الزمن السحيق.. وفي أعالي المتلاطم الأمواج والأيام، حيث كانت تتعانق السماء مع الأرض وتتطلع الملائكة إلي صفحات الوجود وكأنها تترقب بزوغ نجم جديد ينير الكون ويزيده بهجة وجمالاً.

هناك في مدينة الرسالة الإسلامية الفتية، وحيث كانت تلك المدينة شعلة من نور تحاول إضاءة حالك الليل الذي يعم جزيرة العرب والعالم أجمع.. وبدت كأنها خليّة نحل نشطة لا تكل ولا تمل تدأب في جني الرحيق وتنقله بأمانة لصنع العسل (وفي العسل شفاء للناس) وفي الرسالة حياة لبني البشر وشفاء لهم كلهم..

وكان النجم اللامع والنور الساطع الذي ينشر نوره علي الربوع ويغزر فيضه كالينبوع.. فلا تكاد تسمع في المدينة المنورة حديثاً إلا بما قاله الرسول الأعظم محمد (صلي الله عليه وآله) أو ما فعله، أو أمر بفعله، أو نهي عنه - حتي اليهود، والنصاري، والأعراب - لا حديث لهم إلا الرسالة الجديدة والرسول محمد (صلي الله عليه وآله).

فهو (صلي الله عليه وآله) يقود ويوجه.. ويعلم ويهدي.. ويصنع ويبني مجتمع المدينة المنورة لتكون نواة الدولة الإسلامية المرتقبة وعاصمة الرسول محمد (صلي الله عليه وآله) الأولي فتطلع إليها العيون وتهفو لها القلوب والأرواح الطاهرة..

وفي السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة المباركة بينما كان القائد العظيم في محفل من أصحابه والأعراب، يتلو ويفسر ويوضح بعض آيات القرآن الكريم.. وفي الثالث من شهره شهر شعبان الذي كان يدأب في صيامه وقيامه وحيث كان صائماً.. لأن لشهر شعبان خصوصية عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) وبينما هو كذلك يأتي إليه بشير يبشره بمولود جديد له من ابنته الوحيدة والغالية زهراء الدنيا والآخرة (عليها السلام)..

فنظر (صلي الله عليه وآله) في العمق الزماني والمكاني وكأن عينيه الوضاءتين تقرءان حوادث التاريخ وتنظران إلي عمق المستقبل.. أو أنه كان ينصت إلي الروح الأمين جبرائيل (عليه السلام) وهو يبلغه حوادث عظيمة ستقع علي هذا المولود الاستثنائي..

واغرورقت عينا رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالدمع وارتسمت علي شفاهه ابتسامة مشوبة بحزن عميق.. عميق جداً.. فذهل الجميع من هذا الذي رأوه من قائدهم فمنهم من استبشر ومنهم من فهم شطراً من المسألة فاغتم..

وربما تفكر الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) في وقت الولادة! لأن الزهراء (عليها السلام) في الشهر السادس من الحمل فقط.. نعم وهكذا ولد يحيي الهدية الكريمة لنبي الله زكريا (عليه السلام) وبروايات أن هكذا ولد عيسي المسيح (عليه السلام) بستة أشهر إلا أن الأرجح كان حملة تسع ساعات فقط..

فهل يمكن الله يعيش وليداً ابن ستة أشهر فقط؟

نعم.. بأمر الله وقدرته.

هكذا ولد الإمام الحسين (عليه السلام) لستة أشهر فقط.. وبعد حوالي السنة من ولادة صنوه الأكبر الإمام الحسن السبط (عليه السلام)..

وذهب الجد العظيم (صلي الله عليه وآله) إلي داره الفضلي والذي كان يسكنها الأمير علي وسيدة نساء العالمين فاطمة (عليهما السلام) فرأي الجمع المبارك بما فيهم الأمير ينتظره ويتطلع إلي مقدمه الشريف.. وما إن وصل حتي قال (صلي الله عليه وآله): أعطوني ولدي.. فأعطوه ذاك الوليد المبارك، فتناوله (باسم الله)، فأذن في أذنه اليمني وأقام في اليسري، وأعاذه من الشيطان الرجيم.. والتفت إلي الأمير (عليه السلام) قائلاً: ما أسميته يا أبا الحسن؟

فقال الأمير (عليه السلام): ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله (صلي الله عليه وآله) فسمّه..

فقال (صلي الله عليه وآله): ما كنت لأسبق ربي بذلك..

وإذا بالروح الأمين جبرائيل (عليه السلام) قد هبط بجمع من الملائكة مهنئين مباركين للرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام بهذا المولود المبارك.. وقال: مخاطباً الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله): السلام يقرئك السلام ويقول لك: سم هذا المولود باسم ولد هارون الثاني..

فقال (صلي الله عليه وآله): وما اسم ولد أخي هارون يا جبرائيل؟

فقال (عليه السلام): شبير..

فقال (صلي الله عليه وآله): إن لساني عربي مبين يا جبرائيل..

فقال (عليه السلام): سمه إذن الحسين..

فقال (صلي الله عليه وآله): نعم.. ان هذا ولدي اسمه الحسين رضيت بما رضي لي ربي.

وتباشر القوم بالحسين (عليه السلام) وتباركوا.. وراح الملائكة يصعدون وينزلون إلي ذاك البيت الطاهر، وإذا بالملاك (فطرس) الذي غضب عليه الرحمن في قصة مفصلة فكسر جناحه ورمي به في مكان ما من ملكه العظيم.. وعندما رأي فطرس أفواج الملائكة بهذه الكثافة والحركة الدائبة صعوداً ونزولاً سأل جبرائيل (عليه السلام) قائلاً: ما بالكم يا جبرائيل.. هل حدث حدث بأهل الأرض، أم قامت القيامة؟

فقال له: لا يا فطرس.. بل ولد مولود إلي النبي الخاتم محمد المصطفي (صلي الله عليه وآله) ننزل لكي نبارك له ولده..

فقال: فطرس: خذني معك لعل الله سبحانه ببركة هذا المولود أن يغفر لي وبشفاعة جده ينقذني من هذا الذي أنا فيه..

فأخذه معه إلي الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) وحكي له قصته وسبب كسر جناحه.. فأشار إليه لكي يتمسح بمهد الإمام الحسين (عليه السلام) ففعل فطرس ما أشار به رسول الله (صلي الله عليه وآله) فشفي ببركة الإمام الحسين (عليه السلام) وعاد إليه جناحه فطار فرحاً مسروراً مع ملائكة الرحمن وكان يفتخر ويقول: من مثلي وأنا عتيق الحسين (عليه السلام).

وكانت هذه أول فضيلة للإمام الحسين (عليه السلام) وشارك فيها عيسي المسيح (عليه السلام) حيث أنه كان يشفي المرضي بمجرد التمسح بمهده المبارك أو يده الشريفة.. وهكذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) إلا أنه شفي وشفع لملاك مهيض الجناح وليس لبشري مريض الجسد..

فاجتمع للإمام الحسين (عليه السلام) من الفضل والفضائل، مالم يجتمع لأحد من العالمين أبداً..

فأبوه: أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وأمه: سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وأخوه: الإمام الحسن السبط الزكي (عليه السلام).

وجده لأمه: الرسول المصطفي محمد (صلي الله عليه وآله).

ولأبيه: عبد مناف أبو طالب شيخ الأباطح (عليه السلام).

وجدته لأمه: أم المؤمنين الأولي السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد (عليها السلام).

ولأبيه: السيدة العظيمة فاطمة بنت أسد (عليها السلام).

أما ولده فعلي الأكبر الشهيد الأول من الهاشميين.. وعلي الأصغر (عليه السلام) والإمام زين العابدين وسيد الساجدين الأصل الذي تتصل فيه الإمامة الإلهية وتنتقل في عقبه الوصية للرسالة الخاتمة حتي الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

فمن كالحسين (عليه السلام)؟

فالإمام الحسن وجبرائيل ناغياه.. والرسول المصطفي وفاطمة الزهراء غذياه.. وأمير المؤمنين علمه ورباه.. ورب العالمين طهره وزكاه..