بازگشت

خطبته في تحريض الناس لمقابلة الظلم


اِعْتَبِرُوا اَيُّهَا النَّاسُ بِما وَعَظَ اللَّهُ بِهِ اَوْلِياءَهُ مِنْ سُوءِ ثَنائِهِ عَلَي الْاَحْبارِ، اِذْ يَقُولُ: «لَوْلا يَنْهيهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْاَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْاِثْمَ»، وَ قالَ: «لُعِنَ [1] الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَنياِسْرائيلَ عَلي لِسانِ داوُدَ وَ عيسَي بْنِ مَرْيَمَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ، كانُوا لايَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» [2] .

وَ اِنَّما عابَ اللَّهُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ، لِاَنَّهُمْ كانُوا يَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ، الَّذينَ بَيْنَ اَظْهُرِهِمُ الْمُنْكَرَ وَ الْفَسادَ، فَلا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذلِكَ، رَغْبَةً فيما كانُوا يَنالُونَ مِنْهُمْ، وَ رَهْبَةً مِمَّا يَحْذَرُونَ، وَاللَّهُ يَقُولُ: «فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ» [3] ، وَ قالَ: «اَلْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتِ بَعْضُهُمْ اَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ» [4] .

فَبَدَأَ اللَّهُ بِالْاَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فَريضَةً مِنْهُ، لِعِلْمِهِ بِاَنَّها اِذا اُدِّيَتْ وَ اُقيمَتْ اِسْتَقامَتِ الفَرائِضُ كُلُّها، هَيِّنُها وَ صَعْبُها، وَ ذلِكَ اَنَّ الْاَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ دُعاءٌ اِلَي الْاِسْلامِ مَعَ رَدِّ الْمَظالِمِ وَ مُخالَفَةِ الظَّالِمِ، وَ قِسْمَةِ الْفَيْ ءِ وَالْغَنائِمِ، وَ اَخْذِ الصَّدَقاتِ مِنْ مَواضِعِها وَ وَضْعِها في حَقِّها.

ثُمَّ اَنْتُمْ اَيَّتُهَا الْعِصابَةُ، عِصابَةٌ بِالْعِلْمِ مَشْهُورَةٌ، وَ بِالْخَيْرِ مَذْكُورَةٌ، وَ بِالنَّصيحَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَ بِاللَّهِ في اَنْفُسِ النَّاسِ مَهابَةٌ، يَهابُكُمُ الشَّريفُ وَ يُكْرِمُكُمُ الضَّعيفُ، وَ يُؤْثِرُكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ، وَ لا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، تَشْفَعُونَ فِي الْحوائِجِ اِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ طُلاَّبِها، وَ تَمْشُونَ فِي الطَّريقِ بِهَيْبَةِ الْمُلُوكِ وَ كَرامَةِ الْاَكابِرِ.

اَلَْيسَ كُلُّ ذلِكَ اِنَّما نِلْتُمُوهُ بِما يُرْجي عِنْدَكُمْ مِنَ الْقِيامِ بِحَقِّ اللَّهِ، وَ اِنْ كُنْتُمْ عَنْ اَكْثَرِ حَقِّهِ تُقَصِّرُونَ، فَاسْتَخْفَفْتُمْ بِحَقِّ الْاَئِمَّةِ، فَاَمَّا حَقَّ الضُّعَفاءِ فَضَيَّعْتُمْ، وَ اَمَّا حَقَّكُمْ بِزَعْمِكُمْ فَطَلَبْتُمْ، فَلا مالاً بَذَلْتمُوهُ، وَ لا نَفْساً خاطَرْتُمْ بِها لِلَّذي خَلَقَها، وَ لا عَشيرَةً عادَيْتُمُوهُا في ذاتِ اللَّهِ.

اَنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ عَلَي اللَّهِ جَنَّتَهُ، وَ مُجاوَرَةَ رُسُلِهِ، وَ اَماناً مِنْ عذابِهِ، لَقَدْ خَشيتُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْمُتَمَنَّوْنَ عَلَي اللَّهِ، اَنْ تَحِلَّ بِكُمْ نِقْمَةٌ مِنْ نَقِماتِهِ، لِاَنَّكُمْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرامَةِ اللَّهِ مَنْزِلَةً فُضِّلْتُمْ بِها، وَ مَنْ يُعْرَفُ بِها لاتُكْرَمُونَ، وَ اَنْتُمْ بِاللَّهِ في عِبادِهِ تُكْرَمُونَ.

وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَةً، فَلا تَفْزَعُونَ، وَ اَنْتُمْ لِبَعْضِ ذِمَمِ ابائِكُمْ تَفْزَعُونَ، وَ ذِمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مَحْقُورَةٌ، وَالْعُمْيُ وَ الْبُكْمُ وَ الزَّمْني فِي الْمَدائِنِ مُهْمَلَةٌ لاتَرْحَمُونَ، وَ لا في مَنْزِلَتِكُمْ تَعْمَلُونَ، وَ لا مَنْ عَمِلَ فيها تُعينُونَ، وَ بِالْاِدِّهانِ وَ الْمُصانَعَةِ عِنْدَ الظَّلَمَةِ تَأْمَنُونَ، كُلُّ ذلِكَ مِمَّا اَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، مِنَ النَّهْيِ وَ التَّناهي، وَ اَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. وَ اَنْتُمْ اَعْظَمُ النَّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَنازِلِ الْعُلَماءِ، لَوْ كُنْتُمْ تَشْعُرُونَ، ذلِكَ بِاَنَّ مَجارِي الْاُمُورِ وَ الْاَحْكامِ عَلي اَيْدِي الْعُلَماءِ بِاللَّهِ، اَلْاُمَناءِ عَلي حَلالِهِ وَ حَرامِهِ، فَاَنْتُمُ الْمَسْلُوبُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ، وَ ما سُلِبْتُمْ ذلِكَ اِلَّا بِتَفَرُّقِكُمْ عَنِ الْحَقِّ وَ اخْتِلافِكُمْ فِي السُّنَّةِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ الْواضِحَةِ.

وَ لَوْ صَبَرْتُمْ عَلَي الْاَذي، وَ تَحَمَّلْتُمُ الْمَؤُونَةَ في ذاتِ اللَّهِ، كانَتْ اُمُورُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَ عَنْكُمْ تَصْدُرُ وَ اِلَيْكُمْ تَرْجِعُ، وَ للكِنَّكُمْ مَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَاسْتَسْلَمْتُمْ اُمُورَ اللَّهِ في اَيْديهِمْ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبَهاتِ وَ يَسيرُونَ فِي الشَّهَواتِ، سَلَّطَهُمْ عَلي ذلِكَ فِرارُكُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَ اِعْجابُكُمْ بِالْحَياةِ الَّتي هِيَ مُفارِقَتُكُمْ.

فَاَسْلَمْتُمُ الضُّعَفاءَ في اَيْديهِمْ، فَمِنْ بَيْنِ مُسْتَعْبِدٍ مَقْهُورٍ، وَ بَيْنَ مُسْتَضْعَفٍ عَلي مَعيشَتِهِ مَغْلُوبٍ، يَتَقَلَّبُونَ فِي الْمُلْكِ بِارائِهِمْ وَ يَسْتَشْعِرُونَ الْخِزْيَ بِاَهْوائِهِمْ، اِقْتِداءً بِالْاَشْرارِ وَ جُرْاَةً عَلَي الْجَبَّارِ.في كُلِّ بَلَدٍ مِنْهُمْ عَلي مِنْبَرِهِ خَطيبٌ يَصْقَعُ، فَالْاَرْضُ لَهُمْ شاغِرَةٌ، وَ اَيْديهِمْ فيها مَبْسُوطَةٌ، وَالنَّاسُ لَهُمْ خَوَلٌ، لايَدْفَعُونَ يَدَ لامِسٍ، فَمِنْ بَيْنِ جَبَّارٍ عَنيدٍ، وَ ذي سَطْوَةٍ عَلَي الضَّعَفَةِ شَديدٌ، مُطاعٌ لا يَعْرِفُ الْمُبْدِي ءَ الْمُعيدَ.

فَيا عَجَباً، وَ ما لي لا اَعْجَبُ، وَ الْاَرْضُ مِنْ غاشٍّ غَشُومٍ، وَ مُتَصَدِّقِ ظَلُومٍ، وَ عامِلٍ عَلَي الْمُؤْمِنينَ بِهِمْ غَيْرَ رَحيمٍ، فَاللَّهُ الْحاكِمُ فيما فيهِ تَنازَعْنا، وَ الْقاضي بِحُكْمِهِ فيما شَجَرَ بَيْنَنا.

اَللَّهُمَّ اِنَّكَ تَعْلَمُ اَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ما كانَ مِنَّا تَنافُساً في سُلْطانٍ، وَ لا اِلْتماساً مِنْ فُضُولِ الْحُطامِ، وَلكِنْ لِنُرِيَ الْمَعالِمَ مِنْ دينِكَ وَ نُظْهِرَ الْاِصْلاحَ في بِلادِكَ، وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبادِكَ، وَ يُعْمَلَ بِفَرائِضِكَ وَ سُنَنِكَ وَ اَحْكامِكَ.

فَاِنْ لَمْ تَنْصُرُونا وَ تُنْصِفُونا، قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيْكُمْ وَ عَمِلُوا في اِطْفاءِ نُورِ نَبِيِّكُمْ، وَ حَسْبُنَا اللَّهُ، وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا، وَ اِلَيْهِ اَنَبْنا، وَ اِلَيْهِ الْمَصيرُ.


پاورقي

[1] المائدة: 66.

[2] المائدة: 80 -81.

[3] المائدة: 47.

[4] التوبة:71.