بازگشت

خطبة الامام في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر


385. تحف العقول عن الإمام الحسين عليه السلام - فِي الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، ويُروي عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام -: اِعتَبِروا أيُّهَا النّاسُ بِما وَعَظَ اللَّهُ بِهِ أولِياءَهُ مِن سوءِ ثَنائِهِ عَلَي الأَحبارِ [1] ، إذ يَقولُ: «لَوْلَا يَنْهَل-هُمُ الرَّبَّنِيُّونَ [2] وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ» [3] ، وقالَ: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن م بَنِي إِسْرَ ءِيلَ» إلي قَولِهِ: «لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ» [4] ، وإنَّما عابَ اللَّهُ ذلِكَ عَلَيهِم لِأَنَّهُم كانوا يَرَونَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذينَ بَينَ أظهُرِهِمُ المُنكَرَ وَالفَسادَ فَلا يَنهَونَهُم عَن ذلِكَ، رَغبَةً فيما كانوا يَنالونَ مِنهُم، ورَهبَةً مِمّا يَحذَرونَ، وَاللَّهُ يَقولُ: «فَلَا تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ» [5] ، وقالَ عليهم السلام «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» [6] .

فَبَدَأَ اللَّهُ بِالأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ فَريضَةً مِنهُ، لِعِلمِهِ بِأَنَّها إذا اُدِّيَت واُقيمَتِ استَقامَتِ الفَرائِضُ كُلُّها، هَيِّنُها وصَعبُها، وذلِكَ أنَّ الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ دُعاءٌ إلَي الإِسلامِ مَعَ رَدِّ المَظالِمِ ومُخالَفَةِ الظّالِمِ، وقِسمَةِ الفَي ءِ وَالغَنائِمِ، وأخذِ الصَّدَقاتِ مِن مَواضِعِها، ووَضعِها في حَقِّها.

ثُمَّ أنتُم أيَّتُهَا العِصابَةُ، عِصابَةٌ بِالعِلمِ مَشهورَةٌ، وبِالخَيرِ مَذكورَةٌ، وبِالنَّصيحَةِ مَعروفَةٌ، وبِاللَّهِ في أنفُسِ النّاسِ مَهابَةٌ، يَهابُكُمُ الشَّريفُ، ويُكرِمُكُمُ الضَّعيفُ، ويُؤثِرُكُم مَن لا فَضلَ لَكُم عَلَيهِ ولا يَدَ لَكُم عِندَهُ، تَشفَعونَ فِي الحَوائِجِ إذَا امتُنِعَت مِن طُلّابِها، وتَمشونَ فِي الطَّريقِ بِهَيبَةِ المُلوكِ وكَرامَةِ الأَكابِرِ، ألَيسَ كُلُّ ذلِكَ إنَّما نِلتُموهُ بِما يُرجي عِندَكُم مِنَ القِيامِ بِحَقِّ اللَّهِ، وإن كُنتُم عَن أكثَرِ حَقِّهِ تُقَصِّرونَ!

فَاستَخفَفتُم بِحَقِّ الأَئِمَّةِ، فَأَمّا حَقَّ الضُّعَفاءِ فَضَيَّعتُم، وأمّا حَقَّكُم - بِزَعمِكُم - فطَلَبتُم؛ فَلا مالاً بَذَلتُموهُ، ولا نَفساً خاطَرتُم بِها لِلَّذي خَلَقَها، ولا عَشيرَةً عادَيتُموها في ذاتِ اللَّهِ، أنتُم تَتَمَنَّونَ عَلَي اللَّهِ جَنَّتَهُ ومُجاوَرَةَ رُسُلِهِ وأماناً مِن عَذابِهِ!

لَقَد خَشيتُ عَلَيكُم أيُّهَا المُتَمَنّونَ عَلَي اللَّهِ أن تَحُلَّ بِكُم نَقِمَةٌ مِن نَقِماتِهِ، لِأَنَّكُم بَلَغتُم مِن كَرامَةِ اللَّهِ مَنزِلَةً فُضِّلتُم بِها، ومَن يُعرَفُ بِاللَّهِ لا تُكرِمونَ، وأنتُم بِاللَّهِ في عِبادِهِ تُكرَمونَ، وقَد تَرَونَ عُهودَ اللَّهِ مَنقوضَةً فَلا تَفزَعونَ، وأنتُم لِبَعضِ ذِمَمِ آبائِكُم تَفزَعونَ، وذمَِّةُ رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله مَحقورَةٌ، وَالعُميُ وَالبُكمُ وَالزَّمني [7] فِي المَدائِنِ مُهمَلَةٌ لا تَرحَمونَ، ولا في مَنزِلَتِكُم تَعمَلونَ، ولا مَن عَمِلَ فيها تُعينونَ، وبِالاِدِّهانِ وَالمُصانَعَةِ عِندَ الظَّلَمَةِ تَأمَنونَ، كُلُّ ذلِكَ مِمّا أمَرَكُمُ اللَّهُ بِه مِنَ النَّهيِ وَالتَّناهي وأنتُم عَنهُ غافِلونَ، وأنتُم أعظَمُ النّاسِ مُصيبَةً لِما غُلِبتُم عَلَيهِ مِن مَنازِلِ العُلَماءِ لَو كُنتُم تَشعُرونَ.

ذلِكَ بِأَنَّ مَجارِيَ الاُمورِ وَالأَحكامِ عَلي أيدِي العُلَماءِ بِاللَّهِ، الاُمَناءِ عَلي حَلالِهِ وحَرامِهِ، فَأَنتُمُ المَسلوبونَ تِلكَ المَنزِلَةَ، وما سُلِبتُم ذلِكَ إلّا بِتَفَرُّقِكُم عَنِ الحَقِّ، وَاختِلافِكُم فِي السُّنَّةِ بَعدَ البَيِّنَةِ الواضِحَةِ، ولَو صَبَرتُم عَلَي الأَذي وتَحَمَّلتُمُ المَؤونَةَ في ذاتِ اللَّهِ كانَت اُمورُ اللَّهِ عَلَيكُم تَرِدُ، وعَنكُم تَصدُرُ، وإلَيكُم تَرجِعُ، ولكِنَّكُم مَكَّنتُمُ الظَّلَمَةَ مِن مَنزِلَتِكُم، وأسلَمتُم [8] اُمورَ اللَّهِ في أيديهِم، يَعمَلونَ بِالشُّبُهاتِ، ويَسيرونَ فِي الشَّهَواتِ، سَلَّطَهُم عَلي ذلِكَ فِرارُكُم مِنَ المَوتِ، وإعجابُكُم بِالحَياةِ الَّتي هِيَ مُفارِقَتُكُم، فَأَسلَمتُمُ الضُّعَفاءَ في أيديهِم، فَمِن بَينِ مُستَعبَدٍ مَقهورٍ، وبَينَ مُستَضعَفٍ عَلي مَعيشَتِهِ مَغلوبٍ.

يَتَقَلَّبونَ فِي المُلكِ بِآرائِهِم، ويَستَشعِرونَ الخِزيَ بِأَهوائِهِمُ، اقتِداءً بِالأَشرارِ،

وجُرأَةً عَلَي الجَبّارِ، في كُلِّ بَلَدٍ مِنهُم عَلي مِنبَرِهِ خَطيبٌ يَصقَعُ [9] ، فَالأَرضُ لَهُم شاغِرَةٌ [10] ، وأيديهِم فيها مَبسوطَةٌ، وَالنّاسُ لَهُم خَوَلٌ [11] ، لا يَدفَعونَ يدَ لامِسٍ، فَمِن بَينِ جَبّارٍ عَنيدٍ، وذي سَطوَةٍ عَلَي الضَّعَفَةِ شَديدٍ، مُطاعٍ لا يَعرِفُ المُبدِئَ المُعيدَ.

فَيا عَجَباً وما لي لا أعجَبُ! وَالأَرضُ مِن غاشٍّ غَشومٍ [12] ، ومُتَصَدِّقٍ ظَلومٍ، وعامِلٍ عَلَي المُؤمِنينَ بِهِم غَيرِ رَحيمٍ، فَاللَّهُ الحاكِمُ فيما فيهِ تَنازَعنا، وَالقاضي بِحُكمِهِ فيما شَجَرَ بَينَنا.

اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ لَم يَكُن ما كانَ مِنّا تَنافُساً في سُلطانٍ، ولَا التِماساً مِن فُضولِ الحُطامِ، ولكِن لنُِرِيَ المَعالِمَ مِن دينِكَ، ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِكَ، ويَأمَنَ المَظلومونَ مِن عِبادِكَ، ويُعمَلَ بِفَرائِضِكَ وسُنَنِكَ وأحكامِكَ، فَإِن لَم تَنصُرونا وتُنصِفونا قَوِيَ الظَّلَمَةُ عَلَيكُم، وعَمِلوا في إطفاءِ نورِ نَبِيِّكُم، وحَسبُنَا اللَّهُ وعَلَيهِ تَوَكَّلنا وإلَيهِ أنَبنا [13] وإلَيهِ المَصيرُ. [14] .


پاورقي

[1] الحِبر والحَبر: العالِم، ذمّيّاً کانَ أو مسلماً، بعد أن يکون من أهل الکتاب. وقال الجوهري: هو واحِد أحبارِ اليهود، وبالکسر أفصح (اُنظر: لسان العرب: ج 4 ص 157 «حبر»).

[2] الرَّبَّاني: المتَألِّهُ العارف باللَّه تعالي (الصحاح: ج 1 ص 130 «ربب»).

[3] المائدة: 63.

[4] المائدة: 78 و 79.

[5] التوبة: 71.

[6] التوبة: 71.

[7] الزَّمانَة: العاهة. يقال: هو زَمِنٌ، والجمع: زَمني (اُنظر: القاموس المحيط: ج 4 ص 232 «زمن»).

[8] في المصدر: «واستسلمتم»، والتصويب من بحار الأنوار.

[9] الخَطيبُ المِصقَعُ: أي‏البليغ الماهر في خطبته الداعي إلي الفتن الذي يحرّض الناس عليها، والصّقع: رفع الصوت ومتابعته (النهاية: ج 3 ص 42 «صقع»).

[10] شاغرة: أي واسعة (لسان العرب: ج 4 ص 418 «شغر»).

[11] الخَوَل: مثال الخَدَم والحَشَم وزناً ومعني (المصباح المنير: ص 184 «خول»).

[12] الغَشْمُ: الظُلْمُ (الصحاح: ج 5 ص 1996 «غشم»).

[13] الإنابة: الرجوع إلي اللَّه بالتوبة (النهاية: ج 5 ص 123 «نوب»).

[14] تحف العقول: ص 237، بحار الأنوار: ج 100 ص 79 ح 37.