بازگشت

قتال الناكثين


374. الأمالي بإسناده عن الإمام الحسين عليه السلام: لَمّا تَوَجَّهَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِنَ المَدينَةِ إلَي النّاكِثينَ بِالبَصرَةِ نَزَلَ الرَّبَذَةَ: فَلَمَّا ارتَحَلَ مِنها لَقِيَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ خَليفَةَ الطّائِيُّ - وقَد نَزَلَ بِمَنزِلٍ يُقالُ لَهُ: قُدَيدٌ - فَقَرَّبَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام.

فَقالَ لَهُ عَبدُ اللَّهِ: الحَمدُ للَّهِِ الَّذي رَدَّ الحَقَّ إلي أهلِهِ ووَضَعَهُ في مَوضِعِهِ، كَرِهَ ذلِكَ قَومٌ أو سُرّوا بِهِ، فَقَد وَاللَّهِ كَرِهوا مُحَمَّداً صلي الله عليه وآله ونابَذوهُ وقاتَلوهُ، فَرَدَّ اللَّهُ كَيدَهُم في نُحورِهِ، وجَعَلَ دائِرَةَ السَّوءِ عَلَيهِم، ووَاللَّهِ لَنُجاهِدَنَّ مَعَكَ في كُلِّ مَوطِنٍ حِفظاً لِرَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله.

فَرَحَّبَ بِهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام وأجلَسَهُ إلي جَنبِهِ - وكانَ لَهُ حَبيباً ووَلِيّا - وأخَذَ يُسائِلُهُ عَنِ النّاسِ، إلي أن سَأَلَهُ عَن أبي موسَي الأَشعَرِيِّ، فَقالَ: وَاللَّهِ ما أنَا أثِقُ بِهِ، ولا آمَنُ عَلَيكَ خِلافَهُ إن وَجَدَ مُساعِداً عَلي ذلِكَ!

فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: وَاللَّهِ ما كانَ عِندي مُؤتَمَناً ولا ناصِحاً، ولَقَد كانَ الَّذينَ تَقَدَّمونِي استَولَوا عَلي مَوَدَّتِهِ ووَلَّوهُ وسَلَّطوهُ بِالإِمرَةِ عَلَي النّاسِ، ولَقَد أرَدتُ عَزلَهُ فَسَأَلَنِيَ الأَشتَرُ فيهِ أن اُقِرَّهُ فَأَقرَرتُهُ عَلي كُرهٍ مِنّي لَهُ، وتَحَمَّلتُ [1] عَلي صَرفِهِ مِن بَعدُ.

قالَ: فَهُوَ مَعَ عَبدِ اللَّهِ في هذا ونَحوِهِ، إذ أقبَلَ سَوادٌ كَثيرٌ مِن قِبَلِ جِبالِ طَيٍّ، فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: اُنظُروا ما هذَا السَّوادُ؟

فَذَهَبَتِ الخَيلُ تَركُضُ، فَلَم تَلبَث أن رَجَعَت، فَقيلَ: هذِهِ طَيّ ءٌ قَد جاءَتكَ تَسوقُ الغَنَمَ وَالإِبِلَ وَالخَيلَ، فَمِنهُم مَن جاءَكَ بِهَداياهُ وكَرامَتِهِ، ومِنهُم مَن يُريدُ النُّفورَ مَعَكَ إلي عَدُوِّكَ.

فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: جَزَي اللَّهُ طَيّاً خَيراً «َفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَهِدِينَ عَلَي الْقَعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا» [2] فَلَمَّا انتَهَوا إلَيهِ سَلَّموا عَلَيهِ.

قالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ خَليفَةَ: فَسَرَّني وَاللَّهِ ما رَأَيتُ مِن جَماعَتِهِم وحُسنِ هَيئَتِهِم، وتَكَلَّموا فَأَقَرّوا، وَاللَّهِ ما رَأَيتُ بِعَيني خَطيباً أبلَغَ مِن خَطيبِهِم.

وقامَ عَدِيُّ بنُ حاتِمٍ الطّائِيُّ فَحَمِدَ اللَّهَ وأثني عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعدُ فَإِنّي كُنتُ أسلَمتُ عَلي عَهدِ رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله، وأدَّيتُ الزَّكاةَ عَلي عَهدِهِ، وقاتَلتُ أهلَ الرِّدَّةَ مِن بَعدِهِ، أرَدتُ بِذلِكَ ما عِندَ اللَّهِ، وعَلَي اللَّهِ ثَوابُ مَن أحسَنَ وَاتَّقي، وقَد بَلَغَنا أنَّ رِجالاً مِن أهلِ مَكَّةَ نَكَثوا بَيعَتَكَ، وخالَفوا عَلَيكَ ظالِمينَ، فَأَتَيناكَ لِنَنصُرَكَ بِالحَقِّ، فَنَحنُ بَينَ يَدَيكَ، فَمُرنا بِما أحبَبتَ، ثُمَّ أنشَأَ يَقولُ:



ونَحنُ نَصَرنَا اللَّهَ مِن قَبلِ ذاكُم

وأنتَ بِحَقًّ جِئتَنا فَسَتُنصَرُ



سَنَكفيكَ دونَ النّاسِ طُرّاً بِأَسرِنا

وأنتَ بِهِ مِن سائِرِ النّاسِ أجدَرُ



فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: جَزاكُمُ اللَّهُ مِن حَيٍّ عَنِ الإِسلامِ وأهلِهِ خَيراً، فَقَد أسلَمتُم طائِعينَ، وقاتَلتُمُ المُرتَدّينَ، ونَوَيتُم نَصرَ المُسلِمينَ.

وقامَ سَعيدُ بنُ عُبَيدٍ البُحتُرِيُّ مِن بَني بُحتُرٍ، فَقالَ: ا أميرَ المُؤمِنينَ، إنَّ مِنَ النّاسِ مَن يَقدِرُ أن يُعَبِّرَ بِلِسانِهِ عَمّا في قَلبِهِ، ومِنهُم مَن لا يَقدِرُ أن يُبَيِّنَ ما يَجِدُهُ في نَفسِهِ بِلِسانِهِ، فَإِن تَكَلَّفَ ذلِكَ شَقَّ عَلَيهِ، وإن سَكَتَ عَمّا في قَلبِهِ بَرِحَ [3] بِهِ الهَمُّ وَالبَرَمُ [4] ، وإنّي وَاللَّهِ ما كُلُّ ما في نَفسي أقدِرُ أن اُؤَدِّيَهُ إلَيكَ بِلِساني، ولكِن وَاللَّهِ لَأَجهَدَنَّ عَلي أن اُبَيِّنَ لَكَ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوفيقِ. أمّا أنَا فَإِنّي ناصِحٌ لَكَ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ، ومُقاتِلٌ مَعَكَ الأَعداءَ في كُلِّ مَوطِنٍ، وأري لَكَ مِنَ الحَقِّ ما لَم أكُن أراهُ لِمَن كانَ قَبلَكَ، ولا لِأَحَدٍ اليَومَ مِن أهلِ زَمانِكَ، لِفَضيلَتِكَ فِي الإِسلامِ وقَرابَتِكَ مِنَ الرَّسولِ، ولَن اُفارِقَكَ أبَداً حَتّي تَظفَرَ أو أموتَ بَينَ يَدَيكَ.

فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام: يَرحَمُكَ اللَّهُ، فَقَد أدّي لِسانُكَ ما يَجُنُّ ضَميرُكَ لَنا، ونَسأَلُ اللَّهَ أن يَرزُقَكَ العافِيَةَ ويُثيبَكَ الجَنَّةَ.

وتَكَلَّمَ نَفَرٌ مِنهُم... ثُمَّ ارتَحَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَاتَّبَعَهُ مِنهُم سِتُّمِئَةِ رَجُلٍ حَتّي نَزَلَ ذاقارٍ [5] ، فَنَزَلَها في ألفٍ وثَلاثِمِئَةِ رَجُلٍ. [6] .


پاورقي

[1] في بحار الأنوار والأمالي للطوسي: «وعملت» بدل «وتحمّلت».

[2] النساء: 95.

[3] بَرِحَ به: شَقّ عليه، والتبريح: المشقّة والشِدَّة (النهاية: ج 1 ص 113 «برح»).

[4] بَرِمَ به: إذا سَئِمَهُ ومَلهُ (النهاية: ج 1 ص 121 «برم»).

[5] ذوقار: ماء لبکر بن وائل قريب من الکوفة بينها وبين واسط (معجم البلدان: ج 4 ص 293).

[6] الأمالي للمفيد: ص 295 ح 6، الأمالي للطوسي: ص 70 ح 103 نحوه وکلاهما عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر عن أبيه‏ عليهما السلام، بحار الأنوار: ج 32 ص 101 ح 72.