بازگشت

مكاتبات الامام و معاوية


249. أنساب الأشراف: كَتَبَ مُعاوِيَةُ إلَي الحُسَينِ بنِ عَلِيّ عليه السلام:

أمّا بَعدُ: فَقَدِ انتَهَت الَيَّ عَنكَ اُمورٌ أرغَبُ بِكَ عَنها، فَإِن كانَت حَقّاً لَم اُقارَّكَ [1] عَلَيها، ولَعَمري إنَّ مَن أعطي صَفقَةَ يَمينِهِ وعَهدَ اللَّهِ وميثاقَهُ لَحَرِيٌّ بِالوَفاءِ، وإن كانَت باطِلاً فَأَنتَ أسعَدُ النّاسِ بِذلِكَ، وبِحَظِّ نَفسِكَ تَبدَأُ، وبِعَهدِ اللَّهِ توفي، فَلا تَحمِلني عَلي قَطيعَتِكَ وَالإِساءَةِ بِكَ، فَإِنّي مَتي اُنكِركَ تُنكِرني، ومَتي تَكِدني أكِدكَ، فَاتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ وأن يَرجِعوا عَلي يَدِكَ إلَي الفِتنَةِ، فَقَد جَرَّبتَ النّاسَ وبَلَوتَهُم، وأبوكَ كانَ أفضَلَ مِنكَ، وقَد كانَ اجتَمَعَ عَلَيهِ رَأيُ الَّذينَ يَلوذونَ بِكَ، ولا أظُنُّهُ يَصلُحُ لَكَ مِنهُم ما كانَ فَسَدَ عَلَيهِ، فَانظُر لِنَفسِكَ ودينِكَ «وَ لَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ» [2] .

فَكَتَبَ إلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام:

أمّا بَعدُ، فَقَد بَلَغَني كِتابُكَ تَذكُرُ أنَّهُ بَلَغَتكَ عَنّي اُمورٌ تَرغَبُ عَنها، فَإِن كانَت حَقّاً لَم تُقارَّني عَلَيها، ولَن يَهدِيَ إلَي الحَسَناتِ ويُسَدِّدَ لَها إلَّا اللَّهُ، فَأَمّا ما نُمِّيَ [3] إلَيكَ فَإِنَّما رَقَّاهُ [4] المَلّاقونَ [5] المَشّاؤونَ بِالنَّمائِمِ [6] ، المُفَرِّقونَ بَينَ الجَميعِ [7] ، وما اُريدُ حَرباً لَكَ ولا خِلافاً عَلَيكَ، وَايمُ اللَّهِ لَقَد تَرَكتُ ذلِكَ وأنَا أخافُ اللَّهَ في تَركِهِ، وما أظُنُّ اللَّهَ راضِياً عَنّي بِتَركِ مُحاكَمَتِكَ إلَيهِ، ولا عاذِري دونَ الإِعذارِ إلَيهِ فيكَ وفي أولِيائِكَ القاسِطينَ المُلحِدينَ، حِزبِ الظّالِمينَ وأولِياءِ الشَّياطينِ.

ألَستَ قاتِلَ حُجرِ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ المُصَلّينَ العابِدينَ، الَّذينَ يُنكِرونَ الظُّلمَ ويَستَعظِمونَ البِدَعَ، ولا يَخافونَ فِي اللَّهِ لَومَةَ لائِمٍ - ظُلماً وعُدواناً -، بَعدَ إعطائِهِمُ الأَمانَ بِالمَواثيقِ وَالأَيمانِ المُغَلَّظَةِ؟

أوَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله، الَّذي أبلَتهُ العِبادَةُ وصَفَّرَت لَونَهُ وأنحَلَت جِسمَهُ؟!

أوَلَستَ المُدَّعِيَ زِيادَ بنَ سُمَيَّةَ المَولودَ عَلي فِراشِ عُبَيدٍ عَبدِ ثَقيفٍ، وزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبيكَ، وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلي الله عليه وآله: «الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ»، فَتَرَكتَ سُنَّةَ رَسولِ اللَّهٍ صلي الله عليه وآله وخالَفتَ أمرَهُ مُتَعَمِّداً، وَاتَّبَعتَ هَواكَ مُكَذِّباً، بِغَيرِ هُديً مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلَي العِراقَينِ فَقَطَعَ أيدِيَ المُسلِمينَ وسَمَلَ [8] أعيُنَهُم، وصَلَبَهُم عَلي جُذوعِ النَّخلِ، كَأَنَّكَ لَستَ مِنَ الاُمَّةِ وكَأَنَّها لَيسَت مِنكَ، وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلي الله عليه وآله: «مَن

ألحَقَ بِقَومٍ نَسَباً لَيسَ لَهُم فَهُوَ مَلعونٌ»!

أوَلَستَ صاحِبَ الحَضرَمِيّينَ الَّذينَ كَتَبَ إلَيكَ ابنُ سُمَيَّةَ أنَّهُم عَلي دينِ عَلِيّ عليه السلام، فَكَتَبتَ إلَيهِ: اُقتُل مَن كانَ عَلي دينِ عَلِيٍّ ورَأيِهِ، فَقَتَلَهُم ومَثَّلَ بِهِم بِأَمرِكَ، ودينُ عَلِيّ عليه السلام دينُ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه وآله الَّذي كانَ يَضرِبُ عَلَيهِ أباكَ، وَالَّذِي انتِحالُكَ إيّاهُ أجلَسَكَ مَجلِسَكَ هذا، ولَولا هُوَ كانَ أفضَلُ شَرَفِكَ تَجَشُّمَ الرَّحلَتَينِ في طَلَبِ الخُمورِ!

وقُلتَ: اُنظُر لِنَفسِكَ ودينِكَ وَالاُمَّةِ، وَاتَّقِ شَقَّ عَصَا الاُلفَةِ وأن تَرُدَّ النّاسَ إلَي الفِتنَةِ!

فَلا أعلَمُ فِتنَةً عَلَي الاُمَّةِ أعظَمَ مِن وِلايَتِكَ عَلَيها! ولا أعلَمُ نَظَراً لِنَفسي وديني أفضَلَ مِن جِهادِكَ! فَإِن أفعَلهُ فَهُوَ قُربَةٌ إلي رَبّي، وإن أترُكهُ فَذَنبٌ أستَغفِرُ اللَّهَ مِنهُ في كَثيرٍ مِن تَقصيري، وأسأَلُ اللَّهَ تَوفيقي لِأَرشَدِ اُموري.

وأمّا كَيدُكَ إيّايَ، فَلَيسَ يَكونُ عَلي أحَدٍ أضَرَّ مِنهُ عَلَيكَ، كَفِعلِكَ بِهؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذينَ قَتَلتَهُم ومَثَّلتَ بِهِم بَعدَ الصُّلحِ مِن غَيرِ أن يَكونوا قاتَلوكَ ولا نَقَضوا عَهدَكَ، إلّا مَخافَةَ أمرٍ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبلَ أن يَفعَلوهُ، أو ماتوا قَبلَ أن يُدرِكوهُ، فَأَبشِر يا مُعاوِيَةُ بِالقِصاصِ، وأيقِن بِالحِسابِ، وَاعلَم أنَّ للَّهِِ كِتاباً لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً إلّا أحصاها، ولَيسَ اللَّهُ بِناسٍ لَكَ أخذَكَ بِالظِّنَّةِ، وقَتلَكَ أولِياءَهُ عَلَي الشُّبهَةِ وَالتُّهمَةِ، وأخذَكَ النّاسَ بِالبَيعَةِ لِابنِكَ؛ غُلامٍ سَفيهٍ يَشرَبُ الشَّرابَ ويَلعَبُ بِالكِلابِ!

ولا أعلَمُكَ إلّا خَسِرتَ نَفسَكَ، وأوبَقتَ [9] دينَكَ، وأكَلتَ أمانَتَكَ، وغَشَشتَ رَعِيَّتَكَ، وتَبَوَّأتَ مَقعَدَكَ مِنَ النّارِ فَ «بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّلِمِينَ» [10] [11] .


پاورقي

[1] قارَّهُ مُقارَّةً: قَرَّ معَهُ وسَکَنَ، وفلانٌ قارٌّ: ساکِنٌ (تاج العروس: ج 7 ص 386 «قرر»).

[2] الروم: 60.

[3] نَمَّيتُ الحديثَ تنميةً: إذا بلّغتَهُ علي وجه النميمة والإفساد (الصحاح: ج 6 ص 2516 «نما»).

[4] رَقّي عليه کلاماً: إذا رَفَعَ (الصحاح: ج 6 ص 2361 «رقي»).

[5] المَلَق: أن تُعطي باللسان ما ليس في القلب (القاموس المحيط: ج 3 ص 284 «ملق»).

[6] النَّميمَةُ: هي نقل الحديث من قوم إلي قوم علي جهة الإفساد والشرّ (النهاية: ج 5 ص 120 «نمم»).

[7] هکذا في المصدر، وفي الإمامة والسياسة: «الجمع» بدل «الجميع».

[8] سَمَلْتُ عَيْنَهُ: فقأتُها بحديدة مُحْماة (المصباح المنير: ص 289 «سملت»).

[9] وَبَقَ: هَلَکَ، ويتعدّي بالهمزة، فيقال: أوبقته (المصباح المنير: ص 646 «وبق»).

[10] أنساب الأشراف: ج 5 ص 128، الإمامة والسياسة: ج 1 ص 202 - 201؛ رجال الکشّي: ج 1 ص 252 ح 98 و 99 کلاهما نحوه، بحار الأنوار: ج 44 ص 212 ح 9.

[11] هود: 44.