بازگشت

الاحتجاج علي امامة اهل البيت


182. كتاب سليم بن قيس: لَمّا كانَ قَبلَ مَوتِ مُعاوِيَةَ بِسَنَةٍ، حَجَّ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وعَبدُ اللَّهِ بنُ عَبّاسٍ وعَبدُ اللَّهِ بنُ جَعفَرٍ مَعَهُ. فَجَمَعَ الحُسَينُ عليه السلام بَني هاشِمٍ؛ رِجالَهُم ونِساءَهُم ومَوالِيَهُم وشيعَتَهُم مَن حَجَّ مِنهُم، ومِنَ الأَنصارِ مِمَّن يَعرِفُهُ الحُسَينُ عليه السلام وأهلُ بَيتِهِ، ثُمَّ أرسَلَ رُسُلاً: لا تَدَعوا أحَداً مِمَّن حَجَّ العامَ مِن أصحابِ رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله المَعروفينَ بِالصَّلاحِ وَالنُّسُكِ إلَّا اجمَعوهُم لي.

فَاجتَمَعَ إلَيهِ بِمِنيً أكثَرُ مِن سَبعِمِئَةِ رَجُلٍ وهُم في سُرادِقِهِ [1] ، عامَّتُهُم مِنَ التّابِعينَ، ونَحوٌ مِن مِئَتَي رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبِيّ صلي الله عليه وآله وغَيرِهِم. فَقامَ فيهِمُ الحُسَينُ عليه السلام خَطيباً، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثني عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ، فَإِنَّ هذَا الطّاغِيَةَ قَد فَعَلَ بِنا وبِشيعَتِنا ما قَد رَأَيتُم وعَلِمتُم وشَهِدتُم، وإنّي اُريدُ أن أسأَلَكُم عَن شَي ءٍ، فَإِن صَدَقتُ فَصَدِّقوني، وإن كَذَبتُ فَكَذِّبوني: أسأَلُكُم بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيكُم وحَقِّ رَسولِ اللَّهِ وحَقِّ قَرابتي مِن نَبِيِّكُم، لَمّا سَيَّرتُم مَقامي هذا ووَصَفتُم مَقالَتي، ودَعَوتُم أجمَعينَ في أنصارِكُم مِن قَبائِلِكُم مَن أمِنتُم مِنَ النّاسِ ووَثِقتُم بِهِ، فَادعوهُم إلي ما تَعلَمونَ مِن حَقِّنا؛ فَإِنّي أتَخَوَّفُ أن يَدرُسَ [2] هذَا الأَمرُ ويَذهَبَ الحَقُّ ويُغلَبَ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نورِهِ ولَو كَرِهَ الكافِرونَ.

وما تَرَكَ شَيئاً مِمّا أنزَلَ اللَّهُ فيهِم مِنَ القُرآنِ إلّا تَلاهُ وفَسَّرَهُ، ولا شَيئاً مِمّا قالَهُ رَسولُ اللَّهِ صلي الله عليه وآله في أبيهِ وأخيهِ واُمِّهِ وفي نَفسِهِ وأهلِ بَيتِهِ إلّا رَواهُ.

وكُلُّ ذلِكَ يَقولُ الصَّحابَةُ: اللَّهُمَّ نَعَم، قَد سَمِعنا وشَهِدنا.

ويَقولُ التّابِعِيُّ: اللَّهُمَّ قَد حَدَّثَني بِهِ مَن اُصَدِّقُهُ وأَأتَمِنُهُ مِنَ الصَّحابَةِ.

فَقالَ: أنشُدُكُمُ اللَّهَ إلّا حَدَّثتُم بِهِ مَن تَثِقونَ بِهِ وبِدينِهِ.

قالَ سُلَيمٌ: فَكانَ فيما ناشَدَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام وذَكَّرَهُم أن قالَ:

أنشُدُكُمُ اللَّهَ، أتَعلَمونَ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام كانَ أخا رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله حينَ آخي بَينَ أصحبِهِ، فَآخي بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ، وقالَ: أنتَ أخي وأنَا أخوكَ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قال: أنشُدُكُمُ اللَّهَ، هَل تَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله اشتَري مَوضِعَ مَسجِدِهِ ومَنازِلِهِ فَابتَناهُ، ثُمَّ ابتَني فيهِ عَشَرَةَ مَنازِلَ؛ تِسعَةً لَهُ، وجَعَلَ عاشِرَها في وَسَطِها لِأَبي، ثُمَّ سَدَّ كُلَّ بابٍ شارِعٍ [3] إلَي المَسجِدِ غَيرَ بابِهِ، فَتَكَلَّمَ في ذلِكَ مَن تَكَلَّمَ، فَقالَ صلي الله عليه وآله: «ما أنَا سَدَدتُ أبوابَكُم وفَتَحتُ بابَهُ، ولكِنَّ اللَّهَ أمَرَني بِسَدِّ أبوابِكُم وفَتحِ بابِهِ»، ثُمَّ نَهَي النّاسَ أن يَناموا فِي المَسجِدِ غَيرَهُ، وكانَ يُجنِبُ فِي المَسجِدِ ومَنزِلُهُ في مَنزِلِ رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله، فَوُلِدَ لِرَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله ولَهُ فيهِ أولادٌ؟قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قال: أفَتَعلَمونَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ حَرَصَ عَلي كَوَّةٍ [4] قَدرَ عَينِهِ يَدَعُها مِن مَنزِلِهِ إلَي المَسجِدِ، فَأَبي عَلَيهِ، ثُمَّ خَطَبَ صلي الله عليه وآله فَقالَ: «إنَّ اللَّهَ أمَرَ موسي أن يَبنِيَ مَسجِداً طاهِراً لا يَسكُنُهُ غَيرُهُ وغَيرُ هارونَ وَابنَيهِ، وإنَّ اللَّهَ أمَرَني أن أبنِيَ مَسجِداً طاهِراً لا يَسكُنُهُ غَيري وغَيرُ أخي وَابنَيهِ»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أنشُدُكُمُ اللَّهَ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله نَصَبَهُ يَومَ غَديرِ خُمٍّ، فَنادي لَهُ بِالوِلايَةِ وقالَ: «لِيُبَلِّغِ الشّاهِدُ الغائِبَ»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أنشُدُكُمُ اللَّهَ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله قالَ لَهُ في غَزوَةِ تَبوكَ: «أنتَ مِنّي بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسي، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أنشُدُكُمُ اللَّهَ، أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله حينَ دَعَا النَّصاري مِن أهلِ نَجرانَ إلَي المُباهَلَةِ، لَم يَأتِ إلّا بِهِ وبِصاحِبَتِهِ وَابنَيهِ؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أنشُدُكُمُ اللَّهَ، أتَعلَمونَ أنَّهُ دَفَعَ إلَيهِ اللِّواءَ يَومَ خَيبَرَ، ثُمَّ قالَ: «لَأَدفَعُهُ إلي رَجُلٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ ويُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، كَرّارٍ غَيرِ فَرّارٍ، يَفتَحُهَا اللَّهُ عَلي يَدَيهِ»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله بَعَثَهُ بِبَراءَةَ، وقالَ: «لا يُبَلِّغُ عَنّي إلّا أنَا أو رَجُلٌ مِنّي»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله لَم تَنزِل بِهِ شِدَّةٌ قَطُّ إلّا قَدَّمَهُ لَها ثِقَةً بِهِ، وأنَّهُ لَم يَدعُهُ بِاسمِهِ قَطُّ إلّا أن يَقولَ: يا أخي، وَادعوا لي أخي؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله قَضي بَينَهُ وبَينَ جَعفَرٍ وزَيدٍ، فَقالَ لَهُ: «يا عَلِيُّ، أنتَ مِنّي وأنَا مِنكَ، وأنتَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ بَعدي»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّهُ كانَت لَهُ مِن رَسولِ اللَّهِ صلي الله عليه وآله كُلَّ يَومٍ خَلوَةٌ وكُلَّ لَيلَةٍ دَخلَةٌ؛ إذا سَأَلَهُ أعطاهُ، وإذا سَكَتَ أبدَأَهُ؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله فَضَّلَهُ عَلي جَعفَرٍ وحَمزَةَ حينَ قالَ لِفاطِمَةَعليها السلام: «زَوَّجتُكِ خَيرَ أهلِ بَيتي؛ أقدَمَهُم سِلماً، وأعظَمَهُم حِلماً، وأكثَرَهُم عِلماً»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله قالَ: «أنَا سَيِّدُ وُلدِآدَمَ، وأخي عَلِيّ سَيِّدُ العَرَبِ، وفاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ أهلِ الجَنَّةِ، وَابنايَ الحَسَنُ وَالحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله أمَرَهُ بِغُسلِهِ، وأخبَرَهُ أنَّ جَبرَئيلَ يُعينُهُ عَلَيهِ؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

قالَ: أتَعلَمونَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه وآله قالَ في آخِرِ خُطبَةٍ خَطَبَها: «أيُّهَا النّاسُ: إنّي تَرَكتُ فيكُمُ الثَّقَلَينِ؛ كِتابَ اللَّهِ وأهلَ بَيتي، فَتَمَسَّكوا بِهِما لَن تَضِلّوا»؟

قالوا: اللَّهُمَّ نَعَم.

فَلَم يَدَع شَيئاً أنزَلَهُ اللَّهُ في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام خاصَّةً وفي أهلِ بَيتِهِ مِنَ القُرآنِ ولا عَلي لِسانِ نَبِيِّهِ صلي الله عليه وآله إلّا ناشَدَهُم فيهِ، فَيَقولُ الصَّحابَةُ: اللَّهُمَّ نَعَم، قَد سَمِعنا، ويَقولُ التّابِعِيُّ: اللَّهُمَّ قَد حَدَّثَنيهِ مَن أثِقُ بِهِ، فُلانٌ وفُلانٌ.

ثُمَّ ناشَدَهُم أنَّهُم قَد سَمِعوهُ صلي الله عليه وآله يَقولُ: «مَن زَعَمَ أنَّهُ يُحِبُّني ويُبغِضُ عَلِيّاً فَقَد كَذَبَ، لَيسَ يُحِبُّني وهُوَ يُبغِضُ عَلِيّاً»، فَقالَ لَهُ قائِلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، وكَيفَ ذلِكَ؟ قالَ: «لِأَنَّهُ مِنّي وأنَا مِنهُ، مَن أحَبَّهُ فَقَد أحَبَّني ومَن أحَبَّني فَقَد أحَبَّ اللَّهَ، ومَن أبغَضَهُ فَقَد أبغَضَني ومَن أبغَضَني فَقَد أبغَضَ اللَّهَ»؟

فَقالوا: اللَّهُمَّ نَعَم، قَد سَمِعنا. وتَفَرَّقوا عَلي ذلِكَ. [5] .

183. الإرشاد - في ذِكرِ مَسيرِ الإِمامِ الحُسَينِ عليه السلام إلي كَربَلاءَ -: ثُمَّ أمَرَ مُنادِيَهُ فَنادي بِالعَصرِ وأقامَ، فَاستَقدَمَ [6] الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّي بِالقَومِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَانصَرَفَ إلَيهِم بِوَجهِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثني عَلَيهِ ثُمَّ قالَ:

أمّا بَعدُ: أيُّهَا النّاسُ، فَإِنَّكُم إن تَتَّقُوا اللَّهَ وتَعرِفُوا الحَقَّ لِأَهلِهِ يَكُن أرضي للَّهِِ عَنكُم، ونَحنُ أهلُ بَيتِ مُحَمَّدٍ، وأولي بِوِلايَةِ هذَا الأَمرِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيسَ لَهُم، وَالسّائِرينَ فيكُم بِالجَورِ وَالعُدوانِ، وإن أبَيتُم إلّا كَراهِيَةً لَنا وَالجَهلَ بِحَقِّنا، فَكانَ رَأيُكُمُ الآنَ غَيرَ ما أتَتني بِهِ كُتُبُكُم وقَدِمَت بِهِ عَلَيَّ رُسُلُكُم، انصَرَفتُ عَنكُم. [7] .

راجع: ص338 (إتمام الحجّة علي أعدائه).


پاورقي

[1] السُّرادِقُ: هو کلّ ما أحاط بشي‏ء من حائط أو مضرب أو خِباء (النهاية: ج 2 ص 359 «سردق»).

[2] دَرَسَ: أي عفا (الصحاح: ج 3 ص 927 «درس»).

[3] شرعَ البابُ إلي الطريق شروعاً: اتّصل به (المصباح المنير: ص 310 «شرع»).

[4] الکَوَّة - ويُضمّ -: الخرق في الحائط (القاموس المحيط: ج 4 ص 384 «کوو»).

[5] کتاب سُليم بن قيس: ج 2 ص 788 ح 26، بحار الأنوار: ج 33 ص 181 ح 456 وراجع: الاحتجاج: ج 2 ص 87 ح 162.

[6] في الطبعة المعتمدة: «فاستقام»، وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار وبعض النسخ الخطّيّة للمصدر.

[7] الإرشاد: ج 2 ص 79، إعلام الوري: ج 1 ص 448، بحار الأنوار: ج 44 ص 377؛ تاريخ الطبري: ج 5 ص 402، الکامل في التاريخ: ج 2 ص 552، مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 232، أنساب الأشراف: ج 3 ص 380 وراجع: روضة الواعظين: ص 198.