بازگشت

المعرفة الشهودية


39. كفاية الأثر بإسناده عن الحسين بن عليّ عليه السلام [1] : سُئِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقيلَ لَهُ: يا أخا رَسولِ اللَّهِ، هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟

فَقالَ: وكَيفَ أعبُدُ مَن لَم أرَهُ! لَم يَرَهُ العُيونُ بِمُشاهَدَةِ العِيانِ، ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ، وإذا كانَ المُؤمِنُ يَري رَبَّهُ بِمُشاهَدَةِ البَصَرِ، فَإِنَّ كُلَّ مَن جازَ عَلَيهِ البَصَرُ [2] وَالرُّؤيَةُ فَهُوَ مَخلوقٌ، ولابُدَّ لِلمَخلوقِ مِنَ الخالِقِ، فَقَد جَعَلتَهُ إذاً مُحدَثاً مَخلوقاً، ومَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللَّهِ شَريكاً.

وَيلَهُم! أوَلَم يَسمَعوا يَقولُ اللَّهُ تَعالي: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَرَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» [3] ، وقَولَهُ: «لَن تَرَلنِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَلنِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ و لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا» ؟ [4] وَإنَّما طَلَعَ مِن نورِهِ عَلَي الجَبَلِ كَضَوءٍ يَخرُجُ مِن سَمِّ الخِياطِ، فَدَكدَكَتِ الأَرضُ وصَعِقَتِ الجِبالُ، «وَ خَرَّ مُوسَي صَعِقًا» أي مَيِّتاً «فَلَمّا أفاقَ» ورُدَّ عَلَيهِ روحُهُ «قالَ: سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» مِن قَولِ مَن زَعَمَ أنَّكَ تُري، ورَجَعتُ إلي مَعرِفَتي بِكَ أنَّ الأَبصارَ لا تُدرِكُكَ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» وأوَّلُ المُقِرّينَ بِأَنَّكَ تَري ولا تُري، وأنتَ بِالمَنظَرِ الأَعلي. [5] .

40. الإقبال عن الإمام الحسين عليه السلام - فيما نُسِبَ إلَيهِ مِن دُعاءِ عَرَفَةَ -: إلهي! تَرَدُّدي فِي

الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ، فَاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إلَيكَ.

كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ! أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّي يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ! مَتي غِبتَ حَتّي تَحتاجَ إلي دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ! ومَتي بَعِدتَ حَتّي تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي توصِلُ إلَيكَ! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيباً، وخَسِرَت صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيباً.

إلهي! أمَرتَ بِالرُّجوعِ إلَي الآثارِ فَارجِعني إلَيكَ بِكِسوَةِ الأَنوارِ وهِدايَةِ الاِستِبصارِ، حَتّي أرجِعَ إلَيكَ مِنها كَما دَخَلتُ إلَيكَ مِنها؛ مَصونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيها، ومَرفوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعتِمادِ عَلَيها، إنَّكَ عَلي كُلِّ شَي ءٍ قَديرٌ....

إلهي! اُطلُبني بِرَحمَتِكَ حَتّي أصِلَ إلَيكَ، وَاجذِبني بِمَنِّكَ حَتّي اُقبِلَ عَلَيكَ...

إلهي! عَلِمتُ بِاختِلافِ الآثارِ، وتَنَقُّلاتِ الأَطوارِ، أنَّ مُرادَكَ مِنّي أن تَتَعَرَّفَ إلَيَّ في كُلِّ شَي ءٍ حَتّي لا أجهَلَكَ في شَي ءٍ....

أنتَ الَّذي أشرَقتَ الأَنوارَ في قُلوبِ أولِيائِكَ حَتّي عَرَفوكَ ووَحَّدوكَ، وأنتَ الَّذي أزَلتَ الأَغيارَ عَن قُلوبِ أحِبّائِكَ حَتّي لَم يُحِبّوا سِواكَ ولَم يَلجَؤوا إلي غَيرِكَ، أنتَ المُونِسُ لَهُم حَيثُ أوحَشَتهُمُ العَوالِمُ، وأنتَ الَّذي هَدَيتَهُم حَيثُ استَبانَت لَهُمُ المَعالِمُ.

ماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ؟ ومَا الَّذي فَقَدَ مَن وَجَدَكَ؟ لَقَد خابَ مَن رَضِيَ دونَكَ بَدَلاً، ولَقَد خَسِرَ مَن بَغي عَنكَ مُتَحَوِّلاً.

كَيفَ يُرجي سِواكَ وأنتَ ما قَطَعتَ الإِحسانَ؟ وكَيفَ يُطلَبُ مِن غَيرِكَ وأنتَ ما بَدَّلتَ عادَةَ الاِمتِنانِ؟...

أنتَ الَّذي لا إلهَ غَيرُكَ، تَعَرَّفتَ لِكُلِّ شَي ءٍ فَما جَهِلَكَ شَي ءٌ، وأنتَ الَّذي تَعَرَّفتَ إلَيَّ في كُلِّ شَي ءٍ فَرَأَيتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَي ءٍ، وأنتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَي ءٍ. يا مَنِ

استَوي بِرَحمانِيَّتِهِ فَصارَ العَرشُ غَيباً في ذاتِهِ، مَحَقتَ الآثارَ بِالآثارِ، ومَحَوتَ الأَغيارَ بِمُحيطاتِ أفلاكِ الأَنوارِ.

يا مَن احتَجَبَ في سُرادِقاتِ [6] عَرشِهِ عَن أن تُدرِكَهُ الأَبصارُ، يا مَن تَجَلّي بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَت عَظَمَتُهُ مِنَ الاِستِواءِ، كَيفَ تَخفي وأنتَ الظّاهِرُ؟ أم كَيفَ تَغيبُ وأنتَ الرَّقيبُ الحاضِرُ؟ إنَّكَ عَلي كُلِّ شَي ءٍ قَديرٌ، وَالحَمدُ للَّهِِ وَحدَهُ. [7] .


پاورقي

[1] ذکر في هامش المصدر أنّ في بعض النسخ: «عن الحسن بن عليّ».

[2] في المصدر: «فإن کان من حاز عليه البصر»، والتصويب من بحار الأنوار.

[3] الأنعام: 103.

[4] الأعراف: 143.

[5] کفاية الأثر: ص 257 عن هشام عن الإمام الصادق عن آبائه‏ عليهم السلام، بحار الأنوار: ج 4 ص 54 ح 34.

[6] السُّرادق: وهو کلّ ما أحاط بشي‏ء من حائط أو مضرب أو خباء (النهاية: ج 2 ص 359 «سردق»).

[7] الإقبال‏طبعة دار الکتب الإسلاميّة): ص 348، بحار الأنوار: ج 98 ص 225 ح 3.