بازگشت

متن خطبه


بسم اللَّه الرحمن الرحيم

اَلْحَمْدُلِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلي خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الَّذينَ اَذْهَبَ اللَّه عَنْهُم الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهيراً.

أمّا بعدُ فإنَّ هذا الطّاغيةَ قَد فَعَلَ بنا و بشيعتِنا ما قد رأيتُم و علِمْتُم و شهِدْتُم و إنّي اُريدُ أن أسألَكُم عن شئٍ فإنْ صدقتُ فصدِّقوني، و إن كذبتُ فكذِّبوني، اسمعوا مقالتي و اكتبوا قولي ثمّ ارجعوا إلي أمصارِكُم و قبائِلِكُم، فَمَن أمِنْتُم من النّاسِ وَ وَثِقْتُم بِهِ فِادعوهم إلي ما تعلمونَ من حقِّنا فإنّي أتخوَّفُ أن يدرسَ هذا الأمرُ و يذهبَ الحقُّ و يُغلَب و اللَّهُ متمُّ نورهِ و لو كَرِهَ الكافرونَ.

اُنشِدكُم اللَّه أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- حين آخي بين أصحابِهِ فآخي بينه و بين نفسه و قال: أنت أخي و أنا أخوك في الدّنيا و الآخرة؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم اللَّه هل تعلمون أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله- اشتري موضعَ مسجدِهِ و منازِلِهِ فَاْبتناهُ ثُمّ اْبتني فيه عشرةَ منازل تسعة له و جعل عاشرها في وسطِها


لأبي، ثمّ سَدَّ كُلَّ بابٍ شارعٍ إلي المسجدِ غيرَ بابهِ، فتكلَّمَ في ذلك من تكلَّمَ، فقال: ما أنَا سددتُ أبوابَكُمْ و فتحتُ بابَهُ ولكنّ اللَّه أمرني بسدِّ أبوابِكُم و فتحِ بابِه، ثمّ نهي النّاس أن يناموا في المسجد غيره، و كان يُجنب في المسجد و منزله في منزل رسول اللَّه- صلي اللَّه عليه و آله- فوُلِدَ لرسولِ اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- و له فيه أولادٌ؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حَرِصَ علي كُوَّةٍ قَدْرَ عينهِ يَدَعُها في منزلهِ إلي المسجدِ فأبي عليه، ثُمّ خطب فقال: إنّ اللَّه أمرني أن أبنيَ مسجداً «طاهراً» لا يسكُنُهُ غيري و غير أخي و بنيه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- نصبه يوم غدير خمّ فنادي له بالولايةِ و قال: ليبلّغ الشّاهدُ الغائب؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه- صلي اللَّه عليه و آله- قال له في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلةِ هارونَ مِنْ مُوسي، و أنت وليُّ كُلِّ مُؤمنٍ بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- حين دعا النّصاري من أهلِ نجرانَ إلي المباهلةِ لم يأتِ إلّا بهِ و بصاحبَتِهِ و ابنيهِ؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: اُنشدكم اللَّه أتعلمونَ


أنَّهُ دفع إليه اللّواء يومَ خيبر ثمّ قال: لأدفعه إلي رجلٍ يحبُّهُ اللَّهُ و رسولُهُ و يُحِبُّ اللَّهَ و رسولَهُ كرّارٌ غير فرّارٍ، يفتحُها اللَّهُ علي يديه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمون أنّ رسول اللَّه بعثه ببراءَةٍ و قال: لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجلٌ منّي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمون أنّ رسول اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- لم تنزل به شدّهٌ قطُّ إلّا قدّمَهُ لها ثقةً بهِ و انّه لم يدْعُهُ باْسمِهِ قطُّ إلّا يقولّ: يا أخي، واْدعُوا لي أخي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمونَ أنّ رسولَ اللَّهِ- صلّي اللَّه عليه و آله- قضي بينَهُ و بينَ جعفرٍ و زيدٍ فقال: يا عليُّ أنتَ منّي و أنامنك، و أنت وليُّ كُلِّ مُؤمنٍ بعدي؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمون أنَّهُ كانت له مِنْ رَسُول اِللَّه- صلي اللَّه عليه و آله- كلَّ يومٍ خلوةٌ و كُلَّ ليلةٍ دخْلَةٌ إذا سألَهُ أعطاهُ و إذا سكتَ أبداه؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- فضّله علي جعفرٍ و حمزة حين قال: لفاطمةَ- عليهاالسّلام- زوّجْتُكِ خيرَ أهلِ بيتي، أقدمَهُمْ سِلْماً، وأعظَمَهُمْ حِلْماً، و أكثَرَهُم عِلْماً؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمون أنّ رسولَ اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- قال: أنا سيّدُ وُلْدِبني آدَمَ، و أخي علّي سيّدُ العرَبِ، و فاطمةُ سيّدةُ نساءِ أهلِ الجنّةِ، والحسنُ و الحسينُ ابناي سيّدا شبابِ


أهلِ الجنةِ؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمونَ أنّ رسولَ اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- أمره بغسلِهِ و أخبرَهُ أنّ جبرئيلَ يُعينُهُ عَلَيْهِ؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال: أتعلمونَ أنَّ رسولَ اللَّه- صلّي اللَّه عليه و آله- قال في آخر خطبةٍ خَطَبَها: إنّي تركتُ فيكُمُ الثِّقْلَيْنِ كتابَ اللَّهِ و أهلَ بيتي، فتمسَّكُوا بهِما لن تَضِلُّوا؟ قالوا: اللّهمّ نعم.

ثمّ ناشَدَهُم أنّهم قد سمعوه يقول: مَن زَعَم أنَّهُ يُحبُّني و يُبغِضُ عليّاً فقد كَذِبَ، ليسَ يُحبّني و يُبغضُ عليّاً، فقال له قائل: يا رسول اللَّه و كيف ذلك؟ قال: لأنّه منّي و أنا منهُ، من أحبَّهُ فقد أحَبَّني، و مَن أحبَّني فقد أحبَّ اللَّهَ، و مَن أبغضَهُ فقد أبغضَني، و من أبغضني فقد أبغض اللَّه؟ فقالوا: اللّهمّ نعم، قد سمعنا...

اعتبروا أيُّها النَّاسُ بها وَعَظَ اللَّهُ به أولياءَهُ من سُوءِ ثَنائِهِ علي الأحبار إذْ يقول: «لَوْلا ينهاهُمُ الرّبّانيّوُنَ و الأحبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ» و قال: «لُعِنَ الّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إسْرَائيلَ- إلي قوله- لبئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» و إنَّما عابَ اللَّهُ ذلك عليهم، لأنّهم كانوا يَرَوْنَ من الظَّلَمَةِ الّذين بين أظْهُرِهِم المُنكرَ والفَساد فلا ينهونهم عن ذلك رَغبةً فيما كانوا ينالونَ منهم و


رهبةً ممّا يحذرونَ و اللَّهُ يقول: «فلا تَخْشَواْ النَّاسَ وَ اْخشَوْن» و قال: «المُؤْمِنُونَ و المُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أولياءُ بَعْضٍ يأمرونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ» فبدأاللَّهُ بالأمرِ بالمعروفِ و النّهي عن المنكر فريضةً منه لعلمِه بأنَّها إذا اُدِّيَتْ و اُقيمت استقامتِ الفرائضُ كلُّها هَيِّنُها و صَعْبُها و ذلك أنّ الأمرَ بالمعروفِ و النّهيَ عنَ المُنْكر دعاءٌ إلي الإسلام مع ردِّ المَظَالِم و مخالفةِ الظّالمِ و قسمةِ الفَي ء والغنائمِ و أخذِ الصَّدَقاتِ من مواضِعِها و وضعِها في حقّها.

ثمّ أنتم أيّتُها العصابةٌ عصابةٌ بالعِلْمِ مشهورةٌ و بالخيرِ مذكورةٌ و بالنّصيحة معروفة و باللَّه في أنفُسِ النّاسِ مهابةٌ، يهابُكُمُ الشّريفُ وَ يُكْرِمُكُمُ الضعيفُ وَ يُؤْثِرُكُم مَنْ لافضلَ لكُمْ عليه، و لا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائجِ إذا متُنِعَتْ مِنْ طُلّابِها، و تمشُونَ في الطّريقِ بهيبة الملوك و كرامة الأكابرِ أليس كُلّ ذلك إنّما نِلتموُهُ بما يُرجي عندكُم من القيامِ بحقِّ اللَّهِ و إن كنتم عن أكثر حقّهِ تقصُرُونَ فاسْتَخْفَفْتُمْ بحقّ الأئمة، فأمّا حقّ الضُّعَفاءِ فَضَيَّعْتُمْ، و أمّا حقّكم بزعْمِكُمْ فَطَلَبْتُم فَلا مالاً بذلتموه، و لانفساً خاطَرْتُم بِها للّذي خَلَقَها، و لا عشيرةً عاديتموها في ذاتِ اللَّه.


أنتُم تتمنّونَ علي اللَّه جَنَّتَهُ و مجاورةَ رُسُلِهِ و أماناً من عذابهِ، لقد خشيتُ عليكم أيُّها المُتَمَنّونَ علي اللَّه أن تَحِلَّ بكُم نقمةٌ مِن نقماتِهِ لأنكم بلغتم من كرامة اللَّه منزلة فُضّلتمْ بِها و من يُعرَفُ باللَّه لا تُكْرِمُونَ و أنتُم باللَّه في عباده تُكْرَمُونَ، و قد تَرَوْنَ عهودَ اللَّهَ منقوضَةً فلا تَفزَعُون و أنتُم لبعضِ ذِمَمِ آبائِكُمْ تَفْزَعُون وَ ذِمّةُ رسولِ اللَّه مخفورةٌ محفورةٌ والعُميُ والبُكُم و الزّمني في المدائنِ مهملة لاتُرحَمُونَ و لا في مَنزِلَتِكُم تعملون، و لا مَنْ عَمِلَ فيها تُعينون.

و بالادّهانِ و المُصَانَعَةِ عند الظَلَمَةِ تأمنون، كُلّ ذلك ممّا أمركم اللَّهُ بهِ من النّهي و التّناهي و أنتم عنه غافلونَ، و أنتُم أعظم النّاس مصيبة لما غلبتم عليه من منازِل العلماء لو كنتُم تشعرون، ذلك بأنّ مجاريَ الأُمورِ و الأحكامِ عَلَي أيدي العُلَماء باللَّه الاُمناءِ عَلَي حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ، فأنتُم المَسْلُوبونَ تلك المنزلةِ وَ ما سُلِبْتُم ذلك إلّا بتفرُّقِكُم عِن الحقِّ و أختلافِكُم في السنّة بعد البيّنة الواضحة وَ لَوْ صَبَرْتُم علَي الأذَي و تحمّلْتُم المؤونة في ذاتِ اللَّه كانت اُمور اللَّه عليكُم تَرِدُ و عنكم تصْدُرُ وَ إلَيْكُمْ تَرْجعُ، ولكنَّكُم مكّنتُم الظَّلَمَة مِنْ منزِلَتِكُمْ، واستسلمتم اُمور اللَّهِ في أيديهم يَعملون بالشُّبُهاتِ و


يَسيرونَ في الشَّهَواتِ، سلّطهم علي ذلك فرارُكُم مِنَ الموتِ وإعجابُكُم بالحياة التّي هي مفارقتُكُم فأسلمتم الضُّعفاءَ في أيديهم؛ فمن بين مُستعبَدٍ مقهورٍ، و بين مستضعَف علي معيشتِهِ مغلوبٍ، يتقلّبونَ في المُلكِ بآرائهِم، و يستشعِرونَ الخِزْيَ بأهوائهم اقتدءاً بالأشرار و جرأَةً علي الجّبارِ، في كُلّ بَلَدٍ منهم علي مِنْبَرِهِ خطيبٌ مُصْقعٌ، فالأرضُ لهم شاغرةٌ و أيديهم فيها مبسوطة و النّاسُ لهم خَوَل، لا يدفعون يد لامسٍ، فمن بين جبّار عنيدٍ، و ذي سطوةٍ علي الضعفةِ شديدٍ، مُطَاعٍ لا يَعْرِفُ المُبْدِئِ المعيدَ، فيا عجباً! و مالي لا أعجبُ و الأرض من غاشٍّ غَشُومٍ، و متصدِّقٍ ظلومٍ، و عامِلٍ علي المُؤمنينَ بهم غيرُ رحيم، فاللَّه الحاكمُ فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تَنافُساً في سُلْطَانٍ، و لا الْتِماساً من فضولِ الحطامِ، ولكن لنُرِيَ المعالِمَ من دينك، و نُظْهِرَ الإصلاحَ في بلادِكَ، و يأمنَ المظلُومونَ مِنْ عبادِكَ، و يُعْمَلَ بفرائِضِكَ و سُنَنِكَ و أحكامِكَ، فإنَّكُم إن لا تَنْصُرونا و تنصفونا قويت الظّلمه عليكم، و عَمِلَوا في إطفاءِ نُورِنَبيِّكُم، و حسبُنا اللَّهُ و عليه توكّلنا و إليه اُنَبْنَا و إليه المصيرُ.