بازگشت

من فيض مواكب الفداء الحسيني (التطبير)


مراده المعروف في زماننا هذا.شيء من الفيض

خصائص وآثار مواكب التطبير الحسيني

يمكن أن نجمل هذه الخصائص والآثار في الأبعاد التالية:

البعد التربوي:

إذ إن التطبير بمثابة نوعٍ من أنواع المجاهدات والرياضات الروحانية التي تؤلم الجسد وتصقل الروح فتعطي الإنسان قدرةً علي الإيثار وتقدح في روحه وجنانه جذوة التضحية ممّا يبعث فيها صفاء السريرة ولين الجانب.

2-البعد القربي:

حيث يتجلّي في التطبير معني الجزع المندوب، والبكاء، والإبكاء إلي غير ذلك من القربات التي حثّت عليها وصايا المعصومين (عليهم السلام) والتي يترتّب عليها عظيم الأجر والثواب.

3- البعد العشقي (المودّة الخالصة):

إذ أنّ امتزاج عواطف الحب الصادقة ودوافع المودّة الخالصة المنزّهة من الشوائب الدنيوية مع لوعة الأسي وحسرة الأسف ينتج نوعاً من العشق والهيام الذي لا يعرفه إلاّ أهله الذين تتوهّج قلوبهم بما يكويها ويجعلها مشدودةً إلي محبوبها برباط لا يحلّ.

وما التطبير إلا نفثة تجعل العاشق في خيال عشقه قريباً من الواقعة التي يتضوّر قلبه حين يمرّ خاطرها، وتبقي القلوب المخلصة في طوافٍ مع الحسين (عليه السلام) وعنده وحوله صلوات الله عليه.

4- البعد الإحيائي (إحياء الأمر):

لا شكّ إنّ مواكب التطبير الحسيني تتميز بالمشاركة الجماهيرية الحاشدة أولاً، وبتفاعل المشتركين والحاضرين عاطفياً وقلبياً وعقائدياً مع الهدف الذي عقدت لأجله هذه المواكب ثانياً. كلّ ذلك من دون ضغطٍ من سلطة معينة، أو خوفٍ من جهةٍ ما، أو طمعٍ في شيءٍ من حطام الدنيا، أو انسياقٍ خلف حملة إعلامية ودعائية تدعو لهذا الطرف أو ذاك. بل يصعب ويتعذّر علي الحكومات والجهات المختلفة مهما بذلت من أموالٍ أو أبدت من ضغط أو أشاعت من دعاية أن تكسب الاثنين معاً: كثرة الجماهير وتفاعل قلوبها لصالح أمرٍ تريده تلك الحكومة أو هذه الجهة. بينما يتحقق هذان الأمران في مواكب التطبير الحسيني في كل الأحوال المواتية وغير المواتية سواء منعت أم لم تمنع من أي جهةٍ كانت. وبذاك تكون مواكب التطبير الحسيني معلماً شاخصاً في تأريخ الشعائر الحسينية التي كانت ولازالت ركناً أساسياً في إحياء أمر آل محمّد صلوات الله عليهم جميعا، وكفي بذلك فائدةً ومنفعة.

5- البعد الفنّي أو المشاعري:

من الواضح جداً أنّ الفنّ وسيلة من وسائل التعبير، وأسلوب من أساليب الإيصال والتلقين، إلاّ أنه أشدّ تأثيراً من غيره علي إرهاف الحس، وتهذيب الذوق، وتنقية العواطف. وكلّما كان الفنان في فنّه - أيّاً كان نوع هذا الفن - أقرب إلي الحقيقة في تعبيره كلما كان تأثيره في المتلقي مشاهداً أو مستمعاً أو الاثنين معاً أشدّ وأركز. فعلي سبيل المثال: فنّ التمثيل مثلاً، والذي يعتبر الأعظم تأثيراً علي المجتمع الإنساني وخصوصاً في وقتنا الراهن، يبرع الفنان فيه كلما كان يمتلك قدرةً أقوي وأدق في تقمّص الشخصيات التي يمثّل أدوارها.. فلو بكي الممثّل حقيقة علي خشبة المسرح مثلاً سيكون أشدّ تأثيراً علي جمهوره مما لو مثّل البكاء اصطناعاً، وهكذا في سائر الفنون الأخري مع ملاحظة أنّ كلّ فنٍ بحسبه وبحسب أسلوبه التعبيري المناسب له وانتمائه المدرسي عقيدةً وفناً.

وما التطبير الحسيني في هذا السياق إلاّ نوع من أنواع التعبير التراجيدي المفجع الذي يتناغم مع الوجدان الإنساني عازفاً علي أوتار الحزن والمأساة في مكنون ضمير الإنسان وطوايا خلجاته النفسية.. فكما إن الدموع الحقيقية التي يذرفها الممثل نتيجة تفاعله مع أي قصة أثناء أدائه لدور مأساوي تترك تأثيراً واضحاً علي الجمهور السينمائي أو التلفزيوني أو المسرحي، وكما أن الدموع الحقيقية المتفجّرة بصدقٍ من عيني شاعرٍ مبدعٍ أثناء إلقاء شعره إلقاءاً فنياً تبعث علي الهياج في نفوس الجماهير كذلك هو انبعاث الدم من الرؤوس حين يصبغ الأكفان البيضاء مع دويّ الحناجر بكلّ صدقٍ وعاطفة: (يا حسين.. يا حسين) يحفر أخاديد من التأثير في قلوب المشاركين والمشاهدين لمواكب الفداء الحسيني (مواكب التطبير) من محبي أهل البيت وأشياعهم صلوات الله عليهم ويجعلهم يعيشون في جوهر أقرب ما يكون إلي جوّ الواقعة.. وكلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرضٍ كربلاء، و كلّ شهرٍ محرّم، حتي تقوم دولة الحق.

وفضلاً عن كل ذلك فإنّ الاسترسالية و الاندفاع العقائدي، و عدم التكلّف والتصنّع كل ذاك من دون أيّ مؤثّرات خارجية بعيداً عن الديكورات المصطنعة والمكياج المزيّف والحيل الفنية والإخراجية يجعل من أجواء مواكب التطبير الحسيني أرقي ما يمكن أن تعبّر عنه التراجيديا الواقعية، بما تعكسه من تأثيرات وانفعالات نفسية تصقل فيها بواطن النفوس وتشحذ فيها العواطف بنحوٍ إيجابي باتجاه الغاية المطلوبة بكل أهدافها السامية و جمالياتها اللامتناهية.

[1] .

شيء من كرامة التطبير الحسيني

جاء في كتاب (أحسن الجزاء في إقامة العزاء علي سيّد الشهداء (عليه السلام)) للسيد محمّد رضا الحسيني الأعرجي في ج 2 ص 67 ما نصّه:

(الحكاية الخامسة: وهي كما حدّثني بها الوالد [2] الماجد سلّمه الله وأبقاه، ومن كل مكروه وقاه، بحق البيت ومن بناه، نقلاً عن المرحوم الشيخ علي الساعاتي. قال: كان الشيخ علي رحمه الله من عادته في كل سنة أن يصنع دواء من أجل أهل التطبير في يوم عاشوراء لجرحهم رؤوسهم بالسيوف والقامات، حتي يحصل البرء سريعاً، ولئلا يتحمّل الماء ويبقي الجرح في الرأس. وكان عادة أهل التطبير أخذ الدواء منه في كل سنة ليلة عاشوراء. واتفق في سنةٍ إتيانهم لأخذ الدواء علي عادتهم في تلك الليلة من الشيخ علي رحمه الله، فأعطاهم ظرف التيزاب اشتباهاً بدل ظرف الدواء، ولم يعلم بذلك إلا بعد يوم أو يومين، حيث اتّفق أن وقع نظره علي ظرف الدواء المعدّ لأهل العزاء، فتذكّر في الحال أنّه أعطاهم ظرف التيزاب بدل ذلك، فتغيّر لونه وأيقن بهلاك الجماعة. وبعد ذلك أتي إليه من أخذ ذلك منه، ليشكره علي عمله. وقال: شخنا جزاك الله خيراً، إنّ دواءك في هذه السنة أحسن من السنين الماضية بكثير، فإنّه بمجرّد وضعه علي الجرح كان يبرأ في الفور.

قال رحمه الله: فتعجّبت من قوله، وما صدّقت كلامه حتي حقّقت ذلك، فحصل لي اليقين من كلامه، فحمدت الله تعالي علي ذلك، وعلمت أنه معجزة سيد الشهداء (عليه السلام) ونظر لطفه ومحبّته بالنسبة إلي من يقيم عزاءه).

سيدي يا حسين...!



عباراتنا شتّي وحسنك واحد

وكـــلّ إلي ذاك الجمال يشير




پاورقي

[1] هو المرجع الديني المعروف السيد کاظم اليزدي (ره).

[2] هو السيد جعفر الحسيني والد مؤلف الکتاب المذکور أعلاه.