بازگشت

التبرع بالدم هل هو بديل افضل؟


يطرح البعض التبرع بالدم لأجل إعانة مريضٍ في إشفائه أو ربما في إنقاذ حياته بديلاً عن مواكب التطبير الحسيني. ونحن هنا لا نريد التشكيك في ما وراء هذا الكلام كما يذهب آخرون إلي ذلك وربما صدقوا في شكوكهم وربما لم يصدقوا. لا شأن لنا بذلك. ولا نريد الاعتراض عليهم للجدل بما هو جدل؛ فنقول لهم: إن كنتم تقولون بأنّ التطبير الحسيني بدعة ولا دليل عليه كما تدّعون، فإنّ التبرع بالدم كذلك بدعة ولا دليل من الكتاب أو السنة ينصّ عليه، وهذا الكلام وارد جداً في النقاش مع القطع بأنهم لا يملكون رداً علي ذلك. لكننا نريد مناقشة الموضوع للوصول إلي حقيقة الأمر التي يطلبها كل منصفٍ وعاقلٍ سويّ. لذا سأجمع شتات كلامي في عدة نقاطٍ مهمة لأجل إيضاح المطلب بأسلوب مناسب: [1] .

الأساس الذي يتبنّاه الذين طرحوا التبرع بالدم بديلاً عن التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) هو:

أ- إنّ التطبير فيه إهدار لكميةٍ لا بأس بها من الدماء، والتبرع بها يكون مانعاً لهذا الإهدار وسبباً للاستفادة منها في المستشفيات العامة.

ب - التبرّع بالدم قيمة حضارية.

فأقول: ما المراد من الإهدار أو الإسراف؟ أهكذا يلقي الكلام علي عواهنه من دون تدبّر وفهم وإدراك؟!

الإهدار والإسراف الذي ترفضه شريعتنا و تحرّمه ويرفضه العقل قطعاً ويأباه هو بذل ما له قيمة من دون تحصيل أيّ فائدة ومنفعةٍ مقصودة. ولا تنحصر المنافع والفوائد في المادّيات فحسب إذ أنّ باب المنافع والمقاصد المعنوية أوسع بكثير من باب الماديات خصوصاً في حياة أهل الإيمان والتديّن بدين محمّد وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. فكيف يكون الدّم النازف من رؤوس المعزّين والمحزونين لأجل غريب فاطمة وشهيدها المظلوم صلوات الله عليهما يذهب هدراً من دون قيمةٍ معنوية تتناسب ومعنوية المقام الحسيني المحمود ولا أظنّ أنّ أحداً من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ممّن يديمون الاشتراك والحضور في مواكب التطبير الحسيني ينكر الفائدة المعنوية التي يتحسسها في أعماق وجدانه. نعم ربما يأتي كاتب أو صحفي أو مصور أو مراسل أخبار أو من أولئك الذين يحسبون أنفسهم أوصياء علي الناس فيجلسون بين جدران أربع بعيدين عن واقع الحياة ووجدان أبناء مجتمعهم فيقولون بأننا لا نري لمواكب التطبير من فائدة، من دون أن يتذوقوا ما تذوقه الآخرون الممارسون والقريبون من الأمر......



ذق مــــــــا أذوق وبعده

قل ما تشاء من الفضول



ومن هنا فإنّ نزف مقدارٍ من الدماء لأجل ترسيخ قيمةٍ معنوية لا يدرك قدرها إلا الله تعالي وخاصة أوليائه صلوات الله عليهم الذين منّ عليهم بعلمه وحكمته كيف يكون هدراً و إسرافاً؟!

ومع كلّ ذلك فإننا إذا نظرنا بدقةٍ لوجدنا أن احتمال الإهدار والإسراف في التبرع بالدم أكثر من إهدار الدم في مواكب التطبير الحسيني لو أردنا أن ننكر القيمة المعنوية وآثارها النفسية السامية في نفوس أهل العزاء والمشاركين لهم.

وذلك:

أنّ التطبير يكون في يوم عاشوراء وفي وقتٍ محدودٍ ومعينٍ من ذلك اليوم بينما يبقي باب التبرع بالدماء مفتوحاً طيلة أيام السنة:

يوم واحد مقابل سنة كاملة فكم ستكون كميات الدم المتبرع بها؟

فسيقول قائل: بأنّ هذه الدماء ينتفع منها في اشفاء مريض أو في إنقاذ حياته.

فأقول:

أ- كل دم يتبرّع به لبنوك الدم أو المستشفيات سيكون فاسداً وغير قابل للاستفادة منه بعد ثلاثة أشهر هذا إذا أن المتبرّع بدمه سليماً من الأمراض والأوبئة وكان دمه صالحاً للخزن والتبريد ولم يفسد خلال الأشهر الثلاثة التي يخزن فيها. وهذا يعني أنّ مقادير كثيرة من الدماء ستذهب هدراً بعد ثلاثة أشهر إن لم يكن قد تمّت الاستفادة منها في المدة المذكورة.

ب - قد يتبرّع بدماء كثيرة من فصيلة دمويّة معينة أكثر من القدر الذي يحتاج إليه وبذلك ستذهب هدراً بعد مدة الخزن المعلومة، مضافاً إلي ذلك ما يبذل من أموال وجهود من قبل مؤسسات وبنوك الدم في أدائهم لعملهم هذا سواء في الحفظ والخزن أو في الإتلاف بعد ذلك حين فساد تلك الدماء أو بسبب عدم الحاجة إليها إذ أنّ عملية الإتلاف هي أيضاً بحاجةٍ إلي جهدٍ ومتابعة.

ج - ربما يستفاد من هذه الدماء في اشفاء أناس يجرّون الويلات علي مجتمعهم ويكونون سبباً للإجرام والإفساد ويحتمل العكس أيضاً. لكن مع وجود هذا الاحتمال السيئ سيقوي احتمال الإهدار والإسراف في الدماء المتبرّع بها بنحوٍ أكثر من احتمال الإهدار في مواكب التطبير مع غضّ النظر عن الفائدة المعنوية. وكلّ هذا كلام للجدل فقط وإلا فالحقيقة أنّ لا إهدار في التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) إذ الفائدة المقصودة معنوية وبعيدة عن الماديات كلّ البعد. وكذلك بالنسبة للتبرع بالدم لإشفاء مريض أو ربما لإنقاذ حياته فهو وإن كان هناك إهدار بالفعل لكثرة ما يفسد من الدماء من دون استعمال وفائدة أو ما يحتمل من أن يكون إعانة لمجرم أو طاغية يهلك الحرث والنسل لكن كل ذلك لا ينظر إليه بسبب عظيم ما قد يتحقق من فائدة في اشفاء إنسان صالح من مرضه أو إنقاذ حياة آخر ممن يستحق الإنقاذ أو يكون واجباً إنقاذه لا يجوز التخلف عنه ولكن تبقي الأفضلية للتطبير الحسيني في مراسم العزاء العاشورائي جليّةً وهذا ما سيتضح لك بشكلٍ قوي فيما يأتي من السطور. وأضيف إلي ذلك عجبي من هؤلاء الذين يتكلّمون عن الإهدار والإسراف في كمية محدودة من الدم وفي نفس الوقت يرون ما ينفق من أموال كثيرة ومن جهود إنسانية هائلة مع ما يرافق ذلك من احتمال أضرار صحية قوية أثناء التدريب أو أثناء اللعب من المسؤولين الحكوميين علي اختلاف المستويات وصرف لأوقات طويلة وبذل جهود إعلامية هائلة لأجل أن يشترك فريق كرة القدم الوطني في دوري من الدوريات الرياضية حتي وإن لم يصل إلي الفوز ويعدّون ذلك قيمة حضارية إلي غير ذلك مما ينفق من الأموال الطائلة في كثير من المؤتمرات التي لا طائل تحتها أو للتطبيل والتزمير الإعلامي لهذه الشخصية أو تلك مستحقة كانت أم لا أو في المهرجانات السنوية أو المناسبات الوطنية أو لموت قائد أو لإحياء ذكراه وهكذا..... فلا يعدّون ذلك إسرافاً وإهداراً للأموال والأفكار وجهود العاملين والوقت إلي غير ذلك وإنما يعتبرون النتيجة في الحاصل المعنوي والثمرة المعنوية الناتجة من كل ما تقدّم... أمّا حينما يصل الكلام إلي التطبير حزناً وجزعاً علي إمامنا المظلوم الشهيد صلوات الله عليه فيكون ويكون....

هذا ما يتعلّق بالإهدار. أما القيمة الحضارية فما هي ياتري؟

قطعاً إنّ كلّ عملٍ يساهم في استمرار وتكامل حياة الإنسان بالنحو الأفضل في بعدها المادي أو في بعدها المعنوي أو في البعدين معاً يمكننا أن نصفه بالعمل الحضاري أو أن نعتبره ذا قيمةٍ حضارية. وهذا المعني إذا كان ينطبق علي التبرع بالدم وهو كذلك - إذ لا شك أنّ إشفاء مريض أو ربما إنقاذ حياته عمل حضاري وذو قيمةً حضاريةٍ ممتازة - فهو ينطبق بنحو أقوي ودرجةٍ أشد علي التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام؛ إذ أنّ ثمرة هذا العمل هو تشديد العُلقة وتعميق الرابطة مع ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو مجمع الفضائل، ومركز الإباء والكرامة، ومحور الإخلاص والتوحيد، وقرآن الله الناطق في خلقه، أبو الأحرار، وركن الإيمان، ومعقل الإسلام.



وأيّ ذبـــيح داســــــت الخيل صدره

وفـــــرسانــــها مــــن ذكـــره تتجمّد



الــــــم تـــدري أنّ روح محـــــــــمدٍ

كقــــــرآنه فـــــي سبـــــطه متـجسّد



فـــــلو عـــلمت تلــك الخيول كاهلها

بـــــأنّ الـــذي تــحـت السنابك أحمد



لثـــارت عـــلي فــــرسانها وتمرّدت

عـليـــهم كما ثاروا بها وتمرّدوا [2] .



ولا يخفي علي أهل الإيمان أنّ حبّ الحسين هو حبّ آل محمّد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، والذين امرنا أن نخاطبهم:

(السلام علي الذين من والاهم فقد والي الله، ومن عاداهم فقد عادي الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ومن تخلّي منهم فقد تخلّي من الله) [3] .

فأية قيمة حضارية أسمي من ذلك، وأيّ عملٍ حضاريّ أشرف من عمل يشدّنا إلي الله سبحانه وتعالي، ويأخذنا إلي فناء الحقّ والطهر محمّدٍ وآل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.

بعد مناقشة مسألة الإهدار والإسراف ومسألة القيمة الحضارية واتضاح الأمر بشكلٍ جليّ فإني سأجري بين يديك عزيزي القارئ مقارنة سريعة بين التبرّع بالدم والتطبير حزناً وجزعاً علي أبي الأحرار وسيد الشهداء صلوات الله عليه:

أ- من جهة أصل شرعيتهما فهما متساويان؛ إذ أنّ التطبير مصداق لإظهار الحزن والجزع علي سيد شباب أهل الجنة عليه السلام. وكذلك فإنّ التبرّع بالدم مصداق لإعانة المحتاج وإغاثة المريض والجريح ومن هو بحاجةٍ إلي مساعدة. وكلا الأمرين ممّا أوصت بهما شريعتنا وأكّدت عليهما تعاليم أهل البيت (عليهم السلام). فيكون عندنا نقطة في كفّة كل واحد منهما.

ب - وأمّا من جهة فائدة الاثنين للناس فكلاهما مفيد في بابه إذ التطبير الحسيني معنويّ المنفعة، والتبرّع بالدم ماديّ المنفعة. وبشهادة كلمات المعصومين (عليهم السلام) فإنّ المنفعة المعنوية مقدّمة علي المنفعة المادية وعلي سبيل المثال ما جاء في الرواية المعتبرة الشريفة: (عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قول الله عز وجل في كتابه: (ومن أحياها فكأنما أحيي الناس جميعا) [4] قال: من حرقٍ أو غرق. قلت: فمن أخرجها من ضلالٍ إلي هدي؟ قال: ذاك تأويلها الأعظم) [5] .

حيث عدّ إمامنا الباقر (عليه السلام) إنقاذ الآخرين من حريقٍ أو من غرق من مصاديق إحياء النفس لكن في جانبها المادي ومبيناً في نفس الوقت بأنّ إخراج الإنسان من ضلالٍ إلي هديً من مصاديق إحياء النفس في جانبها المعنوي بأنّه أعلي درجةً من سابقه حيث قال (عليه السلام): (ذاك تأويلها الأعظم).

وهنا لابدّ أن أشير إلي مراتب إحياء النفس المعنوي بنحوٍ إجمالي:

أولاً- إخراجها من الضلال الكلي إلي الهدي الكلي، كإخراجها من الكفر إلي الإيمان، ومن الشرك إلي التوحيد.

ثانياً- إخراجها من ضلال جزئي إلي هديً جزئي، كإخراجها من اعتقاد فاسدٍ في جانب من جوانب الدين والاعتقاد إلي ما هو الحق والصواب والهدي في ذلك الأمر. وربما يظهر من الرواية التي بين أيدينا أنها تشير إلي هذا المعني وذلك أنها استعملت كلمتي الضلال والهدي في حال تنكيرٍ وتنوين إذ قالت: (من ضلالٍ إلي هديً).

ثالثاً- إخراجها من الدرجة المفضولة في عالم الهدي إلي الدرجة الفاضلة ومنها إلي الدرجة الأفضل وهكذا. فذلك أيضاً هو مرتبة من مراتب إحياء النفس وذلك بالتسابق والمسارعة في وإلي أعلي الدرجات والرتب.

ولا شكّ فإنّ الازدياد في توثيق وتعميق الرابطة القلبية والمودة العاطفية والتصديق الوجداني والعقلي مع سيد الشهداء صلوات الله عليه هو داخل في النوع الثالث من أنواع إحياء النفس لأنّ ذلك يؤدي إلي الترقي في درجات الإيمان ومراتب القرب من الله سبحانه وتعالي. ولا ريب فإنّ لمواكب التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) تأثيراً في هذا الجانب، لا أقول علي كلّ الناس بل علي الذين يتذوّقون هذا الأسلوب وهذا النحو في التعامل والترابط الذي يتناسب مع مشاربهم النفسية والروحية في علاقتهم بإمامهم و سيدهم صلوات الله عليه، وللناس فيما يعشقون مذاهب. والنتيجة التي نخلص إليها أنّ التطبير الحسيني متفوّق علي التبرع بالدم في هذا الجانب وبنحو واضح جداً. فهذه نقطة أكيدة في كفّة التطبير الحسيني.

ج- والأمر الثالث في هذه المقارنة يتفوّق التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) فيه أيضاً علي التبرع بالدم وذلك بالنظر إلي القيمة الشرعية المرتبطة بالقضية الحسينية لكل منهما: فالتطبير يوم عاشوراء يحصل فيه:

بكاء إبكاء إظهار للحزن إظهار للجزع إحياء لذكر الحسين (عليه السلام) وثورته وتضحيته ومظلوميته.

بينما لا يمكن أن يصدق علي التبرع بالدم في يوم عاشوراء سوي عنوان واحد هو إحياء ذكر الحسين (عليه السلام) وهذا لا يتحقق إلاّ بإشاعة هذا الأمر و توجيه الناس إليه وإقبالهم عليه بهذا العنوان وهو التبرع بالدم في يوم عاشوراء لإحياء ذكر الحسين (عليه السلام) وتركيز معاني التضحية والفضيلة الحسينية. وإلا فإنّ حقيقة الأمر إلي هذا الوقت أن التبرع بالدم ليس محسوباً ولا معدوداً في جملة الشعائر الحسينية إذ لابدّ من السعي والعمل لمدةٍ مديدةٍ من الزمن كي يتفهم الناس بنحو يمسّ قلوبهم فلسفة هذا الأمر فيقبل عليه من يقبل متذوّقاً هذا النحو من التعبير لإحياء ذكر أبي عبد الله (عليه السلام) ويأباه من أباه أيضاً وذلك أنّ التبرع بالدم لا يتصوّر فيه البكاء والإبكاء حيث يخلو من الجانب العاطفي الجيّاش الذي يظهر في التطبير الحسيني في أعلي درجاته وأشدّ قوته ولا يتصوّر فيه أيضاً معني إظهار الحزن وإظهار الجزع علي الحسين (عليه السلام) إذ أنّ هيئة التبرع بالدم وكيفيته لا توحي بأي نحوٍ من الأنحاء إلي هذه المعاني ولا تشير إليها. ومن هنا فإنّ التطبير الحسيني:

أ- مشتمل علي خمسٍ من القربات الحسينية والمستحبات الشرعية فيكون الإتيان به مشتملاً علي درجةٍ أرقي من درجات الامتثال مما عليه في التبرع بالدم فهذه خمس نقاطٍ في كفّة التطبير الحسيني مقابل نقطة واحدة في كفّة التبرع بالدم:

التطبير الحسيني: التبرع بالدم: التبرع بالدم:

بكاء إحياء للذكر

إحياء للذكر

إبكاء

إظهار للحزن

إظهار للجزع

إحياء للذكر

ب - ما يترتب علي ذلك من كثرة الثواب وعظيم الأجر لأجل التطبير حزناً وجزعاً علي سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام وذلك لكثرة ما فيه من أسباب موجبةٍ لعظيم الأجر وجزيل الثواب بالمقايسة مع التبرع بالدم. وهذه نقطة أخري أيضاً تضاف إلي كفة التطبير الحسيني. فيتحقّق عندنا المجموع النهائي في ميزان المفاضلة: ثمان نقاط في كفة التطبير الحسيني مقابل نقطتين في كفّة التبرع بالدم.

فأين هذا من هذا؟!

وبعد كلّ هذا أقول:

1- جميل أن تتشكّل مجاميع للتبرع بالدم يوم عاشوراء باسم الحسين (عليه السلام) لكن ليس بديلاً عن التطبير الحسيني. وإنما يتذوّق البعض هذا، وآخرون ذاك. فالبديل إمّا أن يكون أفضل أو مساوٍ علي الأقل في ميزان المفاضلة وقد رأيت النتيجة قبل قليل بامّ عينك. فلا وجه لطرح التبرع بالدم بديلاً عن التطبير الحسيني بأيّ نحوٍ من الأنحاء.

2- وجميل أيضاً أن يجمع روّاد مواكب التطبير الحسيني والمشاركون فيها بين التطبير في يوم عاشوراء والتبرع بالدم باسم الحسين (عليه السلام) في وقتٍ آخر من السنة كيوم ولادة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه مثلاً؛ ليثبتوا للآخرين بأنّ عشاق الحسين (عليه السلام) كما تنزف رؤوسهم دماً يوم عاشوراء حزناً وجزعاً ولوعةً وأسفاً وتجديداً لعهد الإمامة المقدّس، فإنّ أبدانهم وقلوبهم تجود بدمائها حباً ورحمةً وشوقاً وعشقاً وولهاً وهياماً ومودةً لكل معاني الكرامة والسخاء في سبيل الحسين (عليه السلام) وبثّ معني الحياة في كل صورها ومصاديقها من إشفاء مريض وإنقاذ عليلٍ إلي إغاثة ملهوف وإعانة محتاج إلي غير ذلك من المعاني الإنسانية السامية.

3- وجميل وجميل جدّاً أن تؤسّس مراكز باسم الحسين (عليه السلام) لجمع الدم من المتبرعين من محبي سيد الشهداء صلوات الله عليه طيلة أيام السنة وتقدّم ذلك إعانةً للمرضي والمحتاجين لدمٍ يبعث الحياة فيهم من جديد باسم الحسين صلوات الله وسلامه عليه. كي نبرهن للجميع بأنّ دماء الحسين الزاكية صلوات الله عليه التي روّت شجرة الإسلام بعد أن يبس عودها، فعاد مخضرّاً وأورفت أوراقها، وأينعت ثمارها؛ لهي قادرة وإلي الأبد علي أن تبعث الحياة المعنوية والمادية في أبناء المجتمع الإنساني.



فـــداء لمثواك من مضجع

تـــــنوّر بـــــالأبلج الأروع



بـأعبق من نفحات الجنان

روحـاً ومن مسكها أضوع



ومخلص القول أنّ التبرع بالدم مع اشتراط نية القربة فيه عمل حسن يثاب عليه فاعله علي طول أيام السنة لكنه لا يمكن أن يرقي إلي فضيلة التطبير حزناً وجزعاً علي أبي عبد الله (عليه السلام) في يوم عاشوراء ولا يمكن أن يكون بديلاً عنه بأي وجهٍ من الوجه إذا وزنّا الأمور بميزان العدل والمنطق السليم. وقد بيّنت لك تفصيل الأمر فيما مضي من السطور، والله وليّ التوفيق.


پاورقي

[1] لست من المخالفين لما ينفق من الأموال حتي لو کان بنحوٍ کثير في المناسبات الدينية أو الوطنية التي تعتبر نقاط مضيئة في تاريخ الأمة، فإنّ ذلک مما يقويّ الروابط الاجتماعية بين طبقات الأمة علي اختلاف مستوياتها ويشدّها إلي تاريخها والي قادتها المخلصين وينمي الشعور الديني والانشداد إلي مناقبية أولياء الله صلوات الله عليهم والتعرف بنحوٍ أدق وأوسع علي مناهجهم وتعاليمهم في الحياة. وهکذا يجري الأمر في کلّ ما يعود بالنفع علي أبناء الأمة الإسلامية ويحفظ مصالحهم ومنافعهم الدنيوية والأخروية.

[2] الأبيات من قصيدة للسيد صالح ابن العلاّمة السيد مهدي بحر العلوم (ره).

[3] کامل الزيارات ب 104 ص 330 ح 1 الزيارة الجامعة المختصرة المروية عن الإمام الرضا (عليه السلام).

[4] سورة المائدة الآية 32.

[5] الوسائل ج 11 ب 19 ص 447 ح 2، والکافي الأصول، ومحاسن البرقي.