بازگشت

كلمات هزيلة


كلمات هزيلة.. عنوان مناسب جداً لما يتفوّه به البعض ممّن يتصوّرون أنهم علي حظّ من الثقافة والمعلومات وهم في الحقيقة لا يعدّون من أنصاف المثقّفين ولا من أرباعهم ولا حتي من أعشارهم في سوق الثقافة السليمة وميزانها العادل. وقد يلقلق بها البعض من دون دراية لأنها وضعت علي ألسنتهم كي يشيعوها ويذيعوها لمقاصد معينة. وعلي أية حال فإني لا أريد أن أطيل الوقوف عند هذه الكلمات الواهية والتي لم يضعها نفس المانعين للتطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) والقائلين بحرمته في نظر الاعتبار لكونها أوهي وأوهن من بيت العنكبوت. إلاّ أنني سأستعرضها بنحوٍ سريع لئلا يبقي شيء ولو كان واهناً لم تتم الإشارة إليه. كي لا يقال بأنّ البحث لم يكن محيطاً بكلّ الجزئيات والمسائل التي تمتّ بصلة إلي موضوعه قريبةً كانت أو بعيدة.

والكلمات الهزيلة هذه هي:

1- إنّ أكثر روّاد مواكب التطبير الحسيني والمشاركين فيها ممن لا يلتزمون بأحكام الشريعة وواجباتها.

2- هناك من ينفث سمومه في آذان بعض السذّج والبسطاء من الناس:

إنّ السفارات الأجنبية هي التي تقف وراء مواكب التطبير وتمدّها بالدعم المادي.

3- إنّ مواكب التطبير لم تكن في عهد الأئمة (عليهم السلام) و زمانهم.

أمّا الردّ علي هذه الكلمات فسيكون موجزاً:

أوّلاَ - قولهم إنّ أكثر المشتركين في مواكب التطبير الحسيني ممن لا يلتزمون بأحكام الشريعة وواجباتها. فهذا لا يعني مع فرض صحته بالكامل ومع فرض انطباقه علي جميع المواكب أن نمنع التطبير وأن نقف منه موقف المعادي. لأنه إذا كانت القاعدة أنّ كل عمل صحيح يمارسه جمع كثير ممّن يسيئون التصرف في أعمال أخري لابدّ من منعه والوقوف ضدّه فهذا سينجرّ علي كلّ ما هو جميل وصحيح في حياة الناس وبالتالي يؤدي بنا إلي الإفساد لا إلي الإصلاح.

فهل أن المصلّين - لا أقول كلّهم - بل أكثرهم ممّن تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر؟

إذ أنّ الواقع العملي في حياة المسلمين يشهد علي أنّ أكثر المصلّين لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر بل إنّ أكثر المصلّين لا يؤدّون صلاتهم بنحو صحيح وبحدودها الشرعية والفقهية كما أمرت بها السّنة الشريفة.فهل ذلك يعني أن نمنع الصلاة أو أن نقف منها موقف الرافضين؟ وهكذا الصوم.. وهكذا الحج إذ ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج.. إلي غير ذلك من الأعمال الحسنة الصحيحة الدينية منها أو الدنيوية.

ثانياً- ما ينفثه البعض هنا وهناك من أنّ السفارات الأجنبية هي التي تشجّع مواكب التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) فهو من سخيف القول وسخافة القائل وخبثه وأسخف منه عقلاً من يصدّق به. إذ أنّ التأريخ يشهد والكلّ يعلم أنّه منذ واقعة الطفّ الأليمة والي يومنا هذا ما وقف بوجه القضية الحسينية وما حارب ومنع الشعائر الحسينية إلاّ الطغاة والظلمة والجبابرة علي مرّ التأريخ. وكانت مواقفهم هذه خصوصاً في زمان تحكّم السفارات الأجنبية ببلادنا الإسلامية بشكلٍ مباشر أو بشكل غير مباشر تحظي بدعم وتأييدٍ من تلك السفارات ودولها إذ يبدأ إعلام دول تلكم السفارات يتحدّث عن تقدّمية أولئك الحكام ومواكبتهم للعصر الحديث ما إن يباشروا منع الشعائر الحسينية وأول شيء يباشرون به والتجربة شاهدة علي ذلك منع مواكب التطبير الحسيني. ثم متي كانت مصالح السفارات الأجنبية في تركيز وتثبيت علاقة المجتمع الشيعي بالقضية الحسينية والتي من أحد أسبابها المهمة والرئيسة إقامة الشعائر الحسينية ونشرها في الوسط الاجتماعي بقوةٍ واهتمام؟!

ولا أظنّ أنّ الأمر يحتاج إلي أكثر من هذا البيان؛ إذ الشمس لا تحجب بغربال. ولا أملك جواباً للذين كانوا السبب في إذاعة مثل هذه الأكاذيب الرخيصة إلاّ ما جاء في المثل العربي المعروف.

(رمتني بدائها وانسلّت)

ثالثاً- ما يقال من أنّ مواكب التطبير حزناً وجزعاً علي الحسين (عليه السلام) لم تكن في عهد الأئمة (عليهم السلام) وزمانهم. نعم مواكب التطبير الحسيني بهذه الهيئة المعروفة في زماننا هذا لم تكن موجودة في زمان الأئمة (عليهم السلام) وكذلك سائر الشعائر الحسينية الجماهيرية من مواكب علي اختلاف أنواعها، ومسيرات عزائية لم تكن هي الأخري موجودة أيضاً لسبب واضح ومعروف هو التقية الشديدة التي كان يعيشها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وأشياعهم. أما الأصول النظرية لهذه المواكب من دون تحديد لهيئةٍ معيّنة لها فهذا ما تظافرت به النصوص عن المعصومين (عليهم السلام) من بكاء، وإبكاء، وإظهار حزن وجزع علي سيد الشهداء (صلوات الله عليه)، وتأكيدٍ علي زيارته، وذكر مصيبته علي كلّ حال حتي عند شربنا للماء مع لعن أعدائه وقتلته لعنة الله عليهم جميعاً، والبراءة منهم ومن أفعالهم، إلي غير ذلك من الأمور التي لها مدخلية مباشرة أو غير مباشرة في إحياء القضية الحسينية وإنماء اتقادها وتوهجها في العقول والقلوب. مضافاً إلي كلّ ذلك ما صدر بنحو عملي من جزعٍ، وإدماءٍ عن أهل البيت (عليهم السلام)، من البكاء دماً، وخمش الوجوه، إلي نطح الرأس وضربه وإدمائه، وغير ذلك مما ستري تفصيله في ما يأتي من هذا الكتاب الذي بين يديك. علماً أنّ أحاديث المعصومين (عليهم السلام) ووصاياهم لم تحدّد لنا طريقة التعبير عن الحزن علي سيد الشهداء (عليه السلام) ولم تجعل الأمر توقيفيّاً علي نحو معيّن أو كيفية مخصوصة بل فتحت الباب بتأكيد معني الجزع واستحبابه واستحباب إظهاره علي أبي عبد الله (صلوات الله وسلامه عليه). وما التطبير إلاّ مصداق من مصاديق إظهار الجزع والحزن لأجل هذه المصيبة العظمي والرزية الكبري.