بازگشت

شأن اهل البيت


ارتحل ابن سعد بجيشه من كربلاء في زوال اليوم الحادي عشر من المحرم، و معه نساء الحسين و صبيته و جواريه، و بعض نساء اصحابه الذين استشهدوا معه، و كانت النساء عشرين امرأة، و الامام زين العابدين، و ولده الامام الباقر، و كان له من العمر سنتان و شهور، و ثلاثة من ابناء الامام الحسن، و هم الحسن المعروف بالمثني، و زيد، و عمر، و طلبت النسوة من جيش الطغاة ان يمروا بهن علي القتلي.. و حين نظرن الي جسد الحسين صحن و بكين، لطمن الخدود، فاشتدت الحال علي الامام السجاد، و جاد بنفسه، و قد انهكه المرض، فقالت له سيدة الطف: «مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي و ابي و اخوتي؟.. فوالله ان هذا لعهد من الله الي جدك و ابيك.. ان قبر ابيك سيكون علما لا يدرس اثره، و لا يمحي رسمه علي كرور الليالي و الايام، و ليجتهد أئمة الكفر، و اشياع الضلال في محوه و تطميسه، فلا يزداد اثره الا علوا».

و اذا اخذت الامام الرقة و الرحمة علي ابيه، و هو علي حاله تلك، فقد حزن و بكي النبي علي ولده ابراهيم، حتي قال له بعض اصحابه:

ما هذا يا رسول الله؟.

فقال: انها الرحمة التي جعلها في بني آدم، و انما يرحم الله من عباده


الرحماء.. ان العين تدمع، و القلب يحزن، و لا نقول الا ما يرضي الرب.

و آل الرسول هم اهل بيت النبوة و الرحمة، يحزنون رحمة، و يبكون رقة، و لا يقولون ما يسخط الرب، بل يرضون بقضائه، و يستسلمون لمشيئته؛ و قد جاء في مناجاة الامام السجاد: «اللهم سهل علينا ما نستصعب من حكمك، و الهمنا القياد لما اوردت علينا من مشيئتك، حتي لا نحب تأخير ما عجلت، و لا تعجيل ما أخرت، و لا نكره ما احببت، و لا تتخير ما كرهت، و اختم لنا بالتي هي احمد عاقبة، و اكرم مصيرا». و بهذا، بحسن العاقبة و المصير، بشرت السيدة ابن اخيها الامام، رغم ما هما عليه من الاسر و السبي.

لقد تألبت قريش علي رسول الله، و اتفقت علي تكذيبه و ايذائه، و القضاء علي دعوته كل وسيلة.. فاغرت به سفهاءها، يرشقونه بالاحجار، و يضعون في طريقه الاشواك، و يلقون عليه الاوساخ، و هو في الصلاة، و عذبت اتباعه، حتي الموت، و كان لا يملك دفاعا عنهم و لا عن نفسه، و مع ذلك كله يقول لانصار دين الله: سترثون ارض الملوك و الجبابرة و تأخذون اموالهم، و تفترشون نساءهم..

و قالت سيدة الطف، و هي اسيرة مسبية، و رجالها جثث بلا رؤوس، قالت: المستقبل لذكرنا، و العظمة لرجالنا، و الحياة لآثارنا، و العلو لاعتابنا، و الولاء لنا وحدنا، و جابهت يزيد بهذه الحقيقة، و هو في عرشه. هي اسيرة في مجلسه، و صرخت فيه قائلة: كد كيدك، واسع سعيك. و ناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا..

و صدقت نبوءة السيدة، فولاؤهم تدين به الملايين، و تعاليمهم تدرس في الجامعات و المدارس من مئات السنين، و مناقبهم تعلن علي المنابر ليل


نهار، و قبورهم، كالاعلام علي رؤوس الجبال، يحج اليها الناس من كل فج عميق.

ان الامويين و العباسيين، و معهم الانس و الجن لا يستطيعون ان يمحوا ذكر اهل البيت الا اذا استطاعوا أن يطفئوا نور الله، و اسم محمد ابن عبدالله، و يأبي الله الا ان يتم نوره بمحمد و اهل بيت محمد، ولو كره المشركون.