بازگشت

الدعوة لاهل البيت


لم يتوان اهل البيت لحظة في اعلان حقهم بخلافة جدهم الرسول، و بكل ما فرض الله له علي الناس من سلطان و طاعة و ولاء.. فلقد اعلنوا هذا الحق، علي ان الله سبحانه قد خصهم به، شاء الناس او أبوا، تماما كما خص محمدا بالنبوة، اعلنوا هذا الحق، و دعوا الي الايمان به بشتي الاساليب و الوسائل، و احتجوا له بمنطق العقل، و نص الكتاب و السنة.

فما ان توفي النبي، و تولي الخلافة ابوبكر، حتي ذهبت الزهراء بنفسها الي المسجد الجامع، و اعلنت هذا الحق، و احتجت له في ملأ من الناس، و محضر الخليفة و الاصحاب، فأبكت النساء و الرجال، و بلبلت الافكار، و اعتذر اليها الانصار، و حامت حول خلافة الاول الف شبهة و شبهة..

و لا ادري علي أي شي ء اعتمد من قال: ان عليا لم يحتج لحقه بالخلافة علي ابي بكر، و جهل او تجاهل ان احتجاج الزهراء هو احتجاج علي بالذات، و انها لم تنطق الا بلسانه، و لم تحتج الا بدليله و برهانه.

هذا، الي ان الامام لم يدع مناسبة الا اقام فيها الحجة البالغة علي من جحد و عاند.. نذكر من ذلك علي سبيل المثال قوله من علي المنبر «لقد تقمصها ابن ابي قحافة، و هو يعلم ان محلي منها محل القطب من


الرحي».. و قوله من كتاب له الي معاوية:

«انا صنائع ربنا، و الناس صنائع لنا - اي نحن اسراء فضل الله و احسانه، و الناس اسراء فضلنا و احساننا -.. و كتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا، و هو قوله «و اولو الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله» و قوله تعالي «ان اولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه، و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين» فنحن مرة اولي بالقرابة، و تارة اولي بالطاعة، و لما احتج المهاجرون علي الانصار يوم السقيفة برسول الله (ص) فلجوا عليهم، فان يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، و ان يكن بغيره فالانصار علي دعواهم». [1] .

و احتج الحسن علي معاوية، و الحسين علي اهل الكوفة بالحديث المشهور «الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة.. و هما امامان قاما او قعدا». و قالت السيدة زينب ليزيد فيما قالت: ما قتل الحسين غيرك، و لولاك لكان ابن مرجانة اقل و اذل، ما خشيت من الله بقتله؟!.. و قد قال رسول الله فيه و في اخيه: الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة.. فان قلت: لا، فقد كذبت، و ان قلت: نعم، فقد خصمت نفسك.. فقال يزيد: ذرية بعضها من بعض.

و قال الامام زين العابدين له، قال المؤذن: اشهد ان محمدا رسول الله: هذا جدي او جدك يا يزيد.


و للامام السجاد اسلوب خاص و جديد في بث الدعوة لاهل البيت، ذلك انه لا يبرز هذه الدعوة بصورتها بل يضفي عليها ثوب المناجاة و الخضوع و التضرع الي الله سبحانه، لتمر في عصر الامويين بسلام دون ان تثير اي اهتمام، و يبدو ذلك جليا لمن تتبع و تأمل مناجاته في الصحيفة السجادية.. فما مجد الله و شكره، او سأله العفو و الرحمة او اي شي ء بجملة الا و قرنها بالصلاة علي محمد و آل محمد، بحيث يتجه القاري ء تلقائيا الي تعظيم اهل البيت و تقديسهم، و اقتران اسمهم باسم الله، و اسم جدهم رسول الله، و هذا الاسلوب يحدث اثرا معينا في النفس من حيث تريد، او لا تريد.. و قد بلغت هذه الصلوات القمة في دعائه الذي كان يدعو به يوم عرفة.

قال:

«رب صل علي محمد و آل محمد صلاة تنصل ببقائك، و لا ينفد اتصالها، كما لا تنفد كلماتك، رب صل علي محمد و آله صلاة تنتظم صلوات ملائكتك، و انبيائك، و رسلك، و اهل طاعتك، و تشتمل علي صلوات عبادك من جنك، و انسك، و اهل اجابتك، و تجتمع علي صلاة كل من ذرأت و برأت من اصناف خلقك، رب صل علي محمد و آله صلاة تحيط بكل صلاة سالفة و مستأنفة، و صل عليه و علي آله صلاة مرضية لك و لمن دونك، و تنشي ء مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات، و تزيدها علي كرور الايام زيادة في تضاعيف لا يعدها غيرك».

طلب الامام من الله ان يصلي علي الرسول و آله عدد الصلوات التي صلاها و تصليها الملائكة و الانبياء و الجن و الانس، و عدد التسبيحات التي


تسبحها بحمده جميع مخلوقاته من حيوان و نبات و جماد [2] و ان تبقي صلواته عليهم ببقائه، و تدوم بدوامه، علي ان تتضاعف في كل لحظة اضعافا لا يحصيها الا هو.. و بديهة ان هذه الصلوات التي لا يعرف مداها الا الله، ان هي الا صدي لعظمة الرسول و آله، و مكانهم عند الله و ملائكته و رسله.

و هذه صورة اخري اصرح و اوضح في بث الدعوة لاهل البيت، قال:

«رب صل علي اطايب اهل بيت محمد الذين اخترتهم لامرك، و جعلتهم خزنة علمك، و حفظة دينك، و خلفاءك في ارضك، و حجتك علي عبادك، و طهرتهم من الرجس تطهيرا».

و اطايب اهل البيت هم الذين نزلت بهم آية التطهير، و آية المباهلة، و آية المودة، و حديث الثقلين، و حديث الموالاة، و حديث المنزلة علي انهم خزنة علمه و حفظة دينه، و خلفاؤه في ارضه، و هم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين.

و قال طالبا من الله الصلوات و الرحمة لشيعة اهل البيت:

«اللهم صل علي محمد و آل محمد، و صل علي اوليائهم المعترفين بمقامهم المتبعين منهجهم المقتفين آثارهم، المتمسكين بولايتهم، المؤتمين بامامتهم، المسلمين لامرهم، المجتهدين في طاعتهم، المنتظرين ايامهم المادين اليهم اعينهم، الصلوات المباركات الزاكيات.. و سلم عليهم و علي ارواحهم، و اجمع علي التقوي امرهم، و اصلح لهم شئونهم، و تب عليهم، انك انت التواب الرحيم، و خير الغافرين، و اجعلنا معهم في دار السلام


برحمتك يا ارحم الراحمين».

و ليس من شك ان الدعاء للشيعة باصلاح شئونهم، و التوبة عليهم، و المغفرة لهم، دعاية صريحة لاهل البيت، و التمسك بولائهم، و نشر مبادئهم؛ و ليست مبادئهم الا مبادي ء الاسلام و تعاليم القرآن.

و نقف قليلا عند قوله: «و اجعلنا معهم في دار السلام»، لنتساءل: كيف طلب الامام من الله سبحانه ان يجعله من شيعة اهل البيت، و هم الذين يرجون النجاة بشفاعته و شفاعة آبائه، و يسألون الله ان يحشرهم في زمرته، و يتخذونه الوسيلة الي رضوان الخالق و رحمته؟..

الجواب

ان قوله هذا تواضع لله لا لسواه.. فان المعروف من طريقة آل الرسول اذا ناجوا ربهم خضعوا و تذللوا، و اتهموا انفسهم، و لم يقيموا لها اي وزن.. و الشواهد علي ذلك لا يبلغها الاحصاء، نذكر منها هذا المثال من اقوال الامام زين العابدين: «الهي لا اجحد استحقاق عقوبتك، و لا ابري ء نفسي من استيجاب نقمتك».

هذا، الي ان الامام اراد ان يعرف الشيعة المجتمعين علي الخير و التقوي ان لهم عندالله الحسني و الدرجات العليا.

و بالتالي، فان اهل البيت قد ادركوا - منذ الساعة التي صرف فيها الامر الي غيرهم - ان دين جدهم معرض للضياع و الاخطار، لأن من قام و يقوم بالامر لا يؤتمن علي شي ء.. لقد احسوا و علموا مقدما بهذا الخطر، فحاولوا بكل سبيل ان يرشدوا الناس الي الحق و اهله، و يفهموا الاجيال ان الذين تولوا الحكم و السلطان باسم الدين ليسوا شهداء لله في ارضه، و لا خلفاء للرسول في امره و نهيه، و انما الشهداء و الخلفاء حقا


هم الذين امر الله و الرسول بولائهم و التمسك بحبلهم، هم الذين لا يفارقون الحق، و لا يفارقهم الحق في قول او فعل، و يدور معهم كيفما داروا، و اني اتجهوا، تماما كالقرآن سواء بسواء.. و بديهة ان هذا الوصف لا ينطبق الا علي اهل البيت بشهادة حديث الثقلين.

لقد أراد اهل البيت ان تؤمن و تدين بهذا المبدأ الناس، ولو طائفة من الناس، و لا يهمهم بعد ذلك ان يتولي الامر من يتولاه، و من اجل الايمان بهذا المبدأ كانت حادثة كربلاء و غيرها من الحوادث و المجازر.. و قد تم لهم ما ارادوا، فهؤلاء شيعتهم في شرق الارض و غربها يحيون آثارهم، و يقيمون شعائرهم، و ينشرون مناقبهم و مآثرهم.



پاورقي

[1] قال المفيد في کتاب «العيون و المحاسن»: زعم الجاحظ ان الکميت علم الشيعة الحجاج لتقديم آل محمد. و هذه حماقة و سخف من الجاحظ، فان اميرالمؤمنين و ابناءهم هم الذين احتجوا لحقهم، و علموا الناس الحجاج له، و انما نظم الکميت ما قالوه و اعلنوه، بل ان متکلمي الشيعة قد احتجوا و استدلوا قبل الکميت، و کذلک اصحاب اميرالمؤمنين.

[2] جاء في الآية 44 سورة الاسراء: «و ان من شي‏ء الا يسبح بحمده ولکن لا تفقهون تسبيحهم انه کان حليما غفورا».