بازگشت

في الكوفة و الشام


قيل للحسين: كيف اصبحت يا ابن رسول الله؟.

قال: «اصبحنا في قومنا مثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبحون ابناءنا، و يستحيون نساءنا، و اصبح خير البرية بعد محمد يلعن علي المنابر، و اصبح عدونا يعطي المال و الشرف، و اصبح من يحبنا محتقرا منتقصا حقه.. و كذلك لم يزل المؤمنون، و اصبحت العجم تعرف للعرب حقها، لأن محمدا منها، و اصبحت العرب تعرف لقريش حقها، لأن محمدا منها.. و اصبحنا اهل البيت لا يعرف لنا حق، فهكذا اصبحنا».

و اذا كان غير العرب لم ينافسوا العرب في الحكم و السلطان، لانهم اقرب الي محمد، و العرب لم ينافسوا قريشا للسبب ذاته، فالنتيجة الحتمية لهذا المنطق ان لا تنافس قريش اهل البيت في حقهم بالخلافة، و ان تسمع لهم، و تطيع.. و هذي هي عقيدة التشيع لاهل البيت، و لا شي ء سواها، و هي - كما تري - نتيجة طبيعية لمنطق الذين انكروا هذا الحق، و مدلول قهري لدليلهم الذي اعتمدوا عليه بالذات، و من هنا فرض نفسه علي جاحديه، و ظهر علي فلتات السنتهم من حيث لا يشعرون.

قال الراغب الاصفهاني في «محاضرات الادباء» ج 4 ص 478 طبعة سنة 1961:


«كان عمر يسير مع ابن عباس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن ابي طالب، فقال: اما و الله يا بني عبدالمطلب لقد كان علي فيكم اولي بهذا الامر مني، و من ابي بكر.. فقال ابن عباس انت تقول ذلك يا اميرالمؤمنين، و انت و صاحبك و ثبتما، و افترعتما الامر منا دون الناس؟!.. فقال عمر: انا و الله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، و خشينا ان لا تجتمع عليه العرب و قريش لما قد وترها.. قال ابن عباس: فاردت ان اقول: كان رسول الله يبعثه، فينطح كبشها، فلم يستصغره، افتستصغره انت و صاحبك؟.. فقال عمر: لا جرم، فكيف تري؟.. و الله ما نقطع امرا دونه، و لا نعمل شيئا، حتي نسأذنه».

و طبيعي ان يعتذر عمر بجميع الاعذار، و ان يتشبث ولو بالطحلب بعد ان اعترف صراحة ان عليا اولي منه و من صاحبه بالخلافة.. ولو وقف الامر عند خلافة الشيخين لهان الخطب.. ولكن هذه الخلافة جرت الويلات علي الاسلام و المسلمين الي يوم يبعثون،بخاصة ما حدث علي اهل البيت، فلولاها لم يكونوا في قومهم كبني اسرائيل في آل فرعون، و لا كان يوم عثمان، و لا الجمل و صفين و النهروان، و وقعة الحري، و ما اليها..

و قد لا تكون هذه الاحداث في حسبان الشيخين، و لا من مقاصدهما حين دبر الامر ضد علي، و نحياه عن الخلافة، ولكنها جاءت نتيجة طبيعية لخلافتهما.. و قد بررا هذا التدبير بخوف الفتنة، و عدم اجتماع كلمة العرب و قريش علي علي، «لما قد وترها» - كما قال عمر - و قد ابطلت سيدة النساء هذا الزعم بخطبتها الشهيرة التي القتها علي الخليفة الاول و الاصحاب في مسجد ابيها، حيث قالت: زعمتم خوف الفتنة: «الا في الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين».

فافهمتهم ان الفتنة و الشقاق فيما دبروا و تآمروا، كما ذكرتهم:


كيف كانوا في: جاهليتهم؟ و كيف صاروا بفضل ابيها، و جهاد ابن عمها، ثم وازنت بينهم و بين بعلها اميرالمؤمنين، بقولها:

كان علي «مكدودا في ذات الله، مجتهدا في امر الله، قريبا من رسول الله، سيدا من اولياء الله، مشمرا ناصحا مجدا كادحا، و انتم في بلهنية من العيش، و ادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، و تتوكفون الاخبار، و تنكصون عند النزال، و تفرون عند القتال، فلما اختار الله لنبيه دار انبيائه، و مأوي اصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق... و اطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فالفاكم لدعوته مستجيبين، و للغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا».

و بهذا يتبين ان الزهراء اول من وضع اسس الموازنة و المفاضلة بين اهل البيت و غيرهم، و اول من دعا دعوة صريحة واضحة لولائهم و وجوب طاعتهم و متابعتهم، و اول من اعلن نفاق من صدوا عليا عن الخلافة بعد ابيها [1] خطبت الزهراء بعد حادثة السقيفة خطبتين: الاولي في المسجد الجامع بحضور المهاجرين و الانصار، و فيهم ابوبكر و عمر، و الثانية في بيتها حين اجتمعت نساء الاصحاب، ليعدنها في المرض الذي ماتت فيه، و ترتكز اقوالها في كلتا الخطبتين علي ان ابن عمها عليا هو صاحب الحق في الخلافة بعد رسول الله، و ان الذين حالوا بينه و بينها قد خانوا العهد و الميثاق، و قطعوا ما امر الله به ان يوصل.


اما مطالبتها بفدك فقد كانت وسيلة لهذه الغاية، و الا فما لفاطمة بنت محمد و فدك، و غير فدك.. ان الدنيا بكاملها ليست من آل محمد في شي ء، ولا هم منها في شي ء.. هذا، الي انها كانت علي علم من موقف الخليفة قبل ان تخاصمه، و تحتج عليه، فقد اخبرها ابوها بكل ما يجري عليها، و علي بعلها، و اولادها من بعده، و صرحت هي بمعرفتها هذه في آخر الخطبة بقولها: «و قد قلت ما قلت علي معرفة مني بالخذلة التي خامرتم و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم».

انها لا تريد فدكا.. و انما تريد أن ترسي اساس حق علي في الخلافة، و تعلن للاجيال ان هذا الحق ركن من اركان الاسلام، و دعامة من دعائمه، و لا يهمها بعد هذا ان يصل بعلها الي الخلافة او لا يصل، و انما المهم ان يعرف هذا الحق، و يؤمن به كل من آمن بالله و نبوة محمد.. و قد طعن معاوية علي الامام بانه اجبر علي مبايعة من سبقه، فاجابه: «و ما علي المسلم من غضاضة في ان يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه، و لا مرتابا في يقينه».

ان الذي لا يكترث بالاقاليم السبعة، تحت افلاكها، و يستهين بالحياة، و يري الشهادة الفوز الاكبر، لا يهتم بهذه الخلافة، و من تقمصها.. و طبيعي ان لا يهتم علي بالخلافة التي يتنافس عليها ابناء الدنيا مادام الحق يدور معه كيفما دار.. ان عليا خليفة علي كل حال، لان خلافته الهية، تماما كنبوة محمد لا يمكن ان يتولاها غيره، او ينتزعها احد منه. و اذا جهل، او تجاهل هذه الحقيقة، الذي انقلب علي عقبيه بعد نبيه، فقد وعاها و آمن بها الذين ثبتهم الله علي الايمان باتباع الرسول و اهل بيته.

خطبت الزهراء خطبتين: الاولي في المسجد الجامع - كما قدمنا - و الثانية في نساء الاصحاب، و قد جاء في هذه الخطبة:


«اصبحت و الله عائفة لدنيا كن، قالية لرجالكن.. «و لبئسما قدمت لهم انفسهم، ان سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون».. فجدعا و عقرا و بعدا للقوم الظالمين.. و ما الذي نقموا من ابي الحسن؟. نقموا و الله نكير سيفه، و قلة مبالاته بحتفه، و شدة وطأته، و تنمره في ذات الله عزوجل، و تالله لو مالوا عن المحجة اللائحة، و زالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم اليها».

و تكلمت ابنتها زينب بعد يوم كربلاء في ثلاثة مواقف: الاول حين دخلت السبايا الكوفة، و استقبلها الكوفيون و الكوفيات بالبكاء و العويل، فارتجلت خطبة، جاء فيها:

«اتبكون و تنتحبون؟.. اي و الله فابكوا كثيرا، و اضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها و شنارها، و لن ترحضوها بغسل بعدها ابدا. و اني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، و معدن الرسالة، و مدار حجتكم، و منار محجتكم، و ملاذ خيرتكم، و مفزع نازلتكم، و سيد شباب اهل الجنة ألا ساء ما تزرون.

فتعسا و نكسا و بعدا و سحقا..، فلقد خاب المسعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب الله و رسوله، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.

ويلكم يا اهل الكوفة.. اتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟. و أي كريمة له ابرزتم؟. و أي دم له سفكتم؟. و أي حرمة له انتهكتم؟. لقد جئتم شيئا ادا. تكاد السموات يتفطرن منه، و تنشق الارض، و تخر الجبال هدا.

و من تأمل خطبتها هذه، و خطبة امها تلك يبدو له لاول نظرة وجه الشبه بين الخطبتين، و انهما تصدران من معدن واحد، و ترميان الي هدف


واحد، و هو بث الدعوة لاهل البيت، نشر فضائلهم و محاسنهم، و مثالب غيرهم و مساوئهم.. و افهام الناس جميعا ان الاسلام في حقيقته لا يقوم علي التلفظ بالشهادة، و تأدية الفرائض المكتوبة، و كفي، بل لابد - اولا و قبل كل شي ء - من التصديق بكل ما جاء به محمد، و مما جاء به وجوب التمسك بالكتاب و العترة «بنص حديث الثقلين الذي رواه مسلم و احمد»، ولكن المسلمين بعد نبيهم نبذوا الكتاب، و اضاعوا العترة.. و يقول الشيخ المظفر في الجزء الثالث من كتاب «دلائل الصدق»: «و لا ادري متين تمسكت الامة بالعترة؟.. أفي زمن اميرالمؤمنين، او في زمن ابنائه الطاهرين؟.. بل جعلوا عداوتهم و سبهم دينا، و حاربوهم بالبصرة و الشام و الكوفة، و سبوا نساءهم سبي الترك و الديلم».

و لا احسبني بحاجة الي التنبيه ان زينب حين تخاطب اهل الكوفة، و تقول: اي كبد لرسول الله فريتم الخ... انما تعني من ظلم اهل البيت، و رضي بظلمهم، و شايع و تابع عليه.

الموقف الثاني للسيدة زينب حين دخلت مجلس ابن زياد، و قال لها:

الحمدلله الذي فضحكم..

فقالت: الحمد الذي كرمنا بنبيه محمد، و طهرنا من الرجس تطهيرا، و انما يفتضح الفاسق، و يكذب الفاجر، و هو غيرنا.

اجل، يا ابنة اميرالمؤمنين، و سيد الوصيين، انكم النور الذي انبثق من ذات الله، و مستودع سره و امانته، و الطهر الذي انبعث من رسول الله، و وارثو علمه و خلقه، و مجده و شرفه، و حكمه و سلطانه.

ثم قال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله باهل بيتك؟.


قالت: ما رأيت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم، فتحاج و تخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك امك يا ابن مرجانة.

اسيرة تحتقر الحاكم الآسر و تزدريه، و لا ترهب سلطانه و بطشه!.. اجل، انها بنت علي لا تخشي الموت، و من لا يخشي الموت لا يخضع لشي ء، و لا يرهبه شي ء.

و ما اشبه قولها لابن زياد «فانظر لمن الفلج يومئذ... ثكلتك امك يا ابن مرجانة» بقول امها للخليفة الاول «يا ابن ابي قحافة افي كتاب الله ان ترث اباك، و لا ارث ابي؟.. لقد جئت شيئا فريا.. افعلي عمد تركتم كتاب الله، و نبذتموه وراء ظهوركم؟..».

اجل، ان كلا منهما - المعني بخطاب الزهراء، و المعني بخطاب زينب - قد ترك الكتاب، و نبذه وراء ظهره عن عمد، و لم يختلفا في شي ء الا في الاسلوب و المظهر..

الموقف الثالث حين دخلت مجلس يزيد، و سمعته يتمثل بابيات من قال:



ليت اشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الاسل



لأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



فقالت السيدة:

«الحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي رسوله و آله اجمعين، صدق الله سبحانه، حيث يقول: «ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوأي ان كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزءون - 10 الروم.»


اظننت يا يزيد، حين اخذت علينا اقطار الارض، و آفاق السماء، فاصبحنا نساق، كان تساق الاساري، ان بنا علي الله هوانا، و بك عليه كرامة، و ان ذلك لعظم خطرك عنده؟.. فشمخت بانفك، و نظرت في عطفك جذلان مسرورا.. حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، و الامور متسقة..

و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا.. فمهلا مهلا.. انسيت قول الله تعالي: «و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين - 187 آل عمران».

امن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك و اماءك، و سوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، و ابديت وجوههن، تحدو بهن الاعداء من بلد الي بلد، و يستشرفهن اهل المناهل و المعاقل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الدني و الشريف.

ليس معهن من حماتهن حمي، و لا من رجالهن ولي، و كيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، و نبت لحمه من دماء الشهداء؟!.. و كيف يستبطأ في بغضنا اهل البيت من نظر الينا بالشنف و الشنان، و الاحن و الاضغان؟!..

ثم تقول غير متألم و لا مستعظم:



لأهلوا و استهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل



منحنيا علي ثنايا ابي عبدالله سيد شباب اهل الجنة، تنكثها بمخصرتك؟.. و كيف لا تقول ذلك؟.. و قد نكأث الفرحة و استأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلي الله عليه و آله، و نجوم الارض من آل عبدالمطلب، و تهتف باشياخك، زعمت انك تناديهم، فلتردن وشيكا


موردهم، و لتودن انك شللت، و بكمت، و لم تكن قلت ما قلت، و فعلت ما فعلت..

اللهم خذلنا بحقنا، و انتقم من ظلمنا، و احلل غضبك بمن سفك دماءنا، و قتل حماتنا.

فوالله ما فريت الا جلدك، و لا حززت الا لحمك، و لتردن علي رسول الله صلي الله عليه و آله بما تحملت من سفك دماء ذريته، و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته، حيث يجمع الله شملهم، و يلم شعثهم، و يأخذ بحبهم: «و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون».

و حسبك بالله حاكما، و بمحمد خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سول لك و مكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا و ايكم شر مكانا، و اضعف جندا.

و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك، و استعظم تقريعك، و استكثر توبيخك، ولكن العيوب عبري، و الصدور حري.. الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء!.. فهذه الايدي تنطف من دمائنا، و الافواه تنحلب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، و تعفرها امهات الفراعل.

و لئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد الا ما قدمت يداك، و ما ربك بظلام للعبيد، و الي الله المشتكي، و عليه المعول.

فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا يرخص عنك عارها، و هل رأيك الا فند، و ايامك الا عدد، و جمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله علي الظالمين.

و الحمدلله رب العالمين الذي ختم لا ولنا بالسعادة و المغفرة، و لآخرنا


بالشهادة و الرحمة، و نسأل الله ان يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلافة. انه رحيم ودود. و حسبنا الله و نعم الوكيل».

وادع تحليل هذه الكلمات، و بيان ما فيها من كنوز و اسرار، لاني اخشي ان لا اعطيها قيمتها الحقيقة، و معناها الصحيح، و احاول ان ارسم ما استشعرته، و انا اتأمل، و انعم الفكر في مدلول هذه الكلمات و النبرات التي هي امضي من حد السيوف و اشد من طعن الرماح.. و اقسم اني قد نسيت ذلك المشهد الرهيب، و وقوف النساء و الاطفال اساري بين يدي يزيد.. نسيت كل هذه المحن، و انا استمع الي الحوراء، و هي تصفع الطاغية بكلماتها الملتهبة، و تلعنه و تخزيه، و تشفي منه صدور قوم مؤمنين؛ اجل، نسيت كل شي ء الا قولها:

«يا ابن الطلقاء.. و من لفظ فوه أكباد الازكياء.. و نبت لحمه من دماء الشهداء..»

و قولها «ما فريت الا جلدك، و ما حززت الا لحمك..».

و قولها: «اني استصغر قدرك، و استعظم تقريعك.. و استكثر توبيخك..»

و قولها «و هل رأيك الا فند، و جمعك الا بدد؟.. الا لعنة الله علي الظالمين» اي عليه و علي آبائه، و علي من مهد له و لهم سبيل الحكم و التحكم..

و بعد، فليست هذه الكلمات نفثة مصدور، و لا هذه الروح التي خاطبت يزيد في هذا الجو تشبه ارواحنا نحن ابناء الارض في شي ء. انها روح الهية لا تري غير جبار السماء.. ولو كانت زينب من هذه النسوة لما استطاعت غير البكاء و الرجاء.. ولكنها من بيت، اساسه محمد، و بناؤه علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و بانيه الله الواحد الاحد.

ان كل موقف من مواقف اهل البيت، و كل كلمة من كلماتهم، شاهده


صدق و عدل علي انهم ان نطقوا نطقوا بلسان الوحي، و ان فعلوا فعلوا بتسديد الله و عنايته.

و قد يسأل سائل: لماذا صبر يزيد علي هذا التقريع و التوبيخ، و التهديد و الوعيد، و علي لعنه و لعن آبائه؟!..

و لماذا لم يسكت السيدة، او يأمر بقتلها، أو اخراجها، و هو الحاكم المسيطر؟!..

الجواب:

ان يزيد لم يسكت عن السيدة، لانها امرأة، و المرأة لا تعامل الا بالرفق و اللطف... كلا.. ان يزيد لا يردعه شي ء.. كيف؟ و قد تجرأ علي قتل ريحانة الرسول، و ذبح اطفاله، و سبي نسائه.. و انما سكت مذهولا من هول الصفعة، و مما رأي من اضطراب المجلس باهله، و سمع من الصرخات بسبه و لعنه، حتي من اهله و نسائه.. فلقد اوقعته السيدة زينب بنبراتها و كلماتها في مأزق خطير لا يملك معه الا الاعتراف بعظمة الجريمة، و الا البراءة منها، و القاءها علي ابن زياد.

و بالتالي، فان كلمات الزهراء بعد يوم السقيفة، و كلمات ابنتها زينب في يوم كربلاء، و بعده، و كلمات الامام زين العابدين، و ام كلثوم و فاطمة بنت الحسين جميعها ترمي الي غرض واحد، و هو اقامة الحجج و البراهين علي ان اهل البيت هم اصحاب الحق في خلافة الرسول، و اولي بالطاعة، و ان من عارض و عاند فقد رد علي الله و رسوله.

فاهل البيت اول من وضع اسس الحجاج لحقهم بالدليل و المنطق، و اول من تكلم في فضائلهم و محاسنهم، و مثالب اعدائهم و مساوئهم، و اول من اقام البراهين علي وجوب التمسك بحبلهم، و البراءة من اعدائهم، ثم سار علي هذا النهج كل موال و محب الله و رسوله و اهل بيته.



پاورقي

[1] اول من اثبت الولاية لعلي الله و رسوله، فلقد فسر المفسرون قوله تعالي «و الذين آمنوا الواردة في الآية 56 سورة المائدة» فسروها بعلي و هي «انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا الذي يقيمون الصلاة، و يؤتون الزکاة و هم راکعون» اما احاديث الولاية من السنة فلا يبلغها الاحصاء، منها الحديث المتواتر عند جميع المسلمين، و هو «من کنت مولاه فعلي مولاه».