بازگشت

في بيت فاطمة


ولادت زينب الحوراء في بيت لا شي ء فيه من الدنيا و زخرفها، و فيه من التقي و الصلاح كل شي ء.. رأت النور في هذا البيت الطاهر الذي ضم اباها سيد الوصيين، و امها سيدة نساء العالمين، و اخويها ريحانتي رسول رب العالمين.. استقبل بيت فاطمة ابناءه الثلاثة في ثلاث سنوات: الحسن سنة 3 ه. و الحسين سنة 4. و زينب سنة 5.

و كان النبي (ص) لا يصبر عن بيته هذا، و لا يشغله عنه شاغل، بخاصة بعد ان نبتت فيه رياحينه.. فاذا دخله قبل هذا، و شم ذاك، و ابتسم لتلك.. و دخله ذات يوم فاخذ الحسن و حمله، فاخذ علي الحسين و حمله، فاخذت فاطمة زينب و حملتها (البحار ج 10 ص 58) فاهتزت اركان البيت طربا لجو الصفوة المختارة، و ابتهاج الرسول بآله، و ابتهاجهم به.. و تدلنا هذه الظاهرة و كثير غيرها ان محمدا كان اكثر الانبياء غبطة و سعادة بأهل بيته، كما انه كان اشدهم بلاء بقومه من امثال أبي جهل و ابي سفيان.

ولدت الحوراء في هذا البيت، حيث كان النبي يبتهج، و ينعم فيه بالسكينة و الاطمئنان، و رضعت من ثدي الطهر، من بضعة الرسول الاعظم، و درجت مع اخويها سيدي شباب اهل الجنة، و اخذت العلم عن ابيها باب مدينة العلم، ثم خرجت من هذا البيت لتستقبل ما تخبئه لها


الايام بصدر اوسع من الفضاء، و قلب اثبت من الجبال الراسيات.. و ليس هذا بغريب من السيدة الحوراء مادام البيت الذي نشأت فيه يتجه بها الي سبيل خاتم النبيين، و سيد المرسلين.

و قد روي الرواة ان امرأة اصلها من الهند تسمي فضة كانت تختلف و تتردد الي بيت فاطمة تعينها علي بعض الاعمال البيتية، و انها اصبحت بعد ذلك من القاتنات الصالحات، فكيف بمن كان من هذا البيت في الصميم؟.. و مما يحكي عن فضة هذه انها بقيت بعد سيدتها فاطمة عشرين عاما لا تتكلم الا بالقرآن..

قال صاحب البحار في الجزء العاشر ص 26:

ان فضة حجت مع اربعة من اولادها، و انقطعت في الطريق عن القافلة، فرآها رجل من عرب البادية، و قبل ان يسلم قال لها:

من انت؟

فقلت قوله تعالي: «و قل سلام فسوف تعلمون» 89 الزخرف.

فسلم الرجل، و قال: ما تصنعين هنا؟.

فقلت: «و من يضلل الله فما له من هاد» 36 الزمر.

فقال: أمن الجن انت ام الانس؟.

فقلت: «يا بني آدم خذوا زينتكم» 31 الاعراف.

قال: اين تقصدين؟.

فقلت: «و لله علي الناس حج البيت» 97 آل عمران.

قال: متي انقطعت عن القافلة؟.

فقلت: «و خلقنا السموات و الارض في ستة ايام» 7 الاعراف.

قال: اتشتهين طعاما؟.


فقلت: «و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام» 8 الانبياء.

فاطعمها، ثقم قال لها: عجلي بالسير معي.

فقلت: «لا يكلف الله نفسا الا وسعها» 286 البقرة.

فقال: اردفك خلفي علي الناقلة.

فقلت: «لو كان فيهما آلهة الا الله. لفسدتا» 22 الانبياء.

فنزل و اركبها.

فقلت: «سبحان الذي سخر لنا هذا» 13 الزخرف.

و حين ادرك الركب قال لها: ألك احد فيه؟.

فقلت: «و ما محمد الا رسول». «يا يحيي خذ الكتاب».

«يا موسي اني انا الله. «يا داود انا جعلناك خليفة في الارض.»

فصالح الرجل بهذه الاسماء، فأتي اربعة شباب، فقال لها: من هؤلاء؟.

فقلت: «المال و البنون زينة الحياة الدنيا»، ثم التفتت الي ابنائها الاربعة، و تلت: «يا ابت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين». فاعطوه بعض الشي ء، فاستقلته فضة، و تلت: «و الله يضاعف لمن يشاء» فزادوه. و سأل الرجل الشباب الاربعة عن عادة امهم هذه؟ فقالوا: هذه فضة جارية الزهراء، و ما تكلمت الا بالقرآن منذ 20 عاما.

بقيت زينب مع امها ست سنوات، و يقول علماء النفس التربوي: ان الطفل بعد ان يتم الثالثة تبدأ مرحلة التوافق بينه و بين بيئته، و التمييز بين الالفاظ و المعاني، و ان نموه العقلي في هذه السن يتجه بصاحبه الي كشف ما يحيط به مما يري و يسمع، و ان هذا الكشف يترك آثارا تعمل عملها في نفس الطفل الي آخر يوم في حياته... و كانت زينب تبري - في هذه المرحلة - امها فاطمة تقوم للصلاة، حتي تنورم قدماها، و تبيت علي


الطوي هي و صغارها، و تطعم الطعام مسكينا و يتيما و اسيرا، و تلبس الثياب الخلقة، و تكسو الفقراء جديد الملابس..

رآها سلمان الفارسي مرة، فبكي، و قال: ان قيصر و كسري في السندس و الحرير، و ابنة محمد في ثياب بالية.. و روي انه كان عند علي و فاطمة جلد كبش، و ان فاطمة كانت تعلف عليه البعير في النهار، فاذا كان الليل افترشته هي و علي.. اما صدقها فقد نقل صاحب «الاستيعاب» ج 4 في ترجمتها عن عائشة انها قالت: «ما رأيت احدا اصدق لهجة من فاطمة الا ان يكون والدها» [1] و بكلمة ان زينب رأت جدها الرسول ممثلا في امها فاطمة بجميع صفاته و مزاياه، و تجلت هذه الحقيقة فيما قالته، و هي ترثي والدتها. «يا ابتاه يا رسول الله الآن حقا فقد ناك فقدا لا لقاء بعده».

و قد انعكست صفات الزهراء في نفس ابنتها زينب، و ظهرت جلية واضحة في زهدها و عبادتها و صبرها و جرأتها، قال الرواة ان زينب بنت اميرالمؤمنين لم تدخر شيئا من يومها لغدها، و انها كانت تقضي عامة لياليها بالتهجد و تلاوة القرآن، حتي ليلة العاشر من المحرم، و هي الليلة التي قتل الحسين في صبيحتها، و ليلة الحادي عشر، حيث كان اخوها الحسين و اولاده و اصحابه صرعي مجزرين كالاضاحي، حتي في هذه الحال لم تدع صلاة الليل و التعبد و التهجد.. اما صبرها و شجاعتها، فسنتكلم عنهما مفصلا في الصفحات الآتية.



پاورقي

[1] مع ان ابابکر والد عائشة طلب البينة من الصديقة الزهراء علي انها تملک فدکا.