بازگشت

عقيل و معاوية


كان لابي طالب - و اسمه عبد مناف - ستة اولاد: اربعة ذكور و ابنتان، طالب، و عقيل، و جعفر، و علي، و ام هاني، و جمانة، و امهم جميعا فاطمة بنت اسد، و طالب أسن من عقيل بعشر سنين. و عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، و جعفر أسن من علي بعشر سنين.

و ليس فيما لدي من المصادر ذكر لجمانة سوي انها اخت الامام علي، و اما ام هاني، و اسمها فاخته فقد أسلمت، و تزوجها هبيرة بن ابي لهب بن عمرو، و ولدت له اولادا، و مات و هو مشرك، و عن ابن عباس ان النبي دخل يوم الفتح علي ام هاني، و كان جائعا، فقالت: يا رسول الله ان اصهارا لي قد لجؤا الي، و ان اخي عليا لا تأخذه في الله لومة لائم، و اخاف ان يعلم بهم، فيقتلهم، فاجعل من دخل دار أم هاني آمنا، فقال رسول الله: اجرنا من اجارت ام هاني. ثم قال لها: هل عندك من شي ء نأكله؟ فقالت: ليس عندي الا كسر يابسة، و استحي اقدمها لك. قال: هلمي بهن؛ و لما اتته بكسر الخبز، وضعهن بالماء و الملح، و قال لها: هل من ادام؟ قالت: ما عندي الا شي ء من خل، فصبه النبي علي طعامه، و اكل منه، ثم حمد الله و قال نعم الادام الخل، يا ام هاني، لا يفتقر


بيت فيه خل. [1] .

و اسلم جعفر قبل هجرة الرسول الي المدينة، و هاجر مع جماعة من المسلمين الي الحبشة، و كان النبي (ص) شديد الحب له، فقد قال له يوما: «اشبهت خلقي و خلقي»، و صادف قدوم جعفر من الحبشة يوم فتح خيبر، فتلقاه النبي، و قبله بين عينيه، و قال: ما ادري بايهما انا اشد فرحا بقدوم جعفر او بفتح خيبر، و قال له: حدثني ببعض عجائب الحبشة.

فقال: نعم، بابي انت و امي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقات الحبشة اذا بعجوز علي رأسها مكتل، فاقبل شاب يركض علي فرص له، فالقاه علي وجهها، و القي المكتل عنه رأسها، فاسترجعت قائمة، و اتبعته النظر، و هي تقول: الويل لك غدا اذا جلس الملك علي كرسيه، فاقتص للمظلوم من الظالم، فجرت دموع رسول الله علي لحيته مثل الجمان، ثم قال: لا قدس الله امة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم.

و كان جعفر خير الناس للمساكين، يطعمهم و يكسوهم، و يجلس اليهم يحدثهم و يحدثونه، حتي كناه رسول الله ابا المساكين، و كان الناس يعرفونه و ينادونه بهذه الكنية، و قتل جعفر في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة، و ثبت عن النبي بطريق السنة و الشيعة انه قال: رأيت جعفرا يطير بجناحين في الجنة مع الملائكة.

و تزوج جعفر اسماء بنت عميس، و كانت معه في الحبشة، و ولدت


له هناك عبدالله و محمد و عونا، و لما قتل عنها تزوجها ابوبكر، فولدت له محمدا، و لم توفي ابوبكر تزوجها اميرالمؤمنين علي، فولدت له يحيي، و توفي في حياة ابيه، و لا عقب له.

و ام اسماء بنت عميس هي هند بنت عوف بن الحارث الجرشي من جرش اليمن، و كان لهند هذه اربع بنات (1) اسماء تزوجها جعفر و ابوبكر و علي (2) ميمونة تزوجها رسول الله، و هي آخر امرأة تزوجها (3) ام الفضل لبانة تزوجها العباس بن عبدالمطلب، و هي ام ولده عبدالله و عبيدالله و الفضل و معبد و قثم (4) سلمي تزوجها الحمزة بن عبدالمطلب. فاحماء هذه الجرشية رسول الله و اميرالمؤمنين و الحمزة و جعفر و العباس و ابوبكر، و قيل: من احمائها الوليد بن المغيرة، و ان ام خالد بن الوليد ابنة هذه الجرشية، و لذا اشتهر ان الجرشية اكرم الناس احماء.

اما عقيل، و يكني ابايزيد فقد اخرجه المشركون يوم بدر لحرب الرسول مكرها، فأسره مع عمه العباس رجل من الانصار يدعي ابابشر، و رآه اخوه علي مع الاسري فتجاهله وحاد عنه، فقال له عقيل: يا ابن ام و الله لقد رأيت مكاني، فتركه و لم يلتفت اليه، و هو اخوه لامه و أبيه. و كان عقيل حاضر الذهن سريع الجواب، رآه النبي (ص) مع الاسري يوم بدر، فقال له: يا أبايزيد قتل ابوجهل. فقال له عقيل: اذن لا تنازعوني في تهامة. و أمر النبي عمه العباس ان يفدي نفسه و ابن أخيه عقيلا، فقال العباس: لا مال عندي. قال له النبي: لقد تركت مالا عند ام الفضل، و اوصيتها به. فقال: من اخبرك بهذا؟ قال جبرائيل عن الله. فقال العباس: ما علم بهذا أحد، اشهد ان لا اله الا الله، و أنك رسول الله. فرجع الاسري، كلهم مشركون الا العباس و عقيل و نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب.


و كان النبي يحب عقيلا، و قد صارحه بهذا الحب، اذ قال له يوما، يا أبايزيد اني احبك حبين: حبا لقرابتك مني، و حبا لحب عمي اياك، و كان عقيل فقيرا كثير العيال و الاطفال لا يجد ما يسد حاجتهم الضرورية من المأكل و الملبس، و لما تولي الامام الخلافة قدم عليه يسترفده، فعرض عليه الامام عطاءه، فقال: انما اريد من بيت المال. فقال له الامام: تقيم الي يوم الجمعة، فلما صلي الجمعة قال له: ما تقول بمن خان هؤلاء؟ قال: بئس الرجل. قال: انك امرتني ان اخونهم و اعطيك. فخرج من عنده الي الشام.

و رحب به معاوية، و أعطاه مئة الف درهم من مال المسلمين. و قال للناس و عقيل حاضر: هذا ابويزيد لولا علمه باني خير من أخيه ما تركه. و اقام عندنا، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، و انظر لنفسه منك. و انت خير لي في دنياي، و انظر لي من نفسك، و قد آثرت دنياي. و اسأل الله العفو.

و قال له يوما: غلبك اخوك علي الثروة. قال: نعم، و سبقني و اياك الي الجنة.

و قال له: ان فيكم للينا يا بني هاشم. قال: أجل، فينا لينا من غير ضعف، و عزا من غير عنف، و ان لينكم يا معاوية غدر، و سلمكم كفر. فقال معاوية: و لا كل هذا يا ابايزيد.

و في ذات يوم اقبل عقيل علي معاوية، و عنده عمرو ابن العاص فالتفت معاوية الي ابن العاص، و قال له: لاضحكنك من عقيل؛ و لما سلم، قال له معاوية: مرحبا بمن عمه ابولهب - مع العلم بان ابالهب عم النبي كما هو عم عقيل و علي - فقال عقيل: و اهلا بمن عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد - يشير الي ام جميل العوراء زوجة ابي لهب، و هي اخت


ابي سفيان و عمة معاوية - فقال معاوية ما ظنك بعمك ابي لهب. فقال: اذا دخلت النار، فخذ علي يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب.

و غدا يوما علي معاوية، و جلساؤه حوله، فقال له معاوية: يا ابايزيد خبرني عن عسكري و عسكر اخيك، فقد وردت عليهما. فقال عقيل: مررت بعسكر اخي فاذا ليل كليل رسول الله، و نهار كنهاره، ليس في القوم الا مصلي لله او قاري ء للقرآن، و مررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين الذين نفروا برسول الله ليلة العقبة.

ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية قال: هذا عمرو ابن العاص. قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر، فغلب عليه جزار، فمن الآخر قال: الضحاك بن قيس. فقال: و الله لقد كان ابوه يجيد خصي التيوس، فمن الآخر قال: ابوموسي الاشعري. قال: هذا ابن السراقة. فلما رأي معاوية انه قد اغضب جلساءه سأله معاوية عن نفسه ليقول فيه ما قال فيهم، و يخفف عنهم، فقال له: ما تقول في؟ قال: دعني منك. قال: لتقولن. قال: اتعرف حمامة؟ قال: و من حمامة؟ قال: سل عنها. فسأل عنها معاوية، فقيل له: هي جدته ام ابي سفيان كانت بغيا في الجاهلية، و صاحبة راية تدل علي مهنتها، فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت، فلا تغضبوا.

لقد اضطر عقيل للشخوص الي معاوية، و اعطاه هذا كل ما يريد و فوق ما يريد، و حاول بجميع خدعه و حيله ان يجد لنفسه مدخلا في قلب عقيل، او ينتزع منه كلمة باطل ترضيه و تغضب الله فلم يفلح، بل علي العكس، فكان كلما اراد شيئا من هذا اجابه عقيل بما يفضحه و يخزيه، كما رأينا.

و لما بلغ عقيلا خذلان أهل الكوفة لاخيه كتب اليه يعرض نفسه


و اولاده عليه، و قال له فيما قال: و الله لا احب ان ابقي في الدنيا بعدك، ان عيشا نعيشه بعدك لغير هني ء و لا مري ء و لا نجيع، فاعفاه الامام، و لم يكلفه و اولاده حضور الحرب، و كأن الامام عليه السلام نظر بعين الغيب، فادخر اولاد اخيه الي يوم ولده الحسين، فقد قتل من ولد عقيل مع الحسين 13 شهيدا 8 من اولاده و 5 من احفاده. توفي عقيل سنة 50 من الهجرة عن ست و تسعين سنة.

و صلي الله علي محمد و آله، و علي عقيل و اولاده و احفاده.

تم



پاورقي

[1] اراد النبي بهذا ان يهون علي ابنة عمه، کي لا يدخل في روعها انها قصرت بحقه، و ان يعطي درسا عاما لجميع الناس بان کل ما تيسر من الطعام فهو خير خلا کان او غيره، و انما ذکر الخل بالخصوص، لانه الميسور في ساعته تلک، و غير بعيد انه لو لم يوجد عند ام‏هاني الا الملح لقال (ص): نعم الادام الملح.