بازگشت

معاوية


حاول بعض الشيوخ ان ينزه معاوية بن ابي سفيان عن الجرائم بل الف ابن حجر كتابا للذب عنه، اسماه «تطهير الجنان و اللسان عن الخطور و التفوه بثلب سيدنا معاوية بن ابي سفيان». و قال آخر: قل ما تشاء عن يزيد و لا تزيد.

و الحقيقة ان يزيد سيئة من سيئات معاوية، و ان الابن لم يأت بمنكر الا اتي الاب بما هو اعظم و اخطر، بل ان معاوية احدث بدعا لا يعرفها يزيد و لا غير يزيد. و اليك الارقام.

تأمر يزيد علي المسلمين بالقهر و الغلبة، و كذلك ابوه معاوية تأمر عليهم من غير مشورتهم، و علي غير رضا من المهاجرين و الانصار، و حارب يزيد الحسين في كربلاء، و قتله و قتل اصحابه، و حارب معاوية عليا في صفين، و قتل عمار بن ياسر الصحابي الجليل، و سم الحسن، و مالك الأشتر، و عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، و قتل حجر بن عدي، و اصحابه في مرج عذراء، و محمد بن ابي بكر، و ذبح جيش يزيد بقيادة عمر بن سعد اطفال الحسين، و كذلك ذبح عسكر معاوية بقيادة بسر بن ارطاة القثم و عبدالرحمن طفلي عبيدالله بن العباس في حجر امهما.

و شرب يزيد الخمر، و لبس الحرير و الديباج، و شرب معاوية الخمر


ايام حكمه في الشام، و لبس الحرير و الديباج، و شرب بآنية الذهب و الفضة، و ركب السروج المحلاة بهما، و اباح يزيد مدينة الرسول، و ارسل معاوية بسرا الي المدينة فاخافها، و قتل منها خلقا كثيرا (مروج الذهب للمسعودي)، و حين رأي يزيد رأس الحسين فرح و استبشر، و انشد «ليت اشياخي ببدر شهدوا» و حين جاء نعي الحسن لمعاوية اظهر الفرح و السرور، و رفع صوته بالتكبير.

و تشاء الصدف ان يتم شبه الابن بالاب من جميع الوجوه، ذلك انه عندما كبر معاوية معلنا الابتهاج بموت الحسن سمعته فاخته بنت فرضة ابن عمرو بن نوفل، فدخلت عليه، و قالت: ما الذي بلغك فسررت؟ قال: موت الحسن. فصاحت، و بكت، و قالت: يموت الحسن سيد المسلمين، و ابن رسول الله، فتظهر الشماتة؟!.. و هكذا فعلت هند بنت عبدالله بن عامر مع يزيد حين ادخلوا الرأس و السبايا، و سب معاوية عليا، لانه يحمل علم الله و الرسول، و داس يزيد ظهر الحسين و صدره بسنابك الخيل، لان فيه علم الله و الرسول.

و تفرد معاوية ببدع و احداث لم يشاركه فيها احد، حتي ولده يزيد، فلقد حول الخلافة الاسلامية الي ملك يتوارثه السفهاء و الغلمان، و الحق ابن السفاح بغير ابيه الشرعي، كما فعل مع زياد ابن ابيه، و خذل عثمان، ثم نشر قميصه مطالبا بدمه. و اعطي عهودا للحسن، ثم نكث و اخلف. و دفن الاحياء تحت التراب، فقد دفن زياد ابن ابيه عبدالرحمن بن حسان الغثري حيا بأمر معاوية، و دبر المكايد للتفرقة بين المرء و زوجه، كما فعل مع عبدالله بن سلام و زوجته زينب بنت اسحاق، و سن سب الصلحاء


و الاولياء علي المنابر [1] و وهب مصر لابن العاص ثمنا لغدره و خيانته، و كذب علي الله و رسوله، و شجع علي وضع الاحاديث عن الرسول الاعظم.

في ذات يوم صعد المنبر، و قال:

ايها الناس رسول الله قال: انك ستلي الخلافة من بعدي، فاختر الارض المقدسة، فان فيها الابدال، و قد اخترتكم، فالعنوا اباتراب [2] ثم كتب كتابا، و قرأ الناس، و فيه هذا كتاب اميرالمؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا، و كان اميا لا يقرأ و لا يكتب فاصطفي له من اهله وزيرا كاتبا امينا، فكان الوحي ينزل علي محمد و انا اكتبه، و هو لا يعلم ما اكتب، فلم يكن بيني و بين الله احد من خلقه.

و ولي معاوية اباهريرة علي مدينة الرسول، لانه وضع حديثا كاذبا،


و هو «ان لكل نبي حرما، و ان حرمي بالمدينة، فمن احدث فيها حدثا. فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس اجمعين، و اشهد بالله بأن عليا احدث فيها». فجاء شاب من اهل الكوفة، فجلس الي ابي هريرة و قال له: يا اباهريرة، انشدك الله، أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب، اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم. فقال الشاب: اشهد بالله لقد واليت عدوه، و عاديت وليه. [3] .

و بذل معاوية لسمرة بن جندب مئة الف درهم ليروي عن النبي أن هذه الآية «و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، و يشهد الله علي ما في قلبه، و هو ألد الخصام» نزلت في علي بن أبي طالب، و ان آية «و من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله» نزلت في قاتله ابن ملجم، فلم يقبل سمرة بالمئة الف، فبذل له مئتي الف، فلم يقبل، فبذل ثلثمائة الف فلم يقبل، فبذل له اربعمئة الف فقبل، و روي كذبا و افتراء!..

علي الذي قال له الرسول: يا علي لا يبغضك الا منافق، و لا يحبك الا مؤمن. و قال: علي مع الحق، و الحق مع علي، و قال يوم خيبر: سأعطي الراية الي رجل يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله، كرار غير فرار، ثم اعطاها لعلي. علي هذا خصم لله، و ابن ملجم من الذين اشتروا انفسهم ابتغاء مرضاة الله!..


و ليس بعجب و لا غريب ان يفتري معاوية و سمرة الكذب علي الله، فالاول عدو الدين، و الثاني باع دينه للشيطان، ولكن العجب من الذين يقدسون معاوية و سمرة، و يؤمنون بعد التهما لا لشي ء الا لصحبتهما، فقد قرر الكثير من شيوخ السنة في كتب الحديث و الاصول ان جميع الصحابة عدول لا يجوز نقدهم و لا تجريحهم «و اعتبروهم جميعا معصومين من الخطأ و السهو و النسيان». [4] .

معاوية معصوم عن الخطأ حتي ولو تعمد الكذب علي الله و الرسول، و سمرة عادل، و ان باع دينه للشيطان، اما علي و الحسن و الحسين فغير معصومين، و ان كانوا اهل بيت الرسول، بل ولو ضحوا في سبيل الاسلام بالارواح و العيال و الاطفال!.. لقد انكر بعض الكتاب علي الشيعة قولهم بعصمة من زكاهم القرآن، و طهرهم من الرجس، و لم ينكر علي بعض السنة القول بعدالة الصحابة الذين هم علي شاكلة معاوية و سمرة!..

معاوية عادل، لانه بذل الاموال و المناصب لوضع الاحاديث في القدح باخي الرسول في الدنيا و الآخرة! و معاوية مؤمن، لانه شجع الافتراء علي الله، و امر بوضع احاديث في فضائله مثل «كتب معاوية آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هدية له من فوق العرش». و هذا الحديث المفتري هو المصدر الوحيد لكتابة معاوية للوحي. [5] .

سئل النسائي و هو في دمشق عن فضائل معاوية. فقال: الا يرضي معاوية رأسا برأس، حتي يفضل؟!.

و اذا وجد في الصحابة مثل سمرة بن جندب و ابي هريرة و ابن


العاص يقبضون و يكذبون فان فيهم من يناصر الحق، و لا تستهويه الاموال و المناصب فلقد وقف جماعة لمعاوية و جابهوه بالحقيقة، و صارحوه بمثالبه و مروقه من الدين؛ و اقوالهم مثبتة في كتب السير و التاريخ، لو جمعت لجاءت مجلد ضخم، و اليك بعضها:

كتب معاوية الي سعد بن وقاص يستحثه علي الطلب بدم عثمان فرد عليه سعد ان عليا احق بالخلافة من غيره، لانه شارك غيره في محاسنه، و لم يشاركه احد في محاسنه. و كتب قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الي معاوية جوابا له عن كتابه: اما بعد فأنت و ثني ان وثني دخلت في الاسلام كرها، و خرجت منه طوعا.

و قالت له اروي بنت الحارث بن عبدالمطلب: لقد كفرت النعمة و تسميت بغير اسمك، و اخذت غير حقك بلا بلاء كان منك و لا من ابيك بعد ان كفرتم بما جاء به محمد، فاتعس الله منكم الجدود، و اضرع منكم الخدود حتي رد الله الحق الي اهله، و كان كلمة الله هي العليا، و نبينا هو المنصور علي كل من ناواه، و لو كره المشركون، فكنا اهل البيت اعظم الناس في هذا الدين بلاء، و عن اهله غناء و قدرا حتي قبض الله نبيه مغفورا ذنبه مرفوعة منزلته شريفا عند الله مرضيا، فوثب علينا بعده تيم وعدي، و بنوامية، فانت منهم تهدي بهداهم، و تقصد بقصدهم، فصرنا فيكم بحمدالله اهل البيت بمنزلة قوم موسي و آل فرعون يذبحون ابناءهم، و يستحيون نساءهم، و صار سيدنا فيكم بعد نبينا بمنزلة هرون من موسي، حيث يقول: يا ابن ام ان القوم استضعفوني، و كادوا يقتلونني، فلم يجتمع بعد رسول الله شمل، و لم يسهل وعث، و غايتنا الجنة، و غايتكم النار.



پاورقي

[1] قال جاهل متعصب: ان الشيعة کفار، لانهم يسبون بعض الصحابة. و نقول في جوابه: ان هذه النسبة رواية لم تثبت، ولکن سب معاوية عليا علي المنابر ثابت بشهادة التاريخ، و مع ذلک لا تقول بکفره، فان کان السب يوجب الکفر فمعاوية کافر، و ان کان لا يوجب الکفر فالشيعة مسلمون، و ان صح انهم يسبون، فاما ان تقول باسلامهما معا و اما بکفرهما معا، و التفکيک جهل و تعصب.

[2] قال الشيخ ابوزهرة في کتاب المذاهب الاسلامية ص 51: «کتبت ام‏سلمة زوج الرسول الي معاوية کتابا تقول له فيه: انکم تلعنون الله و رسوله علي منابرکم، و ذلک انک تلعنون علي بن طالب و من احبه و اشهد ان رسول الله (ص) احبه». و في مسند احمد و صحيح البخاري و مسلم ان رسول الله قال يوم خيبر: اني دافع الراية غدا الي رجل يحب الله و رسوله، و يحبه الله و رسوله، کرار غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله له، ثم دفعها الي علي. بعد ان کان قد اخذها کل من ابي‏بکر و عمر و رجع، و لم يفتح له.

[3] کتاب «اضواء علي السنة المحمدية» للاستاذ محمد ابورية ص 191 طبعة 1958، و هذا الکتاب جديد و فريد في بابه، لا غني عنه للفقيه و المحدث، و لا لاي کان يريد ان يأخذ الدين من معدنه، فقد اثبت المؤلف بالارقام و البرهان ان الصحاح الستة التي تعتمد السنة علي احاديثها لم تتخذ المقاييس العلمية لتمييز الاحاديث الکاذبة من الصحيحة، و ان الکثير من رجال الصحاح لا يجوز الاخذ بحديثهم بخاصة اباهريرة الذي کذبه علي و عمر و عثمان و عائشة، و اني اشعر بالرغبة الملحة في تلخيصه بفصل مستقل في بعض مؤلفاتي. و عسي ان تسنح الفرصة.

[4] کتاب «الاضواء علي السنة المحمدية» ص 322.

[5] انظر کتاب الاضواء علي السنة المحمدية ص 811. و النصائح الکافية لمن يتولي معاوية. ص 172 طبعة 1948.