بازگشت

مشهد الحسين


كان مصرع الحسين عليه السلام بدء نهاية الحكم الاموي، اذ هو السبب الاكبر لظهور الدعوة الي آل البيت النبوي، و انتشارها في ارجاء العالم الاسلامي، حتي اسفرت عن زوال تلك الدولة و قيام دولة بني العباس. لان العرب و المسلمين علي السواء اعتبروا هذا الحادث عدوانا اثيما علي بيت النبوة و لذلك أصبح سهل كربلاء بقعة مقدسة، كثرت حولها المؤلفات و الاشعار و القصص. و مما رواه الامام السادس ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ان الملائكة حملت ترابا مقدسا من القدس الي كربلاء قبل الف سنة ليكون قبرا. و قيل ان الامام علي رضي الله عنه تحدث عن قداسة المكان فقال: «ان مئتي نبي و مئتي مندوب للانبياء و مئتين من ابناء الانبياء يودون ان يدفنوا هنا».

فليس بغريب اذن ان يصبح الموضع الذي دفن فيه جسد سيدالشهداء مزارا، يحج اليه الناس للتبرك به و تأدية واجب الاحترام له. و اسم كربلاء أطلق أصلا علي القسم الشرقي من حدائق النخل التي تحيط بالبلدة التي نمت و ازدهرت بسرعة، الا اننا نجد لها ذكرا في المراجع التاريخية الاولي. و أول ما قرأنا عنها ان الخليفة العباسي المتوكل امر - عام 850 ميلادي - باغراق المنطقة و هدم البيوت و الابنية الموجودة فيها و حرث


الارض كلها، و فرض عقوبات صارمة علي الحجاج القادمين اليها كي يمنع زيارتها. لكن البلدة ما لبثت ان عادت للظهور ثانية، و اعتقد الشيعة ان المشهد الم يتأثر ابدا بالماء و ظل علي حاله. و بعد قرن من الزمن كتب ابن حوقل عن المشهد الذي بني فوق ضريح الحسين عليه السلام فوصفه بانه غرفة واسعة تعلوها قبة، لها باب في كل من جهاتها الاربع. و بعد مئتي سنة (980 - 979) هاجم البلدة فريق من الاعراب جاءوا من عين التمر و خربوا المشهد و غيره من الاماكن، فصب عليهم بنو بويه - و هم شيعيون - جام غضبهم و عاقبوهم و من رافقهم أقسي عقوبة. و أسرع عضد الدولة فأعاد بناء كربلاء و بسط عليها الحماية.

و في ربيع الاول سنة 407 هجرية (1016 ميلادية) شب حريق في البناء فتهدمت القبة و الاروقة و احترقت. و في سنة 414 أمر الحسين بن الفضل ببناء سور حول كربلاء. و من ذلك الوقت تشابه تاريخ النجف الاشرف و كربلاء الي حد بعيد، فاحترمها الاتراك الذين احتلوا العراق، و زار ملك شاه نسة 479 (1086) المشهدين و فرق الصدقات و الاموال. و نجت البلدتان من غزو المغول. و في سنة 1303 ميلادية زار الخان غازي كربلاء و حمل معه هدايا غالية الثمن، و شق «أرغون» قناة من نهر الفرات الي البلدة اطلق عليها فيما بعد اسم نهر الحسينية. و جاء العثمانيون الي الحكم فحافظوا عي المشهدين، و زار سليمان القانوني ضريح الحسين و أمر بتجديد حفر القناة و توسيعها و زراعة الاراضي المحيطة بالبلدة، و كانت الاوامر تصدر الي الولاة في بغداد بأن يراعوا كربلاء و يعنوا بابنيتها. و جدد مراد الرابع سنة 991 هجرية (1583 ميلادية) بناء الضريح و المشهد و ما حولهما من الزوايا.

و عادت النجف و كربلاء الي حكم الشيعة اذ انتزعها «عباس الكبير» من الحكم العثماني، فأعاد بناء المشهدين علي الشكل الذي نراه في الوقت


الحاضر. و في سنة 1743 ميلادية شيد نادر شاه قبة مشهد الحسين و صادر في الوقت ذاته الاوقاف التي خصص ريعها للائمة. و توالت الهدايا من الامراء و الاغنياء الشيعيين من كل مكان. و في اواخر القرن الثامن عشر زين مؤسس أسرة قاجار المالكة في ايران القبة و المنارة بالذهب.

و يقع ضريح الحسين عليه السلام في باحة مساحتها 354 قدما مساوي 270 قدما [1] تحيط بها الايوانات و الحجرات، و جدرانها محلاة بحجارة ذات لون أزرق نقشت عليها جميع آيات القرآن الكريم بأحرف بيضاء. و مساحة المشهد ذاته 138 - 156 قدما و يتألف من عمارة قائمة الزوايا لها قاعة خارجية مذهبة تحف بها ممرات أعدت للطواف. و في منتصف الغرفة المركزية المقببة توجد «صندوقة الحسين» و حولها مشبكان، الخارجي مصنوع علي شكل مشربية من الفضة و الداخلي من الذهب. و في هذين المشبكين يلقي المخلصون هداياهم من النقود و المجوهرات و يفتحان مرة في السنة لجمع هذه الهدايا بحفلة ضخمة. و هناك ضريح ثان دفن فيه علي الاكبر ابن الحسين عليه السلام.

و في كربلاء مشهد كبير ثان لعباس بن علي، و هو يشبه في نسق بنائه و حجمه و تعدد الاروقة و الغرف فيه مشهد الحسين. و الفرق الوحيد هو ان للثاني مآذن و للاول مئذنتين، كما ان قبته غير مغطاة بصفائح الذهب. و السبب في ذلك هو ان نادر شاه رأي (و هو يعتزم بناء المشهدين) العباس في منامه، فقال له: «انا اصغر سنا من الحسين، و ما انا الا قلامة ظفر لسيدي. و لذلك وجب ان تجعل فرقا في البناء بين مقام السيد و مقام العبد» و يعتقد الزوار ان النقمة تحل بكل من يحلف كاذبا عن ضريح العباس.


و فرش داخل المشهدين بالسجاجيد العجمية النفيسة، و زين ابدع زينة تثير الاعجاب و الروعة، و تصعب علي الواصف.

لقد مضي علي مصرع سيدالشهداء الحسين بن علي رضي الله عنه 1317 سنة [2] ، و مازال الالوف يزورون مشهده للتبرك به و تقديم واجب الاحترام للمدفون فيه، و تجديد ذكري الفاجعة التي حدثت في العاشر من شهر المحرم سنة 61 هجرية.



پاورقي

[1] القدم ثلاثون سانتمتر و نصف علي التقريب.

[2] وضع الشيخ مغنية هذا الکتاب عام 1378 ه. (الناشر)