بازگشت

انتم مؤمنون


اين المؤمنون؟ اين المسلمون حقا؟ اين الاسوة و العزاء بالانبياء و الاولياء؟ و بالتالي اين الموالون للنبي و اهل بيته الذين احبوا ما احب الله و محمد و علي و الحسن و الحسين؟! قال اميرالمؤمنين (ع): «لو لم يكن فينا الا حبنا ما ابغض الله و رسوله لكفي به شقاقا لله، و محادة عن امر الله».

نحن ننكر علي عثمان بن عفان، لانه آثر الاقارب و الارحام، و آوي عمه الحكم طريد رسول الله و لعينه [1] و ننكر علي معاوية مبايعته لولده يزيد الذي اهلك الحرث و النسل، و ننكر علي ابن العاص، لانه باع دينه الي معاوية بولاية مصر، و ننكر علي ابن سعد، لانه قتل الحسين املا بملك الري، اجل، اننا ننكر علي هؤلاء و امثالهم لا لشي ء الا لانهم آثروا العاجلة علي الآجلة، و استجابوا لاهواء الاولاد و الاقارب، و استبدت بهم


الشهوات و المنافع، و لم يرعوا امر الله و حرمة الدين.

و نحن نكرم اهل البيت، و نقيم لهم الحفلات، و نحيي الذكريات لانهم جاهدوا وضحوا في سبيل الله، و جابهوا الباطل، و قاوموا العدوان و لم يثنهم الخوف علي منصب او ولد، ولكنا في نفس الوقت نستجيب لاهواء الاولاد و الاقارب، و تستبد بنا الشهوات، و لم نراع لله امرا و لا نهيا، تماما كما فعل اعداء اهل البيت، نحن في اقوالنا و مظاهرنا مع الرسول و عترته، و في افعالنا و واقعنا مع الذين حاربوا لله و رسوله، و عاندوا الحق و اهله.

نحن لا نطلب من المسلم ان يكون حسينا، و لا كاصحاب الحسين، ولكن نطلب منه ان لا يكون كابن سعد و اصحاب ابن سعد نطلب ان لا يسمي الظلم عدلا، و الباطل حقا تملقا لابناء الدنيا و رغبة في ما بايديهم، نريده ان يقول للظالم يا ظالم، و لا يسكت عن الحق. ان السكوت عن الحق و مداراة الطغاة و اصحاب المال و الجاه لا تجتمع من موالاة اهل البيت الذين كانوا حربا علي كل طاغ و باغ؛ قال الامام الباقر (ع) لجابر الجعفي:

«اعلم انك لم تكن لنا وليا اذا اجتمع عليك اهل مصرك، و قالوا: انك رجل سوء لم يحزنك ذلك، و لو قالوا: انك رجل صالح لم يسرك ذلك، ولكن اعرض نفسك علي ما في كتاب الله، فان كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه فاثبت و البشر، فانه لا يضرك ما قيل فيك، و ان كنت مباينا للقرآن فما الذي يغرك من نفسك؟! ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها علي هواها».

فالمقياس هو القرآن. و ما اهتم القرآن في شي ء اكثر من اهتمامه بالمعروف و النهي عن المنكر، قال الله تعالي: «لعن الذين كفروا من بني


اسرائيل علي لسان داود و عيسي ابن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون - المائدة 79 «و قال الفقهاء: المعروف قسمان واجب و ندب، و الامر بالواجب واجب، و الامر بالندب ندب، اما المنكر فكله حرام، فالنهي عنه واجب. و قال الامام الباقر (ع): يكون في آخر الزمان قوم سفهاء لا يوجبون امرا بمعروف، و لا نهيا عن منكر الا اذا امنوا الضرر، يطلبون لانفسهم الرخص و المعاذير... يقبلون علي الصلاة و الصيام، و ما لا يكلفهم في نفس و لا مال، و لو اضرت الصلاة باموالهم و اولادهم لرفضوها كما رفضوا اتم الفرائض و اشرفها».

اراد الامام من اتم الفرائض و اشرفها الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، اما قوم آخر الزمان فهم نحن، حيث نفعل المنكر غير مكترثين، او نرضي به، او نغض الطرف عن فاعله متذرعين بخوف الضرر، كما قال الامام، متجاهلين الصبر علي المكروه في جنب الله، و خدمة الدين؟ و أية فضيلة للمرشد اذا لم يعان المشقة و الصعاب في سبيل الحق، و اعلاء كلمته.

فأياك ان تغتر بقول من قال: لا يجب التذكير الا مع أمن الضرر و احتمال النفع [2] و لو صح قولهم هذا لما وجب التذكير في وقت من الاوقات، لانه لا يخلو زمان من معاندين، و لا يسلم محق من جاحدين، ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب، و القاء الحجة لابد منه. و اليكم المثل و الدليل:

قبل ان يعلم الحسين بخبر ابن عمه مسلم كتب الي جماعة من اهل


الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الي اخوانه من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم، فاني احمد اليكم الله الذي لا اله الا هو، اما بعد، فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رايكم، و اجتماع ملئكم علي نصرنا، و الطلب بحقنا، فسألت الله سبحانه ان يحسن لنا الصنع، و ان يثيبكم علي ذلك اعظم الاجر، و قد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فاذا قدم عليكم رسولي فامكثوا في امركم فاني قادم عليكم في ايامي هذه، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

و ارسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصيداوي، و لما قارب قيس الكوفة اعترضه الحصين بن نمير [3] فاخرج قيس الكتاب و خرقه، فحمله الحصين الي ابن زياد، فلما مثل بين يديه، قال له: من انت؟ قال: رجل من شيعة اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه. قال: لماذا خرقت الكتاب. قال: لئلا تعلم ما فيه. قال: ممن والي من؟ قال: من الحسين الي جماعة من اهل الكوفة لا اعرف اسماءهم. فغضب ابن زيادة و قال: و الله لا تفارقني حتي تخبرني باسماء هؤلاء القوم، او تصعد المنبر فتلعن الحسين ابن علي و أباه و اخاه، و الا قطعتك اربا اربا.

فاغتنم قيس هذه الفرصة لصعود المنبر، و قال: اما القوم فلا اخبرك باسمائهم، و اما اللعن فافعل، قال له: اصعد و العن، فصعد قيس، و حمد


الله و اثني عليه، و صلي علي النبي، و اكثر من الترحم علي علي و الحسين و الحسن، و لعن عبيدالله بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني أمية عن آخرهم، ثم قال: ايها الناس ان رسول الحسين اليكم، قد تركته في مكان كذا، فاجيبوه، فامر ابن زياد بالقائه من اعلي القصر، فتكسرت عظامه، و بقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه، فقيل له في ذلك و عيب عليه، فقال: أردت ان اريحه.

هؤلاء اصحاب يزيد و ابن زياد كلهم عبدالملك بن عمير يذبحون الاموات، و يمثلون بالابرار؛ اما اصحاب الحسين فكلهم قيس بن مسهر. اقدم قيس رضوان الله عليه و هو علي يقين من قتله و التمثيل به، ولكن استخف بالموت مادام الغرض الاسمي الذي قصد اليه قد تحقق، و هو تبليغ رسالة سيده الحسين، و القاء الحجة علي اعداء الله.

و السر الاعظم في اصحاب الحسين انهم يطلبون الموت بلهفة المشتاق، و يودون لو تكرر قتلهم مرات و مرات في سبيل الحسين. و هكذا المؤمنون المنزهون عن الاغراض و المطامع لا يخافون علي انفسهم من القتل، و لا علي اولادهم من اليتم و الضياع، و انما يخشون الله وحده علي دينهم و ايمانهم.



پاورقي

[1] الحکم هذا هو اخو عفان ابي‏عثمان، و کان يؤذي رسول الله، و ينبي‏ء المشرکين باخباره. و ذات يوم بينما يمشي رسول الله مشي الحکم خلفه يتفکک و يتمايل يختلج بفمه و انفه مستهزءا بالرسول فالتفت اليه، و قال له کن کذلک. فمازال بقية عمره کذلک. ثم اسلم خوفا من القتل، فطرده الرسول من المدينة، و لم يزل خارجها بقية حياة الرسول و خلافة ابي‏بکر و عمر حتي تولي عثمان فرده اليها و قربه، و قالت عائشة لابنه مروان «اشهد ان رسول الله لعن اباک و انت في صلبه».

[2] اما قوله تعالي: «فذکر ان نفعت الذکري» فليس النفع شرطا حقيقيا للتذکير، و انما هو اشبه بقول القائل: سله أن نفع السؤال، لان الانبياء بعثوا للاعذار و الانذار، فعليهم التذکير علي کل حال نفع او لم ينفع.

[3] کان الحصين علي شرطة ابن‏زياد، و هو الذي رمي الکعبة بالمنجنيق لما تحصن فيها ابن‏الزبير، و قتل الحصين في ثورة التوابين، قال ابن ابي‏الحديد: ان اباالحصين هو الذي سأل اميرالمؤمنين عن عدد شعر رأسه حين قال سلوني قبل ان تفقدوني، فقال له: و ما علامة الصدق لو اخبرتک؟ کيف تعد الشعر، ولکن اخبرک ان تحت کل شعر في رأسک شيطانا يلعنک، و علامة ذلک ان ولدک سيحمل الراية و يخرج لقتال ولدي الحسين، و لم تمض الايام حتي تحقق ما قال الامام.