بازگشت

خروج الامام بأهله


قامت المرأة بدور هام في وقعة الطف، و كان لها ابعد الاثر في الكشف عن مخازي الامويين، و انهيار حكمهم، و تألب الناس عليهم، فمن النساء من دفعت بابنها او زوجها الي القتل بين يدي الحسين تقربا الي الله و الرسول، كما فعلت ام وهب و زوجته، و منهن من حملن السلاح للدفاع عن نساء النبي و أطفاله، و منهن من تظاهرن ضد حكام الجور الذين قتلوا ابن بنت الرسول، و رشقن جيش الطغاة بالحجارة هاتفات بسب يزيد و ابن زياد.

أرسل الحسين رسولا الي زهير بن القين ليأتيه، و لما دخل عليه الرسول و جده مع قومه يتغذون، و حين ابلغه رسالة الحسين طرح علي كل انسان ما في يده، و جمد حتي كأن علي رأسه الطير، فالتفتت امرأة زهير، و قالت: يا سبحان الله! أيبعث اليك ابن رسول الله، ثم لا تأتيه؟! فذهب زهير الي الحسين، و ما لبث ان جاء مستبشرا مشرق لوجه، و قال: قد عزمت علي صحبة الحسين لا فديه بنفسي، واقيه بروحي، ثم التفت الي زوجته، و قال لها: انت طالق، الحقي بأهلك، فاني لا أحب ان يصيبك بسببي الا خير، و اعطاها ما لها، و سلمها الي بعض اهلها. فقامت اليه، و بكت و دعته قائلة: كان الله عونا و معينا لك، خار الله لك، اسألك ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين.


لقد دفعت هذه الحرة المصونة المؤمنة بزوجها الي سعادة الدارين و نالت الدرجات العلي عند الله و الناس، فما زال اسمها يعلن علي المنابر و يدون في الكتب مقرونا بالحمد و الثناء الي يوم يبعثون، و هي في الآخرة مع جد الحسين و أبيه و أمه، و حسن اولئك رفيقا، و هكذا المرأة العاقلة المؤمنة تدفع بزوجها الي الخير، و تردعه عن الشر ما استطاعت الي ذلك سبيلا.

و كانت امرأة من بني بكر بن وائل مع زوجها في اصحاب عمر بن سعد، فلما رأت القوم قد اقتحموا علي اطفال الحسين، و نساؤه هاربات حاسرات، يستغثن و يندبن، و لا مغيث، اسود الكون في وجهها، و فار الدم في قلبها و عروقها، و اخذت سيفا، و اقبلت نحو الفسطاط منادية يا آل بكر أتسلب بنات رسول الله؟! لا حكم الا لله! يا لثارات رسول الله! فأخذها زوجها، و ردها الي رحله.

و ليس من شك ان ثورة هذه السيدة النبيلة قد بعثت الاستياء و النقمة علي الامويين، و ملأت النفوس عليهم و علي سلطانهم حقدا و غيظا، و كل ما حدث في كربلاء و في الكوفة و في مسير السبايا لاي الشام كان من اجدي الدعايات و انفعها ضد الامويين.

أمر ابن زياد ان يطاف بالرأس الشريف في ازقة الكوفة يهدد به كل من تحدثه نفسه بالخروج عن طاعته و طاعة اسياده، فكان هذا التطواف خير وسيلة لنشر الدعوة العلوية، و مبدأ التشيع لأهل البيت، و لعن من شايع و بايع و تابع علي قتل الحسين، و سلام الله علي السيدة الحوراء حيث قالت ليزيد: «فوالله ما فريت الا جلدك، و ما حززت الا لحمك».

و بعد الطواف بالرأس أرسله ابن زياد و سائر الرؤوس الي يزيد مع ابي بردة و طارق بن ضبان في جماعة من اهل الكوفة، ثم أمر بنساء


الحسين و صبيانه فشدوا بالحبال علي اقتاب الجمال مكشوفات الوجوه، و معهم الأمام زين العابدين قد وضعت الاغلال في عنقه، و سرح بهم ابن زياد مع مخفر بن ثعلبة و شمر بن ذي الجوشن. فاسرعا حتي لحقا بالقوم الذين معهم الرؤوس، و كانوا اذا مروا ببلد استقبلهم اهله بالمظاهرات و الهتافات المعادية، و رشقتهم النساء و الاطفال بالحجارة يصرخون بهم: يا فجرة، يا قتلة اولاد الأنبياء.

سبوا الاطفال و النساء، و طافوا بهن و بالرؤوس ليقضوا علي مبدأ علي و ابناء علي، فكان السبي و التطواف ضربة مميتة لهم و لسلطانهم، و وسيلة حققت الغاية التي أرادها الحسين من نهضته، فلقد أثار السبي الاحزان و الاشجان في كل نفس، و زاد من فجائع الواقعة المؤلمة، و كشف أسرار الامويين للقاصي و الداني، و ظهرت قبائحهم و مخازيهم للعالم و الجاهل، و استبان للمسلمين في كل مكان و زمان ان الامويين اعدي اعداء الاسلام يبطنون الكفر، و يظهرون الايمان رياء و نفاقا.

و بذلك نجد الجواب عن هذا السؤال: لما صحب الحسين معه النساء و الاطفال الي كربلاء؟! و ما كان اغناه عن تعرضهم للسبي و التنكيل؟!

لقد صحبهم معه الحسين ليطوفوا بهم في البلدان. و يراهم كل انسان مكشفات الوجوه، يقولون للناس - و في ايديهم الاغلال و السلاسل -: أيها الناس انظروا ما فعلت امية التي تدعي الاسلام بآل نبيكم.

نقل عن السبط ابن الجوزي عن جده انه قال: «ليس العجب ان يقتل ابن زياد حسينا، و انما العجب كل العجب ان يضرب يزيد ثناياه بالقضيب، و يحمل نساءه سبايا علي اقتاب الجمال!...» لقد رأي الناس في السبايا من الفجيعة اكثر مما رأوا في قتل الحسين، و هذا بعينه ما أراده الحسين من الخروج بالنساء و الصبيان، و لو لم يخرج بهم لما حصل


السبي و التنكيل، و بالتالي لم يتحقق الهدف الذي أراده الحسين من نهضته، و هو انهيار دولة الظلم و الطغيان. و لو افترض ان السيدة زينب بقيت في المدينة، و قتل اخوها في كربلاء فماذا تصنع؟! و اي عمل تستطيع القيام به غير البكاء و اقامة العزاء؟!

و هل ترضي لنفسها، او يرضي لها مسلم ان تركب جملا مكشوفة الوجه تنتقل من بلد الي بلد تؤلب الناس علي يزيد و ابن زياد؟! و هل كان يتسني لها الدخول علي ابن زياد في قصر الامارة و تقول له في حشد من الناس: «الحمدلله الذي اكرمنا بنبيه محمد، و طهرنا من الرجس تطهيرا، انما يفتح الفاسق، و يكذب الفاجر، و هو غيرنا»؟! و هل كان بامكانها ان تدخل علي يزيد في مجلسه و سلطانه، و تلقي تلك الخطب التي اعلنت بها فسقه و فجوره، و لعن آبائه و أجداده عي رؤوس الاشهاد؟!

ان السيدة زينب لا تخرج من بيتها مختارة، و لا يرضي المسلمون لها بالخروج مهما كان السبب، حتي ولو قطع الناس يزيد باسنانهم، ولكن الامويين هم الذين اخرجوا، و هم الذين ساروا بها، و هم الذين ادخلوها في مجالسهم، و مهدوا لها طريق سبهم و لعنهم، و الدعاية ضدهم و ضد سلطانهم.

و مرة ثانية نقول: هذه هي المصلحة في خروج الحسين بنسائه و أطفاله الي كربلاء، و ما كان لاحد ان يدركها في بدء الامر الا الحسين و اخته زينب، عهد الي الحسين من أبيه علي عن جده محمد عن جبريل عن رب العالمين. سر لا يعلمه الا الله و من ارتضاه لعلمه و رسالته.