بازگشت

هل أقدم الحسين علي التهلكة


قد يتساءل: كيف تحدي ابراهيم الخليل (ع) شعور قومه، و أهانهم في آلهتهم و اعظم مقدساتهم، و لم يعبأ بالنمرود صاحب الحول و الطول؟! هذا، و هو اعزل من السلاح و المال لا ناصر له، حتي ابويه لم يجرءا علي مناصرته و الذب عنه.

حطم الخليل آلهة قومه، و داسها بقدميه، و قال للالوف المؤلفة «أف لكم و لما تعبدون من دون الله افلا تعقلون» و لم يخش سطوتهم و نارهم التي أوقدوها لحرقة حيا.

و موسي الكليم (ع) الشريد الطريد الذي أكل بقلة الارض حتي بانت خضرتها من شفيف بطنه لهزاله، و حتي سأل ربه قطعة خبز، و تضرع اليه بقوله: «رب لما انزلت الي من خير فقير» هذا الفقير الي لقمة الخبز يصرخ في وجه فرعون المتأله، صاحب النيل، و الملك العريض الطويل، و يقول له: انت الضال المضل!..

و محمد اليتيم (ص) الذي لا يملك شيئا من حطام الدنيا [1] كيف


سفه أحلام قريش سادة العرب، و سب آلهتهم؟! و بأية قوة هدد كسري ملك الشرق، و قيصر ملك الغرب، و كتب الي كل اسلم تسلم؟!

و بكلمة واحدة، ما هي القوة؟ و ما هو الدافع الذي بعث الانبياء و الرسل علي تلك المغامرات التي لا يقدم عيها الا معتوه لا يدري ما يقول، او رسول لا ينطق بلسانه، بل بلسان قوة خارقة و فوق القوي جميعا؟!.

و ليس من شك ان الانبياء حين يدعون الجبابرة الطغاة، و أهل الجاه و السلطان دعوة الحق انما يدعونهم مدفوعين بقوة لا تقاوم، و يخاطبونهم باسم الله الذي يؤمنون به اكثر من ايمانهم بانفسهم، و باسم الوحي الذي يسمعونه بعقولهم و آذانهم.

يقدم الجيش او يحجم بامر قائده و رئيسه، و يبرز الفرسان الي الميدان فيقتلون او يقتلون، و من يقتل فهو شهيد تقام له حفلات التكريم و التعظيم، و ترفع له في الساحات العامة النصب و التماثيل، و توضع علي قبره اكاليل الاوراد و الزهور. و هكذا الانبياء يقدمون بدافع من الله و قيادته، و يتحدون أهل القوة و السلطان بامر الله و ارادته، فينتصرون او يقتلون، و هم في الحالين عظماء يمتثلون امر الله، و به يعملون، فاذا استشهدوا فانما يستشهدون، و هم يبلغون كلمة الله الي خلقه، و يمثلون الانسان في اسمي حالات الاخلاص و التضحية.

هذا هو منطق اهل الدين و العقل، و هذي هي عقيدة اصحاب الايمان و الوجدان، اما الملحدون الذي لا يؤمنون الله و اليوم الآخر من شباب هذا العصر، و مثلهم السذج المغفلون من قبل و من بعد، اما هؤلاء فيقولون: لقد جازف الحسين بخروجه الي العراق، لان أهله أهل الغدر و النفاق، و أصحاب أبيه و أخيه، و اذا خرج، و خدعته كتبهم و رسلهم فكان عليه ان يستسلم، بعد ان رأي ما رأي، من عزمهم و تصميمهم علي


قتله، و عجزه عن الذب و الدفاع عن نفسه و أهله. قالوا هذا، و هم يعتقدون ان الاستشهاد فضيلة ممن استشهد مع قائد يملك العدة و العدد. اما الحسين في نظرهم فقد خاطر و جازف، لانه استشهد و لا قوة تدعمه و سلطان يناصره.

ان الذين يقولون هذا القول يخطئون الفهم، و لا ينظرون الي ابعد من انوفهم، ان الحسين لم ينهض من تلقاء نفسه، و لم يخرج الي العراق رغبة في شي ء من اشياء هذه الحياة، و انما خرج بأمر الله، و قاتل بارادة الله، و استشهد بين يدي الله، فما ان الجندي لا مناص له من البراز و النزال حين صدرت اليه اوامر رئيسه و قائده، كذلك الحسين لا ندحة له الي التخلص و الفرار بعد ان امره الله.. مما كان و فعل، و يؤكد هذه الحقيقة قول الحسين لمن نهاه عن الخروج، فلقد اتاه فيمن أتاه جابر بن عبدالله الانصاري، و قال له: انت ولد رسول الله (ص)، واحد سبطيه لا أري الا ان تصالح كما صالح أخوك، فأنه كان موفقا رشيدا. فقال له الحسين، يا جابر قد فعل ذلك أخي بأمر الله تعالي و رسوله (ص)، و أنا ايضا افعل بأمر الله تعالي و رسوله (ص).

و هذاه الجواب يحدد لنا سلوك الحسين في حياته كلها، و لا يدع قولا لقائل، و انه يسير بامر الله، و علي سنة جده محمد رسول الله (ص)، فلقد اوقع النبي (ص) صلح الحديبية مع مشركي مكة بأمر الله، و محا كلمة بسم الله الرحمن الرحيم، و محمد رسول الله من كتاب الصلح بأمر الله [2] ، و رضي أبوه بالتحكيم يوم صفين بأمر الله، و صالح أخوه الحسن


معاوية بأمر الله، و نهض هو نهضته المباركة بامرالله. ان الذين يعترضون علي نهضة الحسين لا يفسرون الاشياء تفسيرا واقعيا، و لا تفسيرا دينيا، و انما يفسرونها تفسيرا ذاتيا و شخصيا محضا لا يمت الي العلم و الدين بسبب، و لا ينظرون اي حكمة الله و حجته البالغة التي يهلك بسببها من هلك عن بينة، و يحيا من حيي عن بينة.

لقد بين سيدالشهداء كلمة الله، و دعا الي الحق، و حذر المخالفين، من عاقبة الظلم و الطغيان، فمن خطبة له يوم الطف:

فسحقا لكم يا عبيد الأمة، و شذاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و محرفي الكلم، و عصبة الاثم، و نفثة الشيطان، و مطفئي السنن، و يحكم اهؤلاء تعضدون، و عنا تتخاذلون؟!. اجل، و الله غدر فيكم قديم، و شجت عليه اصولكم، و تأزرت فروعكم، فكنتم اخبث ثمر شجي للناظر و أكلة للغاصب.

الا و أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة. و هيهات منا الذلة!... يابي الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طهرت، و انوف حمية، و نفوس ابية من ان نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام...

أما و الله لا تلبثون بعدها الا كريثما يركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، و تقلق قلق المحور، عهد عهده الي ابي عن جدي رسول الله «فاجمعوا امركم و شركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي


و لا تنظرون اني توكلت علي الله ربي و ربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم».

و قال الحسين، حين بلغه مقتل ابن عمه مسلم: «و ايم الله لتقتلني الفئة الباغية، و ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا».

ليس هذا القول تنبأ بالصدفة، و أخذا من مجري الحوادث. كلا، و انما هو كما قال الامام عهد من الله سبحانه الي نبيه محمد، و منه الي اميرالمؤمنين، و منه الي الامام الشهيد، و قد صدق التاريخ ذلك، و ما نقص منه شي ء، فلي يلبث قاتلو الحسين (ع) حتي دار الزمن بهم دوراته، و ضربهم بضرباته.

لقد دعا نبي الله يحيي الي الواحد الاحد، فقتله جبار اثيم، و اهدي رأسه بطست الي بغي، و دعا الحسين الي الحق و العدل، فقتله الطغاة، و اهدوا رأسه الي يزيد اللعين، و قتل زكريا و غيره من الانبياء، و هم يبشرون و ينذرون، فاذا كان الحسين قد اخطأ في استشهاده من اجل الحق و العدل فقد اخطأ اذن الانبياء و الاولياء و المصلحون الذين قتلوا و شردوا في سبيل الله و اعلاء كلمة الحق، و القاء الحجة علي المبطلين.

قال علي بن الحسين: ما نزل ابي منزلا، او ارتحل عنه في مسيره الي العراق الا و ذكر يحيي بن زكريا، و قال يوما: من هوان الدنيا علي الله تعالي ان رأس يحيي اهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل.

ذكر الحسين يحيي للشبه بين الاثنين، فلقد اهدي رأس الحسين الي بغي من بغايا الامويين الذين كانوا أشر، و أضر علي العرب و المسلمين من صهاينة هذا العصر. نكث يزيد رأس الحسين بالخيزران عنادا لله و رسوله، و لان في هذا الرأس الشريف علوم القرآن الكريم و الرسول العظيم.




ايهدي الي الشامات رأس ابن فاطم

و يقرعه بالخيزرانة كاشحه



و تسبي كريمات النبي حواسرا

تفادي الجوا من ثكلها و تراوحه



يلوح لها رأس الحسين علي القنا

فتبكي وينهاها عن الصبر لائحه



پاورقي

[1] کل ما ورثه النبي (ص) من أبويه امة، و هي أم‏أيمن، و خمسة جمال، و قطيعة غنم، و قد أعتق أم‏أيمن حين تزوج بخديجة.

[2] في سنة خمس للهجرة خرج النبي من المدينة الي مکة في ناس من اصحابه يريد العمرة، فمنعه المشرکون من دخولها، ثم وقع الصلح بينه و بينهم علي ان يترک العمرة هذا السنة الي السنة القادمة فيدخل مکة بلا سلاح، و أمر النبي عليا ان يکتب کتاب الصلح، فکتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله، فأبي المشرکون الا محو البسملة، و الشهادة لمحمد بالرسالة، فقال النبي للامام: أمح. فقال الامام: ان يدي بلا تنطلق بمحو اسمک من النبوة، و التفت الي مندوب المشرکين، و قال له: انه رسول الله رغم أنفک، فتولي النبي (ص) المحو بنفسه.