بازگشت

مودة أهل البيت


مهما اختلفت الأفراد في أوجه الشبه فانك واجد بين ابناء الامة الواحدة و الذين الواحد جامعا مشتركا، و طابعا يميزها عن غيرها من الامم و الطوائف، و اقرب وسيلة لمعرفة هذا الجامع المشترك هي أقوال الادباء و الشعراء، فانهم يمثلون تقاليد قومهم، و يعبرون عن عقائد طوائفهم اصدق تعبير.

و لقد تقولت فئة من الناس الاقاويل في عقيدة التشيع، و افتروا عليهم بما يغضب الله و الرسول، ولكن للشيعة تاريخا طويلا، و حافلا بالحوادث و الثورات، و العلوم و الآداب، و كلها تنبي ء عن حقيقة التشيع، فيستطيع طالب الحق ان يعرفه بنظرة واحدة الي آثار علمائهم او ادبائهم يقول شاعرهم:



آل بيت النبي انتم غياثي

في حياتي وعدتي لمعادي



ما تزودت للقيامة الا

صفو ودي لكم و حسن اعتقادي [1] .



فعقيدة التشيع، اذن ترتكز علي امرين: حسن الاعتقاد، و صفو


الود لاهل البيت. و حسن الاعتقاد هو الايمان بالله و كتابه. و بالنبي و سنته، و قد أوجب القرآن و الحديث مودة أهل البيت، و ان انكار مودتهم و ولائهم انكار لكتاب الله و سنة الرسول.

و لسائل ان يسأل: هل من دليل يلزم الناس بمودتهم غير شهادة كتاب الله و الحديث؟ هل من سبيل يقنع من لا يؤمن بالله و لا بالرسول يقنعه بدليل معقول مقبول ان مودة أهل البيت يفرضها الوجدان و منطق العدل علي كل انسان مسلما كان أو غير مسلم؟

أجل، ان من يوالي الحق و العدل يوالي اهل البيت، و من يعادي الحق يعادي أهل البيت، لأن أهل البيت هم الحق، و الحق هو اهل البيت. و قد تقول: هذه دعوي تفتقر الي اثبات. و الجواب ان اي دليل علي ذلك ادل من ان يكون الحسين بنفسه صاعقة الهية تنفجر علي الباطل؟! و اي شاهد اصدق من الدماء و الارواح تبذل لنصرة الحق؟! ثم هذا النشيد و الهتاف باسم الحسين الا يدل علي ان الحسين هو الحق؟! و اذا لم يكن الحسين هو الحق فلماذا كل هذا العداء و البغض من يزيد الباطل؟

و بقدر ما بلغ الحسين من الحق، ان صح التعبير بلغ يزيد من الباطل، و كما عبر الحسين باستشهاده عن مكانته من الحق فقد عبر يزيد بضراوته عن منزلته من الباطل. لقد بلغ الحنق و الغيظ بيزيد ان فعل بالحسين و أهله ما فعل، لا لشي ء الا عداوة للحق، و هذا ما أراد الحسين ان يعلنه للملأ، و يخبر به الاجيال، فسأل يزيد قائلا: و يحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟! أو بمال لكم استهلكته؟! أو بقصاص جراحة؟!

أجل، انهم يطلبونه باكثر من ذلك، يطلبونه بما طلبه النمرود من ابراهيم الخليل. و بما طلبه فرعون من موسي الكليم، و بما طلبه ابوسفيان من محمد الحبيب، و ما طلبه معاوية من علي المرتضي، انهم يطلبون


ان لا يوجد شي ء علي الكرة يقال له دين و ايمان و عدالة و انسانية، و يأبي الحسين الا الدين، لانه لا شي ء اعظم من الدين عند الحسين، انه اعظم من الارواح و من الانبياء و الاوصياء، فكم من نبي قدم نفسه فداء للدين؟! و كم من امام استشهد من أجل حمايته و صياتنه؟! ان عظمة الدين لا يساويها شي ء لانها من عظمة الله الذي ليس كمثله شي ء.

و ما ادرك هذه الحقيقة احد كما ادركها النبي و أهل بيته، و من أجل ذلك بذلوا في سبيله ما لم يبذله انسان، و عبدوا الله عبادة الخبير بما له من عظمة و سلطان، فلقد اجهد النبي نفسه في الصلاة حتي تورمت قدماه، و حتي عاتبه الله بقوله: «طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقي» و قد كان من عادة الأمام اذا سجد اصابته غشية لا يحس معها بمن حوله، قال ابوالدرداء:

«رأيت عليا، و قد اعتزل في مكان خفي، و سمعته، و هو لا يشعر بمكاني، يناجي ربه، و يقول: الهي ان طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي فما مؤمل غير غفرانك، و لا انا براج غير رضوانك، ثم ركع ركعات، و لما فرغ اتجه الي الله بالدعاء و البكاء و البث و الشكوي، فكان مما ناجي به: الهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم اذكر العظيم من اخذك، فتعظم علي بليتي. آه ان أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، و أنت محصيها، فتقول خذوه، فياله من مأخوذ، لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبيلته، و لا يرحمه الملأ اذا اذن فيه بالنداء! آه من نار تنضج الاكباد و الكلي! آه من نار نزاعة للشوي! آه من غمرة من ملهبات لظي! ثم انعم بالبكاء، ثم سكت لا يسمع له حس و لا حركة.

قال ابوالدرداء: فاتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك؛ فقلت: انا لله و انا اليه راجعون مات و الله علي بن أبي طالب، فأتيت


منزله انعاه لفاطمة، فقالت فاطمة لابي الدرداء، ما كان من شأنه؟ فلما اخبرها قالت: هي و الله الغشية التي تأخذه من خشية الله».

و كان الأمام زين العابدين في الصلاة فسقط ولده في البئر فلم ينثن عن صلاته، و حين فرغ منها مد يده، و اخرجه، و قال: كنت بين يدي جبار، لو ملت بوجهي عنه لمال عني بوجهه. و اذا كان أهل البيت يهتمون بالصلاة هذا الاهتمام حتي في الحرب و ساعة العسرة، فكيف يدعي التشيع لهم من يتركها و يتهاون بها في السلم و ساعات الفراغ، و يفضل عليها اللهو و المجون.

و مرة ثانية نكرر القول بان التشيع يرتكز علي الاعتقاد بالله و الرسول و اليوم الآخر، و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة، و علي صفو الود لاهل البيت الذين قاتلوا و قتلوا من أجل الصلاة و عبادة الواحد الاحد. انتحي الأمام ناحية يصلي لله في صفين، و الحرب قائمة علي أشدها. و حين افتقده أصحابه اضطربوا، و كسروا جفون اسيافهم، و آلوا ان لا يغمدوها حتي يشاهدوا الأمام، و لما وجده الاشتر قائما للصلاة اتنظره حتي فرغ منها. و قال له: افي مثل هذا الساعة؟! فأجابه: نقاتل لأجلها و نتركها؟!..

و قام الحسين الي الصلاة في قلب المعركة، و أصحابه يتساقطون قتلي بين يديه، فصلي بمن بقي منهم، و سعيد بن عبدالله الحنفي قائم بين يديه يستهدف النبال و الرماح حتي سقط الي الارض، و هو يقول: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، اللهم بلغ نبيك عني السلام، و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح. فأني أردت ثوابك في نصرة نبيك، ثم قضي نحبه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوي ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح.



پاورقي

[1] من قصيدة طويلة للمرحوم الشيخ عبدالحسين الاعسم يرثي بها الحسين (ع)، و هو من علماء الامامية، و شعرائهم، توفي 247 ه.